[خيري حمدان]

بلغت من العمر ثمانين عامًا، وحصلت على الكثير من الفرص والمال. حققت ثروة لم يحلم بها أحد، لكنّي شعرت بأن النهاية باتت قريبة، لهذا حزمت أمري وعدت إلى الوطن لأقضي ما تبقّى لي من أيام بين الأهل والأصدقاء. لكنّي فوجئت بأنّ الأمور قد تغيّرت إلى حدّ كبير. كان الفقر قد نال من الكثيرين وأودت البطالة والإحباط على ما تبقّى لديهم من أمل وتفاؤل.

لم أنعزل ولم أنطوِ على ذاتي فأنا بطبعي أحب التواصل مع الآخرين، وسرعان ما أصبح منزلي محطّ أقدام الكثيرين، وأخذ يزورني الصديق والبعيد لشتّى الأسباب والأعذار الممكنة، لم أبخل عليهم وجدتُ بكلّ ما طابت به روحي وأصبحت محبوبًا لمالي ولذاتي أيضًا. قال لي أحد الشباب يومًا:
- آه، لماذا لا أحصل على فرصة مثلك يا جدي للهرب إلى الخارج ونيل فرصة مماثلة لممارسة الحياة الحرّة الكريمة. أنا على استعداد للتنازل عن نصف حياتي مقابل ذلك. حككت رأسي وكنت في حيرة من أمر الشاب الكئيب الذي يجلس قبالتي.
- أريد عامًا واحدًا واحدًا فقط من عمرك مقابل تقديم ما يكفي من المال لمغاردرة البلاد نحو العالم الذي تشتهي يا ابني. هل توافق؟ هزّ برأسه على الفور موافقًا.

شعرت عندها بأن وقع السنين على جسدي قد تناقص لعام واحد. لم يكن الفارق كبيرًا بالطبع، ربّما ازدادت قدرتي على الاحتمال قبل أن أبول في سروالي قليلا، نعم كنت فرحًا لأنني قد اكتسبت عامًا كاملا وخسرت بعض الفائض من ثروتي. بعد يومين حضر شاب وسيم أسمر آخر، قال لي بأنه على اطلاع بما حدث مع رفيق دربه الذي حزم أمتعته وبات على وشك مغادرة البلاد، قال لي بأنه يرغب بالحصول على فرصة مثيلة. أجبته بأنّ شرطي لم يتغير. وافق الشاب على تقديم عام من عمره لي، مقابل التنازل عن بعض المال والحصول على فرصة للهجرة نحو العوالم المتقدمة. عندها ازدان جسدي بعام آخر، صدّقوني بأن هناك فارق في أداء الجسد ما بين عمر الثمانين والثامنة والسبعين، فما بالكم حين أبلغ من العمر خمسة وسبعين! هههه. أصبحت على يقين من أن الشباب بات على الأبواب، بعد أن قدمت لعشرة شبان الفرصة التي طلبوها منّي، مقابل عام من أعمارهم. وهأنذا في الثامنة والستين. للمرّة الأولى أتجرأ على النظر إلى السيدات العابرات من حولي، وما تزال رغبتي بالحصول على مزيد من القوّة والعنفوان قوية، لكنّي في الوقت نفسه بدأت أشعر ببعض القلق بعد تراجع سلطتي وتناقص أموالي، خاصة وقد بلغت من العمر خمسون عامًا فقط. نعم إنه عمر جميل للغاية، عادت لي قوّتي وشهواتي وبتّ أتلفت يمنة ويسرة تجاه الحسناوات. نظرت في المرآة ولم أتفاجأ حين رأيت الشعر قد عاد إلى موقعه القديم، كما زالت الكثير من التجاعيد وبان بعض السواد في كتل الشعر في رأسي. لا، هذا لا يكفي أريد المزيد من الشباب، أريد مقارعة الحياة والنزول إلى ميدان الحياة اليومية. لم يبقَ في حوزتي سوى القليل حين عدت إلى الأربعين من العمر. كان عليّ البدء بالبحث عن عمل، كيلا أجد نفسي على حافّة الطريق دون معيل.

