[د. منذر أبوشعر]

لم يكن ( البربر ) ( الأمازيغ ) في الذاكرة سوى تلك الصورة المشوَّهة المستوحاة من أفلام هوليود الخبيثة :قبائل صحراء مقاتلة ،تعيش على حافة هامش العالم المتحضِّر، ببدائية تقاليدها وأعرافها ونمط معيشتها !
لكنني مع تقدُّم العمر، عجبت من هذا الظلم الذي حاق بنبل هذا الشعب العريق الراقي :ظلمٍ منَّا أهل المشرق ،نحن الأقرب إليه .وظلمٍ متعمَّد من أهل الغرب ،الذي رسَّخ في الأذهان الصورةَ الخطأ في الذاكرة ،حتى صار لفظ ( بربري ) يُستخدم ،بكل أسفٍ ، للدلالة على الغوغاء والهمجية ! ولم نعرف أن اللفظ يعني في أصله اللاتيني :الشعب الذي لا يتكلم اللاتينية ! وأن الإنكليز إنما طوَّروا اللفظ القديم بخبث أرعن مقصود ليدلَّ على الجهل والبدائية Barbarian،وتابعناهم ،نحن ، أهل المشرق بكل غباء ،وتناسينا أن ( البربر )( الأمازيغ ) هم أصل أهلنا في بلاد المغرب ، سكان شمال إفريقية ،احتفظوا بلغتهم الأم (الأمازيغية )،إلى جانب اللغة العربية لغة دينهم! وأن الخطأ خطؤنا أولاًّ لأننا صدَّقنا بهرجة الغرب ،ثم صفَّقنا له بحرارة ! وأن أصل لفظ البربرة في العربية يعني كثرة الكلام بلا منفعة ،من البربرة :وهو صوت المعز ،يقال :بَرْبَرَ التَّيْس للهِياج ،إذا نَبَّ ،أي صاح .وإنما قيل ذلك ،لأن جذر لغة البربر يختلف عن جذر العربية ،فكأنهم يتحدثون بكلام غير مفهوم ،وطبيعي أن يكون عدم الفهم منشؤه اختلاف أصول كلتي اللغتين !
نعم ،ظلمٌ كريه ،مقيتٌ ،أغْمَط بدهاء عمرَ أصالةِ شعبٍ قريبٍ،نزف بصمت ، وبكى بصمت ،وشكى بصمت ،ودافع عن هويته وكيانه بصمت، رغم أنه كان العنصر الرئيس في كل فتوحات المغرب على مدار التاريخ (جهاداً وعلوماً إنسانية في كافة المجالات ).
واليوم ،وقتما أردت الحديث عن الأستاذ رشيد ميموني ،صوت المغرب الأنيق ،كان لابد من هذا الكلام لوثيق صلته به ،فهو الباحث الأديب ، المُتابع لكل دقائق شؤون أهلنا ( الأمازيغ ).
لكنني عندما أردتُ بدء الحديث عن فضاءات جمال اسمه في العربية ، وجدت أن اسم ( رشيد ) تحدثت عنه مطوَّلا في فضاءات اسم ابنتي خولة الراشد ، وبالتالي سيكون الكلام مكراراً معاداً ،يذكِّرني بجفاف المحاضرات المدرسية، فأحببت أن يكون الكلام مقتصراً على كنيته ،وما تحمله من فضاءات المعاني، وجميعها ترتبط بمنظومة واحدة، فيها سمات من شخصية الأستاذ رشيد ،بل السمات كلها كما هو جليٌّ في كتاباته.
** ** **
فالميموني :من الُيْمن ،وهو البركة ،ضد الشُّؤم .يقال :تَيَمَّنَ به وبرأيه واسْتَيْمَن ،أي :تَبَرَّك به .
وكانت العرب تتيمَّن بالسانح ،وهو ما ولاَّك ميامِنَه من الصَّيْد من الظباء و الطير والوحش، فيكون أمْكن للرمي ،خلاف البارح ،وهو ما مرَّ من جهة يسارك إلى يمينك ،والعرب تتطيَّر به ،لأنه لا يُمَكِّنك أن ترميه حتى تَنْحَرف . وفي المَثَل: مَنْ لي بالسانح بعد البارح.
وكان ذلك يَصُدُّ الناسَ عن مقاصِدِهم ،فنفاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالنهي عن الطِّيرة ،وأخبر أنه لا تأثير له في جَلْب نَفْع ،ولا دَفْع ضرر.
ويقال :رجل ميمون النقيبة ،والخليقة ،والطبيعة ،والعريكة ،والنقيمة ، بمعنى واحد ،يعنون :أنه مبارك النفس ،مُظفَّر بما يُحاول ويُطالب ،مُنْجَح الفِعال ،صادق المشورة ،محمود المُخْتَبر ،نافذ الرأي .
واليمين :القوة والقُدرة ، فاليد اليمنى أشد من اليسرى على الغالب.
واليمين :الحَلِف والقَسَم ( مؤنث )، سمي باسم يمين اليد ،لأنهم إذا تحالفوا ضَرَب كلُّ امرئ منهم يمينَه على يمين صاحبه .وإنْ جعلتَ اليمين ظرفاً لم تجمعه ،لأن الظروف لاتكاد تُجْمع ،لأنها جِهات وأقطارٌ مختلفةُ الألفاظ.
ومن الأعلام : الشاعر الأعشى ،واسمه :ميمون بن قيس القيسي ،أحد فحول شعراء الجاهلية ،أسمته العرب صَنَّاجة العرب ،لسيرورة شعره في مُقَطَّعات الغناء.وكان أراد الإسلام ، فبلغ خبرُه قريشا ً( سنة صلح الحديبية 6 هجرية ) فرصدوه على طريقه وقالوا له :إن صاحبك ينهاك عن الخمر ! فقال: أرجع إذن إلى بقيةٍ لي في البيت فأشربها ثم أُسْلِم ! فقال له أبوسفيان :هل لك في خيرٍ مما هممتَ به؟ قال: وماهو ؟ قال :نحن وهو الآنَ في هُدْنة ،فتأخذ مائة من الإبل وترجع إلى بلدك سَنَتَك هذه وتنظُر ما يصير إليه أمرنا ،فإن ظهرْنا عليه كنتَ قد أخذتَ خَلَفاً ،وإن ظهر علينا أتيتَه .
