ابنتي فاطمة البشر ..وجمال فضاءات العربية
عندما دخلتُ إلى ( نور الأدب ) ناداني صوتٌ رقيق : أستاذ ،مِنْ هنا مِنْ فضلك !
فالتفتُّ بامتنان ،فرأيتُ عينين رائقتين ،فيهما أُنْسٌ ووداعةٌ ، يشوبهما تحدٍّ وعزمٌ وحزنٌ خفيٌّ في مؤق العين ،فقلتُ بحياد :شكراً (ثم تمتمتُ وأنا أتفرَّس بالعينين الصادقتين):ابنتي ! بلى هذه ابنتي !
كانت بعمر الورود ،وأدركتُ مع الأيام ،عندما ألفتُ الوجوه وألفتْني ،أن هاتين العينين الرائقتين تحملان شَجَناً صامتاً ،وطيبةََ قلبٍ غايةً في الرهافة ،جُبلتْ على الصدق، فظنتْ ،ببساطة ،أن جميعَ الناسِ مثل فيض صدقهما ،فتعثَّر القلبُ الوليدُ في الطريق ،وتألم ،بل نزف مرارة وألماً وشوكَ سهرٍ ، فدَميتْ يداه ،وتَقَرَّحتْ روحه ،فصاغ ذلك كلَّه مواجعَ وآهةً طويلةً في بوحٍ آسِر على صفحات (نور الأدب ) . نعم .. أفخر بابنتي فاطمة البشر القلمُ الشابُّ المرهف ،الذي يتحدث بعيني قلبه ، ويسرني أن تكون إحدى محط جولاتي في فضاءات (لغتنا الجميلة).
** ** **
فاطمة :من قولنا فَطَم الشيء يَفْطِمه :إذا قَطَعه وفَصَمه ،كالعود ونحوه ،
فنقول:فطَمْت العود أوالحبل وفََصَمْته ،أي قطعتُه .
وفَطَم الصبيَّ يَفْطِمه :فصَلَه عن الرِّضاع .
وأَفْطَمَتْ السَّخْلة ( وهي الصغيرة من الخِراف والماعز ساعة تولد ) :حان أن تُفْطَم ،وذلك لشهرين من يوم ولادها ، وهي الفَصيل في النوق ،والفَلُوُّ والفِلْو في الخيل .
وهذا يعني أن العرب عندما سمَّتْ فاطمة ،فإنما تفاءلت لها أنها تُفطَم عن الريبة ومساويء الأخلاق وعن كل ما يشين أو يخزي ،وأنها ستجتاز بخطوٍ واثقٍ مرحلةَ الاعتمادِ الكاملِ على الأُمِّ ،فيكتمل قيامُها على نفسها ويتتامُّ ، ويعني ذلك أيضاً: الصبر وقوة الإرادة وعدم الكسل أوالعجز .
وفاطمة في تراثنا :أربعة وعشرون صحابية ،أشهرهن :فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ،سيدة نساء العالمين ، تُكْنى ( أُمُّ أبيها ) ،أنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّ بنَ أبي طالب بعد وقعة أحد سنة 3 هجرية، وكان سنها يوم تزوجها عليٌّ ستة عشر سنة إلا قليلاً ،وكان سن علي يومئذ اثنين وعشرين عاماً إلا قليلاً. وكانت أصغر أولاد الرسول صلى الله عليه وسلم وأحبهن إليه . وهي أم الحسن والحسين وأم كلثوم وزينب ،ولم يتزوج عليٌّ عليها غيرها حتى توفيت سنة 11هجرية ،بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بستة أشهر،عن سبع وعشرين سنة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ،من حديث أنس ،وإسناده صحيح على شرط الشيخين :حَسْبك من نساء العالمين :مريم ابنة عِمران ،وخديجة بنت خُويلد ،وفاطمة ابنة محمد ،وآسية بنت مُزاحم ( امرأة فرعون ).
ومن الأعلام أيضاً: الشيخة العالمة ،المقرئة الصالحة ،مسندة نيسابور: أم الخير فاطمة بنت علي ابنة زَعْبل العجلانية ( 435 - 532 هجرية ) روت حديث : لا يقبل الله صلاةً بغير طُهُور. وفاطمة بنت سعد الخير الأنصاري البَلَنسي ،وهي من ثقات الرواة ،عاشت ثمانياً وسبعين سنة ،وتوفيت سنة 600 هجرية .
وفاطمة بنت العُبَيد العذرية ،صاحبة امرئ القيس فحل شاعر الجاهلية ،يقول فيها في مُعَلَّقته:
أفاطِمَ مهلاً بعضَ هذا التَّدلُّلِ
وإنْ كنتِ قد أزمعتِ صرمي فأجملي
وأزمعتِ: عزمتِ وأجمعتِ ،يقال :أزمع الأمر ،عزم عليه ووطَّن عليه نفسه .والصرم: القطيعة .يقول لها :إن وطَّنتِ نفسك على فراقي فأجملي في الهجران .
ومن الأعلام أيضاً:ابنتي حبة القلب :فاطمة البشر ،زهرة ( نور الأدب ) المتألقة دائماً بسخي عطائها .
واسم فاطمة كثير الدوران في الشعر العربي ،وشواهده لا تحصى كثرة .
