بعد انعقاد أكثر من 6 مؤتمرات دولية لإعادة إعمار العراق ما زال الحال كما هو رغم سعي العراق لجذب الإستثمار بهدف إعادة الإعمار والبناء، ولكن المأزق الأمني والسياسي الذي يعيشه العراق ودخول إيران كلاعب رئيسي في العراق وتعدد الولاءات والنزاع على النفوذ والثروة في العراق جعل المحلل والمتابع في حيرة من أمره:
أين سيتجه العراق؟
هل هو بطريقه إلى التقسيم وإبرام الصفقات بين الإدارة الأمريكية وإيران؟
وهل هناك إعادة صياغة إقليمية تشمل العراق وبعض دول الجوار؟
وما هو مصير 26 مليون عراقي يعيشون حالة الخوف واليأس والإحباط والفقر والأمراض النفسية وإنتشار ظاهرة العمليات الإنتحارية التي تنفذها النساء، وعلى الجانب الآخر إنتشار حالات الإنتحار والموت لأسباب نفسية بين الجنود الأمريكيين الذين خدموا في العراق وأفغانستان، كل هذه المعطيات سأتناولها من خلال الحقائق التالية: دمرت الحرب على العراق كل البنى التحتية والبنى الفوقية والنفسية مما أدى إلى هجرة الملايين من الشعب العراقي إلى دول الجوار والخارج، ورغم أن كلفة الحرب وصلت إلى أكثر من 500 مليار دولار ووصل عدد الجنود الأمريكيين إلى أكثر من 250 ألف جندي في عام 2003 وعام 2004 إلا أن الإنجازات ما زالت هشة.
يحتاج العراق إلى أكثر من 300 مليار دولار لإعادة إعمار البنية التحتية بعد أن أصبح الشعب العراقي مدمراً نفسياً وإجتماعياً ومتهالكاً اقتصادياً ومحبطاً في الداخل والخارج رغم أن العراق يمتلك ثالث أكبر إحتياطي نفطي في العالم ويتركز النفط في جنوبه وشماله.
يعيش العراق حالة تراجع فكري ثقافي تتريك للغته وثقافته بسبب قيام إيران بالترويج للفيدرالية لبسط سيطرتها على البصرة، وهذه هي البداية لتقسيم العراق حيث يتنامى النفوذ الإيراني في الجنوب ووصل الأمر إلى إستخدام اللغة الفارسية في بعض المخاطبات الرسمية في البصرة، إضافة إلى وجود مقر للمخابرات الإيرانية في محافظة البصرة ورفع صور المرشد الإيراني علي خامنئي في مباني المحافظة.
لا أحد يصدق أن كلفة الحرب تجاوزت الـ 500 مليار ومتطلبات الإعمار المادية وصلت إلى أكثر من 300 مليار وما زال الإقتتال والصراع المذهبي في تصاعد والإنسان المقهور والمرعوب في العراق يقول من أضاع حقوقنا وبلادنا ، وهل العراق يعيش إضفاء صفات خرافية خارقة على البطل أمثال وزير الإعلام العراقي السابق الصحاف عندما إستطاع أن يصنع أبطال ميكروفونيين من ورق وتمر؟ في العراق أصبح الحزب والطائفة والإيديولوجية أغلى من الوطن، والإنتماء الإيدولوجي أفضل من الإنتماء الإنساني، وسادت المذهبية بدلاً من الوطنية، وإحترق الوطن بسبب العواطف والتهور والخطابات.
أقر مجلس النواب العراقي في شهر شباط الماضي أكبر موازنة في تاريخ الدولة العراقية وصلت إلى أكثر من 48 مليار، إضافة إلى رصد حوالي 20 مليار دولار لمشاريع البنية التحيتة مقابل ما دمرته الحرب كل ذلك أعاد العراق إلى مئات السنين قهراً وإحباطاً وفقراً ويأساً وعلماً وإقتصاداً، حيث أجمع معظم المحللين أن العراق يحتاج إلى معجزة وهو يعيش حالة مئات الالاف من القتلى والجرحى والأرامل والمعاقين.
بالمقابل قال رئيس المعهد الأمريكي للصحة النفسية أن 20% من 6,1 مليون جندي أمريكي ممن خدموا في العراق وأفغانستان أي حوالي 300 ألف جندي يعانون من حالات الخلل التي تلي صدمة ما أو الإنهيار العصبي أو الأمرين معاً، وهذه الحالات يمكن أن تؤدي إلى الإنتحار والموت مما يفاقم الخسائر في العراق وأفغانستان، إضافة إلى أن عدد القتلى المعلن للجيش الأمريكي في العراق وصل إلى أكثر من 4 آلاف قتيل وأكثر من 400 في أفغانستان.
أن حالة العراق تحتاج إلى اعمار نفسي وروحي قبل الاعمار المادي وإيقاف شلالات الدم وحرب الإبادة، فالعراق بحاجة إلى إعادة تراثه وآثاره التي سرقت وإنسانه الذي أُهين، وإن سلاح الإرادة والوحدة الوطنية هما أقوى أنواع الأسلحة لإعادة بناء وإعمار العراق وإتاحة الفرصة للوطنية أن تنتصر على المذهبية، والتخلي عن صراع الإرادات وحرب السجالات والمليشيات لتعود بغداد إلى ما كانت عليه شامخة كشموخ أشجار نخيلها ويعود الشعب العراقي بكل شرائحه وطوائفه إلى الصف العربي قادراً على العطاء والبناء والإعمار فهو الأحق بنفطه لإعمار بلاده وهو الأحق بمكتسباته لأن شعب العراق كان وسيبقى إن شاء الله تاريخا وإنجازا وعطاء.
د. صالح لافـي المعايطة/ عن صحيفة الرأي الاردنية
20/5/2008
[/align][/frame]