مديرة الموقع المؤسس - إجازة في الأدب ودراسات عليا في التاريخ - القصة والمقالة والنثر، والبحث ومختلف أصناف الأدب - مهتمة بتنقيح التاريخ - ناشطة في مجال حقوق الإنسان
مشرط الجرّاح ورحلة الموت المؤقت / هدى الخطيب
في الصباح رأيتني على ناقلة تجرها الممرضة الكيبيكية الفرنسية الشقراء، لا يسترني سوى ذلك الرداء الأزرق الخفيف ، صاعدة بي إلى طابق العمليات .. سَرَت في جسدي قشعريرة ..
في ممر طويل شديد البرودة اختلط عليّ الأمر حتى ظننتني في ثلاجة الموتى.. كل الوجوة التي مرّت بي وأنا ما زلت أُسْحَبْ ، بدت لي شديدة الشحوب وكأنها وجوه موتى أو أشباح أجسادهم .. بل هي كذلك..!
كدتُ أسألني أو سألتني : " لماذا نقلوكِ يا أنا وقلبك لم يزل ينبض إلى ثلاجة الموتى ؟!
ناقلات على طول الممر ، فوقها أجساد شمعية شاحبة بلا ظل تنتظر التشريح .. أنا أيضاً سيقومون بتشريح جسدي – قلتُ لي – كان جسدي مستسلماً وعقلي يعمل كما يعمل عقل فأر صغير وقع في مصيدة!..
أوقفتْ الممرضة الناقلة إلى جانب الجدار وتناولت الملف المرفق بعربتي .. سألتها بالفرنسية قبل أن تبتعد قليلاً لتُدخِل الملف:
هل أستطيع الهرب؟
ابتسمت بخبث أشباح الثلج وأجابتني بعربية مصرية : " كان غيرك أشطر " ..!
على الناقلة المحاذية ، التفت إلى أقرب الأموات مني وسألتها: " أين نحن؟ "
كان شبح العجوز جامداً .. خرج طقم أسنانها من بين شفتيها واقترب مني موشوشاً :
" في براد المسلخ البشري.. قليلاً ويدخلونك إلى الجزار ليقطِّع أوصالك ويقيمون حفل زار على شرايين الدم فوق جسدك !.. صرخت .. لكن صوتي ضاع في صمتي ؛ وعواء أحد الموتى على الطرف الآخر يصمّ آذان الأحياء والأموات..!
جاء ممرض وقذف بي إلى داخل أحد الأبواب بعربتي لتقف وسط مجموعة من الأشباح المخمرة بالأبيض يدورون حولي في رقصة زار وهم ينقلوني إلى طاولة التشريح بينما خلف سياج النافذة فوق كومة من الثلج يقف هرٌ كبير أعور أو نمر مسخ ..!
أحضر أحد الأشباح حقنة كبيرة وبدأ يغرسها في قلبي – قلت انتظر – أريد أن أزور حيفا قبل أن أغادر هذا العالم – قال - سيزورها هذا الهر بدلاً عنك فأنت لا تجيدين اللغة العبرية .. انقضى الأمر.. استسلمي..!
لحظات وشقّ بطني وبدأ يقطّع في احشائي ويرميها إلى النافذة للهر الذي كان يبتلعها واحدة تلو الأخرى .. ثم عاد إلى ما تبقى من أشلائي وأخذ يخيطها داخل قفص عظامي بعناية ؛ والهر المسخ يموء معترضاً يطلب المزيد مدعياً أن كل لحمي حقه الأزلي..!
توقف قلبي فأسعفوه .. أدخلوني العناية الفائقة أربعة أيام تجلدني المحاليل والأجهزة التي نصبت لي محكمة بعدما وجدوا الهر ميتاً وقد تسمم بلحمي ..!
وقفت رئتاي محاميَ دفاع وأخبرتهم في مرافعتها أن الذنب ليس ذنبي بل ذنب الهر القتيل وذنب من أعطاه لحمي ليأكله؛ فلحمي عربي مر ودمي علقم..
بعد أربعة أيام حكمت أجهزة العناية المشددة ببراءتي من التهم المنسوبة إليّ وفك أسري فأعادوني إلى إحدى غرف المستشفى لتعود لي الحياة قبل أن يطمروا جيفة الهر المسخ في مزبلة التاريخ والجغرافيا.. صفقت عهد التميمي من محبسها وابتسمت ..
