تحليل ورؤية وإضاءة على قصيدة غزة الجريحة
تحليل ورؤية وإضاءة لقصيدة بعنوان غزة الجريحة
للشاعرة المبدعة الأستاذة زينب القرقوري
يعبر الجرح عبر
شرفات الألم
غابات حبلى ..
بالأشواق وحقول الرمان ترسم أحلاما وردية
تكسرت الجماجم
تعرى الصمت تلظى بالعطش
وحدها العصافير تشتاق ..
إلى شقائق النعمان
حين تعوي الذئاب
ترتد الفراشات
الخوف ينتاب الأحلام في غسق الظلام
أبحرت سفينة الحياة
والبحر يحاصرها
غزة الجرح
والغيم يشدها
هجرتها النوارس
تنتحب في الأفق
والمدينة الحالمة تحترق...
في سبات الحراس
ولعنة الوجع
مطر من الرصاص يمخر العباب
تنتحب الجموع يا وطنا معطرا
بالآيات
وشجر الزيتون
احترق الشوق
فينا ..
والسهر أدمى ليالينا
قبلات على جبينك
ترسم أمانينا
سنزرع من الصبر إكليلا ...
غدا .. يتمرد شعري
عناقيد غضب
تدمر كل من
آفاق وأمداء ومساحات شاسعة وفضاء آت من الألم تنتاب كل عربي أصيل يمتلك حس الانتماء لوطنه وأمته وشعبه تلك التي انتابت شاعرتنا المبدعة زينب
والجميل والمميز في هذا النص عدم المباشرة والسردية بالإضافة للتكثيف اللغوي والانزياح .
فمن الملاحظ أن جميع أو غالبية من كتبوا عن غزة يبدءون بالوصف الحسي المباشر لما حصل في غزة .
وفي الحقيقة وهذا رأي شخصي غزة قصيدة كتبت نفسها ولوحة رسمت نفسها وبالتالي لا يمكن الكتابة عنها بالشكل التقليدي لأنه ما من وصف وتوصيف ورسم قادر أن يلخص ما حصل هناك سيما وأن ما حصل على الملأ أكبر من الوصف والرسم .
من هنا جاءت أهمية أسلوب قصيدة شاعرتنا المكرمة زينب القرقوري
وكونه يتعذر على أدوات النقد التقليدية أن تسعفنا في نقد النص نقدا أكاديميا
ينتمي لمناهج ومدارس محددة بالتالي سأحاول تحليل النص وفق رؤية خاصة
وإضاءة على محتوى النص أكثر منها دراسة نقدية .
آملا أن ترقى إلى مستوى ذائقتكم وتنال بعضا من رضاكم .
يعبر الجرح عبر
شرفات الألم
غابات حبلى ..
بالأشواق وحقول الرمان ترسم أحلاما وردية
تكسرت الجماجم
آفاق الألم تجاوزت الجسد لتصل إلى الكون أجمع جرح ينزف بدماء أطفال ونساء وشيوخ أصحاب أرض وحق وكرامات مباعة ومأجورة وزعامات فاسدة عديمة الكبرياء
ووعيد وإنذار بأجيال تأبى الخنوع والذل والظلم وقد ولدت والثورة بداخلها تتأجج وتنذربوعيد وغضب .
تعرى الصمت تلظى بالعطش
وحدها العصافير تشتاق ..
إلى شقائق النعمان
حين تعوي الذئاب
ترتد الفراشات
الخوف ينتاب الأحلام في غسق الظلام
وحدهم الأحرار الأطهار يحملون راية الثورة ولا يتوانون لحظة واحدة عن الشهادة وإراقة دمائهم الوردية ’ وحدها أرواحهم تشتاق العلى وأجسادهم تشتاق النضال ودمائهم تشتاق تراب الوطن .
والخونة وتجار الكرامة والأوطان لا يجرؤون على الاقتراب من ساحات النضال .
أبحرت سفينة الحياة
والبحر يحاصرها
غزة الجرح
والغيم يشدها
هجرتها النوارس
تنتحب في الأفق
إشارة واضحة لأسطول الحرية .متطوعون نبلاء على متنه يحملون إكسير البقاء دفعتهم إنسانيتهم والمعانات التي يعيشها شعب بريء ’
سدت كل المنافذ لكأن الشاعرة تقول كما قال طارق البحر من ورائكم و المعبر المغلق بأيد عربية من أمامكم ولا سبيل لكم إلا أنتم .
