التسجيل قائمة الأعضاء



 
القدس لنا - سننتصر
عدد مرات النقر : 137,832
عدد  مرات الظهور : 162,258,441

اهداءات نور الأدب

العودة   منتديات نور الأدب > تحرير فلسطين قضيتنا > فلسطين تاريخ عريق ونضال شعب > التراث الفلسطيني > الأقسام > المدن و القرى الفلسطينية
إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 02 / 01 / 2008, 02 : 10 PM   رقم المشاركة : [1]
أ. د. صبحي النيّال
ضيف
 


رام الله

من رام الله
إليكم
القدس وحديث العندليب
عيد ميلاد سعيد، عبارة بدأنا بها نهار الأمس ونحن نتبادل تهنئة عيد الميلاد مع الأصدقاء، وفي العصر قمت بزيارة بعض الأصدقاء للتهنئة واليوم أكمل، ففي رام الله مدينة المحبة والتسامح الأعياد مشتركة، ففي هذا الوطن الجميل المغتصب ولد سيدنا المسيح عليه السلام، وكان مسرى ومعراج رسولنا محمد عليه أطيب الصلاة والسلام، وعلى هذه الأرض كانت العهدة العمرية، فكان الفجر لعلاقة خاصة ومتميزة بين أبناء الأرض من مسيحيين ومسلمين، لا يفرق الاحتلال بين أحد منهم، فالمطلوب أرض فارغة من السكان لتكون أرضاً خالصة لليهود الصهاينة، لكن هذا الوطن الذي قاوم كل أنواع الاحتلال عبر التاريخ سيبقى عصياً على كل الغزاة، فنحن شعب ضارب الجذور كسنديان الأرض وزيتونها، كأقصاها وقيامتها ومهدها.
انه الصباح في رام الله، صباح بارد كالعادة في مثل هذه الأجواء، فقد بدأ موسم "المربعنية"، وهي أول أربعون يوماً من فصل الشتاء، فيشتد البرد ويضيف لبرودة جو رام الله برداً إضافياً، مما يجعل متعتي بالتجوال الصباحي بحاجة لاهتمام في اللباس أكثر، فما عاد هذا الجسد المتعب يحتمل كما السابق، لكنه السير في الشوارع الهادئة في الصباح المبكر ما يجدد الروح وينعش النفس، ويستدعي الذكريات لعل فيها بعض من الدفء.
مساء الأمس كنا ثلة من الأصدقاء المهتمين بالعمل السينمائي، نلتقي مع محافظ محافظة رام الله والبيـرة للتحدث ببعض الهموم، وتشعب الحديث إلى الكثير من أوضاع المدينة، وتشعبت الاقتراحات ووجهات النظر، وعلى مدى ساعتين ونصف تقريباً كان يستمع لنا ويحاورنا بكل هدوء، فكم هو جميل أن يكون المسئول مثقفاً وواعياً ومتواضعاً، فالدكتور سعيد أبو علي القارئ النهم والمثقف المتابع، هو أنموذج طيب في التعامل، وسمعته قد سبقته حين كان محافظ لمحافظة أخرى، ويشهد له حجم اهتمامه بالثقافة والفن، ولدائرة الإعلام والثقافة والعاملين فيها في المحافظة بالمتابعة والرغبة في التطوير، وقد زف لنا أكثر من خبر عن إنجازات ستتم خلال فترة بسيطة، ولعل من أهمها إزالة اليافطات الضخمة التي تحجب شارعين من الشوارع المطلة على المنارة، والتي تعيق أعمدتها الضخمة حركة المشاة أيضاً، والتي سبق أن كتبت عنها أكثر من مرة، وقال لي مبتسما: سنـزيلها كما تم إزالة "خازوق المنارة"، مستخدماً تعبيري في كتاباتي السابقة وفي لقاءات البلدية، عن هذا "الخازوق" المعدني البشع الذي كان يشوه المنارة وقلب المدينة.
كبيـر هو حجم المعاناة التي يعانيها المحافظ ورؤساء البلديات، في محاولات التطوير والارتقاء بالمدينتين التوأم رام الله والبيـرة، وكثيرة هي الملاحظات التي يبديها المهتمون وعشاق البلدة، لذا آمل حقيقة أن يبقى التعاون بين المسئولين والمواطنين قائماً، من أجل مدينة نحبها أكثر.
الهموم كثيرة والمعاناة كبيرة تمتد بحجم الوطن وأكبر، فهل من هم أكبر من هم الاحتلال والنـزاع الداخلي، واستمرار سقوط الشهداء ومصادرة الأراضي واستمرار بناء المستوطنات، رغم كل الأحاديث التي أشبعونا فيها عن تحريك ما أسموه بعملية السلام، تداعيات تجول الذاكرة في هذا الصباح المبكر، وأنا أجول بين شوارع مدينتي الجميلة، أمر من شارع الشرطة إلى شارع بجانب ملاعب مدرسة "الفرندز"، يثير فيّ الفرح أعداد من أشجار الكينا الضخمة على الجانبين، ومن هناك أصعد باتجاه المسجد الكبير، أنظر لجداره لأفاجئ بوجود ثلاث يافطات على جداره كل منها تحمل إسماً مختلفاً، فواحدة تسميه مسجد البيـرة الكبير، والثانية تسميه مسجد جمال عبد الناصر، وثالثة تسميه مسجد الشهداء، فأبتسم وأسائل نفسي: ترى أي من هذه الأسماء أعتمد لهذا المسجد، وأتذكر شارع مسافته محدودة وجدت فيه ثلاث يافطات، كل منها تسمي الشارع بإسم مختلف، وأواصل طريقي إلى شارع القدس وأسير فيه إلى تقاطع الشرفا، ومن هناك التف عائداً إلى صومعتي بعد إحضار صحيفة الصباح.
شارع القدس يثير فيّ تداعيات لاستكمال الحديث الذي بدأته عن وصولي للقدس في المرة الأولى في حياتي، ملتحقاً بأهلي الذين سبقوني بشهور عديدة، كان ذلك في صيف 1962 من القرن الماضي، فغادرنا أريحا بعد وقفة للراحة والتسوق، ركبت في السيارة ووالدي امتطى دراجته النارية بلباسه العسكري الجميل، وسار أمامنا كما بدأ المسير أمامنا من عمان، وبدأت السيارة في الصعود إلى الأعلى، وبدأت حرارة الجو تنخفض حتى أطللنا على جبال القدس، ولمعت القبة الذهبية في الشمس، فشعرت برهبة تسود روحي، وكنت أستعجل الوقت للوصول ولقاء أمي وأخي جهاد وشقيقتي الوحيدة الصغيرة، وإن كنت متلهفاً لرؤية جهاد بشكل خاص، فرغم أنه يصغرني بعامين إلا أننا كنا أصدقاء الطفولة وما زلنا أصدقاء المشيب، ووصلت بنا السيارة إلى باب العامود من أبواب القدس، لأقف لأول مرة بإحساس طفولي أمام عظمة هذه الأسوار، وأمام هذه المدينة التي تربينا على قدسيتها، ومن هناك ركبت خلف والدي على دراجته إلى البيت، فصعدنا إلى منطقة اسمها وادي الجوز، ولا أعرف إن كانت التسمية مرتبطة بأشجار الجوز أو بشيء آخر، حتى وصلنا إلى نهاية الحي وآخر بيوت فيه، ليكون أول من التقيه جهاد، الذي كان ينتظر من وقت مبكر ليكون في استقبالي، وكان لقاء عاطفي طفولي لا أنساه، وهو يقدم لي بعض قطع الأخشاب ويقول لي: "خبيتهم إلك عشان نلعب سوا"، ثم رأيت أختي التي لم تعرفني حين ناديت عليها، فركضت لتختبئ عند الوالدة التي خرجت تركض لتحضنني، وما هو إلا قليل من الوقت حتى كان جهاد قد سحبني من يدي ليعرفني على أبناء الحارة، قائلاً بفرح يلمع في عينيه الخضراوين: "أخوي زياد أجا من عمان".
القدس إذن ودفء الأهل والأسرة، مجتمع آخر وأناس آخرين ومدينة جديدة، سيكون لها رغم قصر الإقامة أثر كبير في حياتي لاحقاً، وبدأت باستكشاف ما حولي كما هي عادتي الطفولية، وكم سررت أن البيت يقع على حافة بستان مليء بالأشجار المثمرة، فبدأت أقضي أوقاتاً طيبة تحت الشجر وبين الورود، وكان يلفت نظري مبنى ضخم كبير يقع على مسافة ليست بعيدة من البيت، شكله أشبه بمستشفى كبير وضخم، يقع بعد مساحة متروكة من الأرض بدون زراعة أو بناء، محاطاً بالأسلاك الشائكة، فسألت والدتي عنه، فكانت الصدمة الأولى حين قالت لي: إحذر أن تقترب من هناك، فهذا مبنى هداسا وفيه جيش اليهود، فلم أكن أتخيل في الطفولة أني سأكون على مرمى حجر من الجيش الإسرائيلي الذي اغتصب الوطن، وطرد جدي لأمي وأسرته من بيتهم، وطرد أصدقاء تركتهم في المخيم من بيوتهم، فسكت عن الكلام مصاباً بغصة شديدة، وأنا أستذكر أحاديث جدي وجدتي ووالدتي عن معاناة الطرد من يافا، وعن الآم اللجوء والجوع والمعاناة.
صباح آخر من صباحات الوطن، أعود لصومعتي متأملاً طيور الحمام وهي تحط وتطير من على نافذتي، أشرب فنجان قهوتي وحيداً وشدو فيروز ككل صباح:
"سنرجع يوما إلى حينا ونغرق في دافئات المنى، سنرجع مهما يمر الزمان، وتنأى المسافات ما بيننا، فيا قلب مهلا ولا ترتمي على درب عودتنا موهن، يعز علينا غداً أن تعود رفوف الطيور ونحن هنا".
صباحكم أجمل.
زياد جيوسي
رام الله المحتلة

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
  رد مع اقتباس
قديم 02 / 01 / 2008, 40 : 10 PM   رقم المشاركة : [2]
مازن شما
كاتب نور أدبي متوهج ماسي الأشعة ( عضوية ماسية )

 الصورة الرمزية مازن شما
 





مازن شما has a reputation beyond reputeمازن شما has a reputation beyond reputeمازن شما has a reputation beyond reputeمازن شما has a reputation beyond reputeمازن شما has a reputation beyond reputeمازن شما has a reputation beyond reputeمازن شما has a reputation beyond reputeمازن شما has a reputation beyond reputeمازن شما has a reputation beyond reputeمازن شما has a reputation beyond reputeمازن شما has a reputation beyond repute

