مشرفة / ماستر أدب عربي. أستادة لغة عربية / مهتمة بالنص الأدبي
سيدي المدير شكرا
قبل يومين أجد دعوة صداقة على الفايسبوك من السيد مدير الإعدادية مقر عملي الاول بعد تخرجي من مركز تكوين الأساتذة..
واليوم يرسل لي رسالة قصيرة لكنها تتضمن دعاء طيبا، أشعر بالذكرى الطيبة التي جمعتنا بالعمل رغم قصرها،لم أحظ بعده بالعمل إلى جانب مدير إنسان .. أربع سنوات كانت كفيلة بأن يسود فيه الاحترام والتقدير والإخلاص،ومعرفة قدر ومكانة الآخر في ظرف وجيز.. أربع سنوات مرت مرور سلام في لمح البصر .. مع أنه كان كثيرا ما يتهاون في بعض الأمور الإدارية، يتغيب أحيانا أو يتأخر.. الإعدادية تعرف تمرد بعض المتعلمين إلا أنه كان إنسانيا جدا.. كان أبا للأساتذة قبل التلاميذ، يخشى علينا من أن تؤذينا بعوضة، كثيرا ما كان ينصحني فيما يتعلق بالزواج وأهل الزوج وأنا بمكتبه أنتظر أن يمدني بمذكرة أو ورقة شخصية لتوقيعها، ولا يمر يوم دون أن يذكر " الحاجة" بكل حب.. بل يخبرنا أحيانا أنها اشتهت "مضهوصة" نسميها في مكناس " الرفيسة" وهناك من يسميها :"....." ( سأعود ريثما أتذكر الاسم أو ساعدوني أنتم على ذلك).
أو أنها طلبت منه أن يشتري برتقالا...
أذكر يوم اجتيازي لامتحان الكفاءة ومع أنه كان عامي الأول، كما كان العام الأول للسيد المفتش بالثانوية الإعدادية يوسف بن تاشفين.. اتصلت بالسيد المدير على هاتفه ، إذ لم يأت المؤسسة يوم الثلاثاء أسأله إن كان سيحضر مساء الغد أم سيكون الحارس العام وحده، لكنه أكد لي انه سيكون حاضرا، ولا يمكنه أن يتغيب في يوم كهذا..
مرت الحصتين المحددتين بسلام وجاء موعد الأسئلة الشفهية وجها لوجه..
بكل حالاتي حتى الحزينة غالبا لا تغادرني الابتسامة إلا لماما ولكني حينها كنت أمام وجه عبوس، عاقد الحاجبين، حاد النظرات، مفزعة ملامحه،صوت خشن لا ينطق إلا بالديداكتيك وما جاوره.. تلك الكلمات التي لا تقبلها أذن حتى تخرجها الأذن الثانية..
بعد لحظات ( قد أخبركم عن قصة الامتحان لاحقا) يأتي السيد المدير ويطلب منه أن ينهي الامتحان لأن الوقت يمر سريعا وزميلاتي بانتظاري وقد لانجد سيارة أجرة لتأخذنا إلى مشرع بلقصيري حيث إن الإعدادية تتواجد بمنطقة قروية تبعد بحوالي 8 كيلومتر تسمى : صفصاف..
وأوقف المفتش أسئلته أخيرا، فنجوت ..
وبعدها كنت وزميلاتي بسيارة الحاج المدير في طريقنا إلى بلقصيري..
في يوم من الأيام نظمت مؤسستنا أمسية شعرية .. كانت بعض زميلاتي يردن تنشيط الأمسية، لكن بعد علمهن أن السادة الحراس العامون قد استضافوا بعض الشعراء.. ولم نعرف بذلك إلا في وقت متأخر سألوني إن كنت أستطيع أن آخذ مبادرة تنشيط الأمسية.. قمت بذلك .. عند نهاية الحفل الذي تجاوز السابعة مساء شكرني السيد المدير على ما قمت به وأخبرني أنه فخور بي وسعيد جدا بما قمت به ومتفاجئ أيضا.. احسست حينها بسعادة كبيرة.. كم أفرح حينما ادرك اني مصدر فرح لشخص ما ولو بكلمة او ابتسامة..
