سورية والجلاء
[frame="14 95"]
صباح الخير ،وصباحك أحلى مواويلي ،في نيسان يا حبيبتي ،آه ما أحلى الزمن ،أرضك تضحك ،،وحضنك وطني ،سورية غدا أحلى أعيادك
أهازيج وأغاني كانت حلوة جدا ،كُنا نَدندنها ،،في ذِكرى عيد الجلاء (جلاء آخر جُندي فرنسي عن الربوع السورية)
غادرنا مُحتل بعد نضال دامٍ ،وتضحيات جِسام ،لقد مارس الاحتلال الفرنسي أبشع العمليات الوحشية لكن جذوة النضال أبدا لن تخمد بأيدي الثوار الاحرار ،،قوافل في سبيل الحرية ،،كانت الأجساد تنزرع ألغاما لنسف المعتدي ،،وتُمد جسورا لأجل أن يعبر رفاق الدرب والحرية والنضال ,..
بعد ترنح الدولة العثمانية تقدمت فرنسا وبريطانيا لتقاسم التركة العثمانية ،
لكن سرعان ما اندلعت نيران الثورة العربية الكبرى التي انطلقت شرارتها من مكة المكرمة وأميرها الشريف حسين، وقد تقدمت قوات الثورة بقيادة الأمير فيصل مدعومة من القوات البريطانية لتلحق الهزيمة بالقوات العثمانية المتراجعة، ودخلت قوات الثورة دمشق في العاشر من كانون الثاني من عام 1918، وفي السابع من آذار 1920، انعقد في سورية المؤتمر السوري العام الذي أعلن استقلال سورية العربية ونادى بفيصل ملكاً عليها، ونصب الأمير فيصل ملكاً على سورية العظمى ليصبح الملك فيصل الأول، ولتظهر دولة سورية إلى الوجود، وقام الملك فيصل الأول بتعيين رضا الركابي كأول رئيس للوزراء في الدولة السورية الوليدة.
إلا أن طموح الشعوب العربية وأملها بالحرية تلاشى إبان اتفاقية سايكس بيكو التي قسمت بلاد الشام (مناطق أخضعتها للنفوذ الفرنسي وآخرى للانكليزي)
مما يعني أن استعمارا جديدا خلف الاحتلال العثماني !!
وأخذت القوات الفرنسية بالتمركز بأماكن حساسة على الشريط الساحلي مطلع تشرين الثاني 1918
فجاء التحدي العربي للاحتلال الفرنسي من المناطق الريفية شمال الساحل السوري والمناطق الشمالية الغربية من سورية /وبرزت ثورتان
الأولى بقيادة الشيخ صالح العلي
والثانية بقيادة المجاهد ابراهيم هنانو
ولم تتوقف تلك الثورات باستيلاء الفرنسيين في تموز عام 1920 على جميع المدن الداخلية وعلى قسم كبير من البلاد بل ظلت مشتعلة خلال السنة الأولى من الاحتلال الفرنسي، ولم تتم السيطرة الفرنسية عل المناطق الثائرة في صيف 1921 إلا باستخدام القوة المفرطة.
لكن الدول الاستعمارية كانت قد أعدت عدتها لتحصين وضعها العسكري وتحويلها إلى سيطرة سياسية كما ظهر ذلك جلياً في مؤتمر سان ريمو والذي انعقد بتاريخ 25 نيسان من عام 1920 والذي تلخصت مقرراته بما يلي:
1- وضع سورية ولبنان تحت الانتداب الفرنسي.
2- وضع العراق تحت الانتداب الإنكليزي.
3- وضع فلسطين وشرقي الأردن تحت الانتداب الإنكليزي مع الالتزام بتنفيذ وعد بلفور.
