الاعلامي الفلسطيني ماهر رجا في حوار مفتوح ضمن مدارات اللغة..
ماهر رجا... يفتح أبواب الضوء ليعبر الغرباء
إعداد: سامر عبد الله144 - الشاعر قاسم فرحات
في رحلتي الأولى نستقل المحطات ,أقصد نحن الغرباء وأمي ,لا تأتينا الرسائل من شمال الطريق ولا غربه ,أبدل ذاكرتي ولا تتغير تلك المحطات ,تزدحم في بالي الصور بالأبيض والأسود,ثمة صورة مدهشة تحمل النص1951 ,شبح ما يحاصرني في دقيقة صمت , من تراه يكون ..من أنا ..من أنت. في غرابتهم وحدهم أحن إليهم ,أصلي كل ليلة ,كي يعودوا غرباء عند تمثال المتنبي في ليلة الشهداء. أمطار آذار تنهمر على وجهي في سنة الأبيض , وفي مخابئ الهواء تدور الأطياف على الرحى ..في كل مكان نغني النشيد الأخير على الأسوار ..وفي جنين, تقول أمي الغريبة :مطر ويعود محمد ,ماباله تأخر قليلا . تمر قافلة على وقع ناي بعيد الخريف ,تمر على سور أمس هناك في ارض ما. لابد من النزول إلى الغياب مع مخازن الموتى لتصبح الحياة أجمل...
... أمي الغريبة ... لو (تأتين) ؟...
بهذا التناص الجميل يعنون الشاعر ماهر رجا قصائده المتوالية في خط منتظم متشعب الاتجاهات
بدا كأنه يستقل المحطات ليكمل رحلة (العربات) في سفر يمتزج بالنبض والمجهول,هذا الكاتب الذي يضعك أمام النص مباشرة دون التكهن بما قد يجري للحظة الآتية,ذاك الشيء الذي يسكنك عميقا ,يبدع الشاعر ماهر رجا في انتقاء التصوير المجازي الذي يرتقي بالقصيدة إلى النثرية العالية,ولا ينسى أبدا ًأن يترك بصمته الإيقاعية تجول أطياف القصيدة. نعم هذه كينونة ماهر رجا المتجدد كما الحياة .
ضيفنا اليوم وجه إعلامي وشاعر توحد في الكلمة وأفقها,صاغ من فضة روحه
صورة لبلد يحترق.
في صالون نور الأدب يسرنا أن نستضيف الشاعر- والاعلامي الفلسطيني ماهر رجا في حوار أدبي مفتوح لننهل من المعرفة التي واكبت مسيرته الأدبية ,ولنعلم كيفية العبور للضوء برفقة الغرباء.
نبذة مختصرة عن ضيفا نذكر منها:
[align=center]
ماهر رجا........
مكان وتاريخ الولادة: سوريا 1961
الجنسية: فلسطيني
مكان الإقامة: دمشق ـــ سوريا
العمل: إعلامي *ليسانس في الأدب الإنكليزي من جامعة دمشق. · عضو اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين
[/align] المؤلفات
ـــ "هواجس الفتى الغافي" (ديوان شعر) 1992.
ـــ "العربات" (ديوان شعر) صادر عن دار الأهالي ـ دمشق 1995.
ـــ "صمت ابن آوى" (مسرحية) الجائزة الأولى في إطار جائزة الإبداع العربي_ الشارقة 1997
ـــ "الغريب وأنا" (ديوان شعر) ـ صدر منذ ثلاثة أشهر
ـــ "السر" مسرحية ـ [نص للخشبة] لفرقة رؤى ـ لبنان
ـ"الطوق" (مسرحية ـ مونودراما ) قيد النشر.
العنوان:
سوريا ــ دمشق ــ ص. ب : ( 31615 )
*يرافقنا في سفرنا ديوانه الشعري الجديد والذي صدر حديثا ًعن دار الشجرة بدمشق في نوفمبر وحمل عنوان:
(الغريب وأنا)
جاء الديوان في 266صفحة ,من القطع المتوسط.