و( مصحف فاطمة ) كثر الجدل حوله ،فقيل هو قرآن الشيعة غير القرآن
الكريم المعروف ! وهذا خطأ كبير ،فلفظ المصحف في اللغة يشمل مطلق الكتاب المجلَّد ولا يختص بالقرآن الكريم ،فصحيح أن لفظ المصحف كثُر استعماله في القرآن الكريم المكتوب ،إلا أنه بقي يستعمل في معنى مجموع الصحف المجموعة في مجلد .
وخبرمصحف فاطمة: أن فاطمة رضي الله عنها كان دَخَلها حزنٌ شديد على أبيها صلى الله عليه وسلم ،فكان جبريل يأتيها فيحسن عزاءها ويطيِّب نفسها ،ويخبرها عن أبيها ومكانه ،ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها .وكان علي بن أبي طالب يكتب ذلك كله ،فكان مصحف فاطمة ،وهو اليوم في عهدة الوليِّ المُنْتَظَر ( بحار الأنوار 26 /41 ،22 /545 ). لكن أهل السنة يرفضون هذا الخبربالكُلِّيِّة، لأنه من أنباء الغيب ,وأنباء الغيب يوجب للإيمان بها ، أن يكون الطريق إليها صحيحاً ، وطريق مصحف فاطمة يعتمد على رجالٍ فيهم كلام .ووَفَياتُهم وأعمارُ مَنْ أَخَذ عنهم بينها تفاوتٌ في الزمن (فلا يتأتى اللقاء بين رجالات الإسناد لبُعْد سنيِّ وفاة راوي الخبر ومَنْ أخذ عنه)،كما أن ميزان الضبط عند الشيعة غير دقيق ،لاعتماده على التزكية من خلال حب آل البيت،والمحب قد يبالغ في حبه ،فيخطيء ،ويتأوَّل ،وقد يجازف فيكذب لمن يحب ! والضابط عند أهل السنة إنما يكون في تحري صدق اللهجة ،( في كتب الحديث رويت عن أصحاب البدع أحاديث صحاح كثيرة ،وضُبطَتْ بأن الأحاديث المروية عنهم مدارها صدق اللهجة ،حتى لو أن أحدهم لئن يخرَّ من السماء أهون عليه من أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم . كما أن فيها رواياتٍ كثيرةً صحاحَ عن غلاة الشيعة فعبد الرزاق بن هَمَّام الصَّنْعاني (ت :211 هجرية ) الحافظ الثقة ،كان يتشيع ويفرط في التشيع ،قال ابن مَعِين (يحيى بن معين الغَطَفاني ت:233 هجرية إمام علم الجرح والتعديل وشيخ الأمام البخاري والإمام مسلم ):لو ارتد عبد الرزاق عن الإسلام ما تركنا حديثه .وعبيد الله بن موسى العبسي ( ت :213 هجرية ) الثقة ،شيخ الإمام البخاري أيضاً قالوا عنه :شيعي متحرق ،وقال الإمام الذهبي (محمد بن أحمد ،ت: 747 هجرية ):شيعي جَلْد كره بعضهم الأخذ عنه .والأمثلة تطول جداً .وفي شرح نخبة الفكر 24 قال الحافظ ابن حجر (أحمد بن علي العسقلاني ،ت :852 هجرية):التحقيق أنه لا يُرَدُّ كلُّ مُكَفَّر ببدعته ،لأن كل طائفة تدعي أن مخالفيها مُبْتَدِعة ،وقد تُبالِغ فتُكَّفر مخالفيها .فلو أُخذ ذلك على الإطلاق لاستلزم تكفير جميع الطوائف. وقال :من انضم ضَبْطُه لما يَرويه مع وَرَعهِ وتقواه فلا مانع من قبوله) . هذا إضافة إلى أن المَلَك جبريل مُوكَّل بالوَحْي إلى الأنبياء وليس لغيرهم مهما عَلَتْ منزلته.
** ** **
والبِشْر: طلاقة الوجه والبشاشة ، تقول:لَقِيَه بِبِشْر ،وهو حَسَن البِشْر .
والتبشير والبِشارة في عُرْف اللغة تختص بالخبر الذي يُفيد السرور ،إلاَّ أنها - بحسب أصل اللغة - تدل على الخبر الذي يُؤَثِّر في البَشَرة تَغَيُّراً ظاهراً، وهذا يكون للحزن أيضاً ،فوجب أن يكون لفظ التبشير والبشارة حقيقةً في القسمين . إلاَّ أن التبشير والبِشارة المُطْلَقة لا تكون إلاَّ بالخير ,وتكون بالشر إذا كانت مُقَيَّدة ،كقوله تعالى: ( فبشرهم بعذاب أليم )، مثل قول العرب : تحيتُك الضربُ ،وعتابك السيف .
والمسمى ببشر سبعةٌ وعشرون صحابيًّا ، منهم بشر بن البراء الأنصاري،من أشراف الخزرج،ومن كبار البدريين،وهو الذي أكل مع الرسول صلى الله عليه وسلم من الشاة المسمومة يوم خيبر سنة 7 هجرية فأصيب .
ومن الأعلام :بشر بن الحارث المروزي،المشهور بالحافي ،الزاهد القدوة(152-227 هجرية ) ومن كلامه :إذا أعجبك الكلام فاصمُت ،وإذا أعجبك الصمتُ فتكلَّم .
وقال :لا تجد حلاوةَ العبادة حتى تجعلَ بينَك وبين الشهوات سدًّا.
** ** **
وقد أطلت الكلام ،لكننا سنلتقي مع أسماء أخرى في فَلك نور الأدب إن شاء الله ،ففي ذلك فائدة وطرف متعة ذهن .
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|