[رأفت العزي]

بعد احتلال بغداد بأشهر قليلة أصدر مجلس النواب الأمريكي تشريعا تبنته إدارة سيء الذكر بوش تحت عنوان
" قانون محاسبة سوريا " في اواخر العام 2003 .. ثم صدر القرار ( الأمريكي – الإسرائيلي ) بمظلة اممية من
مجلس الأمن تحت الرقم 1559 الذي يدعو إلى سحب الجيش السوري من لبنان ونزع سلاح المقاومة ، اجتمعت
القيادة الحاكمة في دمشق لدرس تأثير القرارين على مستقبل سوريا ونظامها الحاكم بل ومستقبل المنطقة بكاملها ..
في تلك الاجتماعات عادة ما يحمل الرئيس خلاصات لتقارير الأجهزة الأمنية والعسكرية والديبلوماسية ويضعها أمام
الفريق الحاكم ليصار إلى اتخاذ القرار بعد عرض جميع الخطط و" السناريوهات " والبرامج الممكن تطبيقها ضد سوريا
ممن اتخذوا تلك القرارات ضدها.. انقسم الرأي فيما خص لبنان بين راي كان يقول " أن خروج الجيش السوري من
لبنان هو هزيمة لسياسة سورية عمرها 30 عاما .. بل واعتبر هذا الفريق أن النظام سيسقط إذا انسحبت من لبنان .. !!
يقود هذا الرأي مجموعة من الحزبيين المحنطين والمستفيدين على رأسهم عبد الحليم خدام وحكمت الشهابي
وغازي كنعان وغيرهم ممن لا يظهرون في الإعلام !
وكان رأي الرئيس وفريقه من رجال الاقتصاد والأعمال يقول ما معناه " إن كانت سياسة الدولة قد فشلت في لبنان
فهذا يعني بأننا لا نستحق حتى أن نستمر في الحكم داخل دمشق ونظامنا سوف يسقط فيما لو عاد عملاء امريكا
وإسرائيل إلى حكم في لبنان ونكون بالفعل لم نفعل شيئا وهذه مأساة !! ؛ وإذن فلينسحب الجيش السوري فورا
وبناءً على اتفاق الطائف وليس التزاما بالقرار 1559.

اجتمعت قيادة البلدين لبنان وسوريا وأصدروا بيانا بهذا المعنى وبدأت خطة الانسحاب تنفذ وبالتدريج ..
ولكن لا الأمريكي ولا الفرنسي ولا الإسرائيلي يردون خروج الجيش السوري من لبنان خروجا مشرفا وجيوشهم
قد هربت منه في ليل دامس وهي مُذلّة ، تجر اذيال خيبتها فقتل الحريري ؛ ومباشرة وقبل أن يُدفن رفعت اليافطات
– المعدة سلفا – لتتهم سوريا وترافق مع تظاهرات شعبية " مُحضّرة " ترفع شعارات مسيئة لسوريا لجيشها
وشعبها ونظامها .. فبدا خروج الجيش السوري في ذلك الجو وكأنه قد خرج تحت وطأة " ثورة الأرز "
المزعومة علما بأن بيروت عند مقتل الحريري لم يكن فيها جنديا سوريا واحدا باستثناء المفرزة الأمنية في
منطقة " البوريفاج " ، ولم تمضي ايام إلا والقيادة السورية قد فاجأت العالم بما لم يكن يتوقع وأخرجت جيشها من لبنان !
هذه الخطوة تلتها خطوات إصلاحية مباشرة تمثلت في إسقاط بعض رجالات " الحرس القديم " فخرج منهم
من خرج وسجن من سجن " وانتُحر " من نُحر أو انتحر .. وبدا بشار الأسد أكثر شعبية ونجت سوريا من
التهديد الأمريكي المباشر والذي كان قد وضع خطط احتلال دمشق بعد بغداد مباشرة حيث تفشى مرض " الحرية "
المدعومة من الأساطيل والذي قد بدا بالعراق وليس في ليبيا ( للتذكير )
انقسم اللبنانيون وأعادوا التموضع بعد خروج الجيش السوري من بلدهم .. وصار من كان من أكبر عملاء النظام
عدو له / أو ، هكذا تبين لبعض المراقبين / لكن العارفين ببواطن الأمور ضحكوا بمرارة .. إذ تبين بأن الذين
عادوا بشار الأسد وفريقه قد بقوا على وفائهم لمعلميهم القدامى ، ف آل الحريري وتيارهم السياسي قد بقوا
على حلفهم مع " السوري " عبد الحليم خدام ، وجنبلاط وجماعته بقوا على نفس العهد مع حكمت الشهابي
( كان رئيس اركان الجيش السوري ) وحين تطورت واعلنت " الثورة " في سوريا امتشق نفس الفريق
اللبناني " علم الثوار " واعلنت ليس فقط القوى السياسية التقليدية تأييدها " للثورة " وإنما معظم القوى
السياسية التي تبدأ بحزب التحرير والإخوان والقوات اللبنانية وقائدها سمير جعجع " محامي السنّة " في لبنان
وجميع الحركات السلفية أو معظمها وقد امتشقوا جميعا الراية السورية التي يرفعها " الثوار" الممولين من
" مروحة المحسنين " الواسعة كوسع بركات الناتو " واصدقاء سوريا " الستين !!

بالأمس اجتمع نائبان لبنانيان نقيضان في مدينتنا الساحلية الجميلة من اجل تلافي أي اهتزاز أمني فيها
الأول حليف النظام والثاني حليف " الثوار " فطلب الأخير من احد المصورين الصحفيين الا يصوره
إلى جانب حليف النظام فضحك الصحافي وقال بصوت عال : لم الحياء ،كلنا يا صديقي عملاء !!

لو أجبنا اليوم على سؤال طرح بالأمس لم نكن على يقين لنجيب بأن السياسة السورية قد نجحت
في لبنان أو لا .. بعد الذي رأيناه ونراه اليوم حيث لم تخرج فئة من اللبنانيين عن ربط مصيرها و
وجودها السياسي بوجود " السوري " نفسه إن كان مواليا أو معارضا ؛ فلتحيا سوريا إذن ،
من يحكم فيها سيبقى حاكما للبنان من حزب البعث حتى الإخوان !!