من جديد أهلا بالشاعر ماهر رجا ضيفا ًعزيزا ً... وتفضل بقبول فائق احترامي وتقديري.
أريد أن أذهب الى السؤال مباشرة فهو يلح على الذاكرة:
v كيف تنظر إلى أدب الحداثة في العصر الراهن ؟
الهم الفلسطيني يسري في عروق ماهر رجا وهذا لا أراه فقط بصورة شخصية محددة لكن يمكن أن تظهر هذه الدلائل في نص شعري أو كتابة مقال أو حتى في أمسية أدبية.ترتفع تلك الوتيرة الى مفهوم قيل سابقا وهو الألم العبقري.
والسؤال البديهي ههنا :
*كيف يمكن لهذه الانعكاسات السلبية أن توظف في خدمة النص الشعري,
وأترك لمجال للأستاذ ماهر للرد على الأسئلة ,كما أدعو كافة كتاب وزوار منتديات نور الأدب للمشاركة في هذا الحوار القيم.أترك المجال أيضا لكتاب المنتدى للترحيب بضيفنا العزيز.
رد: الاعلامي الفلسطيني ماهر رجا في حوار مفتوح ضمن مدارات اللغة..
أولاً ، شكراً على هذا التقديم الذي افتتحت به الحوار. أما الحديث عن أدب الحداثة فذلك يضعني في الحقيقة أمام سؤال كبير ومتشعب ، إذا لا يمكنني أن أقدم توصيفاً ناجزاً في كلمات لموضوع يملأ الدنيا اليوم ويشغل الناس..
دعني أقل إشارات.. الحداثة أولاً لا أفهمها مرافقة لتطور الزمن حين يتعلق الأمر بالإبداع...نحن هنا لا نتحدث عن تطور علم الفيزياء أو الرياضيات أو الكيمياء العضوية.. نتحدث عن المجاز الطائر المحلق لا عن الطائرة وتطورها..
ما أعنيه بكلمة أخرى أنه ليس كل أدب حديث وإبداع حديث هو ذلك الذي يواكب اللحظة بالمفهوم الفيزيائي للزمن، وإنما كما أفهم الأمر، الأدب الحديث هو الذي ينتج بنى ورؤى شعرية متجددة بشكل دائم تتجاوز قدرة الزمن على إفنائها.. أقصد تلك الرؤى المبدعة العظيمة التي يمكنها أن تحظى بالخلود..
ثم ليس ما هو معاصر ومتغير يصبح حداثياً،
المتنبي قصيدته قصيدة بحر، أي ما يشيع تسميته بالقصيدة العامودية ذات الشطرين من حيث البناء الفني، لكنه شاعر حداثة على نحو ما على الرغم من مايزيد عن ألف عام بيننا وبين زمنه.. كذلك جون كيتس و كوليردج، وحتى شكسبير الذي مازالت روح مسرحياته حية إلى الآن...
إذكر الآن عبارات للشاعر جورج شحادة، فهو يقول: (الأثر العظيم الذي يحيا مع العصور وقد لا يموت أبداً، هو الذي يستوفي هذين الشرطين: أن "يتظاهر" بأنه حديث، أو عصريّ، وأن يكون باطل الموضة. أن تكون عليه مسحة من عصره. مجرد إغراء شكلي يضمن له أن يتظاهر بأنه حديث أي يعطيه حقّ المثول مع الماثلين في عصره، ولكنْ دون أن يُفقده ذلك أبدّيته).
هنا هذا الشاعر العميق الرؤيا يفهم الأمر ويتمثله جيداً.. الحداثة أعمق من فكرة ابتداع الكاتب لأطر وأنماط جديدة أو لهاثه خلفها.. القيمة في الجوهر..
