29 / 02 / 2008, 20 : 09 PM
|
رقم المشاركة : [1]
|
كاتبة و باحثة و خبيرة تجميل
|
رؤية في توحيد اليسار
رؤية في توحيد اليسار
بعد تراجع دور قوى اليسار على الساحة السياسية خاض بعض المخلصين للفكر أو المرتبطة مصالحهم السياسية به إلى محاولات لإنعاشه و إعادته للعب دوره في الساحة السياسية و من تلك المحاولات السعي لتوحيد قوى اليسار في كيان واحد أو تكوين جبهة موحدة بين كل كياناته لمواجهة التحديات التي تواجهه خاصة تلك التي تتمثل في التيارات الدينية التي تجتاح الساحات العربية و الإسلامية
في غضون دلك تقدم السيد بسام الصالحي أمين عام حزب الشعب الفلسطيني بطرح في هذا الموضوع بعنوان ـ طريق اليسار نحو الديمقراطية و الحرية و العدالة الاجتماعية ـ في محاولة منه لتوحيد قوى اليسار الفلسطيني في جبهة واحدة قصد تشكيل فضاء ثالث يتنفس فيه الشعب الفلسطيني الذي قهره، الاستقطاب السياسي بين حركتي فتح و حماس و من جهة اخرى بغرض تفعيل قوى اليسار و توسيع نفوذها على الساحة السياسية .
و الحقيقة أن محاولة السيد الصالحي هذه لم تكن الجديدة أو الوحيدة فقد سبقتها تجارب في بلدان عربية أخرى منها المغرب ومصر، وكانت أهمها تجربة المفكر محمود أمين العالم الذي حاول توحيد الأحزاب اليسارية في مصر في السبعينات ونجح في لملمتها لكن تجمعها وتماسكها لم يصمد إلا بضعة شهور لكنه خرج من التجربة بثروة معرفية مهمة لخصها في نظريته "تمصير الماركيسية" أو "الماركسية القومية ". هذا بعد أن أعاد النظر في طريقة تناوله للفكر الماركسي أو بالأحرى مراجعة بعض النظريات التي يقوم عليها الفكر و التفكير عموما و أهمها ـ أن الأساس في أي نظرية أن تختلف باختلاف الزمان و المكان و تطبق حسب ظروف كل دولة ـ
ففي جواب له عن سؤال في حوار له بصحيفة المصري اليوم الصادر يوم 03 ـ 04 ـ 2007
هذا نصه:
* هل تستطيع الآن أن تعترف بأخطاء الشيوعية؟
- أولا، بعض الشيوعيين فهموا الماركسية بشكل مجرد رغم أن الأساس في أي نظرية أن تختلف باختلاف الزمان والمكان وتطبق بحسب ظروف كل دولة .. فماركس نفسه كانت له جملة شهيرة وهي: أنا لست ماركسيا، ويقصد أن ما جاء في نظريته لا يشترط أن يطبق كما هو، بل يختلف من مجتمع لآخر، وهذا ما كنت أنتقد فيه الاتحاد السوفيتي بشكل أساسي، حتى إن عددًا من الشيوعيين المصريين كانوا لا يعتبرونني شيوعيَا جيدًا".
الأساس إذا في كل نظرية كما ذكر العالم أن تختلف باختلاف الزمان والمكان وان تطبق حسب ظروف كل دولة، من هنا يمكن القول أن البداية لابد أن تكون بتعديل مسار اليسار وتصحيح بعض مفاهيمه عند جمهوره ثم الحد من ذلك التهافت الأهوج على تطبيق نظرياته بالشكل الميكانيكي الذي يمارسه الكثير من مناضليه والذي يؤدي في أغلب الأحيان إلى التصادم مع بعض القوى اليمينية أو الإسلامية التي تعرف انتشارا و شعبية على الساحة العربية.