أنا مجدداً على قيد الحياة وغداً.. ربما غداً أرى حيفا وأصلي صلاة الشكر في المسجد الأقصى....
مشرط الجراح ورحلة الموت/ للقاصة الأديبة هدى نور الدين الخطيب .
تعقيب غالب الغول
@@@@@@ الحمد لله على سلامتك أديبتنا الكريمة , هدى الخطيب وأدامك الله مخلصة ومناضلة ووفية لأهلك ومجتمعك ووطنك . وبعد .
@@@@@@@
قصة واقعية مثيرة وحدودها سيمفونية تتأرجح بين مقاطع رباعية وهي المرض والناقلة والمشرط والقط الهجين , ثم توحدت كلها لتبعث الحياة من جديد لمريضة أعياها التعب والمشقة , وتخلل هذه السيمفونية أحداث امتلأت بالأحداث المثيرة , وزخرفتها الأديبة هدى بالإبداع , حين بدأت قصتها بالكيبيكية الفرنسية الشقراء وهي تجر ناقلة وعلى متنها حيفاوية يزملها ثوبٌ أزرق تنتظر عملية جراحية وكأنها متجهة إلى ثلاجة الموتى مستسلمة لقضاء الله وقدره , مستسلمة لما يحدثه المشرط اللئيم بيد جزار لا يعرف الرحمة وبالقرب منه قط يلتهم القطع اللحمية الناتجة من العملية , والتي أودت بحياة هذا القط المختلس الجائع فمات متسمماً , لأن اللحم الحيفاوي مرّ كالعلقم بل سام شديد الفاعلية لمن يقترب منه . , ثم تعود الحيفاوية إلى التفاؤل بعد صبرها وبعد أن تجرعت ألم الجراحة .
نعم لقد مزجت القاصة قصتها مزجاً إبداعياً بين مشاعرها وأحاسيسها , ببوح صادق كالحلم الذي يتخلله كابوس كاد أن يزهق الروح , هو كابوس حقيقة مريض أمام جزار وبيده كل وسائل العمليات الجراحية المخيفة . بما يعقبها من دماء وخياطة وصمت خفقان القلب , لتنبعث الحياة بأمل الفوز بالنجاح , لتتوضأ بعدها وتشكر الله على سلامتها وتصلي لله أمام محراب المسجد الأقصى , وتذهب بعدها إلى مدينتها المحبوبة حيفا لتصلي صلاة الشكر وتدعو دعوة العودة إلى وطنها الحبيب .
أشكرك أديبتنا الحيفاوية على هذه القصة الرائعة التي دخلت القلب وأبت أن تخرج منه لروعتها وحسن التصرف بمعانيها وتلون أفكارها , تحية إليك وإلى الأمام .
غالب الغول
عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام
رد: مشرط الجرّاح ورحلة الموت المؤقت / هدى الخطيب
الأديبة الفضلى القاصة هدى الخطيب
أما قبل : الحمد لله الذي حرس جسمك وعافاه والحمد لله على سلامتك .. وعودتك إلى نور الأدب ، أدام الله عليك أردية العافية صديقتي ...
أما بعد : أي كلمات تضاهي كلماتك الذي نسجتها بنبض قصصي صادق .. شخوص حدث زمكان .. بمشرط قاصة تجيد البوح والتعبير المائز ..
رائعة كلماتك .. جعلتني أعيد قراءتها أكثر من مرة ..!!
دمت بصدقك .. ودام لك الألق
مع محبتي واحترامي
الحمد لله على سلامتك الاستاذة نور الخطيب . انا لم اعمل على قراءة القصة حاولت ان احسها. فهناك فرق بين اخبار بكون شخص بين الاموات والاحساس بذلك. وهذا ما حاولت القصة نقله اليها .انه ذلك الاحساس الغريب الذي يعانق تلك اللحظات، وعندما يسيطر علينا يرمي بنا الى عالم الاحلام والتخيلات. استمعت بقراءة القصة، واستمعت ايضا بالنهاية السعيدة وبالامل الكبير. غدا سنصلي بالمسجد الاقصى لانه لا يستقر في مكان ما. انه يستقر في قلوبنا حتى في اصعب لحظات حياتنا.