رد: رام الله

[frame="13 85"]
[align=center]
الاخ الغالي ويليم شكسبير
تحية طيبة وسلام
كل الاحترام والتقدير لجهودك الواضحة في إثراء هذا الصرح الأدبي المميز
مواضيع قيمة واختيارات موفقة وذوق رفيع
بوركت وسلمت
اخوك مازن شما
[/align]
[/frame]
توقيع مازن شما
 
بسم الله الرحمن الرحيم

*·~-.¸¸,.-~*من هولندا.. الى فلسطين*·~-.¸¸,.-~*
http://mazenshamma.blogspot.com/

*·~-.¸¸,.-~*مدونة العلوم.. مازن شما*·~-.¸¸,.-~*
http://mazinsshammaa.blogspot.com/

*·~-.¸¸,.-~*موقع البومات صور متنوعة*·~-.¸¸,.-~*
https://picasaweb.google.com/100575870457150654812
أو
https://picasaweb.google.com/1005758...53313387818034
مازن شما غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 03 / 01 / 2008, 16 : 07 AM   رقم المشاركة : [3]
أ. د. صبحي النيّال
ضيف
 


رد: رام الله

حياكم الله أخي مازن

فأنت أخي وأخي أيضاَ إسمه مازن

وأنا أحب المازني



أشكركم على رقيق كلماتكم

وكرمكم وحسن تعليقكم


دمتم وبارك الله بكم
  رد مع اقتباس
قديم 03 / 01 / 2008, 17 : 07 AM   رقم المشاركة : [4]
أ. د. صبحي النيّال
ضيف
 


رد: رام الله

انطلاقة وزهرة المدائن





أحد شوارع رام الله المتقاطع مع شارع السهل
"بعدستي الخاصة"

موسم البرد الشديد الذي يجتاح رام الله، يجعل البرد يسري في العظام، "مربعنية" جافة تزيد من البرد، الأمطار محبوسة، والعيون ترنوا إلى السماء تأمل وتنتظر، ومع هذا فما زال المسير في شوارع المدينة له نكهته، وما زالت رام الله جميلة ودافئة القلب رغم البرد.

عام جديد، أمنيات وأحلام جديدة، العالم كله يحتفل بهذه المناسبة بإطلاق الألعاب النارية وإضاءة الأنوار وإشعال الزينات، إلا نحن.. ابتكرنا طرق جديدة للاحتفال، فليلة رأس السنة لوحدها كان حمام الدم يجتاح غزة، فسقط سبعة ضحايا جدد وجرح العشرات، تحت وطأة قرار بوقف أية مظاهر لذكرى الانطلاقة، في الوقت الذي لم تتوقف فيه طائرات العدو ومدفعيته عن اصطياد المقاومين، وكأننا نصر أن نكمل ما بدأه العدو، فأصبح القتل سُنة يومية مقيتة، وأصبح الانقسام علامة مميزة، وأصبحت المناكفة بين حكومة مقالة في غزة وحكومة معينة رسمياً في الضفة، مناكفة تتكرس بلون الدم ونكهة الدم.

مسائل مهمة لا أحد يريد أن يدركها، أن ذكرى الانطلاقة هي احتفال يخص كل الشعب الفلسطيني، بغض النظر عن الراية التي يحملها الفصيل، فهي ليست مناسبة "فتحاوية" خاصة، والانطلاقة هي انطلاقة شعب وثورته في مقاومة الاحتلال، وهي ليست ميلاد فصيل بل ميلاد ثورة، والانطلاقة كرمز الكوفية الفلسطينية المرقطة بالأسود والأبيض، رمز للشعب الفلسطيني تجذر في الوجدان منذ ثورة العام 1936، وليست رمزاً لفصيل بعينه بل رمزاً للشعب بأكمله، والعلم الفلسطيني هو علم الشعب وليس علماً لفصيل، فكفى استهتاراً بتاريخ هذا الشعب، وكفى استهتاراً برموزه المقدسة، فأنا لم أكون فتحاوياً يوماً، ولي من المآخذ على الأداء الفتحاوي عبر الزمن الكثير الكثير، ولم أنتسب يوماً لا لفتح ولا لحماس، وتجربتي الفصائلية منذ بدايات العام 1968 حتى 1995 حين ابتعدت عن العمل الفصائلي، كانت في إطار بعيد ومختلف، ولكن ذكرى الانطلاقة كانت وما تزال وستبقى، أشعر بها تخصني كابن لهذا الشعب، وما زالت الكوفية كوفيتي ولم أغير لونها، والعلم هو علمي أقف بكل احترام له، فابعدوا ذكرى الانطلاقة عن الفصائلية وصراعها، ودعوا الشعب يعبر عن ذلك بحريته، وكفى إسالة للدم الفلسطيني.

منذ أعوام ورغم معاناتي من سلوكيات القائمين على السلطة من فتح، كتبت مقالاً أدبياً بذكرى الانطلاقة بعنوان: "حدثني جدي"، تحدثت فيه عن هذه المناسبة، ولم أوفر أداء حركة فتح الحاكمة من النقد، قلت في بعض من المقال: " في منتصف السبعينات خضت تجربة اعتقالية مريرة امتدت لخمس سنوات من ضمن سلسلة اعتقالات تعرضت لها، بسجن عربي " شقيق " بدون محاكمة ولا معرفة متى يمكن أن تفتح أبواب السجن، وكنا نحرص رغم كل قيود إدارة المعتقل أن نتجمع بباحة السجن في ذكرى الانطلاقة لنحتفل في ظل القيود بالانطلاقة ونغني سويا..فدائي فدائي فدائي يا ارضي وأرض الجدود، هذا النشيد الذي أصبح سلامنا الوطني، ونهتف بصوت واحد بغض النظر عن تعددية أبناء الفصائل.." فتح الثورة إحنا حماها دمي ودم أولادي فداها"، وبالتأكيد أن العديد ممن زالوا على قيد الحياة ممن تشاركنا وإياهم فترات الاعتقال وعادوا للوطن ما زالوا يذكرون تلك التجربة الرائعة بوحدتنا وانتمائنا جميعا لذكرى الانطلاقة.."، هذا المقال الذي نشر في الصحافة والشبكة العنكبوتية، بما فيها العدد الخاص لمجلة "فتح" المركزية، كان يؤكد على ما قلته سابقاً، ذكرى الانطلاقة هي مناسبة تخص الشعب بأكمله، ولا تخص فتح لوحدها، فحان الوقت للتوقف عن تدمير هذا التاريخ من الفصائل التي يدعي كل منها أنه يمثل الشعب، وكفى ضحايا على مذبح الذات الفصائلية.

صباح آخر وذكرى تستدعي ذكرى، ومسيرة الطفولة والعودة للقدس ما زال لها في الذاكرة الكثير، فقد عدت لأهل افتقدتهم، وأصبحت أعيش في مدينة مقدسة كانت تسكن الوجدان قبل أن التقيها، وتجذرت في الروح بعد أن عانقتها، فهي زهرة المدائن بلا منازع.

في تلك الفترة وكانت عطلة صيفية للطلبة، أتيح لي أن أعرف الكثير وأرى الكثير من القدس، فرافقتنا الوالدة مرة أنا وشقيقي جهاد للقدس القديمة، فتجولنا في أزقتها التي تحمل عبق التاريخ منذ عهد اليبوسين إلى الحاضر، زرنا الأقصى وسجدنا فيه، زرنا قبة الصخرة وتأملنا هذا الإبداع الفني، زرنا مسجد عمر وكنيسة القيامة، كنا فرحين فرحاً طفولياً ونحن في رحاب الأقصى والقدس القديمة، كانت الزيارة الأولى التي لم تنسى أبداً، وما زلت أحلم بزيارة ثانية يوماً، فما زالت الدوح محرمة على بلابلها مباحة لكل جنس.

انتهت عطلة الصيف والتحقت بالمدرسة، الصف الثاني الابتدائي في مدرسة جميلة ورائعة، مدرسة خليل السكاكيني، مدرسة مختلفة عن مدرستي السابقة في عمان، بالحجم والساحات والبناء، وكان الوصول للمدرسة يستدعي مسافة من السير على الأقدام، فنحن نسكن وادي الجوز، والمدرسة في حي الشيخ جراح، وكنت كل يوم وأنا أتجه للمدرسة أتأمل المباني الجميلة وملعب الشيخ جراح، الذي تقام به المباريات والاحتفالات الرسمية، ويقال أنه سمي بهذا الاسم نسبة لشيخ جليل سكنه وأقام فيه وكان من رجال القائد صلاح الدين الأيوبي، وكان ما يلفت نظري بالطريق منعطف وضعت ببدايته مخاريط إسمنتية، مهمتها إعاقة حركة السيارات، وبالقرب منها وضمن بقعة منخفضة عن الشارع كان هناك مدفع يحيطه جنود من الجيش العربي، جيش الأردن الذي يحمل اسم الجيش العربي وليس الجيش الأردني، وكان هذا المدفع يثير في داخلي الفضول الطفولي، ولكن كنت أكتفي بالنظر إليه في ذهابي وإيابي، وفي هذه المدرسة تفتحت عيوني على الثورة الجزائرية، فكنا نقف كل صباح لتحية العلم وننشد بصوت واحد يشق عنان السماء: "وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر.. فاشهدوا فاشهدوا فاشهدوا"، وكنا نتبرع بمصروفنا الضئيل لصالح الثورة الجزائرية، وكان كل صف بالمدرسة ما أن يجمع خمسين فلساً، ينال فرصة تعليق صورة لمليك البلاد على لوحة خاصة بالصف، ولذا كان التسابق على أشده بين الصفوف على من ينال أكبر عدد من الصور، دلالة على حجم التبرع لصالح الثوار في الجزائر، وكان مصروفي الضئيل الذي لم يتجاوز يوماً الخمسة فلسات في اليوم، أتبرع به يومياً لصالح الثوار في الجزائر بكل فرح وحب، فكانت البداية الطفولية لترسخ مفهوم الثورة في روحي ومقاومة المحتل، إضافة للعديد من الدروس التي تعلمتها بتلك الفترة سيأتي الحديث عنها لاحقاً.

