| 
				 سِفْرُ الرّحيل 
 سِفْرُ الرّحيل
 فقدنا كلّ شيء في الحصار
 فقدنا الصّدق في إحساسنا الماضي
 فقدنا الأمس و الغد في نزيف الصمت و النّار
 فقدنا آلة التّصوير في نزق الغرام
 وضيّعنا الحقيقة في عناد الانتظار
 و في سِفْر التّسالي بين أصداف الفرار
 و ها أنّا تفارقنا
 
 لعلّي لم أكن إلاّ خيالا بين أجفان النّهار
 و حين أتى المساء تلقَّفَتْني غفوة الأنوار
 و أقفر خاطر الأيّام من طيفي الغريب
 لعلّي كنت... أو ما كنت يوما
 غير منتجع لصبوات الزّمان
 لصبوة خافق فقد الأمان
 و حين أتاه ميناء الأمان
 تناسى مهد هذا القلب بين أسى و نار
 تبرّأ من فؤادي بعد آن أرداه في جفن اللّهيب
 يفتّش عن بقايا من بقاياه
 و عن وعد كذوب
 و يحفر عن بقيّة اسمه المغبرّ في تلّ الدّوار
 و يقضم إصبع النّدم
 
 لأنّي نسيت حدود أحلامي
 و صدّقت السّراب
 فإنّي أستحقّ الموت في بيداء آلامي
 و فوق صفائح الأحزان رميا بالعذاب
 لأنّي قد ركعت لرغبة القلب
 أصلّي في حمى الأشواق باسم العشق
 و أتلو آية الإكبار و الحبّ
 فإنّي أستحقّ الموت رجما بالخيانه
 و طعنا في شعوري الخداع
 و بالغدر المسمّم بالضّياع
 لأنّي لم أعمّد خافقي منك
 و من جرحى الأمانيّ الكِذاب
 لأنّي في الهوى ما كنت نُصْبا ذا قناع
 فقد سبق التئام الجرح تجريح جديد
 وخنجر غلطة أعمى
 توارى في غيابة مهجتي حتّى الوريد
 
 سأغسل منك أحزاني و آمالي
 سأغسل آلة التّصوير و الكتب
 و ذاكرتي و أشرطة "الكَسَاتِ" و كلّ أسفاري
 سأغسل مهجتي من حبّها البالي
 و أكسر كلّ أوثاني
 و أحرق سِفْر تكويني و سِفْر خروج قلبي
 طريدا في مساء الانهيار
 سأُحرقني إذا أنا لم يمت حبّي
 و إن لم  ينعتق قلبي من الحبّ
 من الأشواق و الأشجان و التّعب
 سأُحرقني ... سأُحرقني
 لأجلك سوف أحرقني
 
 و إنّي صرتُ يبلعني السّراب
 و قد أصبحتِ يبلعك الغياب
 و يلفظني النّهار و شهقةَ النّور الصّريع
 فأسقط فوق تلّ الاكتئاب
 و يرجمني لظى الألم
 برعد من أعاصير الدّموع
 و أنت هناك يبلعُك الغياب
 و أطلب أن أراك فلا يُردّ لي الجواب
 دعينا من عبارات العتاب
 و قولي ..! لا تقولي ..! كلّ شيء قد تجلّى
 يفرّقنا الّذي قد كان يجمعنا:
 الحبّ و الأشواق و الإخلاص والقدر
 غدا أمشي على وجهي العنيد
 و يفقدني النّهار إذا أتاني
 و يفقدني الـمدى قبل الأوان
 لأنّي لن أعيد الـموت موتي مرّة أخرى
 و لن أئد الفؤاد الياسـمـينـيَّ الوليد
 لأنّي قد كرهت الصّفح و الصبرا
 و عفت الظّنّ و الكبرا
 أنا لن أفاوض من جديد
 فلم يتبقّ في قلبي من الصبر المزيد
 
 رحلتُ فمن سيزرع شمسه في مقلتيك
 و يسقيك الهوى شِعرا و نورا
 و يهديك ارتعاشة قلبه ما بين كفّيك
 و يهديك انتفاضة روحه بين الأعاصير
 رحلتُ و خلف ظهري وزر أعوام من الحبّ
 و خمس قصائدٍ قد ضاق عنها قبو أحزاني
 رحلتُ فأين تحملني خطاي على قفا دربي؟
 رحلتُ مفتّشا عن حائط المبكى
 لأسند هامتي في ظلّه من عبء وجداني
 و من تهويـمتي العجفاء في صحراء حرماني
 أسافر باحثا عن هيكل السّلوى
 لأهدي ربّ أشجاني
 تسابيحي و إنجيلي و قرباني
 و محرقة هي القلب الـمؤجّج في السّعير
 ليـمنحني و قلبي صكّ نسيان
 
 سأرحل عن حمى وطني
 و أهجر مهد أمجادي
 و قلبا كنت أعشقه و يعشقني
 سأرحل حيث لا حيث
 فلا أمس و لا ماض يطاردني
 و لا آت و لا مستقبل رثّ
 و لا أرض و لا عرض يلطّخني
 و لا جسم الهوى الغثّ
 يجوّع خافقي باسم الهوى و الشوق و الأمل
 فلا الأشواق من ديني
 و لا الأحزان من سُنني
 سأرحل عنك مصحوبا بهاويتي
 فإنّك لستِ من أرضي و لا قلبي و لا زمني
 سأرحل حيث لا حيث
 فخلّيني أمرّا
 دعيني و ارتحالي و انتحاري
 و خلّي لي انكساري القاتل الـمُرّا
 غدا أُلقِي عباءة رحلتي الحرّى
 و أُلْقَى صفحة عذراء في نهر الخلود
 غدا أُلقي ذراعي في عناق الانتصار
 و أكسر باب حزني و انكساري
 غدا أمشي و تـمشينا
 و قد نلتقي أو لا نلتقي يوما
 و لكن لن أكون كما تحبّينا
 لأنّي لن أعيد الـموت موتي مرّة أخرى
 لأنّي كرهت الصّفح و الصّبرا
 لأنّي لن أفاوض من جديد
 لأجل سحابة أمطارها نار
 
 دعيني و ارتحالي و انعتاقي
 لأنّي لن أعيش فراشة تهوى اللّهيب
 و تعبده و يحرقها
 ألملم ما تبقّى من شتاتي
 و أُسرِجُ هامتي إرمًا و سترة عشتروت
 و أُسْلِم للمدى خطوي
 و قلبي للأماني الآتيات
 و عرسٍ لا يفوت
 و أسكب رغوة النّسيان في روحي
 فإنّي طالـمـا بتراب حبّك كنت قد عفّرت قلبي
 أُحِلـُّــكِ من مواثيقي
 و أمضي في سراديب الغياب
 و أغيب حين أغيب في لـمْح الحياة.
 
 نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
 |