فأجْمَعوا له مائة من الإبل ،فأخذها وانطلق إلى بلده .فلما كان بقاع منفوحة(وهو اليوم حي واسع في جنوب مدينة الرياض ) رمى به بعيرُه فقتله .فكان الفتيان إذا أرادوا أن يشربوا خرجوا إلى قبره فشربوا عنده وصَبُّوا فَضَلاتِ الأقداح ،فظلَّ قبره رطباً إلى فترة طويلة !
وميمون القدَّاح :( 132 هجرية- 193 هجرية ) محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق ،الإمام السابع المتمم للدور السادس، من الأئمة المستورين عند الطائفة الإسماعيلية ،ومن ألقابه :الشاكر ،والمكتوم ،والسابع.( وكان انقسام أساسي وقع بين طوائف الشيعة بعد وفاة الإمام جعفر الصادق (ت: 148 هجرية ) ،فالشيعة الإسماعيلية نادت بإمامة إسماعيل ،الابن الأكبر للأمام جعفر ( المستور سنة 158 هجرية ،وأصحاب التواريخ يقولون إنه توفي في حياة أبيه)، ونادت الشيعة الإثني عشرية بإمامة موسى الكاظم ( ت: سنة 183 هجرية ، الابن الأصغر للإمام جعفر ).
وكان الإمام محمد بن إسماعيل خرج من المدينة المنورة سنة 159 هجرية،إلى الكوفة فراراً من عيون العباسيين ،وتنقل بين الري ( جنوب شرق طهران ،بمسافة 6 كم ) ونهاوند ( إحدى مدن محافظة همذان ،جنوب جبال زاغروس) ونيسابور ( شمال شرق إيران ) وفرغانة ( جنوب قيرغيزستان ،إحدى جمهوريات الإتحاد السوفياتي سابقاً )وعسكر مكرم(من مدن الأهواز ،جنوب إيران )، ولما اشتد الطلب عليه من قبل المأمون ،نزل في تدمر(وهي مدينة في وسط بادية الشام ،تبعد عن مدينة حمص 160 كم شرقاً )،واتخذ لنفسه اسماً هو ( القدَّاح ) و( ميمون الفارسي ) ومارس طبابة العيون ،وأخفى اسمه الحقيقي عن كل الناس ، مدَّعياً أنه من أتباع الإمام محمد بن إسماعيل الإمام المستور ،ووجَّه دعاته إلى سواد الكوفة ،وبلاد الشام ،والبحرين ،والقبائل العربية التي تنزل بوادي تدمر.
والميموني :عبد الملك بن عبد الحميد الرَّقِّي ( ت: 274 هجرية ) تلميذ الإمام أحمد بن حنبل ( شيخ الإسلام 164 هجرية- 241 هجرية )،حافظ فقيه ،من كبار الأئمة ،كان عالم الرَّقَّة ومُفتيها في زمانه .
والرَّقَّة اليوم :مركز محافظة في المنطقة الشمالية الشرقية في سورية ، وكانت العاصمة الثانية للخلافة العباسية، ومركزاً لتجمع الجيوش ،وقاعدة انطلاق لحماية الثغور الإسلامية من البيزنطيين .
والقاضي ابن المغلوب: ميمون بن عمر المغربي ( ت :310 هجرية )أسندُ شيخٍ بالمغرب ،العفيف الورع ،ولي مظالم القيروان ،ثم قضاء صقيلية ، وخرج من صقيلية كما دخل إليها.
وميمونة أمُّ المؤمنين بنت الحارث الهلالية (ت :51 هجرية ):اسمها بَرَّة ،فسماها رسول الله :ميمونة .تزوَّج بها النبي صلى الله عليه وسلم وقت فراغه من عُمرة القضاء سنة 7 هجرية ( وكان صلى الله عليه وسلم دخل مكة ،ثم خرج بعد إكمال عمرته )، وهي خالة خالد بن الوليد المخزومي، سيف الله المسلول( ت: 21 هجرية ) وخالة عبد الله بن عباس ،حبر الأمة ( ت:68 هجرية عن إحدى وسبعين سنة ). ورُوي لها سبعة أحاديث في الصحيحين ،وانفرد لها البخاري بحديث ،ومسلم بخمسة ،وجميع ما روت ثلاثة عشر حديثاً .
وميمونة بنت ساقولة الواعظة ( ت: 393 هجرية ): زاهدة حافظة ،ذكرت يوماً في وعظها أن ثوبها الذي عليها - وأشارت إليه - له في صحبتها تلبسه منذ سبع وأربعين سنة وما تغيَّر ،وأنه كان من غزل أمها ،وقالت : الثوب إذا لم يعص الله فيه لا يتخرَّق سريعاُ.
** ** **
والكلام لاينتهي عن الأستاذ ( الراشد ) (الميمون ) ،مع أنني عاتب عليه عتب المحب : فكتاباته بالفرنسية لماذا لايقوم قسم الترجمة في نور الأدب بتعريبها ،فأنا اضطر- بحكم عدم معرفتي بها- للاستعانة دائماً بالأصدقاء لمتابعة أصدائها وما تحمله من دهشة متجددة .
والخير كله للعزيز الأستاذ رشيد ،ونلتقي مع فضاءات أسماء أخرى في فلك نور الأدب إن شاء الله .