تراجُعُ العمر إلى الوراء تسبّب لي بأزمات نفسية حادّة، لأن الكثير من أحبّتي بل وحتى ابنتي قد فارقوا الحياة، ولم يعمل قانون الطبيعة هذا على مساعدة غيري من أترابي، وأصبح لزامًا عليّ أن أجد رفاقًا وأصدقاء درب لم أتعامل معهم يومًا ما، لا يتقاسمون ذكرياتي وهمومي وأحداث الماضي الذي يخصّني وحدي دون غيري. أمّا فكري وفهمي للحياة فبقي على حاله كما في الثمانين. أتصدّقون بأنّني أخشى الركض لأن عقلي الباطني يخالف قدرات جسدي وبقيت الرصانة رفيقة دربي. مع هذا بقيت مصرًا على خوض التجربة مجددًا والانتفاع بما جادت به الحياة دون قيد أو شرط.

جاءني ذات يوم رجل في عمري، قال لي دون تردّد "أتنازل عن خمس سنوات كاملة من العمر، مقابل فرصة للهرب من جحيم العائلة التي أعيش في كنفهها، لقد هدمت زوجتي ما تبقّى من رجولتي، كلّ يوم خلاف على أدقّ تفاصيل الحياة. دعني أهرب وأعيش ما تبقّى من هذا العمر بكرامة. خمس سنوات كاملة أقدّمها عن طيب خاطر". كان العرض مغريًا، لكنّي بهذا سأعلن إفلاسي نهائيًا، وسيصبح لزامًا عليّ أنا الرجل الرصين أن أبدأ حياتي من الصفر في الخامسة والثلاثين من العمر! آه، تمكن إغراء الشباب على أيّة حال من إقناعي بالموافقة.

- هل تعرفون رجلا يقبل بجزء من العمر مقابل الحصول على فرصة للهرب من هذا الواقع؟

نظر إليّ إمام المسجد غير مصدّق ما تسمعه أذناه، حسب بأنّني قد أصبت بمسّ من الجنون. قال بعد تردّد "تصدّق يا ابني والزم الصلاة وعليك بالصيام، أكثر منه فهو السبيل إلى تطهير الروح والجسد".
مضى عليّ قرابة عشر سنوات منذ تنازلت عن سلطتي ومالي، وما زلت غير قادر على تحقيق جزء من طموحي المشروع. أنا الشاب الذي عاد شيخًا لينهي مشوار التيه بين العوالم الدنيوية، أجد نفسي أسير جسدي المتحفّز نحو الانطلاق، لكن كلّ شيء من حولي يشير إلى بدايات. تأجّل الانطلاق وأخذ التحفّز يهبط مع مرور السنين. تُرى، متى سأبلغ الثمانين من عمري لعلّ جسدي عندها يتصالح مع وعيي المعذّب؟

[شيماء البلوشي]

المال والشباب .. فتنة الحياة ..
يسعدني ان احجز مقعدي الاول لقراءة كلماتك وفهم مابين سطورها استاذي الكريم خيري حمدان ..
دمت بخير وعافية وألق :)

[خيري حمدان]

اقتباس  عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شيماء البلوشي المال والشباب .. فتنة الحياة .. يسعدني ان احجز مقعدي الاول لقراءة كلماتك وفهم مابين سطورها استاذي الكريم خيري حمدان .. دمت بخير وعافية وألق :)

الأديبة شيماء البلوشي
أشكرك على الكلمات الجميلة، قراءتك دلالة على ذائقتك وتقدير كبير لقلمي
دمت بمودة

[خولة الراشد]

