ابليس ينتصر
ابليس ينتصر - توفيق الحكيم
اتخذ قوم شجرة صاروا يعبدونها , فسمع بذلك ناسك مؤمن بالله , فحمل فاسا , وذهب
الي الشجره ليقطعها فلم يكد يقترب منها , حتي ظهر له ابليس حائلا بينه وبين الشجره
وهو يصيح به ..
مكانك ايها الرجل لماذا تريد ان تقطعها ؟ .. لانها تضل الناس .. وما شانك بهم ؟
دعهم في ضلالهم ! كيف ادعهم اريد ان يصغوا الي صوت الله ..لن ادعك تقطع هذه
الشجره .. لابد من قطعها ..
فامسك الشيطان بخناق الناسك , وقبض الناسك علي قرن الشيطان وتصارعا طويلا ,
الي ان انجلت المعركه عن انتصار الناسك وطرح الشيطان علي الارض ,
وطلب من الناسك ان يدعه وليفعل ما يشاء فخلي الناسك سبيله وكان الجهد قد نال منه
فرجع الي صومعته , واستراح ليلته .
وتكرر الموقف في اليوم التالي وانتصر الناسك وفي اليوم الثالث حمل الناسك الفاس
وذهب الي الشجره , فبرز له ابليس صائحا .. الن ترجع عن عزمك ..ابدا لابد من
قطع دابر هذه الشجره .. اتحسب اني اتركك تفعل ؟ ..ان نازلتني فساغلبك ..
تفكر ابليس لحظه , وراي ان الصراع مع هذا الناسك لن يتيح له النصر عليه
فليس هناك اقوي من رجل يقاتل من اجل فكره او عقيد ته ,فتلطف ابليس وقال
بلهجة المشفق :
اني ما اعارضك في قطع هذه الشجره الا خشية عليك فانك بقطعها ستعرض نفسك
لغضب الناس .. اترك قطعها وانا اجعل لك دينارين تستعين بهما علي نفقتك وستجدهما
تحت وسادتك , اعاهدك علي ذلك جربني .. حسنا اتفقنا .
وصار الناسك يستيقظ كل صباح فيدس يده تحت وسادته , فتخرج بدينارين , حتي انصرم
شهر وذات صباح دس يده تحت الوساده فخرجت فارغه فغضب الناسك ,
واخذ فاسه وذهب الي الشجره ليقطعها .. فاعترضه ابليس في الطريق.. وصاح فيه
مكانك الي اين ؟ ..الي الشجره لاقطعها ,
فقهقه الشيطان ساخرا :
تقطعها لاني قطعت عنك الثمن ؟ .. بل لاذيل الغوايه واضيء مشعل الهدايه .. انت ؟..
اتهزا بي ايها اللعين ؟
وانقض الناسك علي ابليس وقبض علي قرنه وتصارعا لحظه , واذا بالمعركه تنجلي
عن سقوط الناسك تحت حافر ابليس وجلس علي صدر الناسك يقول :
اين قوتك ايها الرجل ؟ .. فقال الناسك كيف غلبتني ؟ ..
فاجاب الشيطان لما غضبت لله غلبتني ... ولما غضبت لنفسك غلبتك , لما قاتلت
لعقيدتك صرعتني ولما قاتلت لمنفعتك صرعتك .
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|