أعود لصومعتي بعد جولة الصباح رغم البرد، التجئ لوجبة من التمر والحليب قبل فنجان القهوة لتبث الدفء في أوصالي، أحلم بطيفي البعيد القريب وأنا أتأمل الحمائم على نافذتي تلتقط طعامها، أحن لتلك الروح المحلقة بأفق أزرق وعيون كأنها واحة خضراء، فقد طال الغياب وازداد الشوق، أستمع وفنجان قهوتنا لشدو فيروز:
"لأجلك يا مدينة الصلاة أصلي، لأجلك يا بهية المساكن يا زهرة المدائن، يا قدس يا مدينة الصلاة أصلي، عيوننا إليك ترحل كل يوم، تدور في أروقة المعابد، تعانق الكنائس القديمة وتمسح الحزن عن المساكن، يا ليلة الإسراء يا درب من مروا إلى السماء، عيوننا إليك ترحل كل يوم وإنني أصلي".



صباحكم أجمل.

زياد جيوسي


رام الله المحتلة 2\1\2008
  رد مع اقتباس
قديم 18 / 01 / 2008, 44 : 10 PM   رقم المشاركة : [5]
أ. د. صبحي النيّال
ضيف
 


رد: رام الله

"وآن الأوان أن تجلل أجساد الشهداء بالعلم الفلسطيني الواحد، لا بأعلام الفصائل وراياتها التي لم تزدنا إلا فرقة وتمزيق"
هي رسالة الى الاخوة في الدين وفي الوطن وفي المصير وفي الامل ، يرسلها اليكم كل صباح ، هذا الجيوسي الراصد للالم بلا هوادة ؟
فمن يستقبل النداء ؟حول...




عزيز باكوش


اقصى الغرب الاسلامي

عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]


رام الله في مشهد شتوي
"بعدستي الخاصة"






صباحكم أجمل \ أعود لوطن الموج

صباح حزن ودم وألم


صباح آخر في رام الله، إضراب شامل والمحلات والمؤسسات الرسمية مغلقة، الأعلام منكسة، صباح مجلل بالحزن والألم، صباح بارد جداً بحرارة الجو، لكنه صباح مشتعل بألم القلوب ونارها، فالدم الذي يسيل في غزة يصب في رام الله، والدم الذي يسيل في رام الله وكافة المحافظات الشمالية حسب التسمية الرسمية، يصب في غزة، فالدم واحد، الجرح واحد، الوطن واحد، شاء الساسة أم لم يشاءوا، فالقذيفة التي تسقط في غزة، تدمي القلوب في كل الوطن، والمؤسف والذي يُنـزف الدم أكثر، أن نستمع لتصريحات من بعض الساسة الكرام، يشنون الهجمات على بعضهم، بدلاً من التكاتف في مواجهة الاحتلال، وينسون أن انقسامهم وصراعهم هو الذي أدى إلى استفراد العدو بنا، فيقتل عدد كبير في مجزرة غزة، ويُكمل في قباطية جنين، يحدد أين يضرب ويقتل، ونحن نتلهى بتوجيه الاتهامات لبعضنا، أو إطلاق النار على بعضنا وتعبئة المعتقلات، كفاكم عبثاً بدم الشهداء، كفاكم عبثاً بالوطن، آن الأوان للخجل، وآن الأوان أن تجلل أجساد الشهداء بالعلم الفلسطيني الواحد، لا بأعلام الفصائل وراياتها التي لم تزدنا إلا فرقة وتمزيقا.
الحياة تنبت من قلب الجراح
عبر ما يقارب مائة عام مضت، اعتاد الشعب الفلسطيني أن يقاوم بكل وسائل المقاومة المتاحة من جهة، وأن يدفن قوافل الشهداء قافلة إثر قافلة، وفي نفس الوقت يزرع الزيتون واللوز الأخضر، ويبدع بالميجنا والعتابا والدبكة، يبدع بالفن كما يبدع بالصمود، وأذكر أننا في ظل الاجتياح البشع عام 2002، كنا نستغل أوقات فك حظر التجول القليلة الوقت، لنقف ونمارس بعض الفنون ورسم العلم الفلسطيني على وجوه الأطفال، على بعد خطوات من الدبابات، في إشارة تحد واضحة، فالشعوب الحية وحدها التي تتمكن من أن تعيش الفرح وتبدعه من قلب الألم والدمار، ففي يوم السبت الماضي استفدت من العطلة الأسبوعية بجولة في المدينة، أمتع روحي ببعض من أشعة الشمس رغم البرد، ملتقطاً بعض الصور لرام الله، حين عرجت في طريقي على مركز خليل السكاكيني، التقطت بعض الصور لهذا المركز الجميل والمتميز بنمط بناءه، والتقيت بمدير المركز على فنجان قهوة، تحدثنا عن هموم العمل الثقافي والفني في الوطن، وفاجئني بمفاجئة طيبة، أن المركز سيقوم بالتعاون مع المنتدى الثقافي النمساوي، بافتتاح معرض للفنانة النمساوية العالمية "سوشانا"، هذه الفنانة التي قضت معظم حياتها في التجوال والرسم بأنحاء العالم، وتأثرت بثقافات متعددة ومنوعة، وربطتها علاقات قوية بفنانين على مستوى عالمي، مثل بيكاسوا الذي رسمها بلوحة عام 1954، وحافظت على روح فنية تميزت بها، وتنقلت في معارض كثيرة، ورسمت الكثير، ومن أجمل اللوحات التي رسمتها لوحة لغزة وأسمتها غزة، بمقاس 115\80 سم وذلك عام 1992، وهذه الفنانة التي ولدت عام 1927 والتي ستزورنا لوحاتها بدون حضورها، فهي لن تتمكن بحكم السن والصحة من المشاركة والقدوم من فينا، والحقيقة أجد لزاماً أن أشكر مدير مركز خليل السكاكيني على هذه المبادرة، فالسكاكيني تميز بذلك منذ بداياته، آملاً أن يتاح لنا مرات أخرى الاطلاع على أعمال عالمية مثل أعمال "سوشانا".
لا تخنقوا القلب منا
أيضاً يوم السبت الماضي ورغم برد أمسيات رام الله، شاركت في قاعة القصر الثقافي بلقاء مع بلدية رام الله، وإن كنت أكرر الشكر على هذه السُنة الطيبة والجميلة، التي استنتها بلدية رام الله بدعوة المواطنين والاستماع منهم، فيما يجد من مشاريع تمس المواطن مباشرة، فليسمح لي المجلس أن أسجل وبصوت عال رفضي كمواطن لفكرة تحويل شارع النـزهة والمعروف بشارع المكتبة إلى تجاري، وتحويل قطع الأراضي إلى تجارية، والترخيص لبناية ترتفع أربعة عشر طابقاً فوق الأرض، والاستناد إلى سابقة وجود بناية مخالفة منذ عهد الاحتلال ليس مبرراً، والإشارة إلى أن العديد من الشقق حولت لمكاتب ليس مبرراً أيضاً، فالأولى إزالة المخالفات بدلاً من جعلها ثوابت وأسس نستند إليها، والرجوع عن الخطأ أولى من الاستمرار فيه وتشريعه قانوناً، وهذه المنطقة الهادئة الجميلة ستتحول إن تم مشروع البرج إلى منطقة من الأبراج المرتفعة، هذه الأبراج التي ستمنع الهواء وتكتم الأنفاس، فمجرد تحويل المنطقة من ترخيص سكن إلى ترخيص تجاري، سيرفع أسعار الأراضي، ويدفع أصحاب الأموال لزرع الأرض أبراجا إسمنتية، في الوقت الذي يطالب الجميع فيه بخروج القلب التجاري إلى الأطراف، وتحويل وسط المدينة إلى منطقة مشاة وتسوق وجمال حدائق، فدعوا شارع النـزهة للنـزهة، ولنحول الضواحي إلى أحياء تحوي هذه الخدمات التجارية، بدلا من التكديس في القلب، حتى يكاد القلب أن يختنق.
عودة
أعود من جولتي في شوارع المدينة، فقد سرت في شارع يافا حتى وصلت إلى أطرف بيتونيا، وهناك وقفت انظر لهذه الأراضي التي زرعت بالعمران، فبعد عودتنا لعمان من القدس وأنا في الصف الثاني الابتدائي، وما أن انتهت السنة الدراسية حتى كنا نشد الرحال إلى رام الله، كان ذلك في صيف عام 1963، فقد نُقل الوالد إلى رام الله، واكترى لنا بيتاً في أطراف بيتونيا، هو لرام الله أقرب منه لبلدة بيتونيا الجميلة، في حي كل بيوته لم تزد عن سبعة بيوت، والمنطقة محاطة بالأشجار والبساتين التي انقرضت الآن، وكان كل بيت ملحق به مساحة من أشجار الخوخ والبرقوق واللوز، وكنت أحب أن أقضي وقتي تحت الأشجار على الأعشاب والورود البرية، أقرأ باستمرار وأتمتع بالجمال الطبيعي، وأزور نبع ماء داخل كهف جف مع الزمن، أشرب منه وأتنعم بغسل يداي ووجهي بمائه البارد، وأصعد إلى سطح مبنى مكون من رصف الحجارة والطين، كنا نسميه القصر، وهو بالأصل مكان يلجأ إليه أصحاب الأرض في مواسم القطاف، فالمواصلات كانت صعبة والمسافات طويلة، وكم كنت أشعر بالمتعة وأنا أجلس على سقفه، أنظر لمنطقة بطن الهوى الجميلة المكتظة بالأشجار البرية، والتي كانت تدور حولها الكثير من الأساطير، وأنه لا يسكنها سوى الضباع والجن، وتنبت فيه نبتة تفاح المجنة التي تسبب جنوناً مؤقتاً لمن يأكلها، وهي نبتة ذات رائحة طيبة وشكل أشبه بتفاحة، وبذورها هي التي تسبب هذه الحالة، والتي أصيب بها أكثر من صبي بسبب فضولهم وأكلهم لها، المنطقة كانت جميلة جداً وهادئة جداً، فكنت أتمتع بالسير على الشارع حتى أصل إلى أول طلوع "سلفانا" وأعود حتى مفرق عين عريك، وكنا نقطف الثمر ونأكل بدون تحرج، فأصحاب الأراضي كانوا لا يمانعون، فالخير كثير والأشجار محملة بما لذ وطاب، وكانوا يطلبون منا الدخول مباشرة للبساتين، وعدم التسلل من فوق السلاسل الحجرية حتى لا نهدمها، ولكن الطفل يبقى طفلاً، فكنا نجد المتعة بالتسلل من فوق السلاسل وقطف الثمر، بينما البوابات مفتوحة لنا بكل ترحاب.
أعود لصومعتي متأبطاً صحيفتي أنظر للمدينة التي ترفع أعلام الحداد وتغلق أبوابها احتجاجاً، أعود وفي الذاكرة الكثير عن بيتونيا ورام الله، بعض من ذاكرة فردية وذاكرة وطن، أقف لنافذتي وأشرب القهوة، أنتظر صديقي إيهاب فني الحاسوب لحل مشاكل حاسوبي، هذا الشاب الطيب الذي لا يقدر على الالتزام بموعد أبداً، إلا حين أدعوه لتناول الغداء المتأخر معنا، فمنذ أيام والحاسوب قد أصيب بحالة من البرد أدت لتوقفه، ونحن أصبحت حياتنا ترتبط بالحاسوب والشبكة العنكبوتية كثيراً، بحيث أن كل مشاريعي واتصالي مع العالم توقف خلال هذه الأيام، فشعرت بالعزلة عن العالم مما أعادني للتعامل مع التلفاز لمتابعة تطورات الأحداث، أقف للنافذة متأملاً المدينة المغلقة وطيور الحمام تحط وتطير على نافذتي، أستذكر طيفاً يعيش بروحي رغم سفره للبعيد، كم أشتاقك يا طيفي الشقي الحلو أنت، أستمع لشدو فيروز:
"من يوم اللي تكون يا وطني الموج كنا سوا، ليوم إلي بيعتق يا وطني الغيم راح نبقى سوا، تاجك من الأمس ما بنكتفي شعبك بيحبك لتبرم الشمس، توقف الأيام على رماد اللي راحوا على غابر الزمان ، على الحجار السود إلي بقيوا من الحيطان، على منديلك أمي على أبواب البيوت، عم بكتب يا وطني، الوطن ما بيموت".
صباحكم أجمل.
زياد جيوسي
رام الله المحتلة 16\1\2008
  رد مع اقتباس
قديم 28 / 01 / 2008, 24 : 10 AM   رقم المشاركة : [6]
أ. د. صبحي النيّال
ضيف
 


رد: رام الله

"العشــاء الأخـــير في فلســطين"
بقلم: زياد جيوسي
حين وصلني الإعلان من مسرح عشتار على عنواني الإلكتروني، عن مسرحية "العشاء الأخير في فلسطين"، أثار العنوان في ذهني الكثير من التساؤلات، وكون العرض على مسرح قصر الثقافة في رام الله، وليس على مسرح عشتار كالعادة، شعرت أني سأجد أمامي عرضاً مختلفاً ومتميزاً، لذا قررت الذهاب ومشاهدة العرض رغم البرد وبعد المسافة، وحين وصلت قصر الثقافة فوجئت بأعداد الحضور وكثافتهم، وبعد أن اشتريت بطاقة الحضور من شباك البطاقات وأعطتني الفتاة الشابة النشرة المطبوعة عن المسرحية، سارعت بالوقوف جانباً لقراءة ما هو مكتوب عن المسرحية وعن الممثلين فيها، فوجدت تعريفاً يثير الشوق للحضور حيث يقول:


"ستة ممثلين في "العشاء الأخير في فلسطين"، يعرضون بكثير من السخرية، ومن خلال الرقص والتمثيل والغناء، رؤية نقدية شمولية لحياة الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي، متخذين من محطات درب آلام السيد المسيح، مقاربة لدرب آلام الشعب الفلسطيني، عبر مجموعة من المشاهد والتساؤلات الفردية والجماعية، والتي تصور حياة شعب بأكمله، يتعرض لمحاولة طمس وجوده.
هي ملحمة تاريخية تراجيكوميدية عبثية، تبدأ برحلة الشتات، وتمر عبر مفاصل تاريخية هامة، ومواقف دولية لا تزال تؤثر وتصوغ حاضر ومستقبل هذا الشعب الذي يأبى الاندثار".
ستة ممثلين هم من قاموا بهذا العرض المميز، فاتن خوري ومحمد عيد وإيمان عون، أعرفهم سابقاً من خلال العديد من أعمالهم المسرحية التي حضرتها، وهم قد وصلوا إلى درجة الاحتراف بالأداء المسرحي، ورشا جهشان ورهام إسحاق وحسن ضرا غمة، أجادوا أدوارهم بشكل لفت أنظار الجمهور، وشدوا اهتمامي بقدراتهم المتميزة، وربما تكون المرة الأولى التي أحضر لهم مشاركات، أو ربما أكون قد شاهدتهم سابقاً في أدوار قد تكون ثانوية فلم أحفظ الأسماء، لكني لا أمتلك إلا أن أشيد بقدراتهم، وبشكل خاص بالممثلة التي أدت العديد من الرقصات التعبيرية، وخاصة الرقصة على أنغام وصوت الفنان المتميز باسل زايد في أغنيته المتميزة "محمود"، فهذه الأغنية التي تتحدث عن الأطفال الذين يقاومون بالحجر، ويكبرون فوق أعمارهم وهم يقفون بصلابة أمام الاحتلال وكأنهم في سن الرجال، تمكنت هذه الممثلة بأدائها من إعطاء الأغنية بالرقصة التعبيرية بعداً وجمالاً آخر، وبدون أن أنقص من قدرة زميلتها وزميلها على الأداء.

المسرحية اعتمدت على الرمزية غالباً في أداء المشاهد، وعلى المباشرة حيناً من خلال الحديث، كما في مشهد المعتقل الذي يروي كيف فجر الاحتلال البيوت، وأدى الدور محمد عيد باحتراف ومهنية عالية، وفي مشهد إيمان عون وهي تسرد مفاصل تاريخية في تاريخ الشعب الفلسطيني، والجدير بالذكر أن العرض مصمم بغالبية مشاهده باللغة الانكليزية، حيث أن المسرحية أعدت للعرض في الخارج، كما أشار لذلك مع الاعتذار الممثل حسن ضراغمة، علماً أن المسرحية اعتمدت على التعبير بالرقص والحركة مما خفف من مواجهة حاجز اللغة، والعديد من المشاهد كانت ناطقة بالعربية، فلم يواجه من لا يتقنون اللغة الانكليزية مشكلة كبيرة بمتابعة المشاهد والاندماج معها.

بدأت المسرحية بمشهد يصف فيه الممثل حسن ضراغمة كيفية قطف الزيتون في بلادنا، ومن ثم يكون هناك مشهد رمزي يمثل الهجرة، حين يغادر الناس بيوتهم لا يحملون إلا القليل من المتاع ومفاتيح بيوتهم، معتمدين على قول البعض من جيش الإنقاذ: أن المسألة لن تتعدى الأيام ويعود الناس لبيوتهم، لكن هذه الأيام طالت وامتدت حتى الآن، امتدت حتى وصلت إلى ستين عاماً من العذاب واللجوء والمنافي، ولعل وجود ستة ممثلين هي إشارة رمزية لسنوات اللجوء، لتتالى المشاهد مصورة ظروف الشعب الفلسطيني والمحطات السياسية التي مرت وتمر عليه، فوجدنا إشارات واضحة لفلسطيني الداخل الذين لم يهاجروا، وكيف كانت النظرة السلبية تجاههم، وعن معاناتهم في الحصول على عمل، رغم ادعاء إسرائيل الديمقراطية والمساومة، ولم تخلوا المسرحية من إشارات عديدة تتراوح بين الجدية والسخرية من العديد من الأحداث، من مؤتمر "أنابوليس" حتى زيارة الرئيس بوش إلى رام الله، والكثير من هذه الإشارات أخذت الطابع الكوميدي مما أثار ضحك الجمهور، مروراً بكذبة المغادرة للوطن لمدة أيام لم تنتهي بعد.

كانت هناك على المسرح أربعة حبال تمتد على عرض المسرح، وخلفية المسرح كانت لوحة مضاءة تمثل الجدار الذي يلتهم الأرض كأفعى ضخمة، وفي مشهد يثير الأسى يحاول الممثلون اختراق الجدار وتسلقه بلا جدوى، فكأنه إشارة إلى استمرار بناء الجدار رغم الرفض الدولي والمحلي وقرار محكمة العدل العليا، وأما الحبال فبين المشاهد قام الممثلون بتغطية الحبل الداخلي بأقمشة كبيرة بيضاء، ثم أقمشة خضراء، وتلا ذلك اللون الأسود وأخيراً اللون الأحمر، وفي هذا إشارة واضحة لمراحل نضال الشعب الفلسطيني ورفع العلم الفلسطيني عالياً كرمز للشعب الذي أعاد شخصيته بعد أن ظن الأعداء أنهم تمكنوا من إنهاء وجود هذا الشعب، إن التتابع بين المشاهد برفع الألوان أعطى رمزية للمراحل النضالية، لكن تبقى هناك ملاحظة مهمة، فقد تم وضع اللون الأبيض في البداية في عمق المسرح، تلاه اللون الأخضر فالأسود فالأحمر، وهذا بتقديري خطأ يجب الانتباه إليه، فعمق المسرح مثل قاعدة العلم التحتية، لذا كان الأجدر أن يوضع اللون الأخضر أولاً ثم الأبيض ويليه الأسود والأحمر بالنهاية الذي يمثل المثلث ببداية العلم، فهكذا هو التسلسل بألوان العلم الفلسطيني، ولا أعتقد أن الألوان ترمز لمراحل سياسية ولا ترمز للعلم.

الحديث عن الحواجز أخذ قسطاً كبيراً في المسرحية، فمحمد عيد يقدم مشهداً مميزاً لمجموعة من السياح يريدون التجوال، لكن الجيش الإسرائيلي ينتشر في كل مكان، وحين يتم اقتراح القدس يفاجئون أن المواطن الفلسطيني محروم من مدينته المقدسة، وفي مشهد آخر تقدمه الممثلة رهام تبرز كيف أن الدخول للقدس يحتاج إلى تصريح خاص، والتأخر عن الموعد لدقائق يجعل حامل التصريح يتعرض لمشاكل غير محسوبة،

حين وضع اللون الأحمر كان العلم الفلسطيني قد أصبح مكتملاً بألوانه، وفي هذا إشارة لرفع العلم رسمياً في الأراضي الفلسطينية، بعد أن كان رفع العلم قبل وجود السلطة الفلسطينية يمثل حالة تحدي تثير جنون المحتل، وتدفعه لزج من يرفع العلم بالسجون، لكن في مشهد تالي ربما يشير لانتفاضة الأقصى وهي الانتفاضة الثانية، والتي تميزت بظهور مصطلح عسكرة الانتفاضة، مما أدى إلى قيام العدو باجتياح الأراضي الفلسطينية التي كانت تحت سيطرة السلطة الفلسطينية أمنياً وإداريا، وانتشار ظاهرة الحواجز الاحتلالية التي تنغص على المواطنين حياتهم وتقطع الأوصال، نجد اللون الأحمر تحول إلى حاجز بلون الدم يمر منه المواطنون ويخضعون للتفتيش، ولا يوجد مع أي منهم سوى الحجر، هذا الحجر الذي أصبح رمزاً للنضال الفلسطيني.