الأديب والقاص ..خيري حمدان
*********************

هلا يَسْمح لي ...(أسْطورة الزمان) أن أتلاعب مع قصة (عام ...بألف عام ...) ؟
- الاستعداد للرحيل...
- و الانطلاق...الوطن...والذي تعلّمت منه كيف (تجرّ الحروف)
ثم تعود للوطن... إلى الدمار.....والبؤس ...لكنك تحاول أن تزرع التفاؤل في نفوس الشباب ..نوع من الهروب أو التناسي ربما لتصمد ...!
أنت تحاول بقصتك أن تعالج قضبة البطالة وتبكيها حسرتاً وألماً...
وماذا عن الجسد والروح ... والعمر ..........اللذان اصطدما بحياة جديدة لم تكن في الحسبان !
اصطدام ...وارتباك ...من تكون وأين تسكن ...أين رفاق العمر؟ ....وكأنك تقول ياليت عمري ما كان ...
كأنك تقول سأعود للماضي لتحيا محبرتي وحرية قلمي .. سأرمي هؤلاء البؤساء بأموالي ...
وأموالك تعني بها أوراق فارغة تتآكل مع الزمان....لمن لا مبدأ له
يا سبدي أنت نشبّه العمر (بالقلم الحر ) وتعود به لتصطدم بالجنون بالبطالة بأوراق صفراء ............
سأبيع عمري ... من أجل أن أتخلص من غرورهم وفراغهم وتشبثهم بالحياة والنقود الزائفة..
وبكل استهتار ...تقول دعهم يموتوا قي سبيل بناء الأحجار والجلوس خلف مكاتب الرؤساء....
تخلع ثوبك .. و تتلاعب بالعمر.. ..والزمان...لترحل للمكان... وهو طلب الأعلى للأدنى على وجه الإلزام والتمني بالمستحيل...
بل تشكّل الأرقام وتوحّد الصفوف
وتلعب دور القائد لتكشف عن حقيقة هذا الزمان...تنظر للأمر باستعلاء فتطلب أعلى منزلة
وعلى الرغم أن الجسد تآكل وكريات الدم الحمراء بدأت تغزوك ...إلى أن محبرة العمر لن تجف
على الرغم أنك عدت إلى الشباب ..لتقول أنا الرجل الوسيم وتخلع الشيب من أجل المظهر لتنظر إليك كل أنثى حسناء ...
هنا تصظدم بالشيخ وبدل من أن تكون الآمــر ...تكون.. الناهي ..
أي يتحول الأمر في القصة ........... إلى نهي إلى نصح وإرشاد ...
عندما يلزمك الشيخ بالصدقة ...والصوم ..لتطهرتفسك وتزكيها ...
وتبدأ القصة تتخذ طابع آحر تنكشف الأمور... وتضطر أن تخيّر نفسك أن تكون شيء.... أو لا شيء
وفجأة تصل لعمر الطفل... جسد يتنفس دون تنهدات دون أي كلمات...
توقف القلم عن الجريان مع الصفحات الصفراء

قصة جميلة جعلتني أقول :
اصعد يا سيدي بفلمك وروحك وأساطيرك لآلاف الثمينات........................
أينما تكون في أعالي الشام ....أو حدود عالم آخر ..
ا.أنت تفكك أجزاءك المترابطة ثم نعود لترصعها بأجمل سنين عمرك تسرق الحياة ،
من نفسك وتعشق وتعيد لنفسك حيوية الشباب ،
فقلمك هو خصلتك البيضاء ...لا تغريه الأموال لذا هو باع السنين
أما المرآة هي المعاني التي تصطدم بها ،وتحاول أن تجملها
أنت تكلم المرآة لتقول أنا الشباب أنا حلم امرأة ...
.. أعوام وسنين تخطو بها... خطوة للأمام وخطوتان للوراء بانحناء

