[فاطمة الزهراء بحوص]

مساء المحبة و الود، إليكم الدرس الثاني الذي يسبق مبحث التشبيه، و الذي يؤسس لآفاق البلاغة، أرجو لكم قراءة ممتعة...

____________ إعداد: ذ. فاطمة الزهراء بحوص _______________

الدرس الثاني: " مدخل إلى علم البيان"
 مقدمة :
إن البلاغة سلاح البلیغ، و ورودها فی ظاهر شعره و خطاباته حجة علی خصب خیاله و سموه و سعته، لأن اللغة العادیة لو کانت تسعفه فی تبلیغ ما یرید بالطریقة التی یرید وفق القصد الذی یرید، لما احتاج إلی البحث عن أنساق أخری لتسعفه فی التعبیر عن منتهی المعنی و إفهام الآخر إیاه فهما یراد له بالضرورة أن یکون مطابقا للقصد، و هذا ما نلمسه بشكل جلي في التواصل اليومي باللسان الدارج؛ ذلك أن أغلب تعابيرنا مجاز، لأن الأمر ليس متعلقا باختيار أسلوب معين لتبيان جمالية الكلام، و إنما يتعلق بضرورة التوسل بما يعرب عن المعنى المراد و المقصود؛ و يوضحه كما هو للمخاطب، دون أي التباس أو غموض، لأن الالتباس مترسخ في اللغة الطبيعية ، و لو كان العكس لما أردنا إفهام الآخر عن طريق التوسل بالتشبيه أو الاستعارة أو الكناية... هذا الذي يتيح إيصال المعنى المراد بشكل موجز؛ انسجاما و مبدأ الاقتصاد في تأليف الكلام.
إنه الرهان الذی تأسست لأجله البلاغة، فانقسمت إلی ثلاثة علوم : الأول ارتبط بالبنیة التصویریة (علم البیان)، و الثانی فقد اختص بالبنیة الترکیبیة( علم المعانی)، أما الثالث فقد اهتم بالبنیة الإیقاعیة(علم البدیع). فما کان مجال هذا المدخل منصبا إلا علی ما یمثل عمدة البلاغة؛ أي البنیة التصویریة المتجسدة في علم البیان؛ الذي يمثل موضع القصد فی هذا المدخل، إذن : ماذا يقصد بعلم البيان؟ و ما هي مباحثه الأساس؟ و بما أن البلاغة حجة كما أسلفنا الذكر، فما علاقة البلاغة بالحجاج ؟

1- البلاغة و الحجