الأستاذ الفاضل نبيل عودة ،
بحث في غاية الأهمية نظراً لأنه يسلط الضوء على الحالة الثقافية وما آلت اليه من ترد واضح.
اسمح لي ان اقتطف بعض من فقرات بحثك لأعلق عليها
"العقل السوي المدرك يفهم ان المجتمعات البشرية تستهلك الثقافة بصفتها قيمة روحية تثري عالمها بجماليات مختلفة، وتثري الانسان على المستوى الشخصي"، فكراً ومعرفة، وتوسع مداركه لحقائق الحياة، ولأساليب بناء العلاقات الاجتماعية، والتواصل الانساني داخل المجتمع الواحد، بدل حالة التشرذم والعداء التي تسود للأسف الشديد مجتمعاتنا على قاعدة فكرية ودينية واثنية. وتعمق وعيه الفلسفي حول مجمل القضايا المطروحة. وربما مشكلتنا أيضا أن المجتمعات العربية تعرف المثقف بدوره وليس بالثقافة التي يحملها".
لو نظرنا الى مجتمعاتنا العربية سنلاحظ بأن أخر ما نفكر فيه هو بناء الأنسان ، صحيح بأننا نملك المدارس والجامعات والمراكز الثقافية ، ولكننا لا نبني البنية التحتية للفكر الإنساني، نعتمد اسلوب التلقين ونسخ ما يمكن نسخه من مجتمعات اخرى لا تمت لمجتمعنا العربي بصلة ولا تتماشى مع موروثنا الثقافي ولذلك يجئ النتاج هلامي غير مجدي.
لم يعد يدري المرء مفهوم الثقافة الحقيقية ، لو قمنا بعمل استطلاع بين الجيل الناشئ عن كم كتاب قرأ ، او حتى اسماء بعض الكتًاب العالميين ، سينظرون الينا باستهجان وكأننا نسأل عن احجية، ولكن ان سألناهم عن اشهر دي جي في العالم ، او اشهر مطرب راب ، او غيره من صرعات هذا العصر سيجيبونك بطلاقة.
ولذلك ما نلاحظه الأن في مجتمعاتنا العربية هو تردِ طال كل مناحي الحياة، العلاقات الاجتماعية ، التطورالعلمي، والثقافي، لا أبالغ اذا قلت اننا نمر بعصر اقل ما يوصف به هو عصر الجاهلية.
"لا أنكر وجود مثقفين ونشاط ثقافي متعدد الوجوه رغم محدوديته. ولكن بين وجود مثقفين ونشاط ثقافي محدود وبين الحديث عن حركة ثقافية وحياة ثقافية نشطة مساحة شاسعة جداً، تتعلق بشروط ومناهج وسياسات وتوظيفات غير متوفرة، واذا توفرت فهي لا تخدم الا أشخاصاً، وليس مجمل الحياة الثقافية وحركة الإبداع الثقافي والفني، خاصة في ظل القصور في التوظيفات ، وغياب الأجندة الثقافية من برامجنا الاجتماعية.
هناك ظاهرة لاحظتها على المستوى السياسي وهي ظاهرة الغزل السياسي ، اقبلها لأنني اعلم مسبقاً بأن السياسة لعبة غير نظيفة ويجوز فيها ما لا يجوز في غيرها، ولكن ان تمتد هذه الظاهرة لتصيب القطاع الثقافي فهذا غير مقبول، نعم صرنا نلاحظ ان هناك غزل ثقافي مبتذل وعلى العلن، هناك من لا يملكون اي من ملكات الإبداع الأدبي وأسمائهم تملأ الجرائد والمجلات وتطلق عليهم الألقاب التمجيدية، وهناك مثقفين جادين لهم فكر بنًاء لا تٌعطى لهم الفرصة للظهور.
الموضوع الثقافي لا يحظى بمكانة ضمن أولويات مؤسساتنات الرسمية والشعبية، وانا أظن ان للثقافة قيمة بنيوية فكرية وتربوية واجتماعية لا تقل أهمية عن أي موضوع نضالي نطرحه على أجندتنا."
يا سيدي الفاضل نحن شعوب لا تقرأ التاريخ ولا تخطط للمستقبل وتعيش الحاضر بطريقة عشوائية ، لا توجد اي أجندة لا ثقافية ولا اقتصادية ولا سياسية، لنأخذ مثالاً من الوضع الفلسطيني، هذا التخبط الذي تشهده الساحة السياسية الفلسطينية وغياب رؤية موحدة مدروسة في اجندة واضحة اضعف قضيتنا العادلة وأطفئ بريقها، ببساطة لم نستطع ان نقدمها بالشكل المقنع ولأننا تعاملنا معها كما نتعامل مع باقي الأشياء بلا تخطيط.
فعدم وجود اجندة ثقافية شئ عادي ، فنحن لا نملك اجندة اقتصادية ، ولا اجندة سياسية .
"الثقافة ليست كماليات في حياة الانسان والمجتمع."
على المستوى العام أضحت الثقافة للأسف في مجتمعاتنا العربية كنوع من الترف والمظهرية والتقليد الغير مدروس، فما اكثر المهرجانات التى في ظاهرها ثقافية وحقيقة الأمر هي عبارة عن تهريج في تهريج.
على المستوى الفردي ، كثيرون يملكون مكتبات في البيت كقطعة ديكور ، تمر سنين ولا تفتح الا لتنظيف الغبار عنها، يا ترى لماذا كانت اجيالنا تقرأ؟ اتذكر كنا وفي اعمار صغيرة نقرأ كل شئ ، كتب، مجلات، دواوين شعر، قصص ، تاريخ ، كنا نقرأ بنهم واستمتاع.
لقد انحدر الذوق العام، وتغيرت الإهتمامات ، تخيل عندما تقام حفلة لأي من مطربات الدرجة الثالثة تغص القاعات بالحضور ، وعندما يكون هناك ندوة او محاضرة ثقافية يكون عدد الحضور مخجلاً.
أين النقد البنيوي الذي يعرف وظيفته التربوية والتثقيفية، وليس الترويجية فقط؟
"أين نقد واقعنا الاجتماعي وفكرنا السياسي الذي يتهاوى ويتحول الى صراع بين "الديوك" على مناصب ؟
ان صمت المثقف هي خيانة لذاته الثقافية ولعقله"
للمثقف رسالة مهمة وهي الأخذ بيد من حوله للرقي بهم فكرياً وتوضيح الرؤى لهم فهو بحكم ثقافته وعلمه يرى الصور بوضوح اكثر، وعليه ان يكون اكثر شجاعة في تشخيص نقاط الضعف وتسليط الضوء عليها في محاولة لحلها، ولكن اين هم المثقفين الحقيقيين الذين لديهم الشجاعة الكافية للنقد، واقصد هنا النقد لكل شئ وليس النقد الأدبي فقط.
عندما تغيب الديمقراطية الحقيقية وحق التعبير، يصبح لدينا نوعين من المثقفين :
- مثقف يسير مع تيار التهريج ويقوم بدور المهرج فتارة يمدح وتارة يذم حسب ما يتطلبه السوق.
- ومثقف يحمل السلم بالعرض ويسير عكس التيار، فينتهي به الأمر إما الى تكميمه وعدم السماح له بفتح فمه إلا عند طبيب الأسنان، او ارساله الى اقرب عصفورية ( مستشفى المجانين).
سيدي الفاضل، استمتعت كثيراً بالبحث القيم وبمحاورة الدكتور خالد يونس لك.
اشكرك على اعطائنا هذه الجرعة الثقافية الهادفة
مودتي وصادق احترامي
سلوى حماد