فضائل المسجد الأقصى / منقول
قال تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [1].
مدينة القدس، زهرة المدائن ومهد الرسالات السماوية، حملت تاريخا طويلا يضرب بجذوره في السنين والقرون الممتدة، وما أحوجنا وأحوج أبنائنا وبناتنا لدراسة تاريخ القدس دراسة معمقة، حتى نتمكن من التعامل مع قضيتها، في وقت يشاهد فيه العالم محاولات وجهود اليهود والصهاينة لتهويد وطمس معالم المدينة الضاربة في التاريخ القديم "يقدر علماء الآثار أن تاريخ مدينة القدس يرجع إلى حوالي خمسة ألاف سنة قبل الميلاد" [2].
لقد حظيت مدينة القدس بمكانة مرموقة في التاريخ الإنساني لم تساوها فيها أي مدينة، مكانة نالتها عبر تفردها بالبعد الروحي المرتبط بالزمان والمكان، فهي في الزمان ضاربة جذورها منذ الأزل بوجهها الحضاري المشرق، وتتمتع بالموقع والموضع، فكانت ملتقى الاتصال والتواصل بين قارات العالم القديم، كما تعاقبت عليها الحضارات وأقامت فيها المجموعات البشرية المختلفة، مخلفة وراءها أثارها ومخطوطاتها القيّمة، التي جسدت الملاحم والتاريخ، دلالة على قداسة المكان وعظمته.
ومما يميز المدينة والأرض المباركة وجود المسجد الأقصى مسرى النبي صلى الله عليه وسلم، وأول قبلة للمسلمين، وثالث المساجد مكانة ومنزلة في الإسلام بعد المسجد الحرام والمسجد النبوي. وقد اخترت في هذا المقال الحديث عن فضائل المسجد الأقصى ومميزاته، سائلا العلي القدير أن يعجل بتحريره وتحرير كل فلسطين من دنس اليهود الغاصبين.
يقول الإمام الألوسي في سبب كون البركة في الأرض المباركة شاملة للعالمين، إن "كثر الأنبياء عليهم السلام بعثوا وعاشوا فيها وانتشرت في العالم شرائعهم التي هي مبادئ الكمالات والخيرات الدينية والدنيوية" [3].
الفضل الأول: المسجد الأقصى ثاني مسجد بني على الأرض
1- من حديث أبي ذر، رضي الله عنه، قال: "قلت يا رسول الله! أي مسجد وضع في الأرض أولاً؟ قال: (المسجد الحرام). قلت: ثم أي؟ قال: (المسجد الأقصى). قلت: كم بينهما؟ قال: (أربعون سنة، وأينما أدركتك الصلاة فصل فإنه مسجد)" [4].
تعد الكعبة المشرفة هي أول بيت بني لله تعالى قصد عبادته، وأول مسجد في الأرض. قال تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ [5]، والمسجد الأقصى في بيت المقدس هو ثاني مسجد بني على الأرض بنص الحديث، ويقرر النبي صلى الله عليه وسلم المدة الزمنية بين بناء الكعبة وبناء المسجد الأقصى بأنها أربعون سنة، "فالبيت الحرام هو أول بيت وضع للناس في هذه الأرض، ليكون مصدر الخير والبركة وهذا البيت الذي اتخذه إبراهيم مصلى له، هو بيت الله، وهو أول بيت على هذه الأرض اتصل فيه الإنسان بربه" .
الفضل الثاني: شدّ الرحال إليه
ورد هذا القول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام، ومسجدي، والمسجد الأقصى" [6]، وحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تشد الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد: إلى المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا" [7].
الفضل الثالث: فضل الإحرام من المسجد الأقصى
من حديث أم سلمة قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من أهلّ من المسجد الأقصى بعمرة أو بحجة غفر له ما تقدم من ذنبه" [8] فقوله: "من المسجد الأقصى" إثبات فضيلة لهذا المسجد عند الله تعالى، وحث لنا على عمارته وزيارته واستذكاره مع جملة العبادات، وكذلك حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن سليمان سأل الله ثلاثا فأعطاه اثنتين، وأرجو أن يكون أعطاه الثالثة: سأله أن يحكم بحكم يواطيء حكمه فأعطي، وسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه، وسأله أيما عبد أتى بيت المقدس لا يريد إلا الصلاة فيه، أن يكون من خطيئته كيوم ولدته أمه" [9] وفي قوله عليه السلام "وأرجو أن يكون أعطاه الثالثة" دعاء وتأكيد منه –عليه السلام- لمغفرة ذنوب وخطايا العابدين الطائعين لله من المسلمين فيه.
الفضل الرابع: أجر الصلاة في المسجد الأقصى
تعددت الأحاديث التي جعلت للصلاة في المسجد الأقصى مقاما عاليا وأجرا مضاعفا عما سواه من المساجد سوى المسجد الحرام والمسجد النبوي، ومن هذه الأحاديث:
1- حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: "تذاكرنا ونحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أيهما أفضل أمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أم بيت المقدس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلى هو، وليوشكن لأن يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعا)" .
2- وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصلاة في مسجدي بألف صلاة، والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة" . قال المنذري في الترغيب، رواه الطبراني في الكبير وابن خزميه في صحيحه. وقال: رواه البزار ولفظه قال: "فضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره بمائة ألف صلاة، وفي مسجدي ألف صلاة، وفي مسجد بيت المقدس خمسمائة صلاة" . وقال البزار إسناده حسن[10].
بقلم السيد : محمد الرياحي الإدريسي للأمانة
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|