المشهد الأخير بالمسرحية كان يمثل الواقع الحاضر بكل ما يحمل من ألم وأسى، ففي لحظة من اللحظات نجد انفجار الصراع الداخلي، فيتمزق العلم ويتحول لأشلاء، وهذا هو الواقع الذي حصل بعد استشراء الفصائلية وراياتها التي أبعدت العلم الواحد، هذا الصراع الذي سيؤدي في النهاية لخدمة أعداء الوطن فقط، وفي إشارة رمزية تمكنت المسرحية من اختزال المستقبل واستحضاره أمام الأعين، مشهد يصور تقديم "الكوكاكولا" رمز أمريكا للمتصارعين، وقيام من قدم "الكوكاكولا" بتحويل المتصارعين إلى توابع، فيلبسهم ملابس غريبة لا صلة لها بماضيهم، ثم يعلقهم من خلالها على الحبال التي كانت تحمل العلم الوطني، في إشارة لا تخفى عن المشاهد إطلاقا، أن من يمزق وطنه سيصبح مستلباً من قبل المستعمر، يشكله كما يريد، ولا يمتلك القدرة على المقاومة أو الرفض.
الخلاصة أن المسرحية كانت عملاً ناجحاً وأوصلت الرسالة بوضوح، أصابت الهدف بدقة، عرضت الواقع الفلسطيني عبر مراحله التاريخية حتى واقعه الحالي، من خلال مشاهد تعرض واقع الشعب الفلسطيني، بالكوميديا تارة وبالتراجيديا تارة ثانية، بالأغنية المؤثرة والمعبرة، وبالرقصة بين شعبية وتعبيرية، مسرحية رغم كل المأساة لم تصل بالمشاهد لمرحلة اليأس، فأغنية: "لأكتب اسمك يا بلادي"، وصرخة: "أنا راجع لأني لست خائفاً"، والتصدي للمجندة الإسرائيلية بعبارة: "لو أتيتم بكل زبالة الكون سأبقى هنا"، والعديد من اللقطات، كانت تحمل في ثناياها الأمل.
وتبقى ملاحظات لا بد منها حول العرض، فصوت الممثلين لم يكن مسموعاً جيداً في القاعة إلا عبر المايكروفون الوحيد المحمول باليد، إضافة أنه كان من الممكن أن يكون العرض ناطقاً بالعربية بالكامل، وأن يكون هناك نصاً آخر بالانكليزية للعروض الخارجية، إضافة لملاحظتي السابقة حول العلم الفلسطيني، وإن كانت هذه الملاحظات بسيطة مقارنة مع الجهد المبذول، بحيث أني لم أندم أبداً على دفع أربعون "شاقلاً"، نصفها بطاقة العرض والنصف الآخر مواصلات بحكم المسافة وبعد قصر الثقافة، فحضور عرض مميز كهذا يستحق المغامرة بالخروج بالبرد، ودفع مبلغ يعتبر كبيراً لموظف في نهاية الشهر.
رام الله المحتلة 24\1\2008
  رد مع اقتباس
قديم 01 / 02 / 2008, 42 : 08 AM   رقم المشاركة : [7]
أ. د. صبحي النيّال
ضيف
 


رد: رام الله


عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]


رام الله ترتدي ثوب زفافها الأبيض
بعدستي الشخصية



صباحكم أجمل \ ثلج ثلج
رام الله ترتدي فستان زفافها الأبيض، الثلوج بدأت تتساقط منذ الليل، وما زالت تتساقط ندفاً جميلة، أطل من نافذتي في هذا الصباح المبكر قبل صحو الطيور، فأرى الشوارع والبنايات ترتدي حلة بيضاء ناصعة البياض، جميلة رام الله في الشتاء كما هي جميلة في كل الفصول، ففي الشتاء ورغم بردها الشديد يكون لها نكهة خاصة وجميلة، تمازج بين الثلج والمطر، الجبل وهواء الساحل الذي تطل عليه من بعيد، وفي الخريف لها جمال أوراق الذهب المتطايرة، فأراها ابنة الخريف، وفي الربيع تزدهي بحلتها الخضراء وأزهارها المتنوعة الشكل والجمال والعبق، وفي الصيف تكون ذات نسمات ناعمة ترد الروح، فهكذا كانت مصيف فلسطين، جميلة في كل أوقاتها.


أمطار وثلوج، نعمة من المولى بعد انتظار طال، فنحن في "الكوانين" ولم تكن الأمطار حسب المعتاد، ونحن بحاجة لمطر السماء ورحمة المولى، فمعظم الينابيع قد جفت مع الزمن، وأحواض المياه وضع الاحتلال يده عليها، وغالبية الآبار الارتوازية تحت يد الاحتلال، يستولي على مياهنا ويبيعنا إياها بكميات قليلة، بينما المستوطنات القابعة كالسرطان على أرضنا تتمتع بمياهنا، ونحن نعاني من شح المياه في الصيف.


طوال الأمس كانت تهطل الأمطار ويتخللها حبات البرد أو كما كنا نسميها حب العزيز، وكانت الرياح قوية بما يمنع الحركة، فكانت المدينة رام الله شبه فارغة مقارنة بالأحوال العادية، ولعل نشرات الأخبار التي تحدثت عن الثلوج والاستعدادات لمواجهتها لعبت هي الأخرى دورها بخلو الشوارع من المارة باكراً، فالمعروف أن رام الله يتضاعف عدد سكانها نهاراً من خلال حركة القرى المجاورة، المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمدينة.


منذ أيام شهدت المدينة كم من المسيرات الشعبية الكبيرة، فوفاة "حكيم الثورة وضميرها"، كان لها وقعها الكبير على نفوس الناس، فالحكيم مناضل تاريخي ومتميز بمسيرته، قد يختلف الكثيرون مع نهجه وفكره، لكن لا أحد يختلف أنه كان مناضل صلباً ونقياً، فتأثرت بوفاته كثيراً، وشاركت بالجنازة الرمزية التي أقيمت له بالتوافق مع جنازته الرسمية في عمّان، وقلت في نفسي: ها هو أحد أنقى المناضلين والقادة قد رحل، فمن يا ترى بقي من هذا الرعيل الأول للثورة الفلسطينية المعاصرة، فالحكيم حظي على احترام الجميع عبر تاريخه، وأذكر أني التقيت به بمناسبات عدة ضمن مجموع من الناس، فترك في نفسي أثراً طيباً، ورغم أني لم أقتنع بفكره العقائدي، إلا أنه بقي في ذاكرتي كأحد العمالقة الكبار الذين لا يمكن نسيانهم بسهولة، والذين يجبرون المرء على احترامهم.


الفن رغم كل الظروف التي تمر على روح المرء يبقى هو من يبث الأمل في الروح، ومن هنا كان"العشاء الأخير في رام الله"، عنوان لعمل مسرحي متميز حضرته على قصر الثقافة الخميس الماضي، وكان من الجمال أني لم أتمالك نفسي حين رجعت أن أنكب على حاسوبي وأكتب عنه نصاً طويلاً، فقد افتقدنا المسرحيات المتميزة منذ فترة، وأول الأمس كنت مدعواً من قبل مسرح القصبة لحضور اجتماع تقييمي لمهرجان القصبة السينمائي الدولي، وإن لم أفاجئ بعدد الحضور الذي لم يزد عن ستة أشخاص بما فيهم من حضر متأخراً، فقد اعتدت على ذلك بأكثر من مناسبة، وفي نفس الوقت لا اسمع في الأحاديث الجانبية من أبناء عالم السينما إلا الشكوى والتذمر، فيا ترى لما لا نجدهم حين يستدعي الأمر وجودهم؟
في الأيام الماضية ورغم البرد وبسبب بعض من الآم نفسية سادت روحي، كنت الجأ للمشي لمسافات طويلة، فليس مثل السير على الأقدام وتنشق الهواء المنعش من علاج للروح، الوحدة صعبة جداً، والأسر في رام الله رغم عشقي الكبير لها بدون حركة متعب جداً، وخاصة حين يكون هناك حدث يتمنى المرء أن يكون فيه، لكن لا يمتلك من أمره شيئاً، فيكبت ألمه وقهره، وحينها الجأ للسير كي استرد روحي المتعبة، وهذا المسير أعادني من جديد لذكريات الطفولة واستكمالها، ففي بيتونيا لصيقة رام الله كانت بداية عشق رام الله، وقد تحدثت سابقاً عن المنطقة التي سكناها وجمالها وأهلها الطيبين، وكانت إجازة الصيف فرصة للتعرف على الحي الصغير والمنطقة المحيطة فيه، الممتلئة بالبساتين والجمال، وما أن انتهى الصيف حتى كنت في مدرسة بيتونيا التي كانت إعدادية بتلك الفترة، وكان ما يسعدني أنني أصبحت وشقيقي الصديق جهاد في مدرسة واحدة، فكان هو في الأول الابتدائي وأنا في الثالث، نذهب سوياً للمدرسة التي كانت بعيدة نسبياً ونعود سوياً، نرتدي اللباس "الكاكي" كجنود في ساحة وغى، نحلق شعورنا على درجة الصفر، وما زلت أذكر كيف بكى شقيقي حين قصوا له شعره أول مرة، لكنه اعتاد على ذلك كما اعتدنا قبله، والحقيقة أنه لم تترك مدرسة على روحي من أثر مثلما تركت مدرسة بيتونيا، ولم يترك مدرسون بصماتهم على شخصيتي كما هم مدرسوها، فكانت خير مدرسة لم أنساها ابداً، وخير مدرسون خالدون في النفس والروح، وخير مكتبة مدرسية كان لها الفضل الكبـير على توجهاتي الأدبية، فمنها كانت البداية وعلى يدي أستاذي الكبير المرحوم أبو حازم، خالد الأسمر مدرس العربية، الذي كان يوجه اهتماماً خاصاً لطلابه بالتركيز على المطالعة الخارجية، وعلى كتابة مواضيع الإنشاء وقراءة الشعر، فقد كان مدرسونا يمتازون بالعطاء والاهتمام بالطالب، فالمدرس بتلك الفترة كان يمثل قيمة اجتماعية وتربوية كبيرة، كان يعيش بوضع مادي مريح نسبياً، وله مكانته الخاصة والمحترمة في المجتمع ويندر أن يرد له أحد طلباً ، لذا كان للمدرس تأثيره في المجتمع المحيط، فهو المدرس والموجه والمصلح الاجتماعي، هيبة واحترام، وليس كما نرى في هذه الأيام من انحدار بوضعه المادي والاجتماعي، حتى أن سمة العمل بعد الدوام لتأمين بعض من احتياجات الحياة، أصبحت سمة منتشرة، مما أدى لتأثر العطاء والقدرة، وتغير المناهج وأساليبها، فأين جيل العطاء الذي عايشناه من اليوم؟، ومن ممن درسوا بفترتي التي أتحدث عنها يمكنه أن ينسى تأثير المدرس وهيبته، من يمكنه أن ينسى الأساتذة الكبار مثل المرحوم خالد الأسمر والمرحوم الشيخ عطا، والأساتذة الآخرين نخلة زيت وإبراهيم الطوبجي وإبراهيم الطرشة وعزمي الخواجا والمرحوم الأستاذ سماره وغيرهم الكثير.


