ليالي السماء
الرسالة (22)
حمّى الغابات
سمائي النقية الطاهرة الذكية البادية بالزرقة الموصوفة بالرقة
المغزولة من اللطافة.. فلا تشوب رقتها كثافة ولا سكونها كدر.
الكثير من الروعة في إنبثاق لحظك على أكواني هذا الصباح
إني هنا يا رائعة وجودي ومدركة حدودي لو أحبّت بجهجتك أن تفيض ببارقة منها تسعد أوقاتي وأبثّها بلواي فتبدل أحزاني سعادة وفرح فأنا بأمسّ لهفة وأشد جامحة لهذا القبس من أنوارك .. فلقد سبرتُ تلافيف نسياني بغابتي الرائعة بوقع وئيد لا صوت له ..
ولكنني سمعته يئن يا سمائي يبوحني حزنه الأليم ووجعه العميم ..
لبسته الغابة كلها ياسمائي إلا أن هناك العديد من أشجارها لم يكسوها نيساني لهذا العام فلقد إمتدت مشلولة أيدي الغدر لتعبث بلحاء جذعها.. يبتغون إراقة نسغها الحبيب لئلا يصل أوراقها.. وبكل وجع يا سمائي أقول لك : نجحت اقترافاتهم الخسيسة بتجريدها ثوب نيساني العظيم وألبسوها إصفرار عجزهم وأدمغتهم المهترئة ..
ليل غابتي كان طويلا لهذا النيسان الحزين .. كان يتجشأ وجع لحاء جذوع قاماته ورائحة نسغ بناته المراق بأيدٍ لازالت لعنة النسغ تطردها من أفياء ظلال الكينا والصنور والأرز والزمزريق والغار ..
نيساني يئن لوقع ارتكاباتهم ويتألم لون ترابه المبتل بماء حياء كواعبه المرصوصة كحصى الينابيع العتيقة ..
بإعصاب باردة يغتالون خصوبته ويفضون بكارة جوقات أسحاره المؤمنة و يجأون عذرية صباحاته بحرابهم الصدئة..
وبغفلة بريئة من رمش زرقتك فعلوا ما فعلوه ..فلم أجدني إلا محدقا إليك بأحداق إبتهالي.. أبثك شكواي و زفرات نيساني ..
أبوح بما فعلوا ..بتأوّهات أشجار الدلب التي تمشي وئيدة حزنى وضفة جدول سفح غابتي الذي يرسم بجهد طريقها المرافقة منذ ولادتها لها .. ترهلت أشجار الدلب أثقلوا كاهلها بسمومهم ..بإعقاب كيميائهم .. بسرطاناتهم النازفة من علو قهقهاتهم .. بفاقع أصواتهم .. بضجة ألوانهم المتقاتلة ..
ماتت أشجار الدلب .. صرخت طويلا وهم يضحكون لا يبالون صمّ هم بكم ٌ ..ألقوا كل نفوسهم على جذورها دون أن تأخذهم بها نكهة فيئها ولا غناء قيلوح حساسنها ..
والبلوط أيضا والسنديان والصنوبر العتيق باتوا ينشدون أصابع تشير من دون تعب لتشهد حماقات جهل المعتدين ..
قطفوا جميع الخصوبة اليانعة في ترابي.. إجتثوا حبات طلع نرجساتي الخجولة ..خربوا خارطة أقدام السحالي عن ذرات طريق غابتي المتمايلة .. سرقوا قواقع كل السلاحف ..وكلأصغار إبن عرس .. وقبعّات الحلزون البريء .. ورائحة مُزن تراب أيلول الشريف .. ومخاض ولادة الزنابق الصغيرة يا سمائي .. وقسمات وحشيّ جبين أبي .. وكارة تنور أمي .. ومساكب (حاكورتها) الطازجة.. وصياح فجر ضيعتنا حين كانت غافية ذات مرآة لخاصرة غابتي .. الموشّاة بشحوب شجيرات الغار والكينا التي لم يكسوها نساني .. فوضى إسمنتهم تعبث بحوافها وظلال صنوبرها .. ما عادت الشحارير تشيد أعشاشها في ربوع الزمزريق والبطم والإجاص البري ..
لم يعد بريق إهتزاز أوراقها بزفرات الشفق المحمر قادر على أن يسامر النجوم .. ولا أن يضاحك عينيّ في أشعة دعك استيقاظي المبكر .. جميعهم يركضون يصرخون ما عداي وغابتي والسلحفاة المريضة ..
ولم تعد طيور الحجل تشرب من ماء النهر .. حتى ورودك الحمراء باتت تذبل فور ملامستها مهجتى الحرّى ..
غابتي ثكلى وحزينة ومحمومة يا سمائي ..
وأناملي ماعادت تسمع غناء أوبار الصنوبر ونشيد لبلابها الرتيب ..
كــــــــريمـ سمعون \22\نيسان 11 20