مما أثار سخط الوطنيين العرب خاصة في سورية ،فاستقالت حكومة الركابي ،وتشكلت آخرى كان يوسف العظمة وزيرا للدفاع فيها ،واتبعت هذه الحكومة نهج المواجهة مع الاحتلال
فسارعت القوات الفرنسية إلى التحرك لقطع الطريق على أي إنجاز وطني يرسخ استقلالية الدولة السورية وأصدر الجنرال غورو إنذارا طالب فيه بتسليم محطة رياق للسكة الحديدية
إلى السلطة الفرنسية وإلغاء التجنيد الإجباري
وتسريح الجيوش
وقبول الانتداب الفرنسي دون شروط
استجابت الحكومة للإنذار إلا أن غورو احتج على تأخر كتاب الموافقة لمدة نصف ساعة
وبدأ بالزحف على دمشق، حيث اصطدم بالجيش السوري الفتي الذي كان يقوده البطل يوسف العظمة في ميسلون في 24 تموز 1920، ودارت معركة غير متكافئة لعدة ساعات انتهت بالقضاء على المدافعين ومنهم يوسف العظمة. وفي اليوم التالي دخلت القوات الفرنسية دمشق ومنها إلى باقي الأراضي السورية، وأجبر الملك فيصل على مغادرة البلاد، وتم تقسيم سورية إلى عدة دويلات، وفي 31 آب من نفس العام صدر قرار إنشاء دولة لبنان الكبير، وتم إنزال العلم العربي في دمشق وبيروت وحل محله أعلام الاحتلال الفرنسي.
فازدادت الثورة نقما على الاحتلال واندلعت ثورة سلطان باشا الأطرش في جبل العرب
واعتقلت السلطات الفرنسية المناضلين ،،لتنلع المعارك الدامية مع القوات الفرنسية
وتوقفت الثورة مؤقتاً عام 1923 بعد أن أصدرت السلطات الفرنسية عفواً عن قائدها (سلطان باشا)، إلا أن التدابير الوحشية التي اتخذتها سلطات الاحتلال ضد أبناء شعبنا على امتداد الوطن أثارت الثورة من جديد، وكانت الشرارة مرة أخرى من جبل العرب، وإشارة بدء انطلاق الثورة السورية الكبرى عام 1925، عندما أقدمت سلطات الاحتلال على تعيين حاكم فرنسي طاغية كان أبناء الجبل قد خبروا بطشه وظلمه في مرة سابقة هو الجنرال كاربيه، وباشر بتنفيذ سياسات تهدف إلى البطش بزعماء الجبل ورموزه الوطنية، وعندما أرسل كاربيه جنوده إلى دار سلطان باشا الأطرش ليطلبوا منه موافاة القائد الفرنسي في السويداء، ألقى أبناء الجبل القبض على هؤلاء الجنود، وما لبثت الثورة أن اندلعت في السويداء، وتوالت المعارك الطاحنة في الكفر وقلعة السويداء، وتم القضاء على العديد من الحملات التي حاولت فك الحصار عن القلعة.
وعندما أرسلت السلطات الفرنسية حملة من دمشق على رأسها الجنرال ميشو لتأديب الثوار، تصدى لها رجال الثورة في معركة المزرعة الشهيرة في الثاني والثالث من شهر آب عام 1925، وقاموا بتشتيت الحملة، وعندها استخدمت قوات الاحتلال الفرنسي كل قواها مستخدمة الطائرات والمدرعات حيث قصفت 80 قرية في محافظة السويداء من أصل 100، إلى إثر ذلك انضمت القبائل العربية المتواجدة في بادية درعا والسويداء إلى رجال الثورة، كما أعلن حزب الشعب السوري بقيادة المناضلين الوطنيين عبد الرحمن الشهبندر ونسيب البكري تأسيس الحكومة الوطنية ومركزها السويداء.
في 23 آب 1925 أصدر سلطان باشا الأطرش منشوره الشهير إلى الشعب السوري والذي أعلن فيه بيان الثورة السورية الكبرى ومطالبها.