الثلج يتساقط ندفاً جميلة وأنا أقف لنافذتي، التقط بعض الصور لهذا الجمال، أحتسي كوباً من الشاي الأخضر بالنعناع، هذه العادة الجميلة التي علمني إياها أصدقائي المغاربة منذ فترة الدراسة الجامعية، لا صحف وصلتني اليوم ولا مجال لالتقاط بث الفضائيات، تقطع للكهرباء كالعادة بين وقت وآخر، فيضيع بعض ما أكتب إن لم أكن قد حفظته، الحمائم والعصافير لم تخرج من أوكانها وأعشاشها، فلم تمنحني جمال عزفها في هذا الصباح، ترف روح طيفي الجميل في فضاء صومعتي، فيروز تشدو بصوتها المميز:
"ثلج ثلج عم بشتي الدنيا ثلج، والنجمات حيرانين، وزهور الطرقات بردانين، والغيمات تعبانين، عا التلة خيمات مضويين، ومغارة سهرانه فيها طفل صغير ،بعيونه الحليانة حب كتير كتير، ثلج ثلج شتي خير وحب وثلج على كل قلب وكل مرج ألفه وخير وحب مثل الثلج".


صباحكم أجمل.
زياد جيوسي
رام الله المحتلة 30\1\2007
  رد مع اقتباس
قديم 10 / 02 / 2008, 29 : 07 PM   رقم المشاركة : [8]
أ. د. صبحي النيّال
ضيف
 


رد: رام الله

صباحكم أجمل



رام الله بتحلى أكثر بشجرها الأخضر



عنوان صباح اليوم هو شعار حملة تشجير رام الله، هذه الحملة التي انطلقت في الأمس صباحاً من جوار مقر الرئيس الشهيد، حملة أطلقتها بلدية رام الله بمناسبة مرور مائة عام على تأسيس البلدية لهذه المدينة العريقة، حملة ستزرع فيها آلاف الأشجار، وبدأت بزراعة الشجرة الأولى قرب ضريح الرئيس، زيتونة مباركة كهذه الأرض المباركة، مبادرة جميلة من مجلس البلدية ممثلا بالأخت جانيت ميخائيل رئيسة المجلس وأعضاء المجلس جميعاً وكادر البلدية، وبالتعاون مع القطاع الخاص وخاصة المصارف، فهذا القطاع بدأ يدرك كم له من دور في المساهمة بالتطوير، لا أن ينغلق على ذاته وعمله الخاص، وقد كان حفل انطلاقة حملة التشجير برعاية وزير الحكم المحلي، ورئيس ديوان الرئاسة ومشاركة وزير الزراعة والمحافظ وممثلي المصارف والقطاع الخاص، وضمن حشد كبير من المواطنين والمتطوعين لزرع الأشجار، فلعلنا نستعيد لرام الله غطائها الشجري ولونها الأخضر، وأن نستعيد زرع الشجر بجانب بناء الحجر، لا أن ندع الحجر يقتلع الشجر ويحل محله، وخاصة أن الاحتلال يضع نصب عينيه قلع الأشجار من بلادنا وتحطيمها، حتى بلغت الأشجار المقتلعة والمدمرة من الاحتلال ما يزيد عن مليون ونصف شجرة، المفترض أن نزرع مقابل كل شجرة عشرة أشجار، فالمعركة مع الاحتلال تشمل كل النواحي، فهو يستهدف البشر والشجر والحجر، فكلما دمر بيتاً علينا أن نبني بيوت، وكلما قطع شجرة علينا أن نزرع أشجاراً، وكلما استشهد لنا بطل شهيد، ستأتي "النشميات" بعشرة أبطال يكملون المسيرة، وقد سرني لقائي العديد من أصدقائي هناك، ومنهم صديقي التوأم الدكتور هاني الحروب، الذي استغل طريق عودتنا ليستعرض قدراته عليّ بالزراعة وطرقها وأساليبها، مستفيداً من معرفته أني رغم عشقي للشجر والنبات لم أعش يوماً في القرية وبالتالي لم أمارس الزراعة والفلاحة.
صباحك أخضر يا رام الله، صباحك الحب والجمال وشروق الشمس بعد موسم الثلوج التي لم يبقى إلا بقايا منها، صباحك أخضر بلون الربيع القادم والدائم، ربيع الأزهار والأشجار وربيع الحرية، كم كنت سعيداً وربما كنت كما قال لي الأخ سمير عميرة عضو مجلس البلدية، أسعد الموجودين بحملة التشجير ، حتى أني شعرت بالدفء يتسرب لكل خلايا جسدي، فنزعت معطفي رغم برد الجو وبقيت مرتدياً قميصاً بدون معطف ولا رداء صوفي، لعله الفرح برؤية الأشجار، وعودة بعض مما افتقدناه بث الفرح والدفء في روحي وجسدي، فمبارك لك يا رام الله ردائك الجديد، ومبارك لنا ولادة الأشجار الجديدة بعد أن شعرت بالأسى على أشجار قتلها تراكم الثلوج عليها، فلم تحتمل وخرت صريعة بعد أن صمدت مئات السنين، ومبارك هذا الجهد الرائع يا بلدية رام الله، ومبارك لنا جميعا مئوية تأسيس بلدية تعمل كل جهدها لتجعلنا نحب رام الله أكثر.
الفرح يستجلب الفرح، والشجر يستحضر الشعر، فكان المساء جلسة شعرية جميلة للشاعرة روز شوملي في المركز الثقافي الفرنسي الألماني، حيث ألقت مجموعة من أشعارها الجميلة والمؤثرة، وسط تفاعل من الحضور ومناقشات جميلة، أزالت الشعور بالبرد في الخارج، خرجت بعدها وسرت في الشوارع رغم البرد الشديد الذي كنا نقول عنه: "برد يقص المسمار"، كناية عن شدته، وبعد جولة لم تطل كنت بطريقي للصومعة أبحث عن قليل من دفء وأعد طعامي لليوم التالي، ومن ثم أتفقد بريدي وأقرأ قليلاً قبل النوم.
هي رام الله في هذا الصباح، فأستذكر ابنة لرام الله تقيم في المهجر والمنفى، قارئة جيدة لصباحات رام الله، خاطبتني يشدها الحديث الذي أتحدثه من الذاكرة عن المدينة، تشدها الصور التي تلتقطها عدستي، فيثور الحنين في روحها فتحدثني عن بيتها وطفولتها، ومن باب المصادفة أن تكون المنطقة التي أقيم بها حالياً، شهدت الكثير من طفولتها، فقالت: أنها بمقدار ما شعرت بالفرح، إلا أنها بكت حين بدأت أحاديثي تعيد وهج الذاكرة لها، فاستذكرت رام الله والطفولة والجمال، فهكذا هي رام الله تغرس بالذاكرة ولا يمكن نسيانها أبداً.
أول الأمس ومع سطوع الشمس بعد الثلوج، وجدتها فرصة للسير في شارع الإذاعة حتى وصلت لمسرح عشتار، فوجدتها فرصة لزيارة الأحبة هناك لأهنئهم مواجهة على المسرحية الرائعة "العشاء الأخير في فلسطين"، ومن هناك عدت ماراً بطريقي ببيت صديقي الكاتب جميل حامد، فجلسنا تحت شجرتي الجوز والسرو نحتسي القهوة، نستمع لزقزقة العصافير التي كانت فرحة بنور الشمس، فعدت بالذاكرة لتلك الفترة التي امتدت عامين من السكن في بيتونيا درست خلالها الثالث والرابع الابتدائيين هناك، قبل أن نرحل لرام الله بالسكن، وبقيت عاماً آخر درست فيه الخامس الابتدائي في نفس المدرسة، قبل أن انتقل لمدرسة البيرة الجديدة لدراسة الصف السادس الابتدائي في الأعوام 66\1967 ، فبيتونيا والمنطقة التي سكنا بها والتي كانت أقرب لرام الله بالمسافة منها لقلب بيتونيا، كانت غابة من الأشجار وخاصة السرو والصنوبر، وكانت العصافير تصدح باستمرار، وإن كنت قد تحدثت في المرات الماضية عن المنطقة وجمالها، وعن مدرسة بيتونيا وتأثيرها، فأني أستذكر الآن أنه إن كنت قد تعلمت الدرس الأول بالمقاومة بالحجر في مدرسة خليل السكاكيني في القدس، وكانت الثورة الجزائرية هي الموجه الأول لروح المقاومة في أرواحنا بتلك الفترة، إلا أن مدرسة بيتونيا كانت المعلم الأول لي بأسلوب نضالي جديد، المشاركة بالمظاهرات حيث شاركت أقراني وزملاء المدرسة، المظاهرة الأولى في حياتي احتجاجاً على تصريحات الرئيس الحبيب بورقيبة، أثناء زيارته للأردن والضفة الغربية من فلسطين، وإن لم تخني الذاكرة فقد كان ذلك في عام 1964، وفي تلك الفترة بدأت أطل من خلال مجلة آخر ساعة والمصور المصريتين على القومية العربية والقائد جمال عبد الناصر، وعلى ثورة السلال باليمن، فقد كان والدي كغالبية الناس بتلك الفترة من أشد المعجبين بناصر، وكان يحضر هذه المجلات فألتهمها التهاماً، وكنت أستمع لأحاديثه عن ناصر والسلال بإعجاب شديد، إضافة لتأثير بعض الأساتذة من أصحاب الفكر القومي علينا كطلبة صغار بالسن، من خلال أحاديثهم لنا عن القومية العربية والوحدة العربية من الماء للخليج.
أما الجانب الآخر من تأثير مدرسة بيتونيا على روحي، فقد كان حضوري مع طلبة المدرسة أول فيلم سينمائي في حياتي، فيلم جميلة بوحريد المناضلة الجزائرية المعروفة، فقد أخذنا أساتذتنا لحضور الفيلم في قاعة سينما دنيا في رام الله، هذه الدار الفاخرة للعروض والتي جرى هدمها قبل حوالي عشرة سنوات، لتتحول ساحتها إلى موقف للسيارات، ومن ثم إلى مشروع لمبنى تجاري ضخم يحمل نفس الاسم، وقد كان هذا الفيلم الأول في الذاكرة البداية لعشقي فن السينما واهتمامي به، وفي الجانب الآخر كانت المدرسة حريصة على إقامة حفل فني في نهاية كل عام دراسي، تتخلله مسرحية صغيرة من إعداد وتمثيل الطلبة، لذا نشأت على عشق المسرح ومتابعته عندما كانت تتاح لي الفرصة، وفي المرحلة التي تلت إنهائي الثانوية وبدء دراستي الجامعية، كنت من رواد المسرح الدائمين في دمشق وبغداد، وما زلت حتى الآن متابعاً للسينما والمسرح، ولعلي في مقالات قادمة أستذكر هذا الجانب من حياتي بتفصيل أكبر.
صباح آخر تفاجئني الأخبار فيه بتجدد العدوان على غزة وأهلنا هناك، فيستشهد تسعة ويتجدد الحصار، فالاحتلال لا يتوقف عن القتل سواء في غزة أو الضفة، والساسة ما زالوا لم يدركوا أن انقسامنا هو من يشجع العدو علينا، فإلى متى أيها السادة يستمر هذا الصراع؟
فنجان قهوتي وطيفي البعيد القريب الساكن الروح، هديل الحمام على نافذتي، شمس مشرقة وجو بارد، وشدو فيروز يشدني ككل صباح:
"بظل فيه اتنين، عيون حلوه وإيد يعمروا ضيعتي الخضرا على مد العين، وصغيره ومسيره على الغيم، بتزوغ وبتحكي عصافيرها، شو بيمرق عليها رياح وضيم، وبتظلها تلاقي نواطيرها".
صباحكم أجمل.

عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]


زياد جيوسي


رام الله المحتلة 6\2\2008
  رد مع اقتباس
قديم 14 / 02 / 2008, 50 : 11 AM   رقم المشاركة : [9]
أ. د. صبحي النيّال
ضيف
 


رد: رام الله

من بيوت رام الله القديمة والجميلة
عمره الآن تجاوز الثمانون عام
"بعدستي الشخصية"








صباحكم أجمل\ غِمار الزهر
يعود إلينا المطر من جديد، فتحتفل به الأرض وتحتفل به رام الله، فهو يترافق مع حملة التشجير التي بدأت، حملة تقوم بها البلدية بالتعاون مع القطاع الخاص والفعاليات الشعبية، وتعد هذه الحملة أنموذجا يجب العمل على تطبيقه في المجالس والبلديات الأخرى، فهو ليس جهداً حكومياً لينتظر الجميع الحكومة لتقوم به، بل مبادرات ذاتية وشعبية يمكن لكل من ينتمي لوطنه أن يقوم بها، إن توفرت الرغبة في المصلحة العامة، والانتماء للأرض والوطن.
رغم صباحات رام الله الشديدة البرودة هذه الأيام، إلا أن مساءها يحمل في طياته دفئاً ثقافياً وفنياً، ففي مساء الأربعاء الماضي كنا على لقاء مع أمسية والكاتب أكرم مسلم في أمسية لطيفة قرأ لنا فيها بعض مما كتبه عن انطباعاته عن مدينة هامبورغ في ألمانيا، ضمن مشروع "مداد" الذي بادر إليه معهد غوته، وكانت أمسية جميلة في المركز الثقافي الفرنسي الألماني في مدينة رام الله، ومساء الخميس كنا على موعد مع الرائعة المسرحية "أبو حليمة" على خشبة مسرح القصبة، والتي جعلت الجمهور يضحك على طريقة شر البلية ما يضحك، فقد أبدع الفنان إسماعيل الدباغ وهو يتقمص شخصية أبو حليمة الذي يمثل حالات الفلسطيني، ما بين النكبة والشتات والمخيم والقسوة والأنظمة والجيوش والثوار، ليعود و"يبحث عن فلسطين في فلسطين ولا يجدها"، ومساء السبت كنا على موعد مع نادي القراءة في مكتبة بلدية البيرة شقيقة رام الله التوأم، ومحاضرة جميلة عن: "ما بعد الحداثة" للصديق الدكتور زياد الترتير، وان اضطررت للاعتذار والمغادرة حين أنهى أبو طارق الحديث وقبل المناقشة التي فاتتني لارتباطي بدعوة أخرى، والحقيقة أن أسلوب الدكتور زياد مميز وجميل، فهو متحدث في المحاضرة لا قارئ عن ورق، مما يجعل التجاوب معه مميزاً، ورغم أني كنت تعب يومي الجمعة والسبت ولم أغادر فراشي إلا للمحاضرة، إلا أني شعرت بالراحة هناك وتمنيت لو حضرت المناقشة، وإن لم يفتني أن أتحاور معه لاحقاً في سيرنا المسائي بعد الفعاليات التي نلتقي بها عادة، ونقوم بالسير رغم البرد على الأقدام، حتى أوصله قرب بيته وأعود لأكمل السير ومداعبة الغيوم والنجمات في سماء رام الله ونسماتها الباردة الجميلة، والتي رغم كل جمالها لا بد من الاحتياط بالملابس الثقيلة والتي بالكاد تتمكن من تخفيف حدة البرد.
ارتباطي الآخر كان دعوة من حزب وطني يساري لحضور جانب من دورة لشبيبة الحزب عن المؤسسات، والحقيقة شعرت بالسرور وأنا أرى هذا العدد من الشباب والشابات وهم يتناقشون ويتحاورون، فقلت في نفسي: آمل أن يكون شبابنا وشاباتنا جميعاً بهذا الوعي الجميل، ولعل من أجمل ما صادفني هناك أني التقيت مع صديقي الإذاعي نديم عبده، هذا الشاب النشيط بالإذاعة والتغطيات للأحداث، الدمث الخلق والطيب المعشر، وحين دعينا لتناول العشاء همست بأذنه: يا صديقي ألسنا بحضرة حزب يساري؟ فقال: نعم.. فقلت له: وهل حزب يساري يعقد دورة مثل هذه ويكون العشاء "هامبرغر" والمشروب الغازي "كوكاكولا"؟.. أليس الأجدر الانتباه لذلك والطلب من مطعم الفندق أن يقدم العصير من صناعتنا الوطنية، ويقدم عشاءً مرتبطاً بنا كوجبة "مجدرة" مثلاً، وكيف يمكن لهذا الحزب أن يقوي الانتماء الوطني بحس شبيبته، وهو يقدم لهم ضمناً ثقافة "الهمبرغر والكوكاكولا".
وأما مساء الاثنين الأول من أمس فكنت بدعوة من أحد المراكز الأهلية في جلسة حوارية حول مفهوم العنف واللاعنف، ويظهر أن هناك من يحاول استنساخ تجربة "المهاتما غاندي" إلى هنا، رغم أن كافة الظروف الذاتية والموضوعية مختلفة تماماً، فلا مجال للمقارنة بين الاحتلال البريطاني للهند الذي كان يهدف للسيطرة على الموارد، وبين الاحتلال الاستيطاني الإحلالي في فلسطين، الذي يستهدف إحلال شتات الأرض بدلاً من السكان الأصليين الضاربين الجذور في هذه الأرض المقدسة، احتلال يطرد السكان من أرضهم ويدمر مساكنهم وأشجارهم، ويعتبر وطننا "وعد الرب" لهم، فهناك فارق كبير بين الحالتين وفارق كبير بين الكفاح المشروع من أجل الحرية وبين تعبير "العنف".
ومن هناك كنت مرة أخرى في أمسية ثقافية في المركز الثقافي الفرنسي الألماني، على لقاء مع الأسير المحرر محمود الصفدي، والذي قضى في سجون الاحتلال ثمانية عشر عاماً متواصلة، والذي الهم الكاتبة والصحفية الإسرائيلية "أميرة هاس"، من خلال تواصل استمر خمسة شهور وهو بالمعتقل، أن تكتب مسرحية "همس" والتي تعرض منذ بداية العام بشكل يومي في فرنسا، ولا تجد في المسرح مقعداً شاغراً، فحدثنا عن تجربة الاعتقال الطويل وكيف يمكن للمناضل في الأسر أن يتمكن من محاصرة الحصار، وأن يحيل السجن إلى مدرسة وتجربة مميزة، فمحمود حصل على الشهادة الجامعية الأولى في السجن.
والملاحظ أن المركز الثقافي الفرنسي الألماني بدأ يفرض حضوره منذ فترة على الساحة الثقافية والفنية في رام الله، في ظل تراجع الأداء في العديد من المراكز الثقافية حتى باتت لا تقدم إلا فعالية واحدة بين الفترة والأخرى، مقارنة بفترة سابقة كانت بعض هذه المراكز تسيطر على الساحة ثقافياً وفنياً، وكان لها برامج شهرية تغطي الشهر تقريباً في النشاطات.
رغم دفء الأمسيات في رام الله ثقافياً وفنياً، إلا أن ليلها ما زال يشهد غزوات خفافيش الظلام، فمنذ أيام ولا تكاد ليلة تخلو من دخول قوات الاحتلال للمدينة بعد منتصف الليل، تعيث خراباً وتشن حملات اعتقالات وتخريب، ففي العديد من الليالي الماضية، كنت أصحو على أصواتهم وتفجيراتهم، فيطير من عيوني النوم وأنا أرى هذه الخفافيش التي تأتي بعتمة الليل، تعيث بليل المدينة الهادئ وتحيله إلى ليل طويل وأرق متواصل، فمن المستحيل أن نتعايش مع احتلال يصر على إبراز وجهه البشع دوماً بالقتل والأسر والتخريب، لكنه الاحتلال ليس له وجه آخر.
أقف لنافذتي وأستعيد الذكرى وراء الذكرى، أستعيد شريط طفولتي وانتقال من بيتونيا إلى منطقة تدعى "سطح مرحبا" في أطراف البيرة، إلى بيت جديد وجميل، ولعل من أجمل ما فيه أنه مرتبط بالشبكة الكهربائية، فكل سنواتي السابقة كانت بلا كهرباء، أدرس على "لمبة الجاز"، وأتناول الطعام على "صينية القش الملون"، الموضوعة على مائدة قصيرة الأرجل كنا نسميها "الطبلية"، نجلس حولها على "الحصير" المصنوع من القش، وأنام على "جنبية" مصنوعة من مزق الألبسة التي بليت، وأتعاون مع إخوتي على نقل الماء من البئر بواسطة "الدلو" المصنوع من بقايا دواليب السيارات، فالماء كان من الأمطار و غيث السماء يتجمع في البئر، لننقله بجهد كبير إلى الخزان الإسمنتي فوق سطح البيت في بيتونيا، ونطحن العدس والفول على "الجاروشة" الحجرية التي كانت ملكاً لجيراننا، وان بقيت في مدرستي في بيتونيا عام آخر، كنا نعاني خلاله من الحر والبرد وطول المسافة للوصول للمدرسة أنا وشقيقي جهاد والعودة منها، إلا أن هذا العام كرس في روحي حب رام الله أكثر وأكثر، فكنت اتأخر عن البيت في العودة وأنا أجول شوارعها، أرتاح تحت أشجارها وعلى حواف أسوار البيوت والشوارع، فلم تبقى شجرة إلا وعرفتها وربطتني بها صداقة ومحبة، أقرأ بمجلات أستعيرها، أو كتب من مكتبة المدرسة تحت ظلالها، لذا حين عدت لرام الله بعد غياب ثلاثين عاماً، كنت أبحث عما تبقى من أشجارها التي عرفتها، وأتألم على كل شجرة تقطع أو تموت، فأشعر بأني أودع عزيز وغالي.
صباح آخر بعد ليلة قلقة، الأمطار هطلت طوال الأمس والليل بحب وجمال، رام الله تمارس عشق الاغتسال بالمطر وتتطهر من آثار القدم الهمجية، طيفي تجول روحه في فضائي، فنجان قهوة تشاركني فيه روح طيفي الحلو الشقي وحروف خمسة لم تفارق ليلي القلق، فيروز تشدو ككل صباح:
"هون نحنا هون، لوين بدنا نروح يا قلب يا مشبك عالدهر، عا سنين العمر، وضو القمر مشلوح، عا أهلنا الحلوين، عا بيوت غرقانين بالعطر بغمار الزهر، هون راح نبقى نسعد ونشقى، ونزرع الشجرة حدها الغنية، وللدني نحكي حكاية الهية".
صباحكم أجمل..
زياد جيوسي
رام الله المحتلة 13\2\2008
  رد مع اقتباس
قديم 18 / 02 / 2008, 50 : 09 PM   رقم المشاركة : [10]
أ. د. صبحي النيّال
ضيف
 


