[عزالدين لعظم]

الاستعارة الأصلية والتبعية:

على سبيل التقديم:
لقد ترسخ على امتداد قرون، الاعتقاد أن الاستعارة زخرف زائد ولا دور لها في إنتاج معنى جديد، ولذلك فقد تمّ تسييجها في محميات الشعر الذي اعتُبر خطابا ممتعا لا غير، وتبعا لهذا التصور فلا فرق بين العبارتين: 《الشيخوخة》 و《مساء العمر》إنهما تؤديان المعنى نفسه، ولا تنفرد الثانية إلا بالصورة المواكبة المزيّنة《المساء》. كما تُوبعت الاستعارة من قبل الفلاسفة بجريمة أخرى، حيث اتّهموها بالكذب وتلويث المفاهيم التي تحظى هي وحدها بنقل الأفكار والحديث عن العالم. يقول صامويل بارك: «كل النظريات الفلسفية التي لا تُعبّر إلا بالمصطلحات الاستعارية ليست حقائق واقعية، ولكنها مجرد مُنشآت الخيال، مكسوة (مثل دُمَى الأطفال) بكلمات جوفاء ولو أنها لامعة».
في الاستعارة باعتبار اللفظ المستعار:
تُقسم الاستعارة إلى العديد من الأقسام، من قبيل:
- الاستعارة المكنية؛
- الاستعارة التصريحية؛
- الاستعارة التمثيلية...
ومن ضمن هذه التقسيمات هناك تقسيم آخر باعتبار لفظ الاستعارة، الحديث هنا عن الاستعارة الأصلية والاستعارة التبعية:
الاستعارة الأصلية:
هي ما كان اللفظ المستعار أو اللفظ الذي جرت فيه اسما جامدا غير مشتق.
أمثلة:
 قال الشاعر راثيا ابنا صغيرا له:
يا كوكبًا ما كانَ أقصر عمره ΩΩ وكذاك عمر كواكب الأسحار
في إجراء هذه الاستعارة يُقال: شبه الشاعر ابنه بالكوكب بجامع علو الشأن في كُلٍّ، ثم استعير اللفظ الدال على المشبه به (الكوكب) للمشبه (الابن) على سبيل الاستعارة التصريحية، وذلك للتصريح فيها بلفظ المشبه به، والقرينة نداؤه (يا). وإذا تأملنا اللفظ المستعار وهو (الكوكب) رأيناه اسما جامدا غير مشتق، ومن أجل ذلك يسمى هذا النوع من الاستعارة (استعارة أصلية).
 قال الشاعر:
حول أعشاشها على الأشجار ΩΩ قد سمعن القيان وهي تغني