مني المستعمرون خلال الثورة بخسائر فادحة حشدوا جل قواهم للقضاء على الثائرين، وتمكنوا من ذلك في نيسان سنة 1927، بعد أن جندوا آلاف الجند المدججين بالسلاح بمساندة المدرعات والطائرات الحربية فاحتلوا المدن والقرى وأعملوا فيها خراباً وقتلاً وتدميراً. وأجبروا الثوار وقادتهم على المغادرة إلى الأردن وفلسطين ومصر.
إلا أن النضال الفكري والجماهيري استمر واستمرت الإضرابات الداعية لرحيل المستعمر
والحصول على الاستقلال التام
وأجرت فرنسة المحاولات للوصول إلى تسوية مع القوى الوطنية السورية ،لكن حزب الكتلة الوطنية أخذ على عاتقه مسألة تخليص سورية من الاحتلال الفرنسي وإقامة دولة سورية مستقلة ذات وصل النضال الجماهيري لدى الشعب العربي السوري إلى ذروته في عام 1936 إثر مهاجمة الشرطة التابعة للاحتلال لمقر حزب الكتلة الوطنية في حلب بعد ذكرى الأربعين لوفاة المناضل الوطني إبراهيم هنانو. فاجتاحت المظاهرات الشوارع والساحات وأعلن الإضراب في كافة المدن السورية والذي دام ستين يوماً، وعرف بالإضراب الستيني الشهير، الذي حمل الدلالة الكبرى على وحدة الشعب السوري في آماله وتطلعاته إلى الحرية والاستقلال، واشتركت فيه جميع القوى السياسية والاجتماعية من مختلف المذاهب
في ذلك الوقت، ظهرت مؤثرات محلية وإقليمية ودولية عديدة أثرت على وضع سلطة الانتداب الفرنسي في سورية، أهمها الوضع الدولي وبروز قوى دولية جديدة إلى الساحة، أخذت تلقي بظلالها على الهيمنة المطلقة للقوتين الاستعماريتين الكبريتين آنذاك (فرنسا وبريطانيا). وفي فرنسا نفسها وصل إلى السلطة تحالف الجبهة الشعبية الذي ضم في صفوفه القوى اليسارية الفرنسية (الاشتراكيون والشيوعيون) برئاسة ليون بلوم، وارتأت السلطة الجديدة أن تصل إلى نوع من التفاهم مع القوى السياسية الممثلة للشعب السوري كي تتجنب بذلك الضغوط المتواصلة التي تشكلها نضالات هذا الشعب في سبيل الحرية، ولتظهر بمظهر المتفهم لحقوق الشعوب في تقرير المصير.
من ناحية أخرى نجح الملك فيصل الأول (ملك سورية السابق)، والذي كان قد أصبح ملكاً على العراق في عقد معاهدة مع بريطانيا منحت العراق بعض الحقوق في الاستقلال، مما ترك أثراً كبيراً في سورية، وأصبح المطلب الشعبي للحركة الوطنية عقد معاهدة مع فرنسا على غرار المعاهدة العراقية البريطانية، وبعد مفاوضات استمرت ستة شهور، توصل الوفد السوري المفاوض (الذي ترأسه الزعيمان هاشم الأتاسي وفارس الخوري) مع الحكومة الفرنسية في باريس في التاسع من أيلول عام 1936 إلى عقد المعاهدة المعروفة بمعاهدة عام 1936، وقد استقبل الوفد المفاوض لدى عودته الى سورية استقبال الفاتحين، وجرت له في كل بلدة سورية مر بها احتفالات مشهودة.
وقد نشرنا نصوص المعاهدة وملاحقها يوم 22 تشرين الأول ليطلع الشعب عليها ويجري انتخاباته على أساسها، فقابلتها طبقات الأمة بالرضى عن مضامينها، والقناعة بصلاحها للاستقلال المنشود.
ولا بد من الإشارة الى كون صلاح المعاهدات يستند إلى النية الحسنة عند عاقديها والعزم الصادق على تنفيذها بأمانة واخلاص أكثر مما يستند على نصوصها وما في عباراتها والقوة المؤيدة لحقوق كل من الطرفين فيها هي كفاءته ومقدرته في الطلب والتنفيذ.