إشارة واضحة إلى الخذلان وحض وتشجيع للمقاومة والثورة
والاعتماد على النفس .
وها هو ذا القطاع المنكوب الذي أبكى الكون بأسره وآلمه ولم يرمش جفن للسادة الظلّام .
والمدينة الحالمة تحترق...
في سبات الحراس
ولعنة الوجع
مطر من الرصاص يمخر العباب
هذا القطاع البريء الذي مازال يأمل أن ينبض عرق في أوردة الخونة النائمين والمتعامين عما يحصل وكأن شيئا لم يكن .
تنتحب الجموع
وهنا نلاحظ مقدرة كبيرة للشاعرة ,كيف نقلتنا وبكلمة واحدة (عباب) إلى ما حصل بكل وضوح إلى الكارثة التي حصلت عندما أطلق العدو الصهيوني الغاشم المغتصب نيران حقده على أسطول الإنسانية والحرية في البحر ؟ فقولها مطر من الرصاص يمخر العباب يكفي لجعلنا نرى مباشرة و كأن المشهد يرتسم أمام
أعيننا .
وهذا يدل على تمرس الشاعرة وامتلاكها ناصية قصيدة النثر والمقدرة على الغوص في بحورها وسبر أغوارها فهذا الانزياح من أولويات قصيدة النثر .
لتضيف هذه الكارثة للكوارث رقما جديدا , وأبرياء يحملون الماء والدواء يقتلون بلا ذنب سوى إنسانيتهم فيا للعار .
يا وطنا معطرا
بالآيات
وشجر الزيتون
احترق الشوق
فينا ..
والسهر أدمى ليالينا
قبلات على جبينك
ترسم أمانينا
سنزرع من الصبر إكليلا ...
وهنا تطرح شاعرتنا القديرة كتلة من التساؤلات ... أيعقل أن هذا الوطن الزاخر بالأمجاد والمعجزات والأوابد بات عاجزا عن استقبال ضيوفه وأبنائه ؟؟ وتخاطب الوطن والحسرة تجتاح كيانها لا يسعنا فعل شيء سوى الأمل وتقيم القبلات والعزاء . وكلمة إكليلا هنا قد تكون إشارة لصلب المسيح عليه السلام وبأيدي الطغاة أنفسهم وبغصن من شجرة اليهود ( العوسج) كان الصلب .. كما نحن بالصبر وقوة الأمل والإيمان بسواعد أبطالك سنكلل أنفسنا .
غدا .. يتمرد شعري
عناقيد غضب
تدمر كل من
المراهنة على الزمن والأجيال القادمة التي تحمل ضمن مورثاتها وجيناتها فتيل الثورة والتمرد على كل ما هو كائن من الظلم والخنوع والذل .
* * *
الشكل والأسلوب والبناء
نص مكثف وفيه من البلاغة والصور الفنية الرائعة الكثير والتراكيب السهلة والمكثفة والمتلاحمة فيما بينها بشكل منسجم ومتسق وجميل .
وبمستوى عالي من الشعرية والعاطفة الدافئة المحملة بالمعانات والألم والأمل والوعيد والغضب في آن واحد .
الألفاظ سهلة وقوية وتحمل سمتين أو أكثر في دلالاتها ومدلولاتها ومناسبة لموضوع النص وتحمل في أعماقها موسيقاها التي تكاد تبدو خجلة في بعض المقاطع ..
تكثيف بلاغة انزياح موسيقى داخلية ابتعاد كلي عن القص والسرد والخاطرة
بعيدا عن الغنوص والغموض والسريالية الهذيانية التي يقع فيها بعض شعراء النثر
فبرأيي المتواضع أرى أن النص حقق ببراعة شروط قصيدة النثر
تحية كبيرة لشاعرتنا المبدعة زينب القرقوري وباقات من التحايا لأستاذنا القائم والساهر على هذا العمل المبدع ياسين عرعار.
أخوكم عبد الكريم سمعون
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|