الجنس .. هذا الغول الذي نخافه ونخشى الحديث عنه جهارا، فنحذر منه أمام جمهورالآخرين، ونحصره في أحاديث السمر وليل الأنس ، فنومئ ونشير إليه ونحن نضحك . أونتحدث عنه لمحا في كتابتنا كمادة كلام ونمط تواصل .أويعده كثيرون منا، في هذا الغبار المتراكم ، تجارة رابحة في كل أمر حياتي، فيكون وسيلة (مكشوفة ) فيها ابتذال ومهانة و( سطحية ) فجة. ما قصته ؟ وما صواب التعبير عنه بشكل جاد صحيح ، وطرحه بشكل مقبول ، بعيدا عن (العيب ) و(الحرام ) و( العرف ) والثوابت التقليدية الراسخة في أعماق الذاكرة (على صحة كثير منها )؟
بل كيف يكون (مقبولا
) ، وحديثه إنما هو عن (الطين) ، و(الطين ) كثافة أرض ، وعوالم شهوة لاتعترف بضابط وقيد ؟!
ثم ما الفارق بين (الإباحية ) والشكل الهادئ ( الملتزم ) البعيد عن الصخب والأضواء، وتوظيف الجنس بشكل راق،
يقارب ويحاذر ويمشي من بعيد ؟
* * * * *
في الزمن الزاهر البعيد ، قرأنا عن مجون الشعراء وصريح أفكارهم ، وقام علماء جلة بشرح مرامي كلامهم وأبعاده ، لم يمنعهم من ذلك ( عرف ) و(عيب ) وعادات مجتمع ، فتفاجأنا كثيرا بإشارات الجاحظ وأخباره وقصصه (الجنسية ) المكشوفة دونما تنميق ،بأسلوب يثير الضحك والدهشة والمتعة ،وتبعه أبو حيان التوحيدي ومن بعدهما أبو الفرج الأصفهاني والأبشيهي وآخرون كثر جدا.. فانعكس ذلك على سوء فهم تصور حالة عصر ،غمطنا رحاب الروعة فيه، وعممنا، بسخف، حالة الفجور والإباحية وحالات الشذوذ واضطراب السلوك على أنماط الناس كلهم ، فتنوسيت بالغمار روائع إشراقات النفس وفضاءات تألقها . . وقد يدافع البعض ، وأنا أحدهم ، أن ذلك إنما كان وصفا دقيقا لحالة مجتمع فيه الأطياف كلها ، ولاضير إن تحدثنا عن ( الرذائل) و(هبوط)النفس وحالات الإباحية والفجور،بكافة الأشكال ،شرط نبل الغاية وطريقة التوظيف . ولنتذكرأن وجود مؤيدين ، لظاهرة ما ، لا يعني على الدوام ، صواب الحالة .
لقد وصف الله تعالى في كتابه العزيز قصة سيدنا يوسف وامرأة العزيز بتفصيل دقيق أخاذ ، وتعرض إلى هبوط النفس وانحدارها برائع بديع اللفظ والبيان ،لكنه حفز النفس على السمو ، وهو يشير إلى أنها تخطئ وتضعف وتأكلها الشهوة بأنياب من حديد .
ونسأل قبل أن نحكم على مجمل آفاق التراث: ما الغاية من عرض(الجنس ) في أي عمل، وما هو هدفه في مجمل أصناف الأدب والفن؟ أهو مطلق الإثارة والشهرة وحب الظهور، أم هو مجرد وصف حالة ؟ وما هي الحدود والضوابط في ذلك؟ وهل الضابط يقيد ويفقد الفن آفاق جماله ؟وما الصحيح والصواب في ذلك كله ؟!
وما زال في النفس أشياء ، ونفيد معكم من كافة الآراء .
اهداءات نور الأدب
11 / 06 / 2012, 22 : 04 PM
المواضيع المتشابهه
