زغرودة...
استولى علينا الارتباك ورَكِبَنَا الجزع.. من سيقول لها ـــ وكلنا متهيب ـــ إنه الرابع؟
كيف، وهو الأخير أيضاً، آخر العنقود..؟
جميعنا نعرف أنها كانت تستلهم الصبر من رؤيته، وتحتملُ ببقائه فقدانَ الثلاثة الذين سبقوه.. كان العزاء والسلوى.. أما الآن؟
تبادلنا النظرات بصمت، وفجأة ارتفع صوت:
- أنت..
- بل تذهب أنت..
- لا بل أنت..
واختلطت الأصوات بحدة تُرَدِّدُ كلمة واحدة آمرة غاضبة ومتهربة، في ذات الوقت، هي: (أنت)...
فجأةً، صمتت أصواتُنا جميعها دفعةً واحدة.. وَجَمْنا، ونحن نراها تَتَقَدَّمُ نحونا بخطوات بطيئة ثابتة.. تَلُفُّ رأسَها بشالٍ أبيض يسيلُ على كتفيها، وفوق شفتيها تُزهِرُ ابتسامةٌ حلوة مطمئنة..
خفنا، حاول بعضنا الانسحاب.. لم يجرؤ.. أطرقنا جميعا إلى الأرض، وسؤال واحد يدور في رؤوسنا: (من سيقول لها؟)...
صارت بيننا.. استمر الصمتُ مطبقاً.. وأخيراً ارتفع صوتها عميقاً حنوناً مؤثراً، والابتسامة ما تزال متشبثةً بشفتيها:
- هل استشهد؟؟ صمتكم يقول لي.. صمتكم يُبشِّرُني..
ولَمَّا استمرَّ الصمت، اتسعت ابتسامتُها.. ثم..
ارتجفت الأجساد بعنف شديد، حين دَوَّتْ في سماء المخيم زغرودةٌ طويلة طويلة، بطول الفاجعة...
نُشرت هذه القصة في صحيفة الجندي بتاريخ 1982/11/2
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|