[عبد الحافظ بخيت متولى]

ما أجمل هذا الطرح التاريخى الذى نحن بحاجة إليه حتى نظيل عن انفسنا غبار الجهل الذى يحاصرنا فى كل مكان وكان العقاد يقول "الانسان الكامل من يعرف العلم ولا يجهل الأدب " فالطبيب امى والمعلم امى والمنهدس امى لانه تخصص فى فرع واهمل بقية الفروع واراك كاتبنا الجميل انك مثقف موسوعى وكاتب شمولى فلقد افادانى شخصيا بما يحمل من قيمة تاريخة وتحليلة جميلة ورشيد أخى أديب جميل ومثقف واع مسكون بوطنه وقوميته ويستحق الكثير منا وأتفق معك فى عتبك عليه فاللغة العربية أولى بترجماته عن الفرنسية
بوركت وبورك قلمك

[د. منذر أبوشعر]

الأستاذ عبد الحفيظ بخيت متولي :
تجبرني آفاق أبعاد كلماتك دائماِ على مزيد تأمل ومزيد ثراء ومزيد عزم متابعة .
والشكر كله لك ،ونبقى معاًً بطيب متعة جمال اللقاء .

[مازن شما]

[align=justify]الأخ الغالي أ. منذر أبوشعر

في البداية التمس العذر لقلة أو ندرة الكتابة، وبنفس الوقت أتابع وباهتمام معظم ماينشر في نور الأدب، وجدت نفسي اليوم مشدودا للكتابة في صفحتك المضيئة بالعلم والمعرفة، بوركت جهودك وبورك قلمك الحر، أتفق معكم أن مصطلح البربر ماهو الا من صنع أعداء الامة الاسلامية والعربية، وكما يجري الآن وبنفس الأدوات تشويه أسم الإسلام والمسلم وإلصاق مصطلح الإرهابي اليه، واسمح لي أن أضع هنا مساهمتي في توضيح بعض المفاهيم حول هذا الموضوع:

أشهر الشخصيات التاريخية الامازيغية - البربر - في التاريخ العربي.
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]

حقيقة مصطلح البربر، هل هو متوحش أو همجي أو بدائي أو نحو ذلك.
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]

تحياتي وتقديري واحترامي

[/align]

[د. منذر أبوشعر]

الأستاذ مازن شما:
بطاقة امتنان وتقدير أرسلها لجميل ملاحظاتك ،فأيّ عمل بحاجة إلى إغنائه بَنًَفس المحب ،ودراية الخبير،وقوة ساعد الصديق .
والخير كله لك ،ومستمر بجميل صحبتك طيب اللقاء .

[محمد سعيد عدنان أبوشعر]

كم عميقة تلك الهوة بيننا أبناءَ الشرق وبين المغاربة
أولئك من نهضوا معنا منذ فجر الأزل
وشاركونا صناعة التاريخ
جيرانُنا، لا يفصلنا جغرافيّاً عنهم غيرُ بحر
وأقصتهم عنا بحار التبعية وتقليد الغرب والأفكار الخاطئة
وبمحاولتك هذه عمي الغالي ومثيلاتها
يُرأَب الصدعُ شيئاً فشيئاً
علّ تلك الهوةَ السحيقة تختفي
والأستاذ رشيد
بابتسامته الهادئة
ومحياه السمح
وقلمه الراقي
يختصر لنا بعيد المسافات
ويكسر لنا تلك الحدود الوهمية

سلمت يداك

[ميساء البشيتي]

الأديب العزيز د. منذر أبو شعر
مساء الورد والكلام الجميل
قبل أن أدخل في التفاصيل فرشيد رفيق قديم في نور الأدب
لذلك أنا دائماً أرى كل ما يقال في حق رشيد الميموني
من عبارات سواء كانت مدحا أم ثناء أم حتى وصفا لصفاته الجميلة
فهي قليلة جداً بحقة فرشيد هو كما دائماً أقول له " أمير " أي يحمل أخلاق
وصفات الأمراء التي قرأنا عنها كثير في الحكايات القديمة ..
رشيد إنسان رائع يستحق كل احترام وتقدير .
طبعا هذا الكلام كله ربما كان خارجاً قليلاً عن الموضوع لكني أحببت أن أضيفه هنا .

أخي العزيز د. منذر أريد أن أستأذنك باقتباس أول جزء من مقالتك الكريمة
ونقله إلى منتداي والاعتراف بالخطأ فضيلة .. أنا أخطأت في يوم بحق إنسان عزيز عليّ
حين قال كلاماً يشبه كلامك وتجاهلته بل وأخذته على محمل سيء لأن الصورة لدي لم تكن واضحة
أما اليوم ولأنني أثق بكل معلومة تمنحنا إياها فلقد قررت أن أعترف له أنني هضمت حقه
حين لم أتجاوب مع ما أورده من معلومات بهذا الشأن ..
ألف شكر أخي العزيز ودمت لنا بكل المحبة .

[د. منذر أبوشعر]

ابني المتألق دائماً ،طيبَ حضورٍ ،وروعةَ دهشةٍ ،محمد سعيد :
ولأن مكانك في الشغاف ،يبقى أنسك كما بيادر الخير،ومساحات الياسمين.
والخير كله لك ،ونبقى مع طيب اللقاء.

[د. منذر أبوشعر]

الآنسة ميساء :
واسمحي لي أيضاً باستعارة كلمتك ،فقد أطربتْني حقاًّ ،وأريد استخدامها في خاص مخاطباتي معك:
فأنت(أميرة رائق الكلام )وعذب جماله.
والخير كله لك ،ونبقى مع طيب صحبة الدرب .

[رشيد الميموني]

الحبيب الغالي منذر ..
لم يكن تأخري عن الرد على ما أدرجته هنا في حق شخصي الضعيف سهوا أو إهمالا .. وإنما كنت محتاجا لأتغلب على تأثري العميق والبحث عن الكلمات التي يمكنها أن تفيك حقك من الامتنان والشكر ..
فما قرأته هنا أثر في كثيرا ولا أكتمك أنني غالبت دموعي وأنا أقرأ كلماتك عدة مرات ولا أستطيع الرد .
ربما أكتفي بوصف هذه الحالة التي ذكرتها لك للتعبير عما يخالج نفسي من انفعال وتأثر .. وأتمناها كافية لشكرك .
لك الحب كله .. ولك المودة كلها .