ركبنا سيارته بعد ذلك وظل يتحدث لنا عن الحاجة من جديد... ويضحك علي لأني أقول ماما وبابا .. مخبرا إياي أن ابنه الذي يصغرني عندما احس أنه صار شابا، أصبح فقط يقول: الوالد والوالدة...
مرة في بداية الموسم الدراسي، بمجرد توقيعي لمحضر الدخول، كان قد حل عيد الأضحى لكني لم أعد بعد عطلة العيد حيث بعثت له شهادة طبية مدتها خمسة عشر يوما..
أخبرته زميلاتي اللاتي اتصلن بي أني لا أستطيع القيام من الفراش وأني صرت شبه مقعدة حقا.. فكان في كل مرة يتصل بي ويطمئن أو يطلب من زملائي ان يتصلوا ويسألهم هو عني .. حتى الأساتذة الذين يخالفونني في الجدول الزمني لا أعرف إلا قلة منهم ومع ذلك أجدهم يتصلون ويسألون وقد أخبروني ان الحاج ( المدير) هو الذي ذكر لهم ما حصل لي وطلب منهم أن يسالوا عني..
أما عندما كنت حبلى ومن جديد لم أجد نفسي إلا راقدة بالمستشفى في ليلة من ليالي أواخر أبريل وقد منحني الطبيب رخصة شهر على أن يضيف بعدها رخصة أخرى..
اتصلت بالمدير صباحا أعتذر له عن عدم حضوري وأطلعه عن سبب غيابي، فقال لي:
_ والله ما انتبهت لغيابك.. ظننتك كالعادة بالقسم وباب القاعة مغلقا حتى لا نسمع صوتك..
وبمجرد ما عرف أن الرخصة تحمل مدة شهر.... أووووه كم اسمعني من كلمات معاتبا إياي..
_ انت التي لا تهتمين بنفسك.. لو كانت أخرى مكانك لكانت بكل أسبوع أو عشرة أيام ترتاح ثلاثة ... كم مرة أحببت أن أطلب منك أن تأخذي قسطا من الراحة وهذا من حقك لكني كنت مقتنعا أنك لن تقبلي، أتدرين اني لهذا أتيت إليك امس وعندما سلمت عليك تراجعت وعدت إلى مكتبي.......
كلام كثير وعتاب أكثر، ومع ذلك كان بين الفينة والأخرى يسأل عني..
حتى بعد عودتي إلى المؤسسة في الموسم الموالي كان بي رحيما جدا وكان ذلك هو عامه الأخير بالمؤسسة حيث سيتقاعد ونفقد إنسانا أبا وصديقا ..
يوم حفل التكريم الذي هيأناه له.. دخلت قاعة الحفل بعد أن بدأت تتلى آيات قرآنية استهلالا وذلك إذ كنت منشغلة بأمور في مكتب الحارس العام.. لم أشأ حينها الدخول عندما رأيت المقرئ قريبا من الباب، لكن بدا لي أن الباب المقابل مفتوحا فاتجهت صوبه، لطن بدخولي تفاجأت أن الجلوس مقسم ( الإناث هناك، والذكور هنا) هيهيهيهيههييه.. يا إلهي ماذا أفعل.. والقرآن مازال يتلى، حسنا جلست بكرسي فارغ مع الذكور وكان الكرسي بجانب السيد المدير..
انتهت القراءة القرآنية فاقترب مني المدير هامسا:
_ لدي طلب أرجو أن تحققيه لي
_ بكل فرح أستاذ إن استطعت ذلك
_ أريدك أن تقولي كلمة في حقي.. يعجبني كلامك وأحب أن أسمعك في آخر يوم لي هنا...
_ واخا.. إن شاء الله..
قلتها ولا أدري إن سمعها أو لا فالمفاجأة أفحمتني..
أنا لم أعد كلمة له.. ولم أفكر في ذلك.. كنت سأتحدث ربما إن هزني شيء ما ولك هذا طلب.. وطلب من المعني بالأمر نفسه..
