التسجيل قائمة الأعضاء



 
القدس لنا - سننتصر
عدد مرات النقر : 137,871
عدد  مرات الظهور : 162,412,353

اهداءات نور الأدب

العودة   منتديات نور الأدب > مـرافئ الأدب > هيئة اللغة العربية
إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 22 / 12 / 2016, 36 : 02 PM   رقم المشاركة : [1]
د.مرتضى بابكر الفاضلابي
مرتضى بابكر الفاضلابي . استاذ مساعد بجامعة وادي النيل . كلية العلوم الاسلامية والعربية
 





د.مرتضى بابكر الفاضلابي is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: السودان

الأدب العباسي الأول



بسم الله الرحمن الرحيم
جامعة وادي النيل
كلية العلوم الإسلامية والعربية


مقرر :
الأدب العباسي الأول



د. مرتضى بابكر الفاضلابي





المحاضرة الأولى : الحياة السياسية
الثورة العباسية
الثورة العباسية وهي الثورة التي نشبت ضد الأمويين، وهي ثورات أراد بها أصحابها في البداية إلى الإصلاح الاجتماعي
وبدأت الدعوة العباسية سراً فهم لا يذكرون للناس أنهم طلاب خلافة ، إنما يذكرون لهم أنهم يطلبون إسقاط الدولة الأموية الجائرة ، إلى أن اتجه أبو العباس إلى المسجد الجامع في الكوفة ، فبايعه الناس ، وارتقى المنبر، فاشرأبَّت إليه الأعناق وأصغت إليه الآذان ، فإذا هو يحتج بآي القرآن الكريم على أن بيته العباسي أحق بالخلافة فانضم للعباسيين من انضم اليهم من العرب ، وقاد أبو مسلم الخراساني الثورة على الأمويين ، وخرجوا جميعا للقضاء على مروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين ، فالتقوا بهم على نهر الزاب شمالي العراق ، وهزموه هزيمة ساحقة ففر إلى الشام ثم إلى مصر حيث قتل في معركة ( أبو صير ) ، وانتهت بذلك الخلافة الأموية وقامت
الخلافة العباسية في العام 132هـ
ولكن العلويين (نسبة لسيدنا علي - رضي الله عنه -) رفضوا الاعتراف بخلافة العباسيين ، وأشاعوا أن بني العباس اغتصبوا حقهم في الخلافة و أشعلت فرقهم من (الزيدية بالبصرة ، والإمامية الاثنا عشرية بالكوفة ، والإسماعيلية بشمال إفريقيا) الثورات ضدهم .
فرأى العباسيون أن يتخذوا من العراق مقرا لخلافتهم فنقلوا عاصمة الخلافة من الشام إلى العراق فكان لذلك النقل لمقر الخلافة أثره على الدولة العباسية وظهر ذلك جليا في ما يلي :
1 - تأثر العباسيون بالحضارة الفارسية وبذخها ؛ فظهر بناء القصور الفخمة ، والتأنق في أنواع الطعام والشراب والملابس والأثاث والحدائق والبرك .
2 - التفت جماعات من التجار الأثرياء والأدباء والظرفاء والعلماء والمغنين والأطباء حول الخلفاء والوزراء ، فازدهرت مجالاتهم .
3 - انتشر اللهو والمجون لاستكثار الأغنياء من الجواري .
4 - انتشرت الشعوبية والزندقة والديانات الفارسية ، كالزرادشتية والمانوية والمزدكية
5 - شاعت ظاهرة الزهد والتنسّك والوعظ والتصوف في مواجهة التيار العابث الماجن والديانات الفارسية .
فرأى أبو جعفر المنصور أن يبتعد بحاضرة دولته عن الكوفة مركز العلويين حتى يأمن ما قد ينشب فيها من ثورات ، وحتى يعزل جنده عن أهلها فلا يفسدوهم؛ فاختار بغداد عاصمة للدولة العباسية . و قد عني المنصور بها عناية بالغة ، وما لبثت بغداد أن أصبحت أهم مدينة في العالم العربي، إذ بنيت بها مئات المساجد وعشرات القصور الفخمة ، ونزل بها الأدباء والعلماء من كل صنف وعلى كل لون .
النظم السياسية والإدارية
كان تحول الخلافة من دمشق إلى بغداد على سواعد الجيوش الخراسانية إذاناً بغلبة الطوابع الفارسية على نظم الحكم السياسية والإدارية للدولة العباسية.
وانتقلت إلى العصر العباسي النظم الساسانية بحذافيرها في كل شؤون الحكم
.
واتسع الخلفاء في محاكاة الدواوين الساسانية، وأخذوا عنهم نظام الإدارة ، ونظام الوزارة
.
وقلما نجد للعباسيين وزيراً غير فارسي، إذ كانوا هم الذين يستأثرون بشؤون الخلافة

ويرقون إلى أعلى المناصب.
فتقاليد الساسانيين قد حوكيت حتى في أزياء رجال الحاشية والموظفين وطبقاتهم.
ولعلنا لا نغلو بعد ذلك كله إذا قلنا إن النظم السياسية والإدارية في الدولة العباسية طبعت بطوابع فارسية قوية ، تحولت في أثنائها الخلافة ملكاً كسراوياً يقوم على الاستبداد والقهر، وتولي الفرس أعلى المناصب وأرفعها ، فظهر العداء واضحاً بين العرب والفرس، وتوالت بينهما الثورات، فكان التفكير في عنصر آخر جديد يقوي نفوذ العرب من ناحية ، ويقف في مواجهة الفرس من ناحية أخرى ، واتجه التفكير إلى العنصر التركي .

ولما تولى المعتصم الخلافة أكثر من توافد الأتراك في بغداد ، وازداد عددهم حتى ضاقت بهم الشوارع وشكَّل هذا تحولاً حضارياً ؛ فبعد اعتمادهم على الفرس أصحاب الحضارات التي أفادت البيئة العربية ، وأصبح الاعتماد على الأتراك الذين عرفوا بالبداوة والجفوة وليس لهم حضارة.
إلا إن هؤلاء الأتراك سرعان ما قبضوا على زمام الحكم في عهد المعتصم ، وتقلدوا زمام الشؤون الإدارية بجانب تقلدهم زمام الشؤون العسكرية إلا إن الأتراك بدءوا يتجولون بخيلهم في الأسواق والشوارع فيفسدون ويظلمون الناس ، فبدا الناس يرصدونهم ويقتلونهم . حينئذ رأى المعتصم أن يعتزل بجنده في موضعٍ ناءٍ عن بغداد ولم يزل يتخير لهم موضعاً حتى انتهى إلى سامرَّا شرقي دجلة، واهتم بها اهتماماً كبيراً وظل الخلفاء بعد المعتصم يقيمون بها حتى سنة276هـ إذ تحولوا منها إلى بغداد مرة أخرى.
وخفت صوت الأتراك في خلافة المتوكل إلا أنهم استطاعوا التخلص منه فارتفع صوتهم مرة ثانية في عهد المقتدر
وقد نشبت بعض الثورات في عهد الدولة العباسية نذكر منها :
ثورة الزنج :
هي ثورة أشعلها رجل فارسي ضد الدولة العباسية ،وكان يدعي أن العناية الإلهية بعثته لإنقاذ الزنج من الاستبداد والظلم حيث كانوا يعملون في الزراعة نظير أجر زهيد لا يسد حاجتهم فالتفوا حوله وأنضم إليهم عدد من عبيد الفرات واستمرت أربع عشرة سنة ونحو أربعة أشهر لم تضع الحرب أوزارها.
وانتهت ثورة الزنج بالهزيمة وبقتل صاحب الثورة
تدهور الخلافة العباسية:
ساءت الخلافة العباسية وسيطر الأتراك على مقاليد الحكم ، وكانوا هم الحكام الحقيقيين للبلاد ويمكن القول إن الخلافة العباسية تدهورت لعدة أسباب منها:
1ـ تدخل الأتراك في شؤون الحكم وهم ليس لديهم دراية بالسياسة وصور ذلك أحد الشعراء بقوله :

خليفة في قفص بين وصيف وبُغاء *** يقول ما قالا له كما يقول الببَّــغاء
2ـ انغماس كثير من الخلفاء العباسيين في اللهو والترف والإقبال على كل متاع مادي من بناء القصور الباذخة ، ومعيشة كفُلت لها كل وسائل النعيم والترف،ووصل الأمر من كثرة الإنفاق أن عجزت الدولة عن دفع رواتب الجيش ، مما أضعف هيبة الدولة أمام الأتراك .
3ـ مصادرة أموال الناس وابتزازهم بالضرائب ، وخاصة أموال الكتاب والقضاة
4ـ كثرة الاختلاسات و الرشاوي حتى وصل الأمر أن الولاة كانوا يرشون الوزراء ليظلوا في ولايتهم .
5ـ تدخل النساء في شؤون الحكم ؛ فكن يصرفنه حسب أهوائهن ، وكن يكتنزن الجواهر ويمتلكن الأضياع والأموال حتى أصبحت الدولة تدار بيد الأتراك والنساء
6ـ يضاف إلى ما سبق ما حاق بالدولة العباسية من ثورات كثيرة استنزفت موارد الدولة وبخاصة ثورتي الزنج والقرامطة
__________________________________________________ _

المحاضرة الثانية : الحياة الاجتماعية
المقصود بالحياة الاجتماعية هو كل ما يتعلق بالحياة العباسية من: طبقات المجتمع المختلفة ، وما في هذا المجتمع من حضارة وترف ولهو ، وما شاع فيه من رقيق وجواري وغناء ، ومجون وشعوبية وزندقة ، وما انتشر فيه من نزعات الزهد والتصوف.
طبقات المجتمع:

انقسم المجتمع العباسي إلى ثلاث طبقات:
1ـ الطبقة الأولى: الطبقة العليا:وهي طبقة الخلفاء والوزراء والقادة والولاة ومن تبعهم من الأمراء والأعيان وكبار رجال الدولة .وهذه هي الطبقة التي غرقت في النعيم والترف والرفاهية واللهو والمجون . واهتمت ببناء القصور وزخرفتها والاهتمام المبالغ فيه بها
2ـ الطبقة الثانية: وهي الطبقة الوسطى : وهي طبقة التجار والصناع والموظفين ورجال الجيش والمغنيين . وهي طبقة تعيش في ستر ومعيشة متوسطة.
3ـ الطبقة الثالثة: وهي طبقة العامة : وهي الأكثرية ، وتشمل طبقة الزراع والحرفيين والخدم والرقيق وأهل الذمة. وهذه الطبقة التي يقع عليها عبء الطبقتين السابقتين ؛ حيث كانت تعاني كثيراً من البؤس والشقاء.

الحضارة والترف واللهو.
انصرفت الطبقة الأولى إلى حياة اللهو والترف وأهملت شؤون الدولة وتركتها للأتراك ليقرروا ما يشاءون .
وطبيعي أن تدفع الأموال الكثيرة لا إلى النعيم فحسب ، بل أيضاً إلى الترف في الحياة وكل أسبابها المادية من دور مزخرفة وفرش وثيرة و التأنق في الملبس والثياب والمطعم والمشرب من كل لون والتماس لكل أدوات الزينة والتفنن فيها تفنناً يتيح كل ما يمكن من استمتاع بالحياة كما استكثروا من العطور وأنواع الطيب الغالية كالمسك والكافور والعنبر ....
وقد عمَّ حينئذ ببغداد لبس الأزياء الفارسية ، فكانت كل طائفة من طوائف الموظفين ورجال الدولة تلبس زياً خاصاً بها يميزها عن الطوائف الأخرى .
ولا ريب في أن هذا كله كان على حساب العامة المحرومة التي كانت تحيا حياة بؤس وشقاء.
الرقيق والجواري والغناء:
انتشر الرقيق والجواري ، وشاع الغناء في العصر العباسي بطريقة مفرطة؛ وملئت القصور بالرقيق والجواري والغناء ، وقد دفع هذا الفساد الأخلاقي الذي كان يشيع في هذا العصر إلى انتشار الغزل المكشوف الذي لا تصان فيه كرامة المرأة والرجل جميعاً.
المجون والشعوبية والزندقة:
انتشرت موجة المجون والشعوبية والزندقة في هذا العصر انتشاراً واسعاً؛ حيث ظل الناس يتمادون في شرب الخمر وأصبحت قصور الخلافة مقاصف للشراب والسماع والغناء وكذلك قصور الوزراء والأمراء وكبار رجال الدولة حتى تورط فيها القضاة.
أما الشعوبية التي انتشرت في العصر العباسي فهي ثورة ضد العرب تعمل على إيجاد فارق طبقي بينهم وبين العرب ليثبتوا أنهم فوق وأفضل من العرب وقد أخذ الشعوبيون وبالأخص الفرس منهم يشيدون بحضارتهم ومجدهم ، ونقمتهم على الواقع العربي.وكان بشار بن برد أهم من أوقد نيران الشعوبية يظهر ذلك في قوله :

أصبحت مولى ذي الجلال وبعضهم *** مولى العُريبي فخذ بفضلك ففخر
مــــــــولاك أكــــــــــــــرم من تميــــــــــــم كلهــــــــــــــا *** أهل الفعال ومن قريش المشعـــــــر
وكان يفخر بقومه ويحاول التقليل من شئن العرب كقوله :
هل من رسول مخبر عني جميع العــــــرب *** بأني ذو حسب عادل علــــــــــــــــى حسب
جدي الذي أسمو به كسرى وساسان أبي *** وقيصر خالي إذا عددتم يوما نسبــــــــي
أما الزندقة فهي ثورة ضد الإسلام والمسلمين . وفد كثر هؤلاءمنذ قيام الدولة العباسية حتى صاروا خطرا على الدين والدولة وقد كان أكثرهم من البرامكة الذين قال عنهم الأصمعي :
إذا ذكر الشر في مجلس *** أضاءت وجوه بني برمك
ويعد بشار كذلك احد الزنادقة في العصر العباسي حيث يقول :
الأرض مظلمة والنار مشرقة *** والنار معبودة مذ كانت النار
إبليس أفضل من أبيكـــــــم ادم *** فتنبهــــــــــــوا يا معشـــــــر الفجـــــار
النار عنصره وادم من طينــة *** والطين لا يسمو سمو النـــــــار
وكذلك من هؤلاء الزنادقة صالح بن عبد القدوس ، وحماد عجرد ، وقد تنبه المهدي لهذا الخطر فحبس صالح عبد القدوس وقدمه للمحاكمة فأعلن توبته فقال له المهدي ألست أنت القائل :
والشيخ لا يترك فعاله *** حتى يوارى في ثراء رمسه
فأمر بقتله بعد محاكمته وصلب على جسر في بغداد ، كذلك كان في مقدمة من قتلهم المهدي ابن المقفع الذي قال عنه المهدي : " ما وجدت كتاب زندقة إلا واصله كتاب المقفع " .
الزهد والتصوف:
ليس معنى حديثنا عن كثرة المجون والفسق واللهو في العصر العباسي أن هذا العصر كان عصر فسق ومجون ولهو وزندقة فقط ، بل على العكس تماما فقد كثر فيه الزهاد والنساك فالمساجد عامرة بذكر الله تعالى خاصة من طبقة العامة ويشهد لذلك المحدِّث إبراهيم بن إسحاق الزاهد الناسك الذي رفض أن يتقاضى أجراً على علمه . كما انتشرت موجة التصوف وإن كان لها جذورها في القرن الثاني الهجري، لكنها ازدهرت وتطورت في هذا العصر حتى اهتم المستشرقون بدراستها وبيان أثرهاومن هؤلاء المتصوفة ( ذو النون المصري ، والحارث بن أسد ، والترمذي ) وغيرهم
__________________________________________________ _

المحاضرة الثالثة : الحياة العقلية والثقافية
المقصود بالحياة العقلية والثقافية كل ما كان يدور في العصر العباسي من تجانس ثقافي ولغوي بين الشعوب التي دخلت البيئة العربية، وكذلك الحركات العلمية والترجمة، وأيضاً الاهتمام بالعلوم العربية والدينية ، والمذاهب الكلامية .
فقد كانت الدولة العباسية تضم بين جناحيها بلاد السند وخراسان وما وراء النهر وإيران والعراق والجزيرة العربية والشام ومصر والمغرب . أخذت هذه العناصر المختلفة تمتزج بالعنصر العربي امتزاجاً قوياً وتنصهر فيه حتى غدت كأنها جنس واحد.
وقد أسرع من أسلموا من تلك الشعوب إلى تعلم لغة القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، فلم يمض نحو قرن حتى أخذت العربية تسود في كل أنحاء العالم الإسلامي لا بين المسلمين وحدهم ، بل أيضاً بين غيرهم ممن بقي على دينه القديم. وليس معنى ذلك أن جميع أصحاب اللغات القديمة هجروا لغاتهم تماماً ، فقد ظلت من ذلك بقايا حتى في أكثر البيئات تعرباً.
ولم تفسد هذه الكلمات الدخيلة العربية فقد كانت تأتي على هامشها ، وكثيراً ما كانت تعرَّب بحيث تتفق واللسان العربي.
نشطت الحركة العلمية في العصر العباسي نشاطاً واسعاً، وبدأت بالكتاتيب؛ التي كانت تعلم النشء الخط والكتابة والقراءة وحفظ القرآن الكريم ومبادئ الحساب وهكذا. وكانت المساجد مكملة للكتاتيب ، فمن يريد أن يكمل دراسته عليه أن يلتحق بحلقة من حلقات المسجد فهي أشبه بالمعاهد العليا ، وكان لكل فرع من العلوم حلقة خاصة به.
و مما ساعد على النهضة العلمية في ذاك العصر ما كان يقام في المساجد وقصور الخلفاء والوزراء من مناظرات بين العلماء.
وكانت دكاكين الوراقين أشبه بدور النشر في عصرنا ، يتردد عليهم من يريد الاطلاع .
ودفع الشغف العلمي بين الطبقات في ذاك العصر إلى الرحلة من بلد إلى بلد طلباً للعلم؛ فرحل اللغويون إلى البوادي رغم صعوبة الحياة فيها.
وامتازت في هذا العصر البصرة بسوق باديتها المعروف بسوق المربد، وكان منهلاً لاهل البصرة يغدون عليه ويروحون للقاء الفصحاء من الأعراب والتحدث إليهم تمريناً لألسنتهم وتربية لأذواقهم ومحاولة لاكتساب السليقة العربية المصفَّاة من شوائب العجم.
كماازدهرت الترجمة في العصر العباسي حيث ترجمة شتى العلوم والمعارف المختلفة ، فترجمت علوم الطبيعة وعلوم الطب والهندسة والرياضيات والفلك ،...وأصبح للترجمة مدارس كبيرة.
وقد نشطت الترجمة في عصر الرشيد ووزرائه البرامكة نشاطاً واسعاً حيث أنشئت دار الحكمة وتم توظيف طائفة كبيرة من المترجمين للعمل بها ، وجلب الكتب إليها من بلاد الروم. وتبلغ هذه الموجة الحادة للترجمة أبعد غايتها في عهد المأمون، إذ تحول بخزانة الحكمة إلى ما يشبه معهداً علمياً كبيراً وقد ألحق بها مرصده المشهور في الترجمة.
كما شهد هذا العصراهتماما بالعلوم العربية ؛ فقد أُلفت العديد من المؤلفات اللغويةمن ذلك : مؤلفات الجاحظ ، وابن قتيبة. وفي مجال النحو زاد نشاط النحاة في ذلك العصر واتسعت المدارس النحوية وازدهرت ولم يقتصر الأمر على المدرسة البصرية والكوفية؛ بل ظهرت المصرية والأندلسية ، كما نشطت الكتابات التاريخية ، فنجد كتابة السيرة النبوية ، وكتابة الأحداث الإسلامية والأمم والدول والطبقات.
واتسعت كتابة التاريخ لتشمل تاريخ العرب في الجاهلية وفتوحاتهم ودولتهم في الإسلام وتاريخ الرسل والأنبياء ، وهبطت إليهم روافد من تاريخ الأمم القديمة وخاصة الفرس، إذ عُني ابن المقفع وغيره بترجمة الكتب المؤلفة في سير ملوك العجم.
واهتموا كذلك بعلوم القراءات والتفسير والحديث والفقه فظهر مسند أحمد وصحيح البخاري ومسلم.

__________________________________________________ _

المحاضرة الرابعة : أغراض الشعر العباسي
حقق الشعر العباسي في هذا العصر تطورًا كبيرًا في أغراضه وأفكاره وفي شكله الفني ، وزنًا وقافية ولغة. وهذه نتيجة طبيعية لاتساع جوانب التجربة العقلية عن طريق الترجمة والاختلاط بأجناسٍ بشرية مختلفة، وتطور المعارف الدينية واللغوية والأدبية ، واتساع حركة التأليف، وظهور المعارف الفلسفية .
وفي هذا العصر ظهر من يطلق عليهم الباحثون: الشعراء المحدثون،مثل بشار وأبي نواس ومطيع بن إياس.
سيطرت الموضوعات القديمة من مدح ورثاء وهجاء وفخر وغزل على أغراض الشعر العربي في العصر العباسي ، غير أنه توجد إضافات في مضامين كل غرض من الأغراض القديمة بسبب الحضارة وظروف كل عصر ، كما استجدت أغراض جديدة ظهرت في العصر العباسي الأول ، ونمت في العصر العباسي الثاني، كالشعر التعليمي .
أولاً : المدح :
كان الشاعر الجاهلي والإسلامي يرسم في ممدوحه المثالية الخلقية الرفيعة التي تقدرها الجماعة ، من سماحة وكرم وشجاعة وعفة وشرف ومروءة، إلى غير ذلك من هذه المعاني . وحين ما جاء العصر العباسي، أخذ الشعراء يعيدون هذه المثل والمعاني ويجسمونها في ممدوحيهم تجسيماً قوياً.
ومضى الشعراء العباسيون في مدح الخلفاء والولاة وينادون بمثالية الحُكم وما ينبغي أن يقوم عليه من الأخذ بدستور الشريعة وتقوى الله والعدالة التي لا تصلح حياة الأمة بدونها، كما في مدح مروان بن أبي حفصة للمهدي، قائلاً
أحْيَا أمِيرُ المُؤْمِنينَ مُحَمَّدٌ *** سُنَنَ النَّبِيِّ حَرَامَها وحَلالَها
و يقول أبو العتاهية في هارون الرشيد:
وراعٍ يُراعي اللّيلَ في حِفظِ أُمّةٍ *** يُدافِعُ عَنها الشّرَّ غَيرَ رَقُودِ
وقد يكون الخليفة سيئ السلوك، ولكن الشعراء يمدحونه بنفس هذه المثالية الكريمة للخلفاء، لأنهم لا يمدحونه من حيث هو ، وإنما يمدحونه كخليفة للمسلمين وموضع آمالهم، وكأنما يريدون أن يرفعوا أمام عينه الشعارات التي تطلبها الأمة في خليفتها وراعيها، لعله يثوب إلى طريق الرشاد ، من ذلك مدح على بن الجهم للمتوكل:.
لَهُ الْمِنَّةُ الْعُظْمى عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ *** وطاعَتُهُ فَرْضٌ مِنَ اللـهِ مُنْزَلُ
ظل الشعراء العباسيون في مداحهم يقلدون القدماء في الوقوف على الأطلال ، ووصف الصحراء ، ولكن مع إضافات كثيرة ، حتى يلائم بينه وبين عصره.وتتسع الإضافة أحياناً وتضيق أحياناً، ولكنها دائماً تعبر عن الذخائر العقلية والخيالية للشاعر العباسي، فقد جعلوا الأطلال رمزاً لحبهم الداثر،وأما رحلة الصحراء فرمز لرحلة الإنسان في الحياة وحاول بعض الشعراء العباسيين أن يترك الحديث عن الأطلال المهجورة إلى الحديث عن القصور، من ذلك قول أشجع السلمي
قَصَرٌ عَلَيهِ تَحِيَّةٌ وَسَلامُ *** نَثَرَت عَلَيهِ جَمالَها الأَيّامُ
كما أضاف الشاعر العباسي لقصيدة المدح عناصر مستمدة من بيئته الحضارية
.
التناسب بين الممدوح وما يُمدح به ودفعتهم دقتهم الذهنية أن يلائموا بين مدائحهم وممدوحيهم ؛ فإذا مدحوا الخلفاء نوهوا بتقواهم وعدلهم في الرعية ، وإذا مدحوا القواد أطالوا في وصف شجاعتهم، وإذا مدحوا الوزراء تحدثوا عن سياستهم ، وإذا مدحوا عالماً أشادوا بعلمه ، وكذلك صنعوا بالفقهاء والقضاة والمغنيين ، يقول المتنبي مادحاً سيف الدولة :

