[frame="13 98"]
في حديث مع التشكيلي الفلسطيني
عبد الرحمن مرضعة
• الفنان مرآة عاكسة لأحاسيسه ...
• أنا أول من قطّب ( خاط ) الشفاه بالأسلاك الشائكة و كتبت ( حرية الإعلام في – إسرائيل - ) ...
• كنا دائماً إنسانيين ، كنا بشراً نتمتع بالصفات الإنسانية ...
الفنان عبد الرحمن مرضعة في حديثي معه رسم تجربته و ورؤيته بالكثير من الدفء و الحنين لأيام خلت ، كيف لا و هو الذي صور عشقه للأرض من خلال نقل الأحاسيس و المشاعر لونياً إلى المساحات المغرية ببياضها ... فأصبحنا نشتم فيها عبق الأرض ، ونرى الوطن ، ثم إننا نشاهد فيها فناً له قوة تعبيرية قائمة على المعطيات اللونية في صيرورتها المتفاعلة حسياً وانفعالياً مع الفعل الفني الذي آمن به فمنحه كل طاقه وإمكانية ...
بالإضافة إلى أنه كرس فيه خدمة القضية الفلسطينية و خصص أعمالاً في نتاجه لتثبيت الفلوكلور الفلسطيني فرسم ثمانية عشر زيّا مثل مدناً مختلفة ...
* مقتطفات من سيرته ، و حكاية فنه يرويها ...
** من مواليد عام 1941 ، كانت بداياتي نوع من المداعبة اللونية ليس إلا .. بدأت أتعايش مع تلك الحالة .. عام 1958 و في إحدى المناسبات طلب مني أصدقاء لي في مخيم النيرب – حلب – أن أصمم بطاقة معايدة ، و بالفعل رسمت لوحة واقعية تمثل شخصاً ملتفاً بالعلم الفلسطيني كتبت عليها ( سنعود ) ، و أذكر أنها طبعت بالأسود و الأبيض و قد بيعت في مخيم النيرب بـ فرنك ..
بعد ذلك انتسبت إلى معهد فنون في حلب / شارع بارون ، و بدأت أدرب نفسي من خلاله .. في عام 1962 انتسبت إلى جامعة دمشق ، و بدأت أشارك في المعارض الجماعية ، كان هناك معرض الربيع و معرض الخريف ..
بعد معركة الكرامة ، أصبح تاريخ 21 آذار مناسبة جمعت الفنانين ، حيث تم تشكيل اتحاد الفنانين الفلسطينيين – فرع سورية - .. ..و هو لم يتلق دعماً كبيراً ، ميزانية مخلخلة ، وهذا الوضع ظل يلاحقه إلى اليوم ... كنا نشارك دائماً في المؤتمرات ، في المعارض الجماعية ، معارض خارجية من خارج إطار الاتحاد في مكتب المنظمة في روما ...
قمت بتدريس مادة الفنون في مدارس الأنروا في حلب و اللاذقية و دمشق ، و أنت كنت واحداً من الطلاب و تعرف أنني كنت أعلّم الشبان بدايات الرسم و تقنياته ، العناصر الأساسية .. لكنه كان واضحاً أن الفن لدي خلق من أجل المقاومة ، لا يصلح أن أرسم شيئاً غير المقاومة ..
* مشروع الفلكلور
** مشروع الفلكلور الفلسطيني أسبابه معروفة هي تثبيت أحقية الأرض لشعبنا لأن – إسرائيل – تسرق هذا الفلكلور و تقيم به معارض في لندن و أمريكا حتى أنها كانت تعرض أرغفة الخبز المشروح على أنه من الفلكلور الإسرائيلي ، هم حاولوا صنع فلكلور ، و كانوا يُشغِّلوا النساء الفلسطينيات في التطريز و ينسبوها لأنفسهم ..
بالنسبة لي شجعتني على هذا معلمة كانت تعلم في مدارس وكالة الغوث اسمها ( فريال عباسي )، كانت لديها روح فنية و نفس فني ، كنت يومها أرسم فلكلور محلي قالت لي : لماذا لا نعمل كذا و كذا .. أنا تشجعت و كان لدي مرسم في أبو رمانة بدمشق جهزت اللوحات و بدأت أعمل ، تعبنا كثيراً و الثوب الفلسطيني لم يكن متوفراً ، هنا توفر لدينا ثوب أهل الحولة بكثرة ، هذا الثوب شبيه بثوب أهل حوران دليل تواصل و تداخل ، و ثوب بئر السبع شبيه بأثواب مصر و هذا دليل على أن المنطقة عربية ..
هذا دفعني لعمل المشروع و قد وثقت ثمانية عشر ثوباً ، كانت والدتي تسافر إلى الأردن و تتواصل مع الفلاحات هناك و يحدثونها عن الثوب و قصصه ، كانت الفتاة عندما تُخطب تشتغل ثوب زفافها و عندما تنهيه تقام مراسم الزفاف ...
طبعاً هذه الأعمال بمساحة ( 220×80 سم ) اشتركت بها في معارض عدة في الكويت ، لبنان ، الجزائر ، المغرب العربي .. أثناء الاجتياح الإسرائيلي لبنان كانت لي أعمال كثيرة موجودة في مكتب الدراسات الذي داهمته القوات المعتدية و كانت النتيجة أننا فقدناها ، هذه الأعمال كان من المقرر أن يقام بها معرض فني ..
نأتي للأعمال الأخرى و التي أخذت طابعاً مختلفاً و هي لوحات الإعلان السياسي .. مثلاً ( القدس عروس عروبتكم ) هذه كانت تعبر قمة الاستياء العربي من الوضع العام ، فلسطين تنتهك حرماتها و يقتل شعبها ، و قد حار الشعراء في وصف هذا البلد الذي يعاني من الضعف و الوهن و انتهاك العروض و القتل و الجرائم ، كانت ( بورصة جرائم ) ... نحن نصور حدث من الأحداث ، نتأثر بموقف ، نتأثر بموقع ، نتعايش من خلاله ، نجسده على اللوحة ...
مظفر النواب كشاعر وطني معروف ، كان قاسياً جداً في التعبير عندما قال : ( القدس عروس عروبتكم .. أولاد القحبة ... ) من هذه الفكرة ابتكرت عملاً صورت فيه امرأة خضراء كالملاك ينهشها ذئب ، نقاب المرأة الأبيض دليل الطهارة ، و الخطوط الحمر تمثل الدم ، ثم أشرت إن هذه اللوحة فلسطينية عن القدس في خلفية اللوحة ...
هناك لوحة ثالثة و هي التي تراها الآن ( المجزرة ) و المجازر كثيرة ( دير ياسين ، صبرا ، شاتيلا ، أيلول الأسود .. هناك خفايا كثيرة .. ) أنا رسمت لوحة أسميتها المجزرة ، و لكن في الواقع لم أعطها اسماً انهزامياً ، أعطيتها اسم ( التحدي ) مجزرة و قتل لكن يوجد تحد ، بين القتلى و الأموات ، من هو مقطوع الرأس ، طفل يرضع من صدر أمه ، هناك هيكل عظمي شامخ يقف بعظَمة و تحد و يديه مقيدة للخلف ، من مستوى صدره إلى الأعلى هناك جبل مع سلاسل ، تكوين جميل ، هذا العمل أخذه زملاؤنا الفنانين من المغرب العربي ...
حدثت اتفاقية النكسة سنة 1977 بين مصر و إسرائيل على سيناء و ما شابه ، أيضاً أنجزت حولها أعمال ، و هي اللوحات التي تراها أنت هنا ، كانت في تلك الأيام البندقية هي الرقم ( 1 ) .. كان العمل فيه نسبة عالية من الصدق ، كان الفنانون متعايشون مع الأحداث ..
لماذا رسمت لوحات المجازر ؟؟
كأننا نحن و المجازر صنوان ، تلاحقنا ، أحد القساوسة يصف الوضع في غزة بأنه – جريمة قتل عالمية – لذلك ليس من السهل أن تتخلى عن العمل الإعلاني السياسي ، صعب .. أنظر إلى مصطفى ( الحلاج ) لم يستطع الابتعاد ، كان جزءاً من حياته ، لماذا ؟ فنان كبير و لا يستطيع أن ينجز لوحة تزيينية ..
كانت حياتنا منذ الستينات و حتى منتصف الثمانينات ، حياة فنية نشطة جداً ، و نحن بصراحة استُهلكنا ، و لا تنس أن الفنان مرآة عاكسة لأحاسيسه ، لأنه إذا تعرضت الثورة الفلسطينية لانتكاسات ، هو نوع من انكسار الفنان ، يشعر أن العمل الذي اشتغل به و يقدم شيئاً من خلاه يأتي أحد يستخف به و بأعماله .. هذه الانتكاسات كانت تؤثر جداً ، بمعنى الحدث يحرك الفنان الملتزم ، فعندما يخبو الحدث ، يخبو الفنان ، لأنه ليسس فناناً تزيينياً ، هو كصاعد السيارة يصعد بصعودها و يهبط بهبوطها – و لو أنه تشبيه مادي –
* فلسفة الفن لديك ..
** بالنسبة لفلسفة الفن ، أنت تعرف الآن توجهي .. الفنان الملتزم فلسفته واضحة ، و كل الأساليب مباحة أمامك للتعبير عن أفكارك سواء بأسلوب كلاسيكي أم تعبيري أم تجريدي .. اشتغلت كثيراً في الإعلان السياسي ، و قد فاز إعلان لي عن المرأة الفلسطينية في البرازيل ، كتب في الصحف ، وصلت الجائزة إلى السفارة السورية و لكنها لم تصلني .. شاركت في مؤتمر عن الإعلام في الهند حول ( كبت الإعلام الفلسطيني في فلسطين ) ، و أنا أول من قطّب ( خاط ) الشفاه بالأسلاك الشائكة و كتبت ( حرية الإعلام في – إسرائيل - )
عندما كنا نرسم ، لم يكن قتالنا من أجل القتال ، كانت حمامة السلام دائماً ترافق أعمالنا ، كنا دائماً إنسانيين ، كنا بشراً نتمتع بالصفات الإنسانية ، ليس من أجل أن يقبلنا العالم ، لا ، حياتنا هكذا ، نحن نقاتل من أجل السلام فعلاً ...
*************
[/frame]