نسيت عندكم أسناني
من عادتي ألا أستجيب لدعوات الضيافة الليلية و مآدب العشاء إلا فيما ندر,لكن المضيف في تلك الليلة كان رجلا شهما وصديقا عزيزا فرقت بيني وبينه عوادي الزمن لأعوام كثيرة, وحين عاد إلى أرض الوطن بعد غربة طويلة,كلف نفسه عناء دعوتي وأم العيال للتسامر وتناول طعام العشاء. إجتهدت زوجته مشكورة رفقة خادمتها في تحضير مائدة حوت من الأصناف مالذ وطاب,وبعد تذكر الأيام الخوالي بين ارتشافة شاي وأخرى,حان وقت الأكل, فكان من الطبيعي أن أنزع طقم أسناني الفوقي حتى أستطيع الأكل,لأنني لم أكن أقوى على المضغ به رغم محاولاتي المتكررة. نزعت الطقم برفق ومددت يدي إلى ورق كلينكس لممته فيه ثم دسسته تحت جلبابي ظنا مني أنني قد وضعته في جيبي. أحاطنا الرجل وزوجته ببالغ الحفاوة والكرم,وأكثر من ذلك, أوصلنا بسيارته إلى البيت فشكرنا له ممتنين. وقبل أن آوي إلى فراشي, بحثت عن طقم أسناني لأغسله بالفرشاة فلم أجده. تكدرت وأنا أفتقد أسناني,وغشيتني كآبة من غم أفسدت علي لذة ليلة ممتعة.. كيف سأقف غدا أمام تلامذتي بفم متهدل؟ وكيف لي أن ألقي خطبة الجمعة من فوق المنبر بلا أسنان؟؟ إشتدت علي وطأة السؤال فلم أذق للنوم طعما,أما زوجتي فقد اندست تحت اللحاف تداري ضحكة ماكرة لم تفلح في مغالبتها. على مائدة الفطور,كان الخبر قد نبأ إلى مسمع الأولاد ,ليستهلوا يومهم بنكتة يتندرون بها في مرح طفولي. وقبل أن ينفرط الجمع رن الهاتف في جيبي, وإذا بمضيف الأمس على الخط: ألو ,,صباح الخير سي حسن, كيف أمضيتم ليلتكم؟ ألو,,صباح الخير سي الحاج, شكرا مرة أخرى على كرم ضيافتكم. قل لي,,ألم تنس عندنا شيئا بالأمس؟ بلى, أظن أنني نسيت عندكم أسناني. أسنانك في الحفظ والصون,إنتظرني فأنا في طريقي إلى بيتكم. شكرا جزيلا أيها الصديق العزيز. تقافز الأولاد ضاحكين,وهم يحمدون لأبيهم سلامة عودة أسنانه,غيرآبهين بغضبة إصطنعتها وأنا أنهرهم كي يسكتوا. وبعد حين وصل الرجل وفي يده علبة مخملية جميلة, قدمها لي في أدب جم وانصرف. تحلق الجميع حول العلبة العجيبة. فتحناها فإذا بها طقم أسناني ملفوفا في منديل حريري ومعه قطع من الحلوى والشوكولاطة الفرنسية الفاخرة. تخاطف الأولاد قطع الحلوى والشوكولاطة, بينما استفردت أمهم بالمنديل.أما أنا فيكفيني غبطة أن عادت لي أسناني.
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|