ما لي أُكَتِّـمُ حُبّـاً قد بَـرَى جَسَـدي *** وتَدَّعِـي حُـبَّ سَيـفِ الدَولـةِ الأُمَـمُ
إِنْ كــــــــــــانَ يَـجمَـعـُنـا حُبٌّ لِغُـرَّتـــــِهِ *** فَلَـيتَ أَنَّـا بِقَـدْرِ الحُـبِّ نَقـتَسِــــــــــــــمُ
قـد زُرتُـه وسُيـُوفُ الهـِنـدِ مُغمَدةٌ *** وقـد نَظَـرتُ إليـهِ والسُـيُــــــــــــــــــــــوفُ دَمُ
وَ كـانَ أَحـسَـنَ خـَلـقِ الله كُلِّهـِـــمِ *** وكانَ أَحْسَنَ مـا في الأَحسَـنِ الشِيَـمُ
وكان الشعراء العباسيون في مدائحهم يصورون الأحداث السياسية والعسكرية التي وقعت في عصور الخلفاء وبخاصة الفتن والثورات الداخلية وحروب الخلفاء ضد أعداء الأمة وحروبهم ضد الروم والترك ، فقد أصبحت وثائق المديح وثائق تاريخية (سياسية عسكرية ) هامة تشتمل على أحداث الفتوحات والفتن والمعارك المهمة في تاريخ الأمة .
__________________________________________________ _

المحاضرة الخامسة : أغراض الشعر العباسي
ثانياً : الرثاء
الرثاء لغـة : رَثى فلان فلاناً يَرْثيه رَثْياً ومَرْثية:إذا بكاه بعد موته. ورثيتُ الميْت رَثْيَا ورثاء ومَرْثاة ومَرْثية: مدحته بعد الموت وبكيته ، وعدَّدْتُ محاسنه، ونظمت فيه شعراً المعنى الاصطلاحي : صناعة الشعر في المرثي بكاءً وندباً وعزاءً، أو هو فن شعري يعبر عن خلجات النفس الإنسانية
ألوان أو أقسام الرثاء:
للرثاء ثلاثة ألوان : النــدب والتأبين والعزاء
الندب : هو النوح أو البكاء على الميت بالعبارات المشجية وبالألفاظ المحزنة التي تصدع القلوب القاسية ، وتذيب العيون الجامدة.
التأبين : الثناء على الشخص حياً أو ميتاً ، ثم اقتصر استخدامه على الموتى فقط.
العزاء : أصل العزاء الصبر ، ثم اقتصر استعماله في الصبر على كارثة الموت، وأن يرضى من فقد عزيزاً بما فاجأه به القدر.

موضوعات الرثاء:
احتدم الرثاء في العصر العباسي ، فلم يمت خليفة ولا وزير ولا قائد مشهور إلا رثاه الشعراء و سعر موت الأبناء وذوي الرحم قلوب الشعراء ، فبكوهم بدموع غزار .كما بكوا زوجاتهم ، وبكوا كذلك العلماء والجواري ، وظهرت ضروب جديدة في الرثاء لم تكن معروفة قبل هذا العصر ، من ذلك رثاء المدن والحدائق والأملاك
ومن موضوعات الرثاء التي استحدثت في العصر العباسي رثاء الحيوانات والطيور ونحاول الوقوف عند أنواع المراثي


رثاء الحيوانات:
من موضوعات الرثاء التي استجدت في العصر العباسي رثاء المدلل من الحيوانات المستأنسة فلم يعد الإنسان هو الكائن الوحيد الذي حزن الشعراء لفقده ، وإنما شاركه في هذا كائنات أخرى كالحيوانات الأليفة والطيـور المستأنسة ، فقد رأينا بعض الشعراء في العصر العباسي يبكون الكلاب، والقطط، والديـوك، وغيرها مـن تلك الحيوانات والطيور التي أحبها الإنسان وألفها، وأستأنس بها، ووجـد فيها السلـو والنفـع ومن ذلك رثاء أبو نواس لكلبه الذي لسعته حية في عرقوبه فمات ، ويستهلها بقوله
يا بُؤس كلبـــــــي سـيد الكـــــــــــلاب *** قد كان أعنانـــي عن العُقاب
يا عين جودي لي على حلاب *** من للظباء العفــــــــــر والذئاب
وهذا ابن العلاف النهرواني، يتفجع على (هرة) كانت عنده بمكانة الولد، قائلاً
يا هرُ فارقتنـا ولـم تعــد *** وكنـت عندي بمنزل الولـد
وقد رثي الشعراء طيورهم لما لها من أهمية ، فهي مصدر غذاء وأنس، فأبو الفرج يرثي ديكاً لـه ، قائلاً :
أبكـي إذا أبصرت ربْعَك موحشـاً *** بتحنــــــن وتأســــــــف وشهيــــــق
فرثاء الحيوانات والطيور يعد من الموضوعات الجديدة التي استحدثت في العصر العباسي وإن كان له رواسب في الشعر الجاهلي إلا أن تشبعه بثقافات العصر العباسي وحضاراته وأخيلته جاء وكأنه فن جديد لا عهد للعرب به
رثاء المدن
تتمتع المدينة في العصر العباسي باستيعابها لألوان الثقافة وكل أسباب الحضارة والتمدن ، لذا فقد صارت تمثل كياناً له معنى ووجوداً في نفوس أهلها ، وقد عبروا عنه في صدق وحرارة عندما رأوا الخراب والدمار يحل بها ، وبكاها الشعراء كما يبكون أبناءهم ، وناحوا عليها كما ينوحون على أعز عزيز لديهم
فظهر في العصر العباسي رثاء المدن، وقد كان جديداً بكل معاني الكلمة، وإن كان لهذا الفن جذور في الشعر الجاهلي – كما جاء عند امرئ القيس - فقد جاء في ونماذج رثاء المدن في الشعر العباسي أكثر من أن تحصى ، من ذلك رثاء بغداد؛ حيث كانت أول محنة أصيبت بها مدينة في العراق في العصر العباسي هي المحنة التي أصيبت بها بغداد العاصمة ، حين نشب الصراع بين الأمين والمأمون ، فقد حاصرت جيوش المأمون بغداد وضربت المدينة بالمجانيق ، فاصطلي الأهالي بهذه النيران، وخرجوا من بيوتهم مشتتين بعد تهدمها ، وكثر الخراب والهدم والدمار ، حتى درست محاسن بغداد ؛ وقد صور هذا العتري في قوله :

من ذا أصابـك يا بغـداد بالعيـن *** ألم تكونـــــي زماناً قـرَّةَ العيـــن ؟
ألم يكن فيـك قوم كان مسكنهـــم *** وكـان قربهــــــــمُ زَيْنـاً من الزيـن ؟
وشاعر آخر يستبدل بدل الدمع دماً لشدة حزنـه على بغـداد، قائلاً :
بكيت دماً على بغداد لمَّـــــا *** فقدتُ غَضَارةَ العيـش الرقيـــق
تبدلنا همومـــــــا من ســــــرور *** ومن سعة تبدلنــــــــــــــا بضيــــــــق
ومهما يكن من شيء فإن رثاء المدن في العصر العباسي كان يمثل موقفاً جديداً لشاعر العصر، فرضته عليه ظروف الحياة في المدينة وارتباطه الوجداني بها، إلى جانب الأحداث والظروف السياسية الداخلية التي عرفها ذلك العصر
رثاء الجواري والغلمان:

كثر الرقيق في العصر العباسي كثرة مفرطة بسبب من كانوا يُؤسرون في الحروب وبسبـب انتشار تجارته ؛ وقد كانت قصور الخلفاء والأعيان تزخر بالجواري والخدم
وكان للجواري مكانة كبيرة في نفوس الخلفاء والأمراء ، ينظمون الشعر فيهن إذا أعرضن ، وكم تباكى الخلفاء وأبكوا الحاضرين معهم لموت جارية من جواريهم ، من فقد شاع كذلك في العصر العباسي رثاء الجواري ، ويمكن القـول إن هذا النوع من الرثاء يوشك أن يكون مستحدثاً في العصر العباسي ؛ لكثرتـه ولاهتمام الخلفاء به ، فالرشيد أقسم أنه سوف لا يُسر بشيء بعد جاريته " هيلانه "، فبفراقها فارق لذة العيش ، يقول :

أقول لما ضمنـوك الثـــــرى *** وجالـت الحسـرة في صدري
أذهـب فلا والله لا ســــرنى *** بعــدك شيء أخــر الدهـــــــــر
وابن الرومي ماتت مغنيته " بستان " حزن عليها حزناً شديداً وأخذ يعبر عن هذا الحزن في مائة وخمسة وستين بيتاً من الشعـر من ذلك قـوله :
كـوَّر شمـس النهـار فانكـدرت *** كواكب الليـل كل مُنْكـــــدر
فكأن القيامة قد قامت بموتها، فالبكاء على الجارية بكاء على فقد الأنس والنعيم ومباهج الحياة وكذا الحال في بكاء الغلمان .
رثاء العلماء والأدباء:
ومما شاع في العصر العباسي - والذي يعد من مستجدات الرثاء - رثاء العلماء والأدباء ، فقد رثي أبو العلاء المعري أبا حمزة الفقيه الحنفي في قصيدة يقول في مطلعها :
غير مجد في ملتي واعتقادي *** نوح باك ولا ترنـــم شـــــــادي
رثاء الخلفاء والوزراء والقادة :
وشاع في العصر العباسي رثاء الخلفاء والوزراء والأمراء والقادة وجاءت تعبيراتهم تفيض بالألم والحسرة لفقدهم فهذا هو أبو تمام يرثي القائد محمد بن حميد الطوسي قائد جيش المأمون يقول :
أصم بك الناعي وإن كان اسمعا *** وأصبح معنى الجود بعدك بلقعا
رثاء الرفقاء والأصدقاء :
وقد شاع في العصر العباسي بكاء الرفقاء والأصدقاء، بكاء يفجر الحزن في النفس؛ لما يصور من شقاء الأصدقاء بموت رفاقهم وكيف يصطلون بنار الفـراق المحـرقة، وأخذ الشعراء يعبرون عن حزنهم بأبيات شعرية، فهذا "بشار" يتحسر على صديقه ، قائلاً:
ويلي عليه وويلتي مــن بينــه *** كان المحب وكنـت حبـاً فانقضــى
قد ذقت ألفتـه وذقـت فراقـــــــه *** فوجدت ذا عسـلاً وذا جمر الغضا
رثاء الأبناء :
ورثاء الأبناء من الأنماط التي يمتلئ بها الرثاء في كل العصور، وهو من أشرف الأشعار وأصدقها وأفضل من استخدم الدموع مظهراً من مظاهر الحزن " ابن الرومي " إذ يقول :
بكـاؤكُما يُشْفي وإن كان لا يُجْدي *** فَجُـودا فقد أودى نظيـركُمَا عنْـدي
" وبشار بن برد " يعد نفسه غريباً بعد موت ابنه محمد، فيقول :
كأنــي غريــب بعد موت محمد *** وما المــــوت فينـا بعـده بغريــب
رثاء الآباء:
ويعد رثاء الآباء من أنماط الرثاء التي انتشرت في العصر العباسي ويرجع هذا إلى أن "معظم الشعراء ينشئون يتامى " بسبب ما في هذا العصر من ثورات وحروب وموت وتعذيب ، وهذا النوع من الشعر أقل بكثير من الشعر الذي يرثي الأبناء لاختلاف عاطفة الابن نحو أبيه عن عاطفة الأب نحو ابنه ؛ فحزن الأب على ابنه أشد بكثير من حزن الابن على أبيه ، يقول المعري في وفاة والده:
وبعــــدك لا يَهْوى الفُؤادُ مســـــــــــرَّةً *** وإْن خان في وصْـل السُّرور فلا يَهْني
رثاء الزوجة :
حظيت الزوجة باحترام الرجل العربي وتقديره ، واستأثرت بحبه على مر العصور ، وجزع على هجرها وظعنها فكان للزوجة في العصر العباسي مكانة غالية عند زوجها فاحتفي بها حية وحزن حزناً شديداً لفقدها ، واستعان الشعراء على ذلك بمعطيات البيئة العباسية في طريقـة التعبير عن أحزانهم ؛ فهذا شاعر عباسي يتمنى افتداء زوجته بنفسه وإلا فليمت معها، يقول :
فيا ليتني للمـوت قدمت قبلهــا *** وإلا فليت المـوت أذهبنـا معــاً

