الاستعارة التصريحية والمكنية
إنجاز: قباش صخر/ سعاد قسماوي/
بداية نتقدم بالشكر الجزيل إلى الأستاذة الدكتورة رجاء بنحيدا أن منحتنا فرصة تقديم هذا العرض.
الاستعارة التصريحية والمكنية
أولا: مفهوم الاستعارة.
لغة: جاء في لسان العرب لابن منظور في مادة (عبر) "أعارت رفعت وحولت، قال ومنه إعارة الثياب والأدوات. واستعار فلان سهما من كنانته: رفعه وحوله منها إلى يده" (لسان العرب، مادة عير، ج،4، ص 718).
اصطلاحا: ذكر عبد العزيز عتيق في كتابه "علم البيان" جملة من التعاريف التي قدمها البلاغيون نكتفي ببعضها، فالجاحظ حددها بقوله: "الاستعارة تسمية الشيء باسم غيره إذا قام مقامَه" ويعرفها ابن المعتز بقوله: " استعارة الكلمة لشيء لم يُعرف من شيء عُرِفَ به". أما الجرجاني فقد خص الاستعارة بعناية في كتابه "أسرار البلاغة" حيث شرح مفهومها وأقسامها، وقد جاء في تعريفه لها: "اعلم أن (الاستعارة) في الجملة أن يكون للفظ أصلا في الوضع اللغوي معروف تدل الشواهد على أنه اختص به حين وضع، ثم يستعمله الشاعر أو غير الشاعر في غير ذلك الأصل، وينقله إليه نقلا فير لازم، فيكون هناك كالعارية" (أسرار البلاغة، ص 30).
ويقول الجرجاني في كتابه "دلائل الإعجاز": "فالاستعارة: أن تريد تشبيه الشيء بالشيء، فتدع أن تفصح بالتشبيه وتظهره، وتجيء إلى اسم المشبه به فتعيره المشبه وتجريه عليه. تريد أن تقول: رأيت رجلا هو كالأسد في شجاعته وقوة وبطشه سواء، فتدع ذلك وتقول: (رأيت أسدا)" (دلائل الإعجاز، ص 67).
ثانيا: أقسام الاستعارة.
الاستعارة قسمان: تصريحية ومكنية.
1- الاستعارة التصريحية:
الاستعارة التصريحية: هي التي صرح فيها بلفظ المشبه به.(المستعار منه) مع حذف المشبه (المستعار له).
تأملï€،
دعا إلى الله فالمستمسكون به +++ مستمسكون بحبل غير منفصم
يقول البوصيري دعا النبي عليه السلام الناس إلى الإيمان بدين الإسلام، فمن عمل به واهتدى إليه فقد اعتصم وتعلق بسبب متين لا ينقطع. وفي قول "مستمسكون بحبل" استعارة، حيث شبه الدين المحمدي بحبل شديد المتانة، بجامع كلا منهما منقذ متين، أي أن الشاعر استعار دلالة الحبل الحقيقية وهي الشدة والصلابة التي تحمي المتصل به، ليسندها إلى الدين الإسلامي، بتعبير آخر، يستدعي الشاعر معاني الحبل لضمنها لمعنى الدين المحمدي، وقد حذف المشبه وصرح بالمشبه به، فالاستعارة تصريحية.
وقوله تعالى: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة/6])،
جاء في الآية تشبيه الدينَ بالصراط المستقيم؛ أي الواضح الذي لا اعوجاج فيه، بجامع الوضوح والأمان والتوصيل إلى الهدفِ في كل منهما وحذف المشبه وهو الإسلام وأبقى المشبه به.
2- الاستعارة المكنية
الاستعارةُ المكنية: هي ما حذف فيها المشبه بهِ ورمز له بشيء من لوازمه. وسميت مكنية لكون المشبه به مكنى عنه أي مستور ومخفي.
تأملï€،
يقول عمر اليافي:
وإذا العناية لاحظتك عيونُها ... لا تخشَ من بأسٍ فأنت تصانُ
وبكلّ أرضٍ قد نزلت قفارها ... نم فالمخاوف كلّهنَّ أمانُ
تأمل المثال جيدا، وانتبه إلى صدر البيت الأول، فالملاحظ أن الشاعر يستعير خاصية إنسانية متمثلة في العينين ويضفيها على العناية، فكأن الشاعر يشبه العناية بالحارس الذي يراقب أرضه ويحميها من الأعداء والمتسلطين. فحُذف المشبه به أي الحارس، وأصل الكلام "العناية كالحارس إذا لاحظتك عيونه .." فهذا النوع الاستعاري الذي يحذف منه المشبه به يسمي استعارة مكنية، بمعنى، أن المشبه به كُني عنه بشيء من لوازمه وهو "لاحظتك عيونها".
قال الحجاج بن يوسف في أول خطبة بأهل الكوفة:
"إني أرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها، وإني لصاحبها، وإني لأرى الدم يترقرق بين العمائم واللحى"
فإن الذي يفهَم منه أنه يشبه الرؤوس بالثمار الناضجة، فأصل الكلام إِني أرى رؤوسا كالثمار قد أينعت، فحذف المشبه به فصار إني أرى رؤوسا قد أينعت، على تخيل أن الرؤوس فد تمثلت في صورةِ ثمار، ورُمز للمشبه به المحذوف بشيء من لوازمه وهو أينعت، ولما كان المشبه به في هذه الاستعارة محذوفا سميتِ استعارة مكنية.
خلاصة:
الاستعارة هي تشبيه حذف أحد طرفيه. وهي نوعان:
 استعارة تصريحية: وهي التي صرح فيها بلفظ المشبه به.
 استعارة مكنية: وهي ما حذف فيها المشبه بهِ ورمز له بشيء من لوازمه.
مصادر ومراجع للاستئناس:
ïƒک ابن منظور/ لسان العرب، مادة "عير".
ïƒک عبد القاهر الجرجاني/ أسرار البلاغة.
ïƒک عبد القاهر الجرجاني/ دلائل الإعجاز.
ïƒک عبد العزيز عتيق/ علم البيان.
ïƒک علي الجارم ومصطفى الأمين/ البلاغة الواضحة.
ïƒک علي بن نايف الشحود/ الخلاصة في علوم البلاغة.
تطبيقات:
حلل الأبيات الشعرية الآتية مبينا نوع الاستعارة:
قال المتنبي:
في الخد إن عزم الخليط رحيلا *** مطر تزيد به الخدود محيلا
قال البحتري:
وأرى المنايا إن رأت بك شيبة *** جعلتك مرمى نبلها المتواتر
قال أبو تمام:
ويصعد حتى يظن الجهول *** بأن له حاجة في السماء
قال محمود سامي البارودي:
من النفر الغر الذين سيوفهم *** لها في حواشي كل داجية فجر
إذا استل منهم سيد غرب سيفه *** تفزعت الأفلاك والتفت الدهر
قال ابن سهيل:
هل درى ظبي الحمى أن قد حمى *** قلب صب حله عن مكنس؟
يقول المتنبي:
ولم أرَ قبلي مَنْ مشَى البدرُ نحوهُ *** ولا رَجلاً قامتْ تعْانقُهُ الأسْدُ
قال ابن المعتز:
وَقَد رَكَضَت بِنا خَيلُ المَلاهي *** وَقَد طِرنا بِأَجنِحَةِ السُرورِ
قال تعالى: ï´؟والصبح إذا تنفسï´¾
قال البحتري:
قَلْبٌ، يُطِلُّ على أفكارِهِ، وَيَدٌ *** تُمضِي الأمورَ، وَنَفسٌ لهوُها التّعبُ
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|