وعلى إثر المعاهدة انعقدت في سورية انتخابات لتشكيل مجلس نيابي سوري (برلمان)، فازت الكتلة الوطنية بأغلبية مقاعده، بعد هزيمة القوى المؤيدة للاحتلال والمتعاونة معه هزيمة ساحقة.
إلا أن فرنسا التي ساءها حصول الشعب السوري على أي من حقوقه الوطنية أخذت تتراجع شيئاً فشيئاً عن بنود المعاهدة، ورفض الموظفون الفرنسيون تسليم سلطاتهم إلى الحكومة السورية المنتخبة، وتردت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، وأخيراً قامت السلطات الفرنسية المحتلة بحل البرلمان السوري المنتخب من قبل الشعب، وأخذت زمام السلطة مباشرة في عودة للحالة الاستعمارية السابقة، منهية بذلك مفاعيل المعاهدة نهائياً.
بل وقامت بالتواطئ مع بريطانيا وتركيا بسلخ لواء اسكندرون عن وطنه الأم وضمه إلى اقليم كيليكية بعد انسحاب قواتها منه
كانت الحرب العالمية الثانية قد ألقت بظلالها على العالم آنذاك، ودخلت قوات الحلفاء (فرنسا وبريطانيا) في حرب ضروس مع قوات المحور (ألمانيا وإيطاليا واليابان)، وشهدت سورية صراعاً بين القوات الفرنسية التي كانت تابعة لحكومة فيشي (الموالية للألمان) وقوات حكومة الجنرال ديغول (المتحالفة مع الحلفاء) حيث تمكنت القوات المتحالفة من إخراج قوات فيشي من سورية في تموز من عام 1941، وعلى إثر ذلك أذاع الجنرال كاترو (باسم ديغول) بيانه الشهير الذي وعد فيه سورية ولبنان بالاستقلال وحق تقرير المصير.
القوات الفرنسية واجهت تلك الهبة الشعبية بعنف منقطع النظير مستخدمة القوة المفرطة بحق المتظاهرين العزل، وقامت بارتكاب مجازر مروعة بحق السكان الآمنين، وأنزلت قواتها إلى الشوارع، وقصفت الأحياء السكنية في دمشق والسويداء وغيرها من المدن بالطائرات، وكان أن أنهت مسيرة القمع هذه بمجزرة مروعة ارتكبتها في مبنى البرلمان السوري، عندما رفضت حاميته المكونة من رجال الدرك السوري أمراً بإنزال العلم السوري عن البرلمان وتسليمه للقوات الفرنسية، التي قامت بقصفه بمختلف أنواع القنابل وتدميره مما أدى إلى استشهاد أفراد حاميته الأبطال (ما عدا واحداً نجى بأعجوبة وأصبح يعرف باسم الشهيد الحي)، وذلك في التاسع والعشرين من شهر أيار عام 1945، وتم إنزال العلم السوري من فوق البرلمان فوق جثث هؤلاء الرجال الشجعان.
لم تؤد العمليات الوحشية التي مارستها قوات الاحتلال الفرنسي في وأد جذوة النضال والكفاح لدى أبناء الشعب السوري الذي استمروا في مقاومة قوات الاحتلال بكل السبل المتاحة. وكانت الظروف الدولية التي تبعت نهاية الحرب العالمية الثانية غير مؤاتية كي تستمر فرنسا في سياساتها الاستعمارية، حيث طالبت بريطانيا بوقف أعمال القتال وإعطاء السوريين ما وُعِدوا به، وهدد تشرشل رئيس وزراء بريطانيا بتدخل عسكري في سورية، وبالفعل دخلت قوات بريطانية إلى سورية في مسعى لتهدئة الأوضاع.
عرض المشكلة على مجلس الأمن، الذي صوّت على انسحاب قوات الاحتلال بمختلف جنسياتها من الأراضي السورية واللبنانية، حيث أصبحت كل منهما دولة مستقلة معترفاً بها في منظمة الأمم المتحدة.
[/frame]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|