القدس
الشاعر : محمد التهامي
[poem=font=",6,black,bold,normal" bkcolor="burlywood" bkimage="" border="double,4,darkred" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black""]
كثيرٌ ببابك شتى الصور = وأكثر منها لديك العبر
وذكرك أعيا لسان الزمان = لعمق الحكايا وطول السير
أنا قدس يا ملتقى الأنبياء = ومن ذاق أمر السما فأتمر
ويا واحة منذ فجر الوجود = تجمع فيها الهدى وانتشر
تربى النبيون في حجرها= وأرضعت الحق حتى كبر
وضمته في الدفء أحضانها = وساقته أنفاسها فانتشر
ولما حبا واستوي فوقها = أتتها الملوك تقص الأثر
ودقت شعوب على بابها = فهذا يحج وذا يعتمر
وأول خيط الهدى عندها = وأخره فوق كل البشر
ولما بمكة هل الضياء = فأعشى قريش وزاغ البصر
وغطوا عن النور أبصارهم = لكيلا يشد الهدى من نظر
عناد مشى في ظلام النفوس = وداس على كفرها فانفجر
ظلاما يلم خيوط الضياء = ويبلع في جوفه ما ظهر
تدلى على القدس خيط الرجاء = وكان الهدى والمنى المنتظر
وفتّح في القدس باب السماء = وجاء لنا المصطفى بالخبر
فيا قدس يا راحة للقلوب = ويا سورة من طوال السور
ويا صخرة لامستها السماء = فلا هي نور ولا هي حجر
ولكنها بين حضن السماء = وحضن التراب لها مستقر
تضيء وتغلب كل الضياء = إذا قلّ في جنبها أو كثر
تضيء وفى قلبها زيتها = وتحسدها الشمس قبل القمر
وتوزن بالدر أحجارها = فتخجل منها كرام الدرر
بها خفقة من جناح البراق = تبقى توهجها واستمر
تصلى على جانبيها الرياح = ويغسلها بالعطور المطر
تعيد حفيف جناح يطير = لغير قداستها لم يطر
ومن قبل أن تستجيب الرياح = لإنس على منكبيها عبر
إلى القدس حيث تجلى النداء = فكل نبي كريم حضر
وأول داع أقام الصلاة = أدار إليها التفات النظر
ولولاك ( مكة ) ما فاتها = ولا غاب عنها اشتياق البصر
تظل منى الروح في ديننا = وأولى مراحلنا في السفر
ومن هانت القدس في دينه = يكون كمن هان حتى كفر
وترك الجهاد إذا ما استبيح = بلاط الشعائر إحدى الكبر
أنخشى الجهاد وأعباءه = ولا نتقى جمرها المستعر
فيا ويلنا عند وزن الحساب = وعند التلاقي بيوم عسر
وحين نساق إلى عرشه = ويحكم في أمرنا المقتدر
ولولا الرحيم وإمهاله = هلكنا وجيء بقوم أخر
أيا قدس ديس المكان الجليل = وغطى على الطهر رجس أشر
وسيقت لك النار خجلانة = وكاد ينوح عليك الشرر
وفى قدميك مضوا يحفرون = فتشهق تحت علاك الحفر
ويحرسك المسلمون الصغار = على حين خاف الكبار الخطر
وحين تخلت عماليقنا = تولى الصدام ذوات الخفر
تسن العصافير منقارها = وترمى على الدارعين الحجر
وتهرع عند دوى الرصاص = إلى عشها في أعالي الشجر
كأن الحصاة بمنقارها = رمى خالد سهمها فانتصر
كأن الأبابيل في صفها = تعبئ أحجارها من سقر
ولى في حمى الساجدين الكرام = هناك فؤاد دعىَ واصطبر
فآذانه تنتشي بالأذان = إذا انداح في غبشات السحر
يهز قلوب الجبال الثقال = ويرمى على الرمل دمع الزهر
يشد عمالقة ينسلون = إلى الصحن في خطوات الحذر
صفوفا تحير رصد العيون = أفيهم ملائكة أم بشر
تعبئهم في صرير الشفاه = وتحرسهم في الطريق السور
كأن جباههم في السجود = عيون تجيد احتراس الخفر
فما فاتهم في عميق الصلاة = وراء الجدار دبيب الإبر
ويستغفرون العلى القدير = هنيئا لهم ، انه قد غفر
يصلون في غابة للوحوش = تضج بأنيابها والظفر
بها الموت تخطيء أسبابه = ويرميه كف جبان ذعر
فيخطئ من حوله في العراء = ويأخذ من بالجدار استتر
بهذا العمى في حصاد الحياة = تعمق إيمانهم بالقدر
وإيمانهم طوع المعجزات = وألبس ثوب الأمان الخطر
وأنبت أقدامهم في التراب = فأينع تحت التراب الثمر
فلن تحرق النار عمق الحياة = ولن تحصد الكف جذر الشجر[/poem]