لكن قبل أية مبادرة تصحيحية أو توحيدية لابد من السؤال هل هذه المبادرات بغرض العودة للساحة الشعبية أو العودة والهيمنة على الساحة السياسية؟؟
بالنسبة للغرض الأول وهو الأهم والخطوة الأولى التي لا يجب تجاوزها ويمكن أن يتم بالرجوع لصفوف الشعب والتغلغل داخله لكن ليس لأجل نشر الأفكار والمبادئ اليسارية والقيام بعملية تدجين له أو حتى الوقوف على مشاكله ورغباته المادية وإنما تفهم طريقة تفكيره بما في ذلك تعامله مع الثقافات الدخيلة أو المكتسبة و صراعاتها أو اتحادها مع ما يمتلكه من ثقافات وعقائد وراثية وأصيلة ومدى تطوره الفكري وهذه العملية طبعًا ستضطر المصلح اليساري لتغيير منهجه و تطوير أفكاره أيضًا وتجديدها حتى تتلاءم مع الوضع والظرف الذي يعيشه الشعب. أحب أن أشير أنني نعت المناضل أو الرفيق اليساري" بالمصلح " لان الفكر اليساري أو الماركسي هو فكر إصلاحي بالأساس كما هو شان جميع الأفكار أو الايدولوجيا أو العقائد والأديان أيضًا ومبدعوه أو رسله كانوا مصلحين بعثوا أو تطوعوا بعصارة أفكارهم لأجل إصلاح أوضاع معينة كانت سائدة في زمانهم و بالطبع فالظروف تتغير باستمرار و حياة الشعوب في عملية تطور مستمرة إلى الأفضل أو الأسوأ... وبالتالي فإن هناك حركة وتغير وتطور فكري مستمر نظرًا لتلك العلاقة الجدلية بين الفكر والواقع، الشيء الذي يستوجب إعادة النظر باستمرار في كل النظريات وتعديلها مع الحفاظ طبعا على المبادئ والأفكار التي تتفق مع فطرة الإنسان أينما وجد وفي كل زمان كمبدأ الحرية والمساواة، والعدالة ...
والتخلي عن بعض الأفكار التي لا مبرر لها أو لا تتلاءم مع فطرة الشعب كمقولة "لا اله والحياة مادة " في الفكر الماركسي أو الدعوة إلى تحرير المرأة على الطريقة الغربية دون مراعاة طبيعة شعوبنا العربية و ثقافاتها و عقيدتها .. مثل هذه الأفكار التي حاول ترويجها بعض المتهافتين اليساريين هي التي جعلت السواد الأعظم من شعوبنا تنفر من الفكر اليساري بل وتعاديه رغم ما به من أفكار نيرة و تحررية بالفعل..
وهناك شيء مهم أيضا يخلق إرباكا بل و يسبب الفشل لدعاة اليسار كما دعاة النظريات والأفكار الأخرى وحتى دعاة الدين وهو الافتقار لأسلوب التعامل مع الآخر أو فن وعلم التعامل والتواصل مع الآخر ." la communication " والتي أصبحت مادة ضرورية تدرس بكل المعاهد والمدارس الغربية ولا تعطى لها الأهمية في بلادنا العربية و تفتقر إليها معظم مدارسنا...
هذه المادة أي علم أو فن التواصل مع الآخر هي بمثابة شق الطريق و تعبيده نحو الآخر حتى تصل بمرونة و سلاسة إلى قلبه وعقله و يسهل عليك إيصال فكرتك إليه وامتلاك حظوظ أوفر لإقناعه بها.
وللأسف الشديد هذا ما يفتقر إليه كل دعاتنا ومصلحينا بمختلف تياراتهم ويمكن ملاحظة ذلك في التيارات الإسلامية التي سادت اجتماعيا وعندما تقلدت السلطة بدأ النفور يزداد منها يومًا بعد يوم وهذا طبعًا ليس لنا أن نرده إلى عدم مسايرة فكرها لروح العصر لأن فكرها ينبثق من العقيدة الإسلامية الصالحة لكل زمان ومكان وإنما لسوء فهم وتفسير بعض مبادئها وافتقار دعاتها لفن وعلم التواصل مع الآخر فحين يقف أمامك احد الفقهاء أو المصلحين الدينيين مثلاً في شكل يذكرك بالقرون الغابرة أو وهو يتقمص شخصية الأفغاني الطالباني بزيه و طريقة كلامه فإن هذا الشخص لن بقذف في ذهنك إلا مشاهد قطع الرؤوس والتعسف على المرأة وتنزل عليك كلماته كلهيب السياط حتى تفضل الموت وظلمة القبر على العيش في ظلمة جهالته.. هذا دون أن يتفقه ويتمعن في إشارة مهمة أطلقها الرسول الأعظم وهي "الدين المعاملة " فكل فعل جميل وتواصل راق وإنساني مع الأخر هو دين وتدين وربما الدين كله لان ديننا الإسلامي يقوم أساسًا على حفظ كرامة الإنسان وتشجيعه على التطور والتحرر من كل ما يمكن أن يعيق مسيرة تقدمه وإبداعه مع الحفاظ على طهارة فطرته وهو ليس مجرد تسميات أو شعارات أو طقوس فأينما احترمت كرامة الانسان من جميع النواحي و تهيات له ظروف التطور الايجابي فتلك دولة الإسلام أينما كانت ومهما كانت تسميتها.
