[طلعت سقيرق]

[ALIGN=CENTER][TABLE1="width:95%;background-image:url('http://www.nooreladab.com/vb/mwaextraedit2/backgrounds/12.gif');border:4px ridge green;"][CELL="filter:;"][ALIGN=justify]
صورة البنت الصغيرة معلقة على الجدار.. ينظر إليها فتغرق عيناه بالدموع.. مثل زهرة الربيع كانت.. تركض فيركض البيت فرحاً وسعادة وبهجة.. يأخذها بين يديه ويطيرها في الهواء.. تمتد الكركرة سبحة فرح.. كانت في الحادية عشرة من عمرها.. تمد ضفيرتين من ذهب.. يحكي لها عن الوطن، فتغمض عينيها وتتخيل أنها هناك.. تطلب أن يأخذها إلى شارع وبيت، يهز رأسه وهو يتذكر.. تقوم إلى فستانها الجديد.. تلبسه.. ترقص.. تنظر إلى صورة أمها التي رحلت أثناء ولادتها.. تضحك ملامح الأم.. وتبكي الصغيرة.. تضع رأسها على كتف أبيها، وتبكي..
صورة البنت الصغيرة على الجدار.. أرادت أن تكبر.. أن تملأ الدنيا عليه.. تقسم أنها تحبه حباً لا يماثله حب.. يضحك.. يأخذ يدها ويسافران معاً في شوارع المدينة.. على مقعد في الحديقة يجلسان.. تهز ضفيرتيها وتركض.. يركض خلفها ناسياً أو متناسياً سنوات عمره.. يرجع إلى طفولته الثرة الغنية.. يعدها أن يركضا هكذا في شوارع الوطن عند العودة، تضحك مثل شمس.. يحكي عن شوارع في البال.. تعيش حكاية أو حلماً أسطورياً رائعاً.. تصف البيت تحكي عن كل غرفة.. عن كل زاوية.. يعرف أنها حفظت الدرس جيداً.. واستطاعت أن تعيش تفاصيل الوطن..
صورة البنت على الجدار.. تشبه أمها إلى حد بعيد.. يطلق العيد طلقات قدومه.. الأولاد يركضون.. يخرج إلى الشارع.. يأتي وجهها وتطل كل ملامحها.. تكر ابتسامتها وتضيء مثل مصباح فرح.. معاً يطيران إلى كل مكان.. تصر على أن يجلس إلى جانبها في الأرجوحة.. يسقط قلبه في المرة الأولى.. تضحك البنت الصغيرة وهو يشد على يدها بخوف.. لا تصدق أن أباها يمكن أن يخاف.. الأرجوحة تطير.
ينزلان فتكون خطواته دون اتزان.. يضحك فتضحك.. يمتدان في الشوارع.. كان يعرف أنه الإنسان الوحيد الذي صادقته.. رفضت أن تصادق سواه.. كان الأب والصديق.. وكانت بالنسبة له كل شيء.. ولأنها كذلك، فقد رفض منذ البداية أن يتزوج بعد موت أمها.. خاف أن تشعر بالقهر.. أن ترى من الحياة لوناً لا تحبه، فآثر أن يكون لها الأب والأم..
صورة البنت.. كانت في الحادية عشرة من عمرها.. الأيام الأخيرة من شهر رمضان.. أخذها إلى السوق واشترى لها أحلى فستان.. سكنها الفرح.. في البيت ارتدته ودارت مثل عصفورة.. غنت.. رقصت.. أشعلت كل مصابيح الفرح.. نامت والفستان إلى جانبها.. صباحاً، وقبل ذهابها إلى المدرسة، جربته.. مرة أخرى ارتدته وخلعته.. ثم ذهبت إلى المدرسة.. كان العيد على الأبواب.. ساعات النهار تمر.. الدقائق تطوي دفاترها وترحل.. بعد قليل ستعود من المدرسة.. نظر إلى الفستان.. إلى عقارب الساعة.. انقبض القلب عندما زمجرت الطائرات في الجو.. مرت أمام عينيه صور غائمة.. صوت الانفجارات ملأ أذنيه.. كانت المدرسة قريبة.. نبض قلبه صار في أذنيه تماماً.. المدرسة نامت مطروحة على الرصيف.. المقاعد خرجت من أماكنها.. الدم اندلق واتسع.. كانت البنت هناك.. بقيت البنت هناك.. عقارب الساعة تعصر القلب.. الدم يصرخ في الشوارع.. الخطوات اللاهثة تضيع في الزحام.. الفستان ينام في خزانة قديمة.. الصرخات تلهث.. الصورة تلهث.. يحاول أن يراها.. أن يرى الصورة.. فتضيع خلف الدموع التي ملأت عينيه..

[/ALIGN][/CELL][/TABLE1][/ALIGN]