تحياتي واحترامي
مديرة وصاحبة مدرسة أطفال / أمينة سر الموسوعة الفلسطينية (رئيسة مجلس الحكماء ) رئيسة القسم الفلسطيني
رد: مشرط الجرّاح ورحلة الموت المؤقت / هدى الخطيب
الف الحمد لله على سلامتك حبيبة قلبي وغاليتي أستاذة هدى ،
وأنا أيضا أعدت قراءة كلماتك عدة مرات ، الألم يعتصر قلبي لهذه
التجربة الصعبة والمؤلمة التي مررت بها ، ويعاود الفرح يملأ قلبي
على سلامتك وعلى حالة الأمل والتفاؤل التي بعثتيها في النفس
بالصلاة في الأقصى والعودة لفلسطين كل فلسطين .
أتمنى لك من صميم القلب موفور الصحة والعافية ، وحياة ملؤها
الفرح والسرور وهدوء البال ، مع كل الحب .
أديب وشاعر جزائري - رئيس الرابطة العالمية لشعراء نور الأدب وهيئة اللغة العربية -عضو الهيئة الإدارية ومشرف عام
رد: مشرط الجرّاح ورحلة الموت المؤقت / هدى الخطيب
[align=justify]أنتِ مولودة جديدة..ربّما ما أُزيل من جسمك كان سببا في قلقك الدائم ! أنتِ هدى العشرينية المفعمة بالشباب والإبداع..التي تكتب كلّ هذا الإبداع امرأة عادت إلى الحياة من بابها الأخضر..شفاك الله وعافاك وأمدّك من العمر ما تشائين..الحمد لله على عودتك أختاه!![/align]
موظفة إدارية-قطاع التعليم العالي-حاصلة على الإجازة في الأدب العربي
رد: مشرط الجرّاح ورحلة الموت المؤقت / هدى الخطيب
هذه قراءة متواضعة لما آثارني في هذا النص الذي أعتبره قصة وإن ورد في منتدى "كلمات"
"مشرط الجراح ورحلة الموت المؤقت" عتبة لنص وافقت محتواه؛ فالمشرط ذو حدين؛ حيث تحكي هذه القصة عن عمليتين جراحيتين؛ الأولى تهم استئصال داء من ذات، والثانية تهم تقطيع أطراف سليمة من ذات أعياها الاستيطان. وطاولة التشريح التي نقلت إليها المريضة إنما هي جلسات التفاوض على بثر فلسطين من جذورها، وتسليمها أطرافا متتالية للهر الأعور أو النمر المسخ الذي ينتظر بكل برودة دم؛ والتي مثلتها الكاتبة بجلوسه فوق كومة من ثلج ينتظر قرار ترامب الماكر؛ والذي نتج عنه حقن المريضة بشوكة غدر في قلبها و هي إحدى الإبر المسمومة التي امتهنها الغاصب طعنا، وطلبها لزيارة حيفا قبل أن تموت، ورده الفاجع بأنها من حق من أهل العبرية وأن عليها الاستسلام، وهذا موت ثاني تصارعه المريضة.
والسمة الإبداعية لهذا النص تتجلى -كذلك- في ذاك التشبيه بين ذات المريضة ووطنها السليب؛ الذي ما فتئ يسكنها ويؤلمها تقطيع أطرافه، و"الهر المسخ يموء معترضا يطلب المزيد مدعيا أن كل لحمي حقه الأزلي" فالهر المسخ كان يطمع في تقطيع المزيد من الأشلاء على أساس أنها حقه الأزلي؛ لكن طمعه أرداه ميتا؛ لأن الجسم العربي لا يتوافق وتكوينه، وهنا مرة أخرى تتجلى رحلة الموت -غير المؤقت حتما- حيث طمرت جيفته في مزبلة التاريخ والجغرافيا، لتعود الحياة بكل تجلياتها إلى كل الفلسطينيين وينتصر السجين والمنفي، ويكللون سعادتهم بإقامة صلاة الشكر في المسجد الأقصى.
شكرا لك أ. هدى على هذا الإبداع المتميز والحمد لله على سلامتك وإن شاء الله ودون شك طال الزمان أو قصر نفرح كذلك بعودة فلسطين كل فلسطين إلى أهلها.