وكذلك الأمر بالنسبة لبعض اليساريين الذين يعطون صورة مشوهة للفكر اليساري كفكر إصلاحي يروم تحقيق العدالة الاجتماعية ويحترم حريات الإنسان ببعض ممارساتهم التي تبلغ حد الانحلال والتفسخ الأخلاقي ويسمون ذلك تحررا أو ثورة على التقاليد و المعتقدات البالية التي تمنع التطور... ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل و يصل بهم الحد إلى طلق العنان لانتقاداتهم اللاذعة للآخرين خاصة اصحاب الفكر الديني و محاولة طمس كل مظاهر التدين كالثورة على الحجاب ونعت المنقبات بالخيام المتحركة أو استعمال بعض المصطلحات المستفزة "كالمتاسلمو "
كل هذه الممارسات أو الاصطلاحات لا تؤدي إلا إلى قطع جسور التواصل مع الآخر ولن تترك المجال أبدًا لنشر الأفكار التحررية الايجابية لهذا الفكر وتفوت عليه باستمرار فرصة التواصل مع الشعب وعرض اقتراحاته وتصوراته ومشاريعه التنموية والإصلاحية و اعتقد أن هذه هي أزمته الآن كما كانت في الماضي والتي جرت عليه الويلات..
وفي الأخير أحب أن أنبه لتجربة العالم بهذا الصدد أي "تمصير الماركسية" فهي جديرة بالدراسة والاهتمام لأنها بدأت تعطي ثمارها بالفعل...
ومحاكاتها بوضع نظرية على غرارها أي "فلسطنة الماركسية"
إذن فتطوير الفكر اليساري وتجديده بما يتلاءم مع ظروف العصر وواقع فلسطين كدولة عربية إسلامية مقدسة أيضًا هو الأولى قبل التفكير في توحيد التيارات والأحزاب اليسارية والسبيل الأوحد كذلك لعودته إلى الساحة السياسية هو عودته للشعب بالثوب الذي يتقبله به ويتناسب مع ثقافته والأهم من هذا وذاك إعادة النظر في طريقة تواصله بالشعب و التيارات الأخرى السائدة خاصة منها الدينية والتعامل معها كما هي والبحث عن نقط الاتحاد بينه وبينها وليس التعامل معها كما يريد هو أن تكون... أو بالأسلوب الذي يؤدي للتصادم ..
و في اعتقادي أن تحقيق هذا الغرض أي إعادة الانتشار في صفوف الجماهير بالأسلوب الذي يتلاءم مع ظروفهم التاريخية الحالية سيرفع اليسار تلقائيًا للسلطة وهذا ما يؤكده العالم حسب خبرته و نظريته.
في المصري اليوم وفي نفس العدد الذي ذكرته سابقًا رد العالم:
هل تحلمون بالوصول للسلطة؟
- فتردد قليلا قبل الإجابة، وقال: بالطبع لا نهدف إلي انقلاب للوصول للسلطة، فالسلطة الحقيقية هي التي تأتي من أسفل وليس من أعلي بمعني أن أجعل الجمهور يرتبط بي ارتباطاً وثيقاً فيأتي هو بي للسلطة.
فهل سيقبل اليسار الفلسطيني هذا التحدي ؟؟
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|
|
|
|