-3-
كان هناك نوعٌ طريف من الحيوانات يعيش في تلك الجزيرة
حيوانات تُحْسِنُ الضحك .. خاصّة عندما نقدّم لها الطعام
وكنّا نقرأ في أعينها معانٍ وإشارات لا تنتهي
احترنا في أمرها واقترح القاضي بتسميتها (أبو سنونو)
ولماذا أبو سنونو بالذات؟
حين تضحك يظهر سنّها الكبير الحادّ المتواجد في منتصف
فمها.
كان أبو سنونو حيوانٌ أليف وجميل، لكنّه..
وكان في تلك الجزيرة أنواعٌ كثيرة لا تُحصى من النباتات
والثمار الشهيّة، ولكنّ..
بدأت الأسئلة تطفو على السطح
ثمرة في منتهى الغرابة شكلاً وطعماً
سمّيناها الثمرة .. لم نتمكّن من إيجاد اسم آخر لها
لذيذة .. نشعر بالخبل بعد تناولها
وكأنّ الجنّة أصبحت في متناول اليدّ
من جهة أخرى كان أبو سنونو يغضب كلّما أدرك بأنّنا
قطفنا الثمرة
أبو سنونو أخذ يغضب جدّاً
ولم تكن هناك قوّة قادرة على منعنا للتوقّف عن قطف
الثمرة الشهيّة
الإنسان خُلِقَ هلوعاً .. لا يكفّ عن الطلب
لا يشبع .. يسعى نحو السلطة أيّما كانت
الإنسان لا يرضى بنجمٍ واحد يضيء له الطريق
كلّ النجوم لا تقدر على ملء العين البشرية
كانت الثمرة تقطر شهداً
هي الأكبر في تلك الجزيرة
جميعنا أطال النظر في رحيقها الشفّاف
جميعنا كان يخطّط لسرقتها في لحظة تائهة
من عمر الزمن
أبو سنونو كان يحدّ سنّه حانقاً
كان يخطّط لحماية الثمرة
وكان يفكّر لا محالة بالانتقام
لقد تعدّينا على حقوقه
وأصبح عالمه مهدّداً
في إحدى الليالي
ذهبت الى بركة الماء في منتصف الجزيرة
كانت جماعات أبو سنونو قد عقدت جلستها
ولسبب كنت أجهله .. كانت لغتة أبو سنونو مفهومة
كلّ كلمة .. كلّ حرف كان لي مفهوماً
ما الحكمة من ذلك يا ربّي؟
اللهمّ رحمتك .. آمين
بدأ الحديث عمدة القوم ..
"استقبلناهم جوعى .. ضيوف الرحمن
أبناء آدم وحواء
أكلوا من فاكهة الجزيرة..
هنيئاً مريئاً..
والآن يرغبون أكل أطفالنا
صاح أحد الحضور قائلاً:
لقد حاولنا توضيح الأمور لهم
صرخنا في وجوههم، نهرناهم، طلبنا منهم
البقاء بعيداً عن ثمرات أطفالنا. ولكن..
لا حياة لمن تنادي
والقبطان يا قوم؟
لقد رفعنا عنه أقنعة اللغة
القبطان وابتداءً من اليوم يدرك كلامنا
مشاعرنا ورغباتنا .. أجده رجلاً حكيماً
أظنّ بأنّه سيساعدنا في حماية أطفالنا.
عندها تنحنح أحدهم وقال: القبطان ليس بعيداً عنّا ..
أقترح دعوته للانظمام الى جلستنا.
-4-
أهلاً وسهلاً بالقبطان الحائر
حيّاكم الربّ يا قوم
أنا أعتذر باسمي واسم رفاقي
لم أكن أرغب بإزعاجكم وأنتم أهل الجزيرة
لا تخف علينا .. نحن قادرون على حماية أنفسنا
والآن يا قبطان .. ليكن بعلمك أنّ الثمرة إيّاها
العذبة الشهيّة .. هي فلذة كبد العمدة
لقد انتظر الحمل سنوات طويلة .. وسنحرق الأرض
من تحتكم إذا تطاولتم على فلذة العمدة
إنّه وليّ العهد .. هذا ما جاء في الكتب!
وكيف يكون ذلك يا أبو سنونو
كيف يلد الشجر أبناءكم؟
هذه حكمة الخالق
تركنا لكم جميع خيرات الجزيرة
كلّ ما تشتهون بين أيديكم
ولكن ليس أبناؤنا .. هل هذا واضح؟
أرجو المعذرة يا عمدة .. لم أكن أعلم
سأمنع رفاقي من التطاول والاعتداء
في تلك اللحظة وقف أحدهم وتقدّم نحوي
وضع على رقبتي سلسلة من الذهب
ونطق بكلمات لم أفهمها
لا تخشى يا قبطان .. إنّه يباركك
حسناً .. هذا جيد، أشكر كرمكم، ولكن لديّ سؤال يا عمدة!
تفضّل كلّنا آذان تسمع
لماذا لم تطردونا من الجزيرة؟
أنتم كثر وأقوياء .. لماذا لم تفعلوا ذلك؟
نحن لا نؤمن بالعنف
وقف أحدهم وضرب أصل شجرة بسنّه فمالت على
نفسها.
نحن نمتلك قوّة غير عادية، ولكنا نرفض العنف على هذه
الجزيرة.
ولماذا أنا بالذات؟ كيف عرفتم بأنّي القبطان؟
عيناك فضحت أمرك. أنت الوحيد الذي لم تتعرّض لأبنائنا
يدك بقيت بيضاء لغاية اللحظة.
سنغادر عمّا قريب هذه الجزيرة.
خيّم الصمت على الجميع..
وكأنّ الحزن أصاب منكم مقتلاً؟
هناك حقيقة لا بدّ من إبلاغك بها
جزيرتنا تصبح غير مرئية حين يزورها
الغرباء!
هل تقصدون بأنّه لا يمكن لأحدٍ وطأ برّها؟
أبداً.
وإذا غادرنا ستصبح مشاعاً من جديد؟
طبعاً.
وأين المشكلة .. هل تخافوا السوّاح؟
بل نخشى المجهول، لقد تعوّدنا عليكم .. أصبحنا
نعرف طبائعكم وشهواتكم
صحيح بأنّنا عانينا من أجل أبنائنا، ولكنّا لا نعرف
طبيعة الآخرين.
الخوف من المجهول إذاً!
الخوف من المجهول.
صاح العمدة بعد لحظات متألماً "ابني"
لقد قطفوا ابني!
ماذا حدث يا عمدة؟
رجالتك يا قبطان .. إنّهم يلتهمون ابني
اللعنة .. لماذا هذه القسوة؟
لم أدرِ ماذا أقول .. لقد أسقط في يدي
هل أنت متأكّد من ذلك يا عمدة؟
إنّه حبل السرّة .. جميعنا يشعر بذلك
وقف العمدة غاضباً وضرب بسنّه القويّة شجرة مجاورة
شقّها الى نصفين وصاح بملء صوته
حزيناً غاضباً جريحاً
عندها ادركت بأنّ الأمور خرجت عن حدود
السيطرة