مديرة الموقع المؤسس - إجازة في الأدب ودراسات عليا في التاريخ - القصة والمقالة والنثر، والبحث ومختلف أصناف الأدب - مهتمة بتنقيح التاريخ - ناشطة في مجال حقوق الإنسان
رد: مشرط الجرّاح ورحلة الموت المؤقت / هدى الخطيب
اقتباس
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة غالب احمد الغول
مشرط الجراح ورحلة الموت/ للقاصة الأديبة هدى نور الدين الخطيب .
تعقيب غالب الغول
@@@@@@ الحمد لله على سلامتك أديبتنا الكريمة , هدى الخطيب وأدامك الله مخلصة ومناضلة ووفية لأهلك ومجتمعك ووطنك . وبعد .
@@@@@@@
قصة واقعية مثيرة وحدودها سيمفونية تتأرجح بين مقاطع رباعية وهي المرض والناقلة والمشرط والقط الهجين , ثم توحدت كلها لتبعث الحياة من جديد لمريضة أعياها التعب والمشقة , وتخلل هذه السيمفونية أحداث امتلأت بالأحداث المثيرة , وزخرفتها الأديبة هدى بالإبداع , حين بدأت قصتها بالكيبيكية الفرنسية الشقراء وهي تجر ناقلة وعلى متنها حيفاوية يزملها ثوبٌ أزرق تنتظر عملية جراحية وكأنها متجهة إلى ثلاجة الموتى مستسلمة لقضاء الله وقدره , مستسلمة لما يحدثه المشرط اللئيم بيد جزار لا يعرف الرحمة وبالقرب منه قط يلتهم القطع اللحمية الناتجة من العملية , والتي أودت بحياة هذا القط المختلس الجائع فمات متسمماً , لأن اللحم الحيفاوي مرّ كالعلقم بل سام شديد الفاعلية لمن يقترب منه . , ثم تعود الحيفاوية إلى التفاؤل بعد صبرها وبعد أن تجرعت ألم الجراحة .
نعم لقد مزجت القاصة قصتها مزجاً إبداعياً بين مشاعرها وأحاسيسها , ببوح صادق كالحلم الذي يتخلله كابوس كاد أن يزهق الروح , هو كابوس حقيقة مريض أمام جزار وبيده كل وسائل العمليات الجراحية المخيفة . بما يعقبها من دماء وخياطة وصمت خفقان القلب , لتنبعث الحياة بأمل الفوز بالنجاح , لتتوضأ بعدها وتشكر الله على سلامتها وتصلي لله أمام محراب المسجد الأقصى , وتذهب بعدها إلى مدينتها المحبوبة حيفا لتصلي صلاة الشكر وتدعو دعوة العودة إلى وطنها الحبيب .
أشكرك أديبتنا الحيفاوية على هذه القصة الرائعة التي دخلت القلب وأبت أن تخرج منه لروعتها وحسن التصرف بمعانيها وتلون أفكارها , تحية إليك وإلى الأمام .
غالب الغول
ا[align=justify]لباحث العروضي والشاعر المبدع والإنسان المتميز في إنسانيته .. إبن حيفاي الغالي الأستاذ غالب الغول
ألف تحية وسلام لك وسلمك الله من كل مكروه..
قراءة جميلة ومتميزة منك أشكرك عليها ألف شكر.. هو المسخ الصهيوني سيتسمم عاجلاً أو آجلاً وتعود فلسطين لأهلها ومن هم من لحم تربتها وشرايينها ..
حضرتك وأنا وجميعنا نثق بالنتيجة الحتمية لههذا المغتصب للحم تربتنا ، لكننا لا نعرف متى !.. لا نعرف لأننا نعيش زمن غاية في السوء فيه خونة وبلطجية يتحكمون بمصائرنا ومصائر أوطاننا ، لكن لكل شيء نهاية والفصل الأخير للحق والخير...
كل الغزاة يرحلون في النهاية وستلفظهم أرضنا الفلسطينية الطيبة الصابرة كما لفظت كل الغزاة من قبلهم..
أدعو الله سبحانه وتعالى أن يمن علينا بالعودة وتكتحل أعيننا بدخول فلسطين والصلاة في المسجد الأقصى المبارك ، إنه سميع قريب مجيب سبحانه..
أشكرك جزيل الشكر على مداخلتك المتميزة الرائعة ، كما أشكرك على كل سجاياك وكل ما تقدمه مما يعجز اللسان والقلم لإيفاءك حقك بالشكر والامتنان ..
تفضل بقبول فائق آيات تقديري واحترامي وشكري[/align]