رد: أين أنت أيها القارئ الناقد ؟
لنقرأ معا هذا النص الشعري المائز للشاعر طلعت سقيرق
'رمح وردة في باطن الكف'
@@@@@@@@@@@@@@@@
أشكر الأديبة الدكتورة الغالية رجاء بنحيدا على اختيار هذه المقطوعة الأدبية المائزة بجمال بيانها وبلاغتها وتلون قوافيها ,وتعدد تفاعيلها , إنه نص يكمن به الدر ليبدع في وصف مدينة عريقة وهي القدس ,ثم مدينته حيفا , الذي بارك الله من حولها, وما يختزنه من جمال , ولوعة وحرقة على ما فقده من جمال وطنه وسحره الخلاب ليكون تحت يد مستعمر بغيض , وإليكم تفاصل هذا الإبداع الأدبي الفني .
من يحدق النظر في العنوان الذي شمل معنى النص كله وهو ((('رمح وردة في باطن الكف' )))
لقد أشار الأديب الفذ طلعت سقيرق إلى الرمح الذي يدل على غمار معركة لا تنتهي إلا بوردة يضمها باطن الكف , ليعم السلام بعد انتصار شعب طالما عذبته الغربة وهو بعيد عن الوطن , ثم كرر مدينة السلام أكثر من ثلاثين مرة يصفها بأوصاف سحرية لم يسبقه أحد من الشعراء عليها , وهو القائل:
القدسُ في قلبي
القدسُ في بابي
للقدس ِ أغنيتي
عينايَ ..أهدابي
وهي التي أبكته حين رحل عنها وجرحته بعمق ,وإن مصيبته عند رحيله عنها قد زرعت له :
في القلبِ من وجعِ الهوى
جرحٌ وأنـّات ٌ
دمعٌ وآهاتٌ
نارٌ بأحلامي
والجرحُ قدامي
أمشي على مهلي
وينهى حبيبته القدس ثم يسألها بقوله:
لا تشربي كأسي
في دفةِ الأوجاعْ
أبكي على أمسي
كم ضاعَ ما قد ضاعْ
هل تنحني رأسي ؟؟..
لكنه أبى أن ينحني رأسه , لأن خاتم الحب سرمدي في يده وأن غده آت لا ريب فيه , فقال:
لي خاتم الحب المديدْ
فخذ يدي
بفواصل الأمواج ِ
مكتوبٌ غدي
ثم يسأل الغاصب المحتل قاتل الإنسانية قائلاً:
من أعطاك الحقّ بقتلي ؟؟..
من أعطاك الحقّ بشنقي ؟؟..
آخ ٍ آخْ
***
لكن الأمل قادم , والزهر طالع ,وعناقيد الدوالي بالوجد تضحك , فقال:
هناك إذن حيث ذاك الخريفُ البعيدْ
تصبّ الدوالي عناقيدَ وجد ٍ وتضحكُ
يطلعُ زهرُ الربيع على كلّ سطرٍ
مواعيدَ عيدْ
وعيده قادم على مدينته الحبيبة حيفا القمر والصور والمطر والخاتم , فقال:
في عمرنا حيفا قمرْ
في عمرنا حيفا صورْ
في عمرنا حيفا مطرْ
لا شيء يلبسُ خاتمي
حتى الخواتم لا تنامْ
وأما وزن هذه القصيدة , فأستطيع القول:
لم يكن هذا النص قصيدة واحدة , بل هو ديوان شعري يتقلب به شاعرنا طلعت بأوزان شعرية مختلفة , ليعطي القارئ إيقاعات لها ألوان الحزن والفرح , الحزن على فراق القدس عن قلبه وعينه , وفرحه حين عودته إلى حيفا ووطنه ,
فابتدأ قصائده ببحر الكامل يتخلله بحر الرجز ( متفاعلن + مستفعلن )
لي خاتم الحب المديدْ فخذ يدي
بفواصل الأمواج ِ مكتوبٌ غدي ...... ( بحر الكامل)
وحاول الشاعر تجزأة الأبيات لعله يريد إيقاعات تناسب المقال , أو أنه يحبذ القصيدة الحرة ليبتعد عن قيود القافية ,.
ثم تناول الوزن الآتي :
في عمرنا حيفا قمرْ
في عمرنا حيفا صورْ ( للرجز , وإن شئت للكامل)
مستفعلن مستفعلن .
إيقاع به انشراح الصدر لمدينته حيفا ,
ثم تناول وزن الخبب الهائج المائج بثنائية وزنه قائلاً:
من أعطاك الحقّ بقتلي ؟؟..
من أعطاك الحقّ بشنقي ؟؟..
آخ ٍ آخْ
وينهي الوزن بالتوجع ( آخ أخ )
ثم تناول تفعيلة + جزء من تفعيلة , ولا يكشف إيقاع هذا البحر إلا عند إنشاده , فإن شاء المنشد جعله من أوزان الرجز او الكامل (فعلن ــ أحذ مضمرــ ) أو مستفعلْ ــ مقطوع ــ
وإن شاء جعله على بحر السريع لتكون التفعيلة الأخيرة جزء من ( مفعولاتُ ) لتصير ( مفعو ــ أصلم ) أو مفعولا ( مكشوف)
في دفةِ الأوجاعْ
أبكي على أمسي
كم ضاعَ ما قد ضاعْ
هل تنحني رأسي ؟؟..
وبكل جدارة استطاع الشاعر القدير طلعت سقيرق أن يتحفنا بهذه الألوان الشعرية بتعدد الإيقاعات والأوزان , ليبعد القارئ عن الملل حين لا يجد أمامه إلا وزناً واحداً . ولو تكلمنا عن إبداع الشاعر حول الصيغ البيانية والتراكيب اللغوية والصور الفنية لطال معنا الحديث ., ونكتفي بهذا القدر لأتيح لغيري من النقاد أن يدلوا بدلوهم , وأشكر الأديبة الدكتورة رجاء التي أتاحت لنا هذه الفرصة ,
|