__________________________________________________ _

المحاضرة السادسة : أغراض الشعر العباسي
ثالثا : الهجاء:
إذا تركنا المديح والرثاء إلى الهجاء وجدنا معالم التطور فيه أعمق وأوسع منها في المديح الخالص؛ إذ كان يتصل بحياة الشعب والعامة اتصالاً وثيقاً. ولعله أدق من اتصال المديح بحياة العامة .
وإذا كان فن النقائض ضعف في العصر العباسي فإن فن الهجاء لم يضعف بسبب التنافس الشديد بين الشعراء ، وقد عمت فيه روح جديدة ، ويخيل لمن يقرأ شعر الهجاء في العصر العباسي أن أصحابه لم يتركوا مثلبة خلقية أو نفسية في شخص إلا صوروها . ولم يترك الشعراء خليفةً ولا وزيراً ولا قاضياً ولا عالماً ولا مغنياً إلا كالوا له الهجاء كيلاً ، ويمكن تلمس ذلك في أي ديوان شعر من دواوين شعر العصر العباسي .
يقول علي بن بسام في هجاء العباس بن الحسن وزير المستكفي :
وزارة العباس من نحسها *** ستقلـــــع الدولة من أُسّهـــــا
شبهته لما بدا مقبـــــــــــــــلاً *** في خلع يخجل من لبسها
جارية رعناء قد قـــــــدّرت *** ثياب مولاها علــــى نفسها
وقد هجاء حماد عجرد الشاعر بشار، قائلاً :
ألا مَن مُبلِّغٌ عنــــــــــ *** ي الذي والِدُه بُردُ
إذا ما نُسِب الناسُ *** فلا قَبِلٌ ولا بَعـــــدُ
وأعَمى يُشبه القِــرد *** إذا ما عَمِيَ القـِردُ
ويقال إن بشاراً حين سمع هذه الأبيات بكى من شدة إيلامها لنفسه
ويكثر في هجاء بشار وغيره هتك الأعراض، وربما كان لشيوع الفحش والمجون أثر في ذلك وتشيع في كثير من قطع الهجاء روح السخرية المريرة ، وقد تشيع روح الفكاهة المضحكة ، فيمكن القول إن الهجاء العباسي أصبح الصحيفة التربوية المقابلة للمديح ، فالمدح يرسم المثالية الخلقية لهذه التربية ، والهجاء يرسم المساوئ الفردية والاجتماعية التي ينبغي أن يتخلص منها المجتمع العباسي
رابعا : الفخر

ظلت للفخر حيويته القديمة وإن ضعف صوت الفخر القبلي ، وإن كنا نجده من حين لآخر عند بعض الشعراء العباسيين ، كما هو عند أبي نواس الذي كان يتعصب لمواليه من بني سعد العشيرة القحطانية ، ونظم في ذلك أشعاراً كثيرة .
وكما هو عند البحتري الذي يفتخر بقبيلته ” طي ” ، وكذلك علي بن الجهم الذي افتخر بأهله القرشيين ، قائلاً :

أُولئـــــــــــــكَ آلُ اللـهِ فِهْـــــــرُ بنُ مــــــالكٍ *** بهــــم يُجْبَرُ العظمُ الكسيرُ ويُكْسَرُ
هُمُ الْمَنْكِبُ العالي عَلى كُلِّ مَنْكِبٍ *** سيوفُهُـــــم تُفْنـــــي وتُغْنــــي وتُفْقـــــــــــــــِرُ
وارتفع الفخر السياسي ، ونجد ذلك واضحاً عند ابن المعتز الذي يفتخر بأحقية بني العباس بالخلافة ، يقول مقدماً بعض شيمه :
لا أشرَبُ الماءَ إلاّ وهوَ مُنجَرِدٌ *** من القَذَى ولغَيري الشَّوبُ والرَّنِق
عَزمي حُسامٌ، وقَلبي لا يُخالِفُهُ *** إذا تَخاصَـــــــــــــــمَ عَزْمُ المَرءِ والفَرَق
فهو يشرب الماء صفواً وغيره يشربه كدراً وشوباً وطيناً ، وهو قوي لا يخاف.
وما يلاحظ على الفخر العباسي أن كثيراً من الشعراء صدروا في فخرهم عن شعور طاغ بالمروءة والكرامة والشيم الرفيعة ، كما في قول الشاعر العباسي

وَمَن يَفتَقِر مِنّا يَعِش بِحُسامِهِ *** وَمَن يَفتَقِر مِن سائِرِ الناسِ يَسأَلِ
وَإِنّا لَنَلـهو بِالسُيوفِ كَما لَهَت *** فَتاةٌ بِعِقــــــدٍ أَو سِخــــــــــابِ قَرَنفــــــــــــــُلِ
خامسا : العتاب والاعتذار
وأكثر الشعراء في العصر العباسي من العتاب والاعتذار ، سواء بين المتحابين أو بين الأصدقاء ، وقد تفننوا في ذلك على صور شتى تسعفهم ملكاتهم العقلية الخصبة بمعان وخواطر لم تفد على سابقيهم ، أو لعلها وفدت ولكنهم أبرزوها إبرازاً جديداً ، تسعفهم في ذلك مشاعرهم المرهفة وأذواقهم المتحضرة الرقيقة ومهارتهم في الإتيان بالمعاني التي تروق العقول والقلوب وربما كان من أجمل ما صاغوه في العتاب قول سعيد بن حميد :
أقللْ عتابـــــــك فالبقــــــــــــاءُ قليــــــــــــــل *** والدهــــــــــر يَعدِلُ تارةً ويميـــــــــلُ
لم أبْكِ من زمن ذَمَمتُ صُروفه *** إلا بكَيتُ عليـــــــــه حين يَزُولُ
ولكُــــــــــــلّ نائبــــــــــــــــــــةٍ ألمـــت مُـــــــدةٌ *** ولكـــــــــــــــــــل حالٍ أقبَلت تَخويلُ
ومن أشهر شعراء الاعتذار في العصر العباسي وأكثرهم تفنناً فيه البحتري ، وقد أجمع القدماء على الإعجاب باعتذاراته للفتح بن خاقان وزير المتوكل ومن طريف ما قاله فيها :
أُقِـــــــــــرُّ بِمـــــــا لــــــــَمْ أجْنِـــــــهِ مُتَنَصِّـــــــــــــلاً *** إلَيْـــكَ، علــــى أنّــــي إخالُكَ ألْوَمَـــــا
ليَ الذّنْبُ مَعْرُوفاً، وإن كنتُ جاهلاً *** بهِ، وَلَكَ العُتْبـــــــَى عَلَـــيّ وأنْعِمَــــــا
وَمِثْلُكَ إنْ أبْدَى الفَعَــــــــــــــــالَ أعــــــــــادَهُ *** وإنْ صَنَـــعَ المَعــــرُوفَ زَادَ وَتَمّمَــا
سادسا : الزهد:
كان الزهد من الموضوعات التي تتصل بحياة العامة ، وقد نشأ عنه التصوف
وكانت الحانات في العصر العباسي تكتظ بالفقهاء والمحدِّثين والعبَّاد والنسَّاك والوعاظ وكانوا يدعون إلى الزهد وترك المتاع الفاني والإقبال على ما عند الله من المتاع الباقي ، مكررين الحديث عن الموت والتقوى والعمل الصالح . وبلغ من انتشار شعر الزهد حينئذ أن اشترك فيه كثير من الشعراء الذين تطفح دواوينهم بالحديث عن الخمر والمجون من أمثال: أبي نواس ، وابن الرومي ، وابن المعتز
يقول أبو نواس :

أيا رُبَّ وَجــــهٍ، فـــــي التّرابِ، عَتيقِ *** ويا رُبَّ حُسْنٍ، في التّرابِ، رَقيقِ
أرى كــــــل حـــيٍّ هالِكــــــاً وابنَ هالِكٍ *** وذا نَسَبٍ فــــــــي الـهالكينَ عَريــــــقِ
فقُلْ لقرِيبِ الـــــــــــدّارِ: إنّكَ ظاعِــــــنٌ *** إلــــى مَنْزِلٍ نائـــــــــي الْمَحَلِّ سَحيقِ
إذا امتَحَنَ الدُّنيا لَبيبٌ تكَشَّفَتْ لـهُ *** عَـنْ عَــــدوٍّ فــــي ثِيــــــــــابِ صَديــــــقِ
ويقول علي بن الجهم زاهدا :
وعاقِبَةُ الصَّبْرِ الْجَمِيلِ جَمِيلَةٌ *** وأَفْضَلُ أَخْلاقِ الرِّجالِ التَّفَضُّلُ
وما المالُ إلاَّ حَسْرَةٌ إنْ تركتَهُ *** وغُنـــــــــْمٌ إذا قَدَّمْتَهُ مُتَعَجَّــــــــــــــــــــــــلُ
ولِلْخَيْرِ أَهْلٌ يَسْعَدُونَ بِفِعْلِــــــــه *** ولِلنَّاسِ أَحْــــــــوالٌ بهــــــم تَتَنَقَـــــــــــــــّلُ
وللـهِ فِينا عِلْـــــــمُ غَيْبٍ وإنَّمـــــــــا *** يُوَفِّقُ مِنَّا مَنْ يَشاءُ ويَخْــــــــــــــــذُلُ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ

المحاضرة السابعة : أغراض الشعر العباسي
سابعا: الغزل
والغزل في لغة العرب يعني الظهور والارتفاع إلى نشاط الحركة المميزة، ومنه سميت الغزالة بهذا الاسم ، ذلك الحيوان البري لرشاقة حركته وسحره الظاهر، وسميت الشمس بالغزالة لارتفاعها والحرارة المتوهجة منها .
أما في الاصطلاح فهو يعني التودد إلى النساء ، وحب الحديث إليهن.
ولعل الشاعر العباسي لم يُعن بموضوع قديم كما عني بالغزل ، وكانوا ينظمونه تعبيراً عن عاطفة الحب الإنسانية الخالدة ، وتلبية لحاجات الناس الوجدانية حاجات المغنين والمغنيات من المقطوعات والأشعار التي توقّع الآلات والمعارف الموسيقية ، ولذلك تطلبها دائماً دور القيان والطرب ، وكاد أن يكون لكل شاعر طائفة من الجواري يحففن به ، وكان منهن كثيرات يحسن نظم الشعر؛ لذلك كان طبيعياً أن يشيع الغزل الماجن في هذا العصر وقد مضى الغزل يجري في نفس التيارين الذين اندفع فيهما عصر بني أمية ، ونقصد تيار الغزل الصريح والغزل العفيف
وكان تيار الغزل الصريح أكثر انتشاراً بسبب كثرة الجواري والقيان ، وخرج هذا النوع من الغزل عن كل حشمة ووقار، فأصبح يختلف عما كان عليه عند عمر بن أبي ربيعة في العصر الأموي. واستحدثت من الغزل ضروباً جديدة كالتغزل بالغلمان ، كما هو عند بشار ، وأبي نواس .
أما الغزل العذري ( العفيف) فقد أخذ يضيق ضيقاً شديداً في العصر العباسي بالقياس إلى عصر بني أمية الذي أخذ ينتشر فيه هذا النوع من الغزل انتشاراً واسعاً.
وإن كنا نجده عند الشاعر العباسي العباس بن الأحنف، من ذلك قوله :

واللـهِ لَوْ أنّ القُلوبِ كَقَلْبِهـــــــا *** ما رَقّ للوَلدِ الصّغيرِ الوَالـــــــــدُ
كتَبتْ بأن لا تأتِني فَهَجَرْتُها *** لتَذوق طَعمَ الـهَجْرِ ثمّ أُعاوِدُ
ويقول العباس أيضاً :
أزَينَ نِساءِ العالَمينَ أجيبــــــــــــــــــــــــــي *** دُعاءَ مَشوقٍ بالعِـــــــــــــــــــراقِ غرِيبِ
كتَبتُ كِتابـــــــــــــي ما أقُيمُ حروفَــــــــــه *** لشِدّة إعوالـــــي وطُــــــول نَحيبــــــــــي
أخُطُّ وأمحو ما خَطَطتُ بِعَبْـــــــــــــرةٍ *** تَسُحُّ على القِرطاس سَحَّ غُروبِ
أيا فوزُ لو أبصرتني ما عَرَفتِنـــــي *** لطولِ شُجوني بعدَكُم وشحوبــــي
وأنتِ من الدُّنيا نصيبي فإن أمُت *** فليتكِ من حُورِ الجِنانِ نصيبـي
أرى البَيْنَ يشكوهُ المُحبُّون كلُّهـــــمْ *** فيا رَب قرِّبْ دارَ كـــــــــــــــــلِّ حَبيبِ
(أبرز مظاهر التطور في موضوعات الشعر في العصر العباسي الأول):
1. ازدهار شعر المديح الذي امتزج بالشعر السياسي، وكان مديح الشعراء للخلفاء مرتبطاً بإثبات حقهم في الخلافة وإنكارهم على خصومهم .
ومن ناحية أخرى ازدهر شعر الهجاء الذي انتشر مناهضاً لشعر المديح . وشاع إلى جانب الهجاء السياسي هجاء آخر يقوم على السخرية والتهكم الإيذاء والتشنيع.
2. ظهرت الحركة الشعوبية نتيجة هيمنة الطابع الفارسي في السياسة والثقافة ونشأ عن ذلك هجوم من الشعراء الموالي من ذوي الأصول الفارسية على تقاليد الشعر الموروثة عن العرب، مثل : استفتاح القصيدة بوصف الأطلال والبكاء عليها ، وعلى الثقافة البدوية ، وخرجت على آداب الإسلام. فشاع في شعر أصحاب هذه الحقبة مثل بشار وأبي نواس وغيرهما الغزل الفاحش والمجون ووصف الخمر.
3. ازدهار شعر الزهد والتذكير بالآخرة كرده فعل للتهالك على الترف والملذات والخروج عن آداب الدين ، وكان من أعلام هذا اللون الشاعر أبو العتاهية.
4. ظهر شعراء للصفوة والنخبة وآخرون للطبقات الفقيرة من الظرفاء ، حيث وصفوا أحوالهم وصفا ساخرا متخذين من هذا الشعر الخفيف الظل وسيله للتكسب واستدرار عطف الناس ومن هؤلاء أبو دلامه وأبو الشمقمق، وهذا ما يطلق عليه بشعراء الطبقات.
5. ظهور الاتجاهات المنحرفة في الغزل وكان من هؤلاء بشار وأبو نواس، وظهر الغزل العفيف مناهضاً له وكان من فرسانه العباس بن الأحنف.
الخصائص الفنية وسمات الشعر في العصر العباسي الأول .
1. ظهور كثير من المفردات الفارسية في الشعر بسبب تمازج الحضارتين كثيرا في هذا العصر.
2. البعد عن الألفاظ الوعرة الجاهلية والغريبة واللهجة المهجورة ، والميل إلى الألفاظ البسيطة والمألوفة والشائعة.
3. اتجه الشعراء إلى الأوزان الشعرية القصيرة لأنه يلائم فن الغناء
الذي أرتبط بالجواري والقيان في قصور الطبقة المتميزة ذات الشهرة والنفوذ.
4. التعبير عن المعاني العقلية الدقيقة وهذا كان بسبب الانفتاح على الثقافات الأخرى مثل الثقافة الهندية واليونانية والفارسية.
5 - الميل إلى التفنن الفكري في الصور والمعاني .
6- رجحان جانب الصنعة على العاطفة .
7 - تميز الخيال بالتعقيد ، وخضع لما قدمته الحياة .
8 - التطرق إلى موضوعات جديدة أملاها العصر عليهم .
الموضوعات الجديدة التي استُحدثت في العصر العباسي
1- وصف الدور والقصـــور يقول علي بن الجهم :
صُحونٌ تُسافِرُ فيها العُيونُ ***وَتَحسِرُ عَن بُعدِ أَقطارِها
وَفَوّارَةٍ ثَأرُهــــــــا فـــــي السَـمــــــاءِ *** فَلَيسَت تُقَصِّرُ عَن ثارِهــا
لَها شُــرُفــــــــــاتٌ كَأَنَّ الرَبيــــعَ *** كَساها الرِياضَ بِأَنوارِهــــا
2- وصف الطبيعة الغناء من خلال ربطها بالنفس يقول أبو تمام :
أَبكي وَقَد تَلَتِ البُروقِ مُضــيئَةً *** مِن كُلِّ أَقطارِ السَماءِ رُعودُ
وَاِهتَزَّ رَيعانُ الشـَـبابِ فَأَشرَقَـــت*** أَذنابُ مُشرِقَةٍ وَ هُنَّ حُـفــــــــودُ
يَرفُلــنَ أَمثالَ العَـــذارى طُوَّفـــــــاً ***حَولَ الدَوارِ وَقَد تَدانى العيدُ
3ـــ وصف الطبيعة في الغزل يقول بشار بن بُرد :
حوراء إن نظرت إليـــــــــــــك *** سقتـــــــك بالــــــعينين خمــــــــرا
فكـــــــأن رجـــــــــع حـــديثهــــــــــــا *** قطع الرياض كسين زهرا
4ـ الشعر التعليمي :
وهو فن استحدثه العباسيون ولم تكن له أي أصول قديمة وقد دفع إليه رقي الحياة العقلية في العصر العباسي ؛ فإذا نفر من الشعراء ينظمون بعض القصص أو بعض المعارف أو بعض السير والأخبار ومن أوائل ما يلقانا من ذلك، تحدث صفوان الأنصاري في أشعاره عن فضل الأرض وما تحمل من كنوز ومعادن كريمة.
وقد عمل أبان بن عبد الحميد على إشاعة هذا الفن الشعري الجديد، فقد نظم فيه تاريخاً وفقهاً وقصصاً كثيرة وأهم من ذلك كله أنه نظم في القصص كتاب كليلة ودمنة في أربعة عشر ألف بيت، يستهلها بقوله : " هذا كتاب أدب ومحنة وهو الذي

يدعى كليلة ودمنة " .
وابن المعتز يعنى بنظم سيرة المعتضد الخليفة العباسي ، وعلي بن الجهم ينظم قصيدة مزدوجة في التاريخ تقع في أكثر من ثلاثمائة بيت ، وقد نظم أبان عبدالحميد
اللاحقي قصيدة يشرح فيها أحكام الصوم يقول فيها :
هذا كتاب الصوم وهو جامع *** لكل ما قامت به الشرائع
كما لابن دريد قصائد تعليمية في مجال اللغة
5ـ مقدمات القصائد:
لم تكن محاولات التجديد في الموضوعات التقليدية هي الظاهرة الوحيدة في هذا العصر فقد صاحبتها محاولات إيجاد الجديد في موضوع الشعر وأسلوبه ، وكانت التطورات التي طرأت على هذا العصر دافعا قويا إلى ظهور هذا الجيد .
وكان أول من دعا إليه الشعراء المولدون فقد كان الشعراء العرب حريصين على تقاليد شعرهم الموضوعية والفنية القديمة مستجيبين لعواطفهم ، محافظين على تراثهم أما المولدون فلم تكن هناك عاطفة تربطهم بهذا اةلتراث ولم يكونوا حريصين على شكله ومضمونه . ويعبر أبو نواس عن موقف هؤلاء الشعراء في قصيدته التي مطلعها :
مالي بدار خلت من أهلها شغلُ *** ولا شجاني لها شخصٌ ولا طللُ
ويقول فيها
لا الحزن مني برأي العين أعرفـــــه *** وليس يعرفنــــــي سهــــل ٌولا جبلُ
لا أنعت الــــــروض إلا مـــا رأيت به *** قصرا منيفا عليه النخل مشتملُ
فهاك من صفتي غن كنت مختبرا *** ومخبرا نفـــــــرا عنـــــي إذا سألـــــوا
فالشاعر يرفض مسك القدماء في الوقف على الأطلال ، وقطع الفيافي ، ووصف جبال البيد ، فهو لا ينعت إلا ما يرى من رياض وقصور
6ـ منهج القصيدة ( عمود الشعر ) :
لم تقف محاولة البحث عن الجديد عند مقدمة القصائد ، بل تعدتها إلى نهج القصيدة ، وهو ما يسميه القدماءبعمود الشعر ، فقد خرج المحدثون من الشعراء على هذا النهج في أكثر من موضع في الأسلوب وفي المحتوى ، فقد رقت الألفاظ ، وسهلت التراكيب ، والتحمت القصيدة بعد أن كانت أقساما لا يربط بينها رباط نفسي أو فكري إلا ما ندر ، بل أصبحت بعض القصائد تدور حل موضوع واحد ، كالغزل أو الزهد أو الوصف .
ويبدا الشاعر بالتأثر ف شعره بالثقافات الجديدة من منطق وعلم كلام ، وتكثر الحكم المتقولة من التراث الفارسي ، ونراها تؤثر في الصور التي عبر بها الشعراء ، فهذا أبو تمام يسمع الحكمة التي تقل : " إن الحازم يكره القتال ما وجد بدا منه ، لأن النفقة فيه من النفس ، والنفقة في غيره من المال " .يقول :
كم بين قوم إنما نفقاتهم *** مال وقوم ينفقون نفوسا
7ـ تعبير الشعر عن حياة الفرد
لقد قرب الشعر من نفسيه صاحبه ، وأصبح وسيلة للاعبير عما يحسه ، ويشغل فكره وإذا كان قد وجهه إلى مصدر رزقه في أحيان كثيرة فإنه لم يبخل على نفسه أن ينفث فيه أحزانه أو أفراحه ، ويجعله تعبيرا عن الذات قبل أن يكون تعبيرا عن الغيريقول صالح بن عبد القدوس في التعبير عن مأساة عماه :
عزاؤك أيها العين السكـــــــوب *** ودمعـــــــك أنهــــــا نوبٌ تنـــــوبُ
وكنتِ كريمتي وسراج وجهـي *** وكانت لي بك الدنيا تطيبُ
فإن أك قد ثكلتك في حياتـــي *** وفارقنـــي بك الإلف الحبيبُ
فكــــــــل قرينـــــــــــة لا بـــد يومــــــــــا *** سيشعب إلفها عنها شعـــوب
يموت المـــرء وهو يُعــــــد حيـــــا *** ويُخلِف ظنه الأمل الكذوب
8ـ الصنعه الأسلوبية
بدأت مظاهر الصنعة الفنية في الشعر العباسي ، وإذا كان بشار وأبو نواس قد اهتما بهما في شعرهما ، فإن مسلم بن الوليد أول من اعتمد عليها وأصبحت أساسا في شعره حين أكثر من استعمال ألوان البديع المختلفة من جناس وطباق ومقابلة وغيرها من فنون هذا العلم . يقول مسلم بن الوليد مادحا احد قواد المسلمين :
يغشى الوغى وشهاب الموت في يده *** يرمي الفوارس والأبطال بالشغل
فالشاعر يستعير الشهاب للسيف ويجعله شهاب الموت ، وهو شهاب تسقط الشعل منه على فوارس الأعداء فتحرقهم حرقا .
وقد حاول البحتري أن يقلد تلك الصنعة البديعية ولكنه كان تقليدا ساذجا
يقول البحتري في مدح الفتح بن خافان
مني وصل ومنك هجر *** وفـــــي ذل وفيك كبـــــــــــــرُ
ومــــــا ســـــواء إذا التقينــــا *** سهل علـــــى خلةٍ ووعــــــرُ
قد كنت حـــراً وأنت عبدُ *** فصرت ُ عبداً وأنت حرُ
9ـ الأوزان والقوافي :
لم تكن الموضوعات والأساليب وحدهما مجال التجديد في هذا العصر . فقد شاعت لدى كثير من الشعراء الأوزان الخفيفة لنظم قصائدهم .
أما في مجال القوافي فقد ظهرت المزودجات التي تحد فيه القافية في شطري البيت وتختلف من بيت إلى بيت وقد لجأ إليها أبان بن عبد الحميد في نظمه لكلية ودمنه ، وكذلك شعراء الشعر التعليمي ، كذلك نظم الشعراء الرباعيات ( وهي فقرة شعرية من أربعة شطور يتفق أولها وثانيها ورابعها في قافية واحده ) والمسمطات ( هي قصائد تتألف من أدوار ، كل دور يتركب من أربعة شطور أو أكثر، تتفق شطور كل دور على حدة في قافية واحدة ، ما عدا الشطر الرابع فتتحد قافيته في جميع الأدوار المختلفه ) والمخمسات ( هي مسمطه ولكن الدور فيها من خمسة شطور ) وجميعها أشكال مختلفة في استعمال القوافي ، ويرى النقاد أن هذه الأشكال بداية لظهور فن الموشحات الأندلسية .