رد: رام الله

عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]





مع ناصر الريماوي وقصته:
"عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
بقلم: زياد جيوسي
"يوم قاحل".. قصة مختلفة عن نمط الغرائبية المتسربل بالرمزية للكاتب الصديق ناصر الريماوي كما اعتدنا في العديد من نصوصه، فهنا نجد قصة مباشرة تعتمد على فكرة الحدث المباشر، تعتمد على التضاد بين الصور، فهنا في "مدينة لا تعرف المطر" تفاجئ السماء شخصية القصة الرئيسة بزخات من المطر، هذه الزخات تثير في نفسه السؤال: "متى يهطل المطر ، في أي فصل من السنة ، في أي وقت من اليوم ، هل من المعقول أنها تمطر في هذه المدينة ؟؟؟"
هذا الجو المفاجئ يثير في نفسيته المنـزعجة منذ الصحو ردود فعل عصبية، "طقوس مبتكرة ، وأخرى مبتذلة"، لذا من المنطقي ضمن هذا الجو العصبي الذي يدفعه لسكب الشاي في البالوعة وقذف الفحم من النافذة والمغادرة على عجل، أن يرى أي حدث عادي في يومه يشير إلى"يوم قاحل"، والعادة في تركيبتنا النفسية وحين نبدأ نهارنا بالانزعاج أن نقول: "الله يسترنا من هذا اليوم"، لذا من الطبيعي أن يرى بكل حدث ما يثير الأعصاب ويوترها، ومن هنا كانت قدرة الريماوي على تقمص الشخصية في قصته، وأن يعطيها الأبعاد النفسية المطلوبة.
إن الأحداث التي يوردها هي أحداث عادية قد يتعرض لها كل إنسان، لكن ضمن الجو النفسي المنـزعج يصبح لكل حدث معنى وتفسير مرتبط "بالنحس"، ولم يبقى على شخصية القصة الرئيسة إلا أن يقول: "بوجه من تصبحت هذا اليوم؟" لكنه يكتفي بالقول: " يوم نحس من أوله...."، وهي بنفس المعنى ضمن نفسية التطير التي تسيطر على السلوك العام في اللحظات العصبية، ويكمل قوله في موقع آخر: " نهار قاحل منذ البداية... الله يسترنا من آخره."، ويكمل قوله في موقع آخر: " فيوم قاحل منذ البداية لا بد أن يقود إلى طريق مغلق"، فهكذا نرى أن أي حدث عادي مثل نسيان المحفظة أو وجود تحويلة في الطريق أو رشقه بالماء من سيارة مارة أو تعطل السيارة بسبب حفرة غير مرئية، سبب كاف ليحيله إلى النحس الذي يلازمه ذلك اليوم، ولكنه كالعادة يحاول الخروج من ذلك النحس والتطير بالعودة للإيمان: " الحمدلله ... الحمد لله.".
لن استطرد بسرد أحداث النحس التي رافقت القصة والاستشهاد بها، لكني أحب أن أشير أن القاص تمكن من إيراد صور جمالية وحلوة تبعث على التأمل فيها وتخيلها، مثل: " الشمس تبسط سيطرتها التامة على الأجواء ، بقايا الغمام قد تلاشت تماما"، ومثال آخر: " توهج المكان من أمامه بوهج يعرفه جيدا ، كان وهج الشمس يشق طريقه من خلال فسحة صغيرة وضعيفة لجيش الغمام الذي لا يقهر، تزايد الوهج حتى انعكس من خلال قطعان الغيوم فلم تعد داكنة".
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا كل هذا "النحس" في يوم واحد؟.. أعتقد أنها مسألة نفسية في مواجهة حدث مفاجئ هو المطر هنا، والرغبة بالتمتع به من جانب إنسان عرف بلاد المطر، وأصبح في النهاية يسكن بمدينة لا تعرف المطر، فخلق في روحه التراوح بين المطر والصحو هذا الضيق الكبير، لكنه بداخله يتمنى المطر ويريده رغم كل تأثيراته السلبية على مدينة لا تعرف المطر، لذا نراه وبمجرد النظر من النافذة يورد لوحة جميلة ووصف للحالة التي أشير إليها: " أظلمت خارج المبنى ، خلال وقت قصير ، كانت غيوم داكنة قد احتشدت ، منذرة بهطول مفاجئ للمطر ، تراقصت جنباته فرحا وهو يرى هذا التحول السريع ، وثب إلى النافذة ، وأطلق صيحة فرح طفولية ، ثم فرك كفيه وهتف في وجه زميله : ستمطر ... ستمطر .... أخيرا ستمطر..."، وهذا يؤكد انتظار المطر والفرح فيه، ومن هنا نكتشف أن البدايات التي جعلته يشعر بالنهار نحسا وقاحلاً هو توقف المطر في الصباح حين كان ينتظره، فتعكرت روحه وجاءت الأحداث المتلاحقة لتقنعه أنه يوم قاحل، فهو يريد المطر ليتمتع به في مدينة لم تعتاد على المطر: " أعود اليوم ، سأعمل عليه بالبيت ... أمام لوحة المطر..."، وفي صورة أخرى: " كان بين الفينة والأخرى يطل من النافذة، ليتأكد أن السماء لا زالت تجود على الأرض بخيراتها، ثم يعود لتحضير طقسه الذي طال انتظاره".
لذا حين تظهر الشمس لتخرب عليه فرحته بالمطر ويأتيه الهاتف الأخير نجده يصرخ: " على الرغم من كل هذا المطر ... كل هذا المطر ... لكنه يوم قاحــل ... قاحــل".
تمكن الريماوي من إتقان السرد بشكل جميل، تمكن من شد القارئ بين هذه المفارقات المضحكة أحيانا والتي تثير الأسى أحياناً، وتثير التعاطف مع بطل القصة أحياناً أخرى، تمكن من استخدام عنصر التشويق بإتقان جيد، وإن كنت أسجل ملاحظة صغيرة حول استخدام أشارات الترقيم بشكل غير دقيق في القصة، مثل وضع فراغ قبل وبعد النقطة والفاصلة وغيرها من إشارات الترقيم، بينما في الأصل أن يترك الفراغ بعدها وليس قبلها، وهذا جانب فني لا يمس جسم النص بشكله العام، وما عدا ذلك فقد كان الريماوي قاصاً جيداً، امتلك أدوات القصة القصيرة بشكل جيد، وكان يمكن لهذه القصة المشوقة أن تكون وكما قال القاص يوسف ضمرة: "ما لفت انتباهي في القصة، أنها كان يمكن أن تنتهي في أكثر من مكان.. وربما يعني هذا أن في القصة قصصا لا قصة واحدة".
رام الله المحتلة 15\2\2008

عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
ما سر عدم فتنة النساء بجمال رسول الله صلى الله عليه وسلم إشراقات محمود مرافئ الروح في رحاب الإيمان 7 23 / 09 / 2017 27 : 02 PM
لماذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثر من الصيام في شهر شعبان إشراقات محمود الأحاديث النبوية، السيرة ومكارم الأخلاق والشمائل 0 15 / 05 / 2016 21 : 09 PM
حكم قول ( الله يوفقك إن شاء الله ) أي حكم قول إن شاء الله في أي دعاء ناهد شما أدعية و أذكار و فوائد دينية 8 12 / 07 / 2012 51 : 07 PM
أقوال بعض المستشرقين في شخصية رسول الله محمد ( صلي الله عليه و سلم ) د. ناصر شافعي أقوال وحكم عالمية 2 22 / 03 / 2010 58 : 12 AM
وصايا النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة رضوان الله عليهم أحمد ابو البراء تاريخ الإساءة للنبي( صلى الله عليه وسلم) 0 25 / 10 / 2009 28 : 01 AM


الساعة الآن 41 : 06 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية

خدمة Rss ||  خدمة Rss2 || أرشيف المنتدى "خريطة المنتدى" || خريطة المنتدى للمواضيع || أقسام المنتدى

|