وفي إجراء هذه الاستعارة أيضا يقال: شبه الشاعر الطيور المغردة على الأشجار بالقيان أي المغنيات بجامع حسن الصوت في كُلٍّ، ثم استعير اللفظ الدال على المشبه به (القيان) للمشبه (الطيور) على سبيل الاستعارة التصريحية، والقرينة المانعة من إرادة المعنى الحقيقي قوله: (حول أعشاشها على الأشجار). وإذا تأملنا اللفظ المستعار وهو (القيان) جمع قينة رأيناه اسما جامدا غير مشتق. ولهذا يسمى هذا النوع من الاستعارة التي يكون فيها المستعار اسما جامدا (استعارة أصلية).
 قال الشاعر:
أقول والعينُ بها غصَّة ΩΩ مِنْ عَبْرَة هَاجَتْ ولَمْ تَسْكُبِ
شبه الشاعر ما اعترض العين من دموع بالغصة وهي ما اعترض في الحلق بجامع الألم في كل، وقد استعير اللفظ الدال على المشبه به (الغصة)، للمشبه (اعتراض الدمع في العين) على سبيل الاستعارة التصريحية، لأنه صرح بالمشبه به (الغصة)، والقرينة المانعة من إرادة المعنى الحقيقي هي لفظة (العين). وهي استعارة أصلية لأنها قائمة على اسم جامد غير مشتق (غصة).
الاستعارة التبعية:
هي ما كان اللفظ المستعار أو اللفظ الذي جرت فيه الاستعارة اسما مشتقا أو فعلا.
أمثلة:
 قال الله تعالى: ﴿ وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ ۖ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ ﴾ سورة الأعراف، الآية: 154.
في هذه الآية الكريمة استعارة تصريحية، وذلك للتصريح فيها بلفظ المشبه به، وفي إجرائها نقول: تم تشبيه انتهاء الغضب عن موسى عليه السلام بالسكوت بجامع الهدوء في كل، ثم استعير اللفظ الدال على المشبه به وهو (السكوت) للمشبه وهو (انتهاء الغضب)، ثم اشتق من السكوت بمعنى انتهاء الغضب الفعل (سكت) بمعنى انتهى على سبيل الاستعارة التبعية.
 قال الشاعر:
بلدٌ صَحبتُ به الشبيبة والصّبا ΩΩ ولبستُ ثوب اللهو وهو جديد
في لفظة لبس أولا استعارة تصريحية، وذلك للتصريح فيها بلفظ المشبه به، واللفظ المستعار هنا هو فعل (لبس)، وفي إجراء الاستعارة نقول: شبّه الشاعر فيها التمتع باللهو (باللُبْس) للثوب الجديد بجامع السرور في كل، ثم استعير اللفظ الدّال على المشبه به وهو اللبس للمشبه وهو التمتع باللهو، ثم اشتق من «اللبس» الفعل «لبس» بمعنى تمتع على سبيل الاستعارة التبعية. والقرينة المانعة من إرادة المعنى الأصلي لفظية وهي (ثوب اللهو).
خاتمة:
وصفوة القول: إن الاستعارة - من خلال ما أوردناه من أمثلة وغيرها- تعد من أفضل الأساليب الجمالية التي تضفي الرونق والتألق والتأنق على الأداء الخطابي، وما يبتكرهُ أمراءُ الكلامِ وفرسان المنابر من أنواع ِصور الاستعارةِ البديعةِ، الّتي تأخذُ بمجامعِ الأفئدةِ، وتملكُ على القارئ والسامعِ لبَّهما وعواطفهُما هو سرُّ بلاغةِ الاستعارةِ.
ويمكن أن نضيف في هذا الصدد أن سر بلاغة الاستعارة في الوعي العربي القديم آتية من ناحيتين: الأُولى تأْليف أَلفاظها، والثانيةِ ابتكار مشبَّه به بعيد عن الأَذهانِ، لا يجول إِلا في نفسِ أديبِ وهبَ الله له استعدادًا سليماً في تعرُّف وجوه الشَّبه الدقيقةِ بين الأَشياء، وأودعه قدْرةً على ربط المعاني وتوليدِ بعضها من بعض إلى مدًى بعيدٍ لا يكاد ينتهي. وسرُّ بلاغةِ الاستعارة لا يتعدى هاتين الناحيتين، فبلاغتُها من ناحية اللفظ: أنَّ تركيبها يدل على تناسي التشبيه، ويحملك عمدًا على تخيُّل صورة جديدة تُنْسيك رَوْعَتُها ما تضمَّنه الكلام من تشبيه خفي مستور.
لكن الاستعارة في يومنا هذا أصبحت تأخذ أبعادا متعددة، ولم يعد ينظر إليها تلك النظرة القاصرة، التي تحصرها ضمن مبحث علم البيان وفقط.

البيبليوغرافيا:
السيد أحمد الهاشمي: جواهر البلاغة، تحقيق: الشيخ أحمد جاد، دار الغد الجديد للطباعة والنشر والتوزيع، مصر، ط1، 2014.
عبدالعزيز عتيق: علم البيان، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، د.ط، 1985.
خوسي أورتيجا إي جاسيت: الاستعارتان الكبيرتان (الاستعارة في الشعر والعلم)، ترجمة: محمد الوالي، مجلة الثقافة المغربية (مجلة ثقافية تصدر عن وزارة الثقافة والاتصال)، يونيو 2019، العدد 39.

[فتيحة لهلايلي]

شكر الله لك الأستاذ عز الدين.

[مقوري عائشة]

شكرا على التقاسم