ماذا لو قلت شيئا ليس ذي بال؟ أو أي شيء .... ومع ذلك بعد لحظات استأذنت بأن أتحدث وكنت قد غيرت المكان باتجاه الفتيات بعد طلب السيد المدير...
صدقوني لا أذكر كلماتي ولكني أذكرها نابعة من صدق قلبي وما أحسه اتجاه ذلك السيد.. حتى إني وأنا أتحدث للحظة لم أستطع متابعة كلامي المنساب وحده حينها بعدما رأيت دموع زملائي و السيد المدير يشهق باكيا( أهذا ما كنت تريد سيدي؟!) حتى إن بعض زميلاتي خرجن من القاعة باكيات... ياربي ماذا فعلت انا وماذا جنت كلماتي؟
عند انتهاء الحفل قال لي أستاذ رياضيات:
_ شكرا خولة لأنك أبكيتنا جميعا
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب
رد: سيدي المدير شكرا
مواقف تتكرر ونعيشها سواء مع الأطر الإدارية أو مع زملائنا وأيضا مع تلامذتنا .. فحين يسود الوئام ويملأ الحب القلوب ، تبقى الذكريات شاهدة على أجمل الفترات في هذه المسيرة المهنية الممتعة .
لقد أخذتنا معك يا خولة في سردك حتى أحسست أني أحب هذ المدير ، لأنه يستحق ذلك وأتمنى له من كل قلبي حياة هنيئة بعد أن ارتاح من عناء مشوراه المهني .
ممتع هذا الإحساس بالوفاء .
كل المودة
مشرفة / ماستر أدب عربي. أستادة لغة عربية / مهتمة بالنص الأدبي
رد: سيدي المدير شكرا
اقتباس
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رشيد الميموني
مواقف تتكرر ونعيشها سواء مع الأطر الإدارية أو مع زملائنا وأيضا مع تلامذتنا .. فحين يسود الوئام ويملأ الحب القلوب ، تبقى الذكريات شاهدة على أجمل الفترات في هذه المسيرة المهنية الممتعة .
لقد أخذتنا معك يا خولة في سردك حتى أحسست أني أحب هذ المدير ، لأنه يستحق ذلك وأتمنى له من كل قلبي حياة هنيئة بعد أن ارتاح من عناء مشوراه المهني .
ممتع هذا الإحساس بالوفاء .
كل المودة
مشرفة / ماستر أدب عربي. أستادة لغة عربية / مهتمة بالنص الأدبي
رد: سيدي المدير شكرا
اقتباس
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ليلى مرجان
ما يمتعني في سردك الصادق الشيق حبيبتي خولة؛ هو نفسك الطويل وعفويتك المعهودة.
دام لك الوفاء ونبل الأخلاق.
شكرا لك ليلى إذ منحت لهذا النص بعض من وقتك قراءة ثم تعليقا جميلا يقول لي اكتبي أكثر وخذي نفسا عميقا كي لا تسكت الكلمات وتظل في حركة شغب مستمرة( ابتسامة)
حقيقى عشت معاك الحكاية لحظة بلحظة حتى انى كنت أتخيل المكان والزملاء و السيد المدير عندما تكون هناك الفة بين الزملاء الحياة تصبح سهلة هادئة مليئة بالحب والإحترام
دمتى بكل حب
شكرا خولة ذكرتينى بأيام العمل والزملاء والمديرين اللى مروا على فى عملى وهم كثير
مشرفة / ماستر أدب عربي. أستادة لغة عربية / مهتمة بالنص الأدبي
رد: سيدي المدير شكرا
اقتباس
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مرمريوسف
حقيقى عشت معاك الحكاية لحظة بلحظة حتى انى كنت أتخيل المكان والزملاء و السيد المدير عندما تكون هناك الفة بين الزملاء الحياة تصبح سهلة هادئة مليئة بالحب والإحترام
دمتى بكل حب
شكرا خولة ذكرتينى بأيام العمل والزملاء والمديرين اللى مروا على فى عملى وهم كثير
مرحبا بك مرمر...
شكرا على كلماتك الجميلة..
دائما نحتفظ بذكريات لها وقع خاص