الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله وآله
وكافة المرسلين وعباده الصالحين
الواصل هو الموحد كما عرف الجنيد التوحيد والموحد بعبارة أخرى
تدل على الواصل الى كينونة الميثاق حيث قال الجنيد : التوحيد هو افراد القدم عن
الحدث والخروج عن الأوطان ، وقطع المحاب ، وترك ما علم وجهل ، وأن
يكون الحق محل الجميع .
والدليل في ذلك قول الله في سورة الأعراف ( واذ أخذ ربك من بني
آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى ) الآية 172
حيث يقول الجنيد : أخبر جل ذكره أنه خاطبهم وهم غير موجودين الا بوجوده لهم
اذ كانوا واجدين للحق من غير وجودهم لأنفسهم ، فكان الحق بالحق في ذلك موجودا
بالمعنى الذي لا يعلمه غيره ، ولا يجده سواه ، أولئك هم الموجودون الفانون في حال
فنائهم الباقون في بقائهم ، أحاطت الأمور بهم حين أجرى عليهم مراده من حيث شاء
بصفاته المتعالية التي لا يشارك فيها ، فكان ذلك الوجود أتم الوجود .
وعلى الرغم من تعثر النص الصوفي وتحرجه من البوح بالحب الالهي الخاص لانسان
الا أنه يستند الى قوله تعالى ( يحبهم ويحبونه ) وفي هذه الآية الكريمة قدم سبحانه
حبه اياهم على حبهم اياه ، وهذا ما أشار اليه أبو يزيد البسطامي ، حين أدرك أنه
أخطأ في بداياته ، اذ ظن أنه أحب الله ابتداء وعندما وصل علم أن حب الله له سبق
حبه اياه ، واضافة الى هذه الآية الكريمة يجمع المسلمون على أن رسولهم المصطفى
هو حبيب الله .
وتأسيسا على هذا الحب الالهي الخاص يفرق أهل الله بين الجنة وبين القرب الالهي
فالجنة يبيحها الله سبحانه للعامة من الناس وللخاصة عدلا منه وفضلا ، ويمتعهم بأعمالهم
وبرحمته ، ولكنه سبحانه لا يدخل في مواطن قربه ولا يصافي من عباده الا أهل محبته
فالمحبوبون هم المقربون ، وهذا الحب وهذا التقريب هما اختصاص الهي في كون الأزل
عنده وهبهما الحق تعالى لأهل خاصته حين أوجدهم ، وبهذا الحب انتسبوا الى حقائق
التوحيد ، فهم المحبوبون وهم المقربون وهم الموحدون ، ويقول الجنيد : الحمد لله الذي
قطع العلائق عن المنقطعين اليه ، ووهب الحقائق للمتصلين به المعتمدين عليه ، حين
أوجدهم ووهب لهم حبه ، فأثبت العارفين في حزبه ، وجعلهم درجات من في مواهبه
وأراهم قوة أبداها عنه ، ووهبهم منة من فضله ، فلم تعترض عليهم الخطرات بملكها
ولم تلتق بهم الصفات المسببة للنقائص في نسبتها ، لانتسابهم الى حقائق التوحيد ، بنفاذ
التجريد فيما كانت به الدعوة ، ووجدت به أسباب الحظوة ، من بوادي الغيوب وقرب
المحبوب .