لمن مازال في جعبته ذرة من حسن الظن بسوء نوايا الإدارة الأميركية تجاه الشعب العراقي خصوصاً وشعوب المنطقة عموماً، ما عليه إلاّ قراءة البنود المقترحة من قبل تلك الإدارة في الاتفاقية الاستراتيجية المزمع التوقيع عليها بين الطرفين الأميركي والحكومة العراقية، تلك البنود التي تدفع إلى استنتاج واحد هو أن العراق بات الفريسة الشهية التي يسيل لها لعاب المخطط الأميركي الجديد في المنطقة.
نعم العراق الفريسة التي لا يمكن لإدارة بوش التفريط بها، وذلك لما يملك هذا من تركيبة سكانية معقدة جداً، ومن موقع جغرافي لا يحسد عليه، ومن اقتصاد يعيش على الحالة الريعية بكل ما تعني تلك الكلمة من معنى بعد أن دمرها الديكتاتور العراقي صدام حسين طوال العقود الثلاثة التي حكم فيها وبعد أن دمر الأميركيون معظم مواقعه الاستراتيجية الحيوية فترة الحرب لإسقاط النظام البائد عام 2003.
فأميركا تحتاج العراق مستقبلاً كي تمسك بزمام الفتنة بين السنة والشيعة، وكي تمسك بمفتاح لغم الدولة الكردية التي تهدد المناطق العربية بالانفجار في أي لحظة، وكي تحول دون تمكين العراق من الانضمام إلى هلال الممانعة والمقاومة ضد الكيان الصهيوني والمتمثل بالمنطقة الممتدة من إيران إلى لبنان.
فأميركا تريد من خلال بنود الاتفاقية الاستراتيجية المقترحة بينها والحكومة العراقية أن يكون العراق مرتعاً للفتن والعصبيات ومنطلقاً للمشاكل والأزمات ومكاناً للنزاعات وإشغال شعوب المنطقة بحروب داخلية أخرى تزيد من الوضع المتأزم أصلاً والقائم اليوم. أميركا تريد من العراق المقبل أن يكون لها محطة انطلاق نحو دور مباشر كشرطي للمنطقة والحارس الأمين على مصالح الغرب وبوابة الدفاع الشرقية عن الكيان الصهيوني الغاصب من أي مد ثوري يسعى لإزالته.
وإلا ما تبرير أن تطالب الإدارة الأميركية بعدد من القواعد العسكرية الثابتة والدائمة على مساحات مختلفة من الأراضي العراقية؟ وماذا يعني أن تطالب الحكومة العراقية بعدم التعرض إلى أي أميركي في العراق في حال مارس دوراً يخالف القانون العراقي؟ وماذا يعني أن تسمح الحكومة العراقية في الاتفاقية للأميركيين باعتقال الذين يشاؤون من المقيمين في العراق من دون ذكر الأسباب؟
وماذا يعني ألا تتدخل الحكومة العراقية في حال أرادت الإدارة الأميركية تصفية حساباتها مع جهات خارجية مستخدمة القواعد العسكرية الأميركية؟
وماذا يعني أن تطالب أميركا بالسيطرة على السيادة العراقية جواً؟ أليست بنود الاتفاقية تلك تعتبر دليلاً صارخاً على النوايا الخبيثة للإدارة الأميركية؟ أليس هو الاستعمار الذي ما كادت شعوب المنطقة أن تخلصت منه قبل عقود من الزمن؟
إن العراق اليوم يمر بمفترق طرق، وعليه اليوم أن يصمد في وجه هذا المخطط ويسعى إلى عرقلته من خلال إعلانه وبصراحة رفضه للهيمنة الأميركية، وعلى حكومة المالكي اليوم أن تعلن براءتها مما جاء كله في الاتفاقية الاستراتيجية المراد التوقيع عليها مع أميركا، وعلى الأنظمة العربية أيضاً أن تعين العراق للخروج من محنة الهيمنة الأميركية المقبلة كي لا يأتي يوم نندم فيه على ما فات.
د. سامي ناصر خليفة/ عن صحيفة الرأي العام الكويتية
5/6/2008
ملاحظة:
مع احترامنا لرأي د. سامي ناصر خليفة ولعدم حقنا بحذف جزء من المقال إلا اننا نسجل تحفظا على رأيه في الرئيس العراقي الراحل صدام حسين رحمه الله.
[/align][/frame]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
التعديل الأخير تم بواسطة مازن شما ; 15 / 06 / 2008 الساعة 37 : 01 AM.