في مخيلتي وقراءتي لها ربما تكون تلك الثمانيات هي ألاف الصفحات التي كتبتها في دفاترك ....وإن لم تكن ... اعذرني فأنا واسعة الخيال
إن الأدب يصبو يا سيدي ليكون الحياة والإنسان
حتى إن مرض الجسد
حتى إذا تنفست ببطء أوراقك ستقدمك لمنير الشعراء والأدباء والكتاب
..يا سيدي إن عمرك وحروفك وقصصك هدية امرأة تعلمك كيف تكتب ألف حرف ، هي مشوار ألاف الصفحات
إن البطالة هي أن يقغ القلم ولا يجر الكلمات
أسألك ان تعشق امرأة من كلمات وأن تلبسها تاج من اللؤلؤ والحروف
من أشرت عنهم (البطالة) هم حروف عجوزة والحرف العجوز يسكن في كهفه وحيد وجوده مثل عدمه لايجر الحروف
اخرج يا سيدي من كهفك من العدد التنازلي وتحسس أناملك لتكتب ..
لا تجمغ ولا تطرخ ..فأنت أوراق تتناثر على الزمن
عانق الثمينات بآلاف السنين لنكتب معك
فأنا أريد أن أمسح بطالة الأقلام حتى تموت الأقلام الصفراء ونعود معا للحياة لنصبو دون أن نعد السنين لنتسلق الجبال ونحفر الصبر بكلمات ونزرع بستان من الزيتون والرمان
يسطع منه لون قمري وجذورها نبتة شرقية اسمها (غصون عرببة )...لتتوحد الأقلام

أتمنى أن لا أكون قد خرجت عن هيكل القصة أو هدفها ...لكن قلمي يأمرني أن أكتب رؤيتي الصادقة ...وذلك بانعكاس قصتك على قلمي وخيالي
أتمنى أني فد نلت لو القليل ....أتمنى أني أوفيت... وكفيت..وإن كنت قد أسهبت...


لك نخيل رياضي ...لك أجمل صباح...لك أجلى الأمسيات...

تحيتي وتقديــري لأدبك الراقــي

..............................


خولة الراشد

..................................

[خيري حمدان]

الأديبة العزيزة خولة الراشد
تغوصين عميقًا في النصّ، تقرئين كل واردة وشاردة وما بين السطور لا يخفى عليك.
القصة تحتوي على بعض الحكمة والرغبة من الانعتاق من مشاكل الواقع العربي، فيها الحسرة والأمل والحبّ كما ذكرت.
أشكرك على حضورك الواعي، خالص المودة وكل عام وانت بألف خير

[Arouba Shankan]

نهاية عام وبداية عام ،،على توقيت شنغهاي حل 2013
سأُعيد القراءة
تحيتي

[وسام أحمد]

وكيف إذا غابت روحي عن روحي سأحيا غريبا في هذا الجسد ؟

هو استطاع أن يرجع قوته وجسمه إلى الوراء
فهل أمكنه أن يوائم إدراكه وروحه ونموه الإدراكي والعاطفي والعقلي
هل استطاع يا ترى من تخلى عن عام من عمره أن ينجز مايريد ويحقق هدفه
هل حلت مشاكلهم
الكثير الكثير هنا أستاذنا لنتعلمه عند سبر أغوار قصتك الرائعة
تقديري لك

[خيري حمدان]

اقتباس  عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] المشاركة الأصلية كتبت بواسطة arouba shankan نهاية عام وبداية عام ،،على توقيت شنغهاي حل 2013 سأُعيد القراءة تحيتي

أهلا بك عروبة - مع خالص المودة

[خيري حمدان]

اقتباس  عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] المشاركة الأصلية كتبت بواسطة وسام أحمد وكيف إذا غابت روحي عن روحي سأحيا غريبا في هذا الجسد ؟ هو استطاع أن يرجع قوته وجسمه إلى الوراء فهل أمكنه أن يوائم إدراكه وروحه ونموه الإدراكي والعاطفي والعقلي هل استطاع يا ترى من تخلى عن عام من عمره أن ينجز مايريد ويحقق هدفه هل حلت مشاكلهم الكثير الكثير هنا أستاذنا لنتعلمه عند سبر أغوار قصتك الرائعة تقديري لك

تطرحين العديد من الأسئلة وقد لا يتمكن كاتب من الردّ عنها لسنوات طويلة من العمر
يمكن أن يحدث الكثير خلال عام من عمر الإنسان، هذه حقيقة وتبقى القوّة مرهونة بعنفوان الجسد
شكرا لحضورك - خالص المودة