لكن أريد أن أضيف هنا أمراً.. لا تفهم من كلامي أنني أفترض أن الحداثة قشرة خارجية.. أطار للوحة الإبداعية وحسب.. فالأبداع ابن عصره بالتأكيد وهذه حتمية..وعلى النص والكاتب أن يكونا مرهفي الإصغاء لحركة الزمن المعاصر ولأصواته وهمومه وأحلامه..
نعم ، مطلوب من المبدع أن يطور في وسائله ويجدد في الشكل والمضمون لا أن يستسيغ القديم دوماً.. القديم قال كلمته ومنها ما هو قادر على الحياة حتى اليوم.. وعلى المبدع أن يقدم مغامرته هو واكتشافه هو وأن يضيف شيئاً ما إلى ديوان الإبداع بأجناسه المختلفة..
لكن ما نراه اليوم هو شيء من المبالغة على حساب الجوهر في البحث عن الأشكال .. ثمة أفانين وبدع ترهق في أغلبها مضمون النص أو تكون على كاهله.. .. وكثيراً لا تجد مضموناً..
والحقيقة أن هناك غرائب لدى بعض الكتاب في ولعهم بطرح أشكال جديدة.. أية أشكال.. وأذكر أنني قرأت نصاً (شعرياً) تحول إلى لوحة متداخلة من الأسهم والحواشي، التي تارة تشعرك أنك أمام متاهة وتارة أخرى تقول لك (ها قد علقت في شرك الخواء).!!
إذاً ـ وهنا نقطة أخرى ـ المسألة برأيي، ليست عملاً قصدياً .. لا يجلس الكاتب فيقول أريد أن أصنع نصاً حداثياً.. وأعرف أن هناك من يفعلون ذلك وهم كثر.. هناك من يحاولون أن ينحتوا طريقة في الكتابة ، وهناك من يرون الحداثة في تهديم السابق .. ومع أنني مع فكرة التخريب والتمرد على الأشكال والأساليب المنجزة السابقة في الكتابة، إلا أنني أرى أن ذلك يجب أن يكون عن معرفة واستيعاب لأهم عوامل وثقافة الموروث الشعري السابق..
فكي يقنعني رسام بلوحاته التجريدية ذات الخطوط والألوان المبهمة عليه أن يكون قد مر مسبقاً على موروث قديم من فن التشكيل.. لا أقول إن عليه أن يكون قد تدرج بشكل دقيق في ذلك، لكن على الأقل أن يدرك ذلك الموروث ويستوعبه...
على كل حال الحديث في هذه النقطة وحول هذا السؤال يطول ويتشعب.. هذه إشارات فقط، ومع ذلك أشعر أني أطلت...
.................................................. ..
دعني أذهب إلى سؤالك الثاني..
ما يمكن أن نسميه بالهم الإنساني .. ومن ثم الهم الفلسطيني بكل عذاباته وذكرياته الموجعة، هذا رافق القصيدة الفلسطينية إن جاز التعبير وما زال..
وأنا لا أوافقك على صيغة طرح السؤال ، حيث أسميت تجربة الألم الوطني والإنساني بـ"الانعكاسات السلبية" متسائلاً عن كيفية توظيفها في النص الشعري... أفهم أنك لم تقصد كلمة سلبية بالمعنى الشائع للكلمة، لكنني أرى تلك الانعكاسات عاملاً دافعاً ورافعاً وينبوعاً ثراً للفعل الإبداعي..
لماذا أقول ذلك؟.... لو نظرت إلى الأعمال العظيمة في الإبداع الإنساني عبر تاريخ البشرية المكتوب والشفوي، لرأيت أن معظم تلك الأعمال ينبعث من الألم ومن مغامرة مواجهة غير متكافئة بين هذا الألم والهشاشة البشرية.... ذلك قد يصل إحياناً إلى أن يكون ألماً عبقرياً كما أسميته في سؤالك..