__________________________________________________ _

المحاضرة الثامنة : من أعلام الشعر العباسي بشار بن برد
أولا : بشار بن برد
• مولده ونشأته
ولد بشار بن برد بن برجوخ في البصرة سنة95هـ وقيل سنة96هـ ، وفيها نشأ.
فارسي الأب ، رومي الأم ، كان أبوه طياناً يعيش من ضرب اللبن ، وله أخوان: بشر وبشير كانا قصابين، وكان أحدهما أعرج والآخر أبتر ، ولد بشار أعمى، فلم ينظر إلى الدنيا قط ، وعبَّر عن عماه مبكراً قائلاً :

عمِيتُ جَنِينا والذكاءُ من العَمَى *** فجئتُ عجيبَ الظن للعِلم مَعْقِلا
يعد بشار أشهر الشعراء المخضرمين للدولتين الأموية والعباسية ، ورأس الشعراء المحدثين وأحد البلغاء المكفوفين وإمام الشعراء المولدين ـ
لقد حددت آفة بشار حياته منذ نعومة أظفاره ، فاتجه إلى المساجد وإلى مربد البصرة ينهل من حلقات العلم والشعر ، وأعانته نشأته في بني عُقيل على أن يتمثل السليقة
العربية ، ولم يكد يبلغ العاشرة حتى أخذ ينبوع الشعر يسيل على لسانه.
وكان الهجاء أول الموضوعات التي نظم فيها بشار شعره وكان كثيرا ما يلومه والده عليه بسبب كثرة شكاوى الناس منه فقال بشار لوالده إذا أتوك مره أخرى قل لهم أليس الله يقول ليس على الاعمي حرج ، فانصرفوا وهم يقولون والله إن فقه برد أغيظ علينا من هجاء ابنه .
كما اشتد بـ ”بشار“ طموحه إلى إتقان اللغة العربية ، فاتجه نحو البادية ، فقام فيها فترة مكنت له من عربية لسانه وفقهه الدقيق في اللغة وشؤون البادية ، وعاد إلى البصرة يُكثر من الاختلاف إلى حلقات المتكلمين ومجالسهم ، وجعل بشار يتابع بنهم كتب الأدب القديمة ، حتى اشتهر بشعره ، وعد من مشاهير شعراء عصره ، وكان في مقدمة الذين نبغوا في أوائل العصر العباسي الأول ، وهو مقدم عليهم بإجماع الرواة ورئيسهم بلا خلاف
العوامل المؤثرة في حياته وشاعريته :
1ـ أصله الفارسي ، فورث عن الفرس حدة المزاج ، والتعصب لأصله .
2ـ عماه ، فكان يحس بالمرارة من عماه والحقد على المبصرين .
3ـ فقره وأسرته ، لقد ضاعف في نفسه وزاد من حقده فقر أسرته وتخلفها في المجتمع
4ـ تربيته في بني عقيل وذهابه إلى البادية ؛ مما جعله يتقن العربية ويتمثل سليقتها بكل مقوماتها ـ
5ـ تردده على حلقات المتكلمين بالمساجد يستمع إلى محاورات لأصحاب الملل والنحل والأهواء المختلفة .
6ـ اطلاعه على ما نقله ابن المقفع إلى العربية من الآداب الفارسية وغير الفارسية ، ومن الآراء المختلفة ، وكان ذلك كله سبباً في أن يحدث تشويشاً في فكره وأن تمتلئ نفسه بالشك والحيرة ، فتحول شعوبياً يبغض العرب والعروبة
7ـ بيئته ، كانت بيئة بشار تكتظ بالجواري والقيان ، فاختلط بهن وتغزل فيهن، وساعده على ذلك فقد بصره ؛ حيث مال إلى التجسيد والتشخيص

هذه العوامل وغيرها أثرت في طبيعة بشار وفي شعره؛ فجاءت طبيعته شديدة التعقيد وجاء شعره لاذع الهجاء ، حسي الغزل .
شاعريته :
لـ ”بشار“ شاعرية خصبة أصيلة أتيح لها أن تتجاوب مع روح العصر وتعبر عن خوالج النفس ، فالغزل والهجاء والمدح والوصف والرثاء والحكمة كلها فنون كان فيها بشار قوي الحس ، مرهف الشعور ، سريع الانفعال
وكثيراً ما كان يردد في أشعاره أن السمع يحل محل العين في تقدير الجمال، قائلاً:
يا قوْمِ أذْنِي لِبعْضِ الحيِّ عاشِقـــةٌ *** والأُذن تَعْشَقُ قبْـــــــــــل العَيْن أحْيانَا
قالوا بِمَن لا تَرى تَهْذِي فقُلْتُ لَهُمْ *** الأُذنُ كالعَيْن تُؤْتِي القَلْبَ ما كَانَا
وفي العصر العباسي لما كثر العنصر الفارسي وحقق انتصارات عديدة تحول بشار شعوبياً متعصباً لأصله الفارسي، يقول :
هل من رسول مخبر عنــــي جميع العرب *** باني ذو حسب عادل علــــــى حسب
جدي الذي أسمو به كسرى وساسان أبي *** وقيصر خالي إذا عددتم يوما نسبي
كما كان شاعر زنديقا يقول :
الأرض مظلمة والنار مشرقة *** والنار معبودة مذ كانت النار
إبليس أفضل من أبيكـــــــم ادم *** فتنبهــــــــــــوا يا معشـــــــر الفجـــــار
النار عنصره وادم من طينــة *** والطين لا يسمو سمو النـــــــار
وما لبث أن ساقه لسانه إلى حتفه . وكان حماد عجرد قد لقي حتفه قبله ، وقد روي أنه حين مات دفن على تلعة ، وقتل الخليفة المهدي بشارا ، فدفن كذلك على تلك التلعة ، فمر على قبرهما أبو هاشم البصري الذي كان يهاجي بشارا فانشد :
قد تبع الأعمى قفا عجــــــــــــرد *** فأصبحا جارين فـــــــــي دار
تجــــــــــاورا بعـــــــــــد تنائيهمـــــــــــــــــا *** ما أبغض الجار إلى الجــــار
صاروا جميعا في يدي مالك *** في النار والكافر في النــــــار
__________________________________________________ _

المحاضرة التاسعة : من أعلام الشعر العباسي أبو نواس
ثانيا : أبو نواس
مولده ونشأته ووفاته وأصله :
أبو نواس:هو الحسن بن هانئ ، ولد في الأهواز - من بلاد خوزستان – سنة145هـ على التقريب ، نشأ بالبصرة ، فارسي الأم والأب ، وكني بكنية يمنية هي: أبو نواس، وكان يسعى إلى إلحاق نسبه بالعرب ورحل إلى بغداد واتصل فيها بخلفاء بني العباس، وخرج إلى دمشق، ومنها إلى مصر، وعاد إلى بغداد فأقام بها إلى أن توفي سنة198ه .
حياته :
نشأ أبو نواس يتيماً، حيث قدمت به أمه إلى البصرة بعد سنتين من مولده، وترعرع في بيئة سادها التهافت على اللهو، فلم تعبأ أمه بحاله، فأسلمته إلى عطار بالبصرة فمكث عنده ؛ ليتعلم العربية والشعر، إلى أن صادفه عند العطار ”والبة بن الحباب
الشاعر الماجن ، وأعجب كل منهما بالآخر ، وأخرجه والبة معه إلى الكوفة- وربما كان من دوافع خروجه إلى الكوفة مع والبة بن الحباب ، سيرة أمه في البصرة التي كانت تلاحقه وتؤذيه- وبقي معه ومع ندمائه ، وخرج عليهم بالشعر ، وفاقهم جميعاً
وقدم بغداد فبلغ خبره الرشيد فأذن له بمدحه فمدحه ، ثم انقطع على مدح محمد الأمين الخليفة العباسي، وثبت عنده بعض ما يوجب تعزيزه فسجنه، ولم يلبث بعد خروجه من السجن أن توفي عام198ه، ودفن بمقبرة الصالحين بالجانب الغربي من بغداد .

ثقافته :
يقول الدكتور/أحمد زكي عنه:“ أبو نواس شاعر ، ولكنه لم يعدم الاتصال بأصحاب الحديث وعلماء الأخبار واللغة ، واتصل بالأعراب ورحل إلى البادية ، وقرأ ما خلفه الفرس ، وأحاط بما شاع من آثار اليونان، فكان نمطاً بصرياً ، يجمع بين رقة الفنان ودقة العالم " .
أخذ يفد إلى المربد، كما أخذ ينهل من دروس اللغويين ومحاضراتهم ، خاصة خلف الحمر ، وقرأ كتب الحديث على بضعة من أئمة البصرة . وقرأ شعر ذي الرُّمة على الراوية محمد بن حبيب الناشئ، وتخرج في الشعر ومعانيه على يد خلف الأحمر
وتفرغ أبو نواس للنوادر والمُلح والميل إلى الهزل والعبث ، ولما تقدمت به السن وعلته الشيخوخة ، أخذ ينيب إلى ربه، وينظم أبياتاً مختلفة في الزهد والتنسك.
العوامل المؤثرة في طبعه وشاعريته :

1ـ أصله الفارسي ، الذي ورَّث فيه حدة المزاج العصبي .
2ـ ثقافته وثقافة عصره حيث تثقف بكل الثقافات التي عاصرها من عربية وإسلامية ، ومن هندية وفارسية ويونانية ، ومن مجوسية ويهودية ونصرانية ، كما غرف من حضارة عصره المادية في آثامها وخطاياها.
3ـ سيرة أمه المنحرفة حيث جعلته يتخذ من المجون والفسق أداة،بل ملجأ للهروب من أزمته ومن هموم الحياة وأحزانها، وأحياناً يعلن تمرداً وإلحاداً في الدين ، ولكنه إلحاد عابر،لا إلحاد عقيدة .
4ـ ميله إلى الهزل والعبث، ولعل ذلك هو الذي جرَّه إلى صياح كثير في وجه الدين الحنيف، وكان إذا تلوَّمه بعض معاصريه قال:“ والله ما أدين غير الإسلام ولكن ربما نزا بي المجون حتى أتناول العظائم " .
5ـ كان يحظى بملكات شعرية بديعة، وهي ملكات صقلها بالدرس الطويل للشعر القديم واللغة العربية الأصيلة، حتى قال الجاحظـ :“ ما رأيت أحداً أعلم باللغة من أبي نواس " .
شاعريته :
يمثل أبو نواس عصره المضطرب أصدق تمثيل ، كما اشتهر بتنقيح الشعر، وهو من الشعراء المطبوعين ، استطاع أن يفرض شخصيته على شعره وأوجد فنوناً جديدة كالغزل المذكر ، وأوسع بعض الأغراض القديمة فجعل منها فنوناً مستقلة كالخمريات نظم أبو نواس شعره في جميع الأغراض الشعرية من ذلك غزله في محبوبته جنان
هام أبو نواس بـ“جنان“ وبغيرها من النساء ، وتغزل فيهن ، يقول في جنان محبوبته :
وقائلةٍ لي: كيْفَ كنتَ تُريـــــــــــــدُ؟ *** فقلتُ لـها: أن لا يكونَ حسودُ
لقد عاجلتْ قلبي جِنانُ بهجرِها *** وقد كان يكفيني بذاكَ وَعِيــــــــدُ
رَأيتُ دنوّ الدّارِ ليسَ بنافـــــــــــــــــعٍ*** إذا كانَ ما بينَ القلوبِ بعيــــــــدُ
وجاء شعره في الغزل سهل الأسلوب، صريح العبارة ، متأثراً بعمر بن أبي ربيعة في غزلياته .
جاهر أبو نواس بالدعوة إلى الخمر والثورة على الأخلاق والتقاليد ودعا إلى وصف الخمر وما يتعلق بها بدلاً من وصف الأطلال، قائلاً :
لا تَبْكِ ليلى، ولا تطْرَبْ إلــــــى هندِ*** واشْرَبْ على الوَرْدِ حَمْراءَ كالوَرْدِ
كأساً إذا انْحَدَرَتْ في حلْقِ شاربها*** أجْدَتْهُ حُمْرَتَها في العينِ والخــــــــدّ
ويقول :
ألا فاسقِني خمراً وقل لي هيَ الخمرُ*** ولا تسقنـــــــــــــي سرّاً إذا أمكن الجهرُ
وهكذا يمضي الشاعر في خمرياته بصور فنية رائعة تحفل بالمادة القديمة والحديثة. والذي نقوله هنا أن الدلائل تشير إلى أن أبا نواس لم يكن زنديقاً ولا كافراً ،بل كان ماجناً عامر القلب بالإيمان؛فحين بلغ السن بأبي نواس مبلغه وخطه الشيب أخذ يفيق أحياناً من سكر،مفكراً في الحياة وعواقبها وفي البعث والنشور والموت والفناء، وكان من حين لآخر ينيب إلى ربه، مما جعله يردد أنغاماً مختلفة في الزهد والدعوة إلى الانصراف عن الشهوات والاستعداد للآخرة،بالتقى والعمل الصالح ، كقوله :
يا طالب الدنيا ليجمعهــــــــا *** جمعت بك الآمال فاقتصد
واعمل لدار أنت جاعلها *** دار المقامــــــــــــة آخـــر الأبد
النثر في العصر العباسي
يعد العصر العباسي الأول من أزهى العصور التي تطور فيها النثر تطورا عظيما ، وقد امتزجت الثقافات الأجنبية من فارسية وهندية ويونانية بالعقلية العربية ، فكانت عاملا قويا من عوامل ازدهار النثر ، بالإضافة إلى نمو العلوم الإسلامية ورفدها هذا النوع من الأدب بما منحته من سمات خاصة تفرد بها عن تلك الآداب التي امتزجت به . وقد استطاع الكتاب أن يطوعوا النثر فيجعلوا منه قالبا تنصهر فيه تلك الآداب والعلوم والمعارف فيغدوا أدبا جديدا بفضل هؤلاء الكتاب المثقفين الذين أحسنوا ا
تلقف ما كان يجول في بيئتهم من ثقافات مختلفة : دينية وفلسفية وكلامية وأدبية إسلامية وأجنبية . ولم يكتفوا بذلك بل حاولوا معرفة الأسس القويمة التي يمكن ان يظهر بها الكلام بليغا ، ولذلك بدءوا يكتبون عن البلاغة والأسس التي تقوم عليها ، كما ورد في رسالة بشر بن المعتمر . وقد ظهر كل هذا في آثار الكتاب المنشئين : من هجر الألفاظ البدوية الجافة والألفاظ العامية المبتذلة ، والعناية بفصاحة الألفاظ وجزالته ، والتأنق في اختياره لتكون هناك ملائمة دقيقة بين الكلمة وأختها في الجرس الصوتي ، والحرص على التعبير .
من فنون النثر في العصر العباسي :
أولا : الخطـابة :
كان للخطابة شأن كبير في أوائل العصر العباسي ؛ فقد كانت الدولة الجديدة في حاجة إلى ترسيخ الملك وإثبات حق العباسيين في الخلافة، وكان الخلفاء العباسيون
الأوائل كالسفاح والمنصور والمهدي خطباء مصاقع ، فازدهرت الخطابة في ذلك العصر.
وكانت الخطبة تلقى على مسامع الناس لأغراض مختلفة، فهناك الخطب السياسية التي يلقيها الخلفاء والقادة في استقبال الوفود أو تحميس الجنود، وهناك الخطب الدينية التي تلقي في الأعياد والجمع، والخطب الاجتماعية في المدح أو الذم أو الاستعطاف أو العتاب.
وقد امتازت الخطابة في أول العصر العباسي بجزالة الألفاظ، وعدم الالتزام بالسجع، وكثرة الاستشهاد بالقرآن الكريم والحديث الشريف، وغلبة الإِيجاز إلا ما تدعو الضرورة فيه إلى الإِطناب.
وأشهر خطباء هذه الفترة السفاح، والمنصور، وداود بن على، وعيسى بن علي، وخالد بن صفوان، وشبيب بن شيبة.
وقد ازدهرت الخطب الدينية في هذا العصر من ذلك خطبة الرشيد التي يقول فيها : " عباد الله إنكم لم تخلقوا عبثا ، ولن تتركوا سداً ، حصنوا إيمانكم بالأمانة ودينكم بالورع ، وصلاتكم بالزكاة ...."
ولما استقرت الدولة العباسية، وفشت العجمة، وسيطر الأعاجم من بويهيين وسلاجقة على الخلافة ، ضعفت الخطابة ، وقويت الكتابة ، فلم يعد الخلفاء قادرين عليها كأسلافهم ، فأصبحت الخطابة مقصورة على بعض المناسبات الدينية كالعيدين والجمعة ، وقد أناب الخلفاء والحكام غيرهم فيها .
ثم ازداد الأمر سوءاً في آخر العصر العباسي ، وضعفت الخطابة الدينية أيضاً، وأصبح خطباء المساجد يرددون خطب السابقين ويقرؤونها من كتبهم على المنابر، وأغلبها خطب مسجوعة متكلفة.
ثانيا : الكتابة الفنيـة :
عندما قامت الدولة العباسية كانت الكتابة الفنية قد أصبحت ذات قواعد وأصول على يد عبد الحميد الكاتب.
والعصر العباسي هو العصر الذهبي للكتابة الفنية ؛ فقد نبغ فيه كبار الكتاب الذين جددوا في أساليب النثر ومعانيه، وفتحوا آفاقاً جديدة للكتابة .
وقد ارتفع شأن الكتَّاب في العصر العباسي ، فأصبح لكل خليفة أو وزير كاتب أو أكثر، وأنشئت لذلك الدواوين المتعددة ، بل أن بعض الكتاب قد وصل إلى الوزارة بسبب قدرته على الكتابة الفنية ، كما أن الكتابة قد حلت محل الخطابة في آخر العصر، وأزالت دولة الشعر من الصدارة الأدبية.
وقد تعددت أنواع الكتابة في هذا العصر؛ فهناك الكتابة الديوانية مثل كتب البيعات وعهود الولاء وكل ما يصدر عن ديوان الرسائل معبراً عن رأى الخليفة أو الوزير في شؤون الدولة العامة، وسميت بالديوانية نسبة إلى صدورها من "ديوان الرسائل".
وهناك الكتابات والرسائل الإِخوانية المتبادلة بين الكتاب في أمورهم الخاصة من مدح أو اعتذار أو تهنئة أو تعزية.
وهناك الرسائل الأدبية التي يكتبها الأدباء والبلغاء لإِبراز قدرتهم وإبداعهم كرسائل الجاحظ وابن العميد.
ويقسم مؤرخو الأدب الكُتَّاب في العصر العباسي إلى أربع طبقات، لكل طبقة رجالها وميزاتها الفنية:
1- الطبقة الأولى: وإمامها ابن المقفع، ومن أشهر رجالها: الحسن بن سهل، وعمرو بن مسعدة، وسهل بن هارون، والحسن بن وهب.
وتمتاز هذه الطبقة بتنويع العبارة، وتقطيع الجملة، وتَوَخِّي السهولة، والعناية بالمعنى، الزهد في السجع.
2ـ الطبقة الثانية: وإمامها الجاحظ، ومن أشهر رجالها: الصولي، وابن قتيبة، وأبو حيان التوحيدي.
وقد تابعت الطبقة الأولى في كثير من أساليبها، لكنها تمتاز بالاستطراد، ومزج الجد بالهزل، والإكثار من الجمل الاعتراضية، وشيء من الإطناب لتحليل المعنى واستقصائه.
3- الطبقة الثالثة: وإمامها ابن العميد، ومن أشهر رجالها: الصاحب بن عباد، وبديع الزمان الهمداني، والخوارزمي، والثعالبي.
ومن خصائصها السجع بجمل قصيرة، والتوسع في الخيال والتشبيهات، والإكثار من الاستشهاد وتضمين المعلومات التاريخية والطرائف الملح ، والعناية بالمحسنات البديعية.
4- الطبقة الرابعة: وإمامها القاضي الفضل، ومن أشهر رجالها: ابن الأثير، والعماد الأصبهاني الكاتب.

وهذه الطبقة سارت على نهج الطبقة الثالثة في السجع والإكثار من المحسنات البديعية، إلا أنها غلبت في ذلك وأغرقت في التورية والجناس حتى أصبحت الكتابة عبارة عن ألفاظ منمقة مسجوعة، لكن ذلك كان على حساب المعنى.

ثالثا : التوقيعـات
التوقيعات : عبارات موجزة اللفظ ، موفورة المعنى يكتبها الخلفاء والوزراء عندما يوقعون على الرسائل ، وهى تحمل الحكمة والإيجاز... ومنها:
كفى بالله للمظلوم ناصرا - من صبر في الشدة شارك في النعمة - أسرفت في مديحك فقصرنا في حبائك .
والتوقيع الأدبي ليس التوقيع المعروف عندنا الآن (الإمضاء)، وإنما هو أقرب ما يكون إلى ما نسميه الشرح على المعاملات الواردة.
والتوقيعات تمتاز بالإيجاز أولاً، وبالبلاغة ثانياً، وإصابة الغرض بحيث تغنى عن الكلام الكثير، وتتضمن رأياً واضحاً وإن كان موجزاً في الأمر المعروض.
وقد عُنى العباسيون بفن التوقيعات وأبدعوا فيه، ولهم توقيعات مشهورة محفوظة، وقد يوقعون بآية كريمة أو حديث شريف أو بيت من الشعر متى ما كان ذلك مناسبا للغرض.
ويقال: إن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أول من وقع في الكتب المعروضة ومنها كتاب ورد من سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه يستشيره في بناء دار له، فوقع على الكتاب بقوله: ابن ما يكنك من الهواجر وأذى المطر.
رابعا : المقامـات .
التعريف اللغـوي:
الأصل في المقامة أنها اسم مكان من أقام ، ثم أطلقت على المجلس، فقيل: مقامات الناس، أي مجالسهم التي يتحدثون فيها ويتسامرون.
قال زهير:
وأندية ينتابها القول والفعل *** وفيهم مقامات حسان وجوهها
ثم أصبحت تطلق على الحديث الذي يدور في مجالس السمر من باب المجاز المرسل.
التعريف الاصطلاحي:
أما المقامات في اصطلاح الأدباء فهي حكايات قصيرة، تشتمل كل واحدة منها على حادثة لبطل المقامات، يرويها عنه راوٍ معين، ويغلب على أسلوبها السجع والبديع، وتنتهي بمواعظ أو طرف وملح.
أي إنها حكاية قصيرة، تقوم على الحوار بين بطل المقامات وراويها.
والمقامات تعتبر من البذور الأولى للقصة عند العرب، وإن لم تتحقق فيها كل الشروط الفنية للقصة.
خصائص المقامـات :
1ـ أسلوب المقامات مملوء بالصناعة اللفظية من جناس وطباق والتزام تام بالسجع.
2ـ تغلب على ألفاظها الغرابة.
3ـ مليئة بالقصص والحكم والمواعظ.
4ـ يختار كاتب المقامات لمقاماته بطلاً تدور حوادث المقامات حوله، وراوية يروي تلك الأحداث.
فبطل مقامات بديع الزمان الهمذاني أبو الفتح الإسكندري، وراويها عيسى بن هشام. وبطل مقامات الحريري أبو زيد السروجي، وراويها الحارث بن همام وهكذا.
5ـ للمقامات فائدة تعليمية، فعندما يحفظها شداة الأدب فإنها تزودهم بذخيرة لغوية مفيدة.
6ـ يدور أغلبها على الاحتيال والطواف بالبلدان لجلب الرزق.
تاريخهـا :
يقال: إن أول من أنشأ المقامات في الأدب العربي هو العالم اللغوي أبو بكر بن دريد (المتوفى عام 321 هـ)، فقد كتب أربعين مقامة كانت هي الأصل لفن المقامات، ولكن مقاماته غير معروفة لنا.
ثم جاء بعده العالم اللغوي أحمد بن فارس (المتوفى عام 395 هـ)، فكتب عدداً من المقامات أيضاً.
ثم جاء بعده بديع الزمان الهمذاني، وكتب مقاماته المشهورة، وقد تأثر فيها بابن فارس حيث درس عليه. ويعتبر البديع هو الرائد الحقيقي للمقامات في الأدب العربي.
ثم جاء بعده كتاب كثيرون، أشهرهم أبو محمد القاسم بن على الحريرى صاحب المقامات المشهورة بمقامات الحريري.
ثم كثر كتاب المقامات كالزمخشري العالم اللغوي المفسر، وقد سمى مقاماته (أطواق الذهب)، وابن الاشتركوني السرقسطي الأندلسي (توفي عام 538 هـ)، صاحب المقامات السرقسطية، وبطلها المنذر بن حمام، وراويها السائب بن تمام، ومقامات الإِمام السيوطي.
وفي العصر الحديث أنشأ محمد المويلحي حديث عيسى بن هشام، وناصيف اليازجى "مجمع البحرين"…
وقد قال بعض الباحثين: إن المقامات قد انتقلت إلى الأدب العربي من الأدب الفارسي. وهذا الرأي غير سليم، فإن المقامات فن عربي النشأة، وقد انتقلت بعد ذلك إلى الأدب الفارسي بفضل بديع الزمان الهمذاني؛ فالأدب الفارسي متأثر في مقاماته بالأدب العربي لا العكس.
سمات النثر العباسي :
1 - تيسير القوالب اللغوية العربية .
2 - إخضاعها للمعاني العلمية والفلسفية الدقيقة.
* وكان من نتيجة ذلك أن نشأ أسلوب عربي جديد أطلق عليه الأسلوب المولد
سمات الأسلوب المولد:
1 - الاحتفاظ بكل سمات اللغة الأصلية .
2 - الابتعاد عن الألفاظ الغامضة والمعاني غير الواضحة .
3 - الحرص على الأداء السليم بحيث لا ينحط إلى العامية ، ولا يصل للتعقيد
4 - تيسير القوالب اللغوية العربية ، وإخضاعها للمعاني العلمية والفلسفية .


نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
توقيع د.مرتضى بابكر الفاضلابي
 د.مرتضى بابكر الفاضلابي
د.مرتضى بابكر الفاضلابي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 22 / 12 / 2016, 16 : 07 PM   رقم المشاركة : [2]
محمد الصالح الجزائري
أديب وشاعر جزائري - رئيس الرابطة العالمية لشعراء نور الأدب وهيئة اللغة العربية -عضو الهيئة الإدارية ومشرف عام


 الصورة الرمزية محمد الصالح الجزائري
 





محمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: الجزائر

رد: الأدب العباسي الأول

[align=justify]شكرا لك دكتورنا على غزارة هذه المواضيع والملفات التي دعّمت بها منتدانا ..فقط أكرر ملاحظتي : الأفضل جعل الملفات الطويلة سلسلة من أجزاء ، حتى تسهل قراءتها ومتابعتها بالنسبة للأعضاء..تحيتي واحترامي..[/align]
توقيع محمد الصالح الجزائري
 قال والدي ـ رحمه الله ـ : ( إذا لم تجد من تحب فلا تكره أحدا !)
محمد الصالح الجزائري غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 22 / 12 / 2016, 33 : 07 PM   رقم المشاركة : [3]
Arouba Shankan
عروبة شنكان - أديبة قاصّة ومحاورة - نائب رئيس مجلس الحكماء - رئيسة هيئة فيض الخاطر، الرسائل الأدبية ، شؤون الأعضاء والشكاوى المقدمة للمجلس - مجلس التعارف

 الصورة الرمزية Arouba Shankan
 




Arouba Shankan has a reputation beyond reputeArouba Shankan has a reputation beyond reputeArouba Shankan has a reputation beyond reputeArouba Shankan has a reputation beyond reputeArouba Shankan has a reputation beyond reputeArouba Shankan has a reputation beyond reputeArouba Shankan has a reputation beyond reputeArouba Shankan has a reputation beyond reputeArouba Shankan has a reputation beyond reputeArouba Shankan has a reputation beyond reputeArouba Shankan has a reputation beyond repute

رد: الأدب العباسي الأول

أوافقك الرأي أ. محمد الصالح
هو بحث يحتوي أكثر من 9000كلمة نسخته على الوورد لقراءته بِتأني
لي عودة
تحيتي
توقيع Arouba Shankan
 

مازلت ابنة بلاط رباه في أعالي المجد بين الكواكب ذكره
أحيا على نجدة الأباة ..استنهض همم النبلاء.. وأجود كرما وإباءً
Arouba Shankan غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 23 / 12 / 2016, 31 : 03 AM   رقم المشاركة : [4]
Arouba Shankan
عروبة شنكان - أديبة قاصّة ومحاورة - نائب رئيس مجلس الحكماء - رئيسة هيئة فيض الخاطر، الرسائل الأدبية ، شؤون الأعضاء والشكاوى المقدمة للمجلس - مجلس التعارف

 الصورة الرمزية Arouba Shankan
 




Arouba Shankan has a reputation beyond reputeArouba Shankan has a reputation beyond reputeArouba Shankan has a reputation beyond reputeArouba Shankan has a reputation beyond reputeArouba Shankan has a reputation beyond reputeArouba Shankan has a reputation beyond reputeArouba Shankan has a reputation beyond reputeArouba Shankan has a reputation beyond reputeArouba Shankan has a reputation beyond reputeArouba Shankan has a reputation beyond reputeArouba Shankan has a reputation beyond repute

رد: الأدب العباسي الأول

تمت القراءة بسلامٍ.. شكراً للبحث المُفيد والممتع بسرده
بانتظار جديدكم على الدوام
تحيتي لكم دكتور
توقيع Arouba Shankan
 

مازلت ابنة بلاط رباه في أعالي المجد بين الكواكب ذكره
أحيا على نجدة الأباة ..استنهض همم النبلاء.. وأجود كرما وإباءً
Arouba Shankan غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 23 / 12 / 2016, 08 : 04 PM   رقم المشاركة : [5]
محمد توفيق الصواف
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب


 الصورة الرمزية محمد توفيق الصواف
 





محمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really nice

رد: الأدب العباسي الأول

[align=justify]جهدٌ مفيد ومشكور د. مرتضى..
مرور أولي، ولي عودة للمناقشة والتعليق، إن شاء الله..
مع محبتي واحترامي..[/align]
توقيع محمد توفيق الصواف
 لا عِلمَ لمن لا يقرأ، ولا موقفَ لمن لم يُبدِ رأيه بما قرأ.
فشكراً لمن قرأ لي، ثم أهدى إليّ أخطائي.
محمد توفيق الصواف غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 06 / 02 / 2017, 04 : 09 PM   رقم المشاركة : [6]
رشيد الميموني
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب


 الصورة الرمزية رشيد الميموني
 





رشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

رد: الأدب العباسي الأول

قرأت جزءا من هذا البحث القيم الذي تشبع بنكهة التاريخ الذي أعشقه ..
متعة كبيرة تعيدنا إلى حقبة من التاريخ العربي الجميل .
شكرا د. مرتضى .
مودتي
رشيد الميموني غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
د.مرتضى بابكر الفاضلابي . الأدب العباسي الأول


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الشاعر العباسي الأصمعي عصمت شما دراسات أدبية 0 19 / 05 / 2017 07 : 05 AM
الأدب العباسي الأول د.مرتضى بابكر الفاضلابي هيئة اللغة العربية 2 22 / 12 / 2016 27 : 04 PM
نور الأدب والمنزل الأول عبد الحافظ بخيت متولى المقــالـة الأدبية 26 03 / 11 / 2012 58 : 11 AM
بنك نور الأدب للمعلومات / حرف النون طلعت سقيرق مكتبة نور الأدب 1 21 / 12 / 2011 33 : 12 AM
الأدب في فلسطين(من مواد الموسوعة الفلسطينية- القسم الأول-المجلد الأول) بوران شما الموسوعة الفلسطينية 0 27 / 10 / 2008 47 : 12 AM


الساعة الآن 39 : 02 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية

خدمة Rss ||  خدمة Rss2 || أرشيف المنتدى "خريطة المنتدى" || خريطة المنتدى للمواضيع || أقسام المنتدى

|