سأذكر لك أمثلة من هنا وهناك.. عد بذاكرتك إلى الأوديسة لهوميروس وما فيها من فكرة الغربة والضياع والحنين إلى (إيثاكا) تماماً كما في الحالة الفلسطينية.. أو قصائد حنين كافافي إلى الإسكندرية...
أجمل قصائد المتنبي تلك التي قالها في مصر بعد أن انهارت أحلامه.. وهناك كمثال سريع أيضاً معظم أعمال غوغول التي تتعمق في عذابات صغيرة أو كبيرة لأناس عاديين.. أعمال لتشيخوف الرائعة الجارحة الحالمة.. السياب الحزين دوماً وما أنتج لنا من الروائع..
الحكاية الفلسطينية إلى ذلك، تنطوي على ما يشبه الملحمة أو الأسطورة.. كل تفاصيل التجربة الفلسطينية الموجعة تبدو وكأنها قطعة من مخيلة أسطورة قديمة.... هنا أتحدث بالمعنى الإبداعي والواقعي.. قضية فلسطين بألامها وجراحها وذكرياتها شديدة الغرابة بحيث لا تتخيل أن أول فصولها وقع قبل ما يزيد بقليل عن سبعين عاماً.. لقد سرق وطن في وضح النهار، وقاتل أبناؤه ومازالوا بصدورهم كالشعراء المحاربين.. ماتت الأمهات في المنافي والشتات وهن يوصين أبناءهن بوطن لم يروه، وعاشت المخيمات ساطعة الحضور والحياة في ذاكرة لم تمت ولم تذبل.. هناك على مقربة منا مقابر شهداء لشبان وفتيان لم يتسلقوا شجرة الحياة ولم يتقاذفوا بثمارها ولم يختبروا الحب الأول وقررا الذهاب إلى الأضرحة مبكراً.. لعل فلسطين الحبيبة ترضى وتبتسم ولو قليلاً..!!
هذه المشهدية هي أفضل مناخ للقصيدة.. وهي قد لا تبدو واضحة دائماً في قصيدة عن الوطن تقول ما لديها مباشرة.. هذه المشهدية المعذبة أو آهة من غابتها قد تظهر أيضاً في قصيدة الحب الفلسطينية أو في نص يتحدث فيه الكاتب عن هواجس وهموم خاصة...
مديرة الموقع المؤسس - إجازة في الأدب ودراسات عليا في التاريخ - القصة والمقالة والنثر، والبحث ومختلف أصناف الأدب - مهتمة بتنقيح التاريخ - ناشطة في مجال حقوق الإنسان
رد: الاعلامي الفلسطيني ماهر رجا في حوار مفتوح ضمن مدارات اللغة..
منذ زمان ٍ
ثمةَ آخرُ أغربُ مني
يسكنُ أرضَ أناي ْ
يخرج من جسدي ليراني
يقبل حتى يصبح أبعدَ
يذهبُ كي أبصره أقربَ
بين ضباب العين وبيني
ويعاتبني حين أكونُ "أنا"
الآمنَ والمكسُوَّ بريش الهدأة ِ
في أوقات هروب الكوكبِ
من أفلاك رؤايْ ..
(من قصيدة: الغريب وأنا)
وهنا يزداد الوجع
ومرَّ آخر الأسراب ِ فوقنا
فقالَ لي:
سيستريحُ طائرٌ على القرميد ِ كي يشبهني
وقد يجفُّ في انتظاري ههنا
وقد يرقُّ حتى الموت ِ، من تأمل ِ الغيابْ
لكنْ، أتستطيع أن ترى
في هذه الأسراب ِ ما أرى :
لن يعثر َ الغزاةُ في بلادنا
على مخابئ الهواء في الهضابْ !
(من قصيدة : مخابئ الهواء)
الحقيقة أستاذ ماهر صور شعرية مدهشة وأي قدر من الغربة نعيشها حين يعيش الغريب وينعم فوق تربة الآباء والأجداد وننفى نحن ويزوّر كل شيء لصالح الغريب
بالأمس دخلت أحد المحلات حيث أقيم في كندا و وجدت الصابون النابلسي مختوم بنجمة إسرائيل تحت يافطة الصابون التراثي الإسرائيلي!!
أتمنى أن تحدثنا أكثر عن ديوان " الغريب .. وأنا "" تحديداً ونتمنى أيضاً أن نعود معك إلى بداياتك الشعرية و إن أمكن أن نتعرف على بعض لوحاتك الشعرية العاطفية
أهلاً وسهلاً بك في نور الأدب بين أهلك ولي عودة لاحقاً
[/frame]
التعديل الأخير تم بواسطة هدى نورالدين الخطيب ; 21 / 10 / 2009 الساعة 51 : 04 AM.
من جديد أهلا بضيفنا الاعلامي والشاعر الفلسطيني ماهر رجا الذي يسعدنا لقاءه ويطيب لنا رمل الذاكرة في مخيلته الخصبة ,كما أشكر الأستاذة ناهد شما على المداخلة الثرية والجميلة وكذلك الأديبة المبدعة هدى الخطيب والتي تفسح المجال للقاء الطيب في هذه المنتديات.
أترك الاستاذ ماهر رجا برفقة أحباء الموقع للإجابة على أسئلتهم وطروحاتهم.
ولي عودة .
لوحة الغلاف لديوان(الغريب وأنا)
المؤلف :ماهر رجا
دار النشر: دار الشجرة في نوفمبر2007
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
التعديل الأخير تم بواسطة مازن شما ; 14 / 04 / 2008 الساعة 46 : 05 AM.
أستاذ ماهر:مصطلح الأديب ,أطلق منذ القدم ومعروف أن هذه الكلمة تضائلت شيئا فشيئا حتى وصلت إلى أسلوب الخصخصة, وإن كان بالإمكان قول ذلك
اليوم لانقول أديب الا ماندر أو أحيانا , نقول: الشاعر , القاص , الروائي......إلخ,
لما اللجوء الى هذا النوع من التصنيف الفقري اللغوي والأدبي في عصرنا الراهن ؟
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
رد: الاعلامي الفلسطيني ماهر رجا في حوار مفتوح ضمن مدارات اللغة..
أستاذة هدى الخطيب شكراً لك ...
لعل أصعب ما يكون لدى الكاتب هو أن يتحدث عن كتاب له .. أن يقول نثراً ما يقول الكتاب شعراً.. لكنني طبعاً استطيع التحدث عن فضاءاته وعناوينه، ومصادفات قصائده..
كتبت هذه الديوان على مدار فترة طويلة نسبياً ، بعد إصدارات ثلاثة سابقة، ولذلك فهو يبدو أكبر حجماً بعدد الصفحات والقصائد من سابقاته..
العنوان "الغريب وأنا" ، لا يقصد الإشارة إلى علاقة المواجهة بين الفلسطيني والعدو. لم أقصد بكلمة الغريب إشارة إلى المحتل، وإنما إلى ذات الغريب في ذواتنا .. وبهذا المعنى الغريب وأنا شخص واحد أحياناً ، وأحياناً أخرى يبدوان كشخصين مفترقين يعودان إلى زيارة ذات واحدة من حين لآخر .. ذات فلسطينية، ولكن أيضاً كونية بلا ملامح وهوية.
لكن بالتأكيد ستجدين في قصائد المجموعة ، ما بين صفحة وأخرى ملامح لمفارقات وآلام حياة الشتات والغربة الفلسطينية كما أراها من تجربتي الشخصية وعبر ملامح أشخاص وأحداث تركت صورها في حياتي..
يضم الديوان إثنين وأربعين قصيدة أكثرها يتعلق بتلك الهواجس الفلسطينية لكن ليس على نحو مباشر دائماً.. وأعتقد أن الشاعر يكتب غالباً حين تلتقيه مصادفة غريبة ما ، في الطريق، في التأمل، في اكتشاف ما كان واضحاً أمامه دائماً ولم يره إلا في لحظة عابرة، في صعود غربة ما إلى ذروة النداء، في الحنين المفاجئ الذي يهبط على الروح حين يرى مقعداً فارغاً في الحديقة، في شتاء يبدو له ذات مساء أنه أول شتاء يراه في حياته، مع أن الأمر ليس كذلك طبعاً، وهذه المصادفات ليست حقيقية بالمعنى الدقيق لكلمة مصادفات، لكنه تكون بهذه الصورة في لحظتها وفي عين الشاعر وتأمله.
....
أما عن البدايات الشعرية، فقد كانت في أوائل الثمانينات.. أتحدث هنا عن البدايات الشعرية المكتملة نسبياً، فأنا كتبت قبل ذلك الوقت، لكنها كانت تجارب ومحاولات استكشاف وتعلم (طبعاً التعلم لا يتوقف)
نشأت على نحو ما في مناخ كان فيه من يصغي إلى قيثارة الشعر القادمة أصداؤها من أرض بعيدة.. فأخي الأكبر فتح باب بيتنا أمام ديوان المتنبي وابن الفارض وطرفة ابن العبد ومحمود درويش وأمل دنقل..
أول مجموعة لي كانت نتاج ثلاث سنوات من الكتابة وقد نشرتها عام 1991 بعنوان "هواجس الفتى الغافي" وفازت حينها بجائزة أدبية عربية.
ولا أبوح بسر إن قلت إن سحر البدايات يبقى أكثر حضوراً ، فهي أكثر صدقاً وتوهجاً وعاطفة وإن بدا ما بعدها أشد حنكة ودربة ومقدرة وثقافة ربما..
رد: الاعلامي الفلسطيني ماهر رجا في حوار مفتوح ضمن مدارات اللغة..
شكراً أخت ناهد..
في الحقيقة السؤال الذي تطرحينه يحتاج إلى كتاب إذا أردنا إجابة شاملة..
لا أدعي أنني أمتلك تصوراً شاملاً لآفاق القصيدة العربية.. هذا أمر يختص بالمستقبل.. لكن أكيد هناك إشارات راهنة يمكن أن تعطينا تلميحات عن الصورة التي سيبدو عليها الشعر العربي في المراحل المقبلة..
الشعر ديوان العرب كما في مأثور القول العربي، إنما بتقديري أن المشهد الراهن لا يقول ذلك... اعتقد أن هناك أزمة.. لدينا هذا الكم الهائل الذي ترينه من الشعراء، تسمعين كل يوم بشاعر جديد، تقرئين قصائد وقصائد (تغص) بها مدونات الانترنت وصفحات الجرائد، حتى أصبح الشعر مهنة من لا مهنة له..!! ... قد يكون هذا جيداً بل رائعاً في وضع صحي ، أي حين يكون النتاج الشعري لهذا الكم الكبير من الشعراء يشكل إضافة إلى ديوان الشعر العربي .. لكن الأمر ليس كذلك في كثير من الأحوال، وفي الغالب ما من إضافة ولا إبداع بالمعنى الحقيقي للكلمة..
هذا رأيي طبعاً..
النقطة المهمة هي أننا فقدنا القدرة على خلق التيارات الشعرية.. في أوائل القرن الماضي كان هناك تيار الكلاسيكية الجديدة، كان العقاد وسبقه أحمد شوقي وجايله وكان خليل مطران وآخرون .. ومن بعد كانت هناك تجمعات تبدع أساطين، أدب المهجر، الرابطة القلمية، مجموعة أبولو، شعراء قصيدة التفعيلة العراقيين كالسياب ونازك الملائكة، ثم شعراء الأرض المحتلة، درويش وراشد حسين وتوفيق زياد، وسميح القاسم وسواهم.. فترة السبعينات أيضاً كانت استمراراً في العطاء الشعري وتياراته لكنها برأيي كانت الشوط الأخير نحو عد عكسي..
لا أدري ماذا جرى.. اليوم ليس لدينا كل هذا الحراك، هناك فقط أصوات مميزة وليست تيارات، والغث بات يربو على السمين، ثم جاء دخول كم كبير ممن يريدون التحديث والتجريب دون أن يكونوا قد قرؤوا بيتاً واحداً للمتنبي أو لأبي تمام، هذا زاد في الطنبور نغماً.. يريد الأخ أن يجرب وأن يهدم بناء القصيدة العربية وهو لا يعرف الفارق بين السبب والوتد في عروض القصيدة، أو بين التشبيه والاستعارة!..... القصة طويلة وسأكتفي بهذا القدر من الإجابة.
......
بالنسبة لسؤالك الثاني عن المواقف السياسية للشاعر ، لم أفهم بالضبط ما قصدت.. هل المقصود الموقف الشخصي للشاعر من قضية سياسية معينة وتأثير ذلك على القصيدة، أم أنك تتساءلين عن تأثير حضور الخطاب السياسي المباشر على القصيدة وقيمتها الفنية؟... أرجو أن توضحي لي.. وشكراً لك.
.....
في السؤال الثالث، لا أرى ارتباطاً مباشر بين عالم الصحافة والأدب....لكن هناك علاقة تأثير وتأثر بالتأكيد في جوانب معينة..
الصحافة تهتم مباشرة بالخبر، وهنا اللغة وسيلة إيصال، وهي يجب أن تكون حادة ومباشرة وسريعة الإيصال بعيداً عن التداعيات اللغوية البلاغية.. الهدف في النص الصحفي إيصال المعلومة بطريقة معينة وبآليات لغوية تحاول أن تنقل أيضاً وجهة نظر سياسية أو ثقافية أو اجتماعية حيال قضايا مختلفة... ما من اعتناء ضروري باللغة في الصحافة سوى أن تكون العبارات سليمة ورشيقة ومرتبطة بموضوعها مباشرة.. ثم إن النص الصحفي يجب أن يبتعد عن الخيال ويقوم بنقل الواقع أو الحدث أو الخبر، وينطلق التعليق على الخبر من ذات المعين وعلى أساس هذه القواعد..
لكن في الأدب الأمر مختلف.. اللغة في الأدب هي مادة أساسية .. الخيال هو جوهر وقيمة، التداعيات البلاغية دم وريد النص الأدبي، فأي قيمة للأدب بلا خيال وتخييل..
نعم يأخذ الأدب من الواقع ولكنه يعيد صياغته مضيفاً إليه قطرات من روح كاتبه وخياله.
وفي حين أنه لا مكان للتأمل في النص الصحفي ، فإن التأمل عالي الحضور في النص الإبداعي..
لا يتحدث النص الإبداعي عن وقائع، وإنما ينشغل بتداعيات هذه الوقائع في الخيال والروح والوجدان البشري، في حين من غير الممكن في نص صحفي جيد أن يظهر إيحاء وجداني.. كيف لنا أن نتخيل مثلاً دراسة حول حرب المياه في منطقة الشرق الأوسط ونرى الكاتب يضيف إليها موقفاً وجدانياً.. يمكن فقط أن يكون هناك موقف سياسي تحليلي، وتوجيه للقارئ كي يتبنى موقفاً بعينه دون سواه في هذه القضية أو تلك.
طبعاً هناك استثناء ما يسمى بالأدب السياسي، وهذا أمر مختلف .. نرى مثل هذا في الزوايا التي تخصصها على صفحاتها بعض الجرائد والمجلات، وهي تقبل مستوى من التعبير الأدبي والوجداني بحدود معينة.. والأمر نفسه ينطبق على الصحافة الثقافية إن جاز التعبير، فهي ليست كنقل الخبر أو كتابة الدراسة لكنها تبقى في إطار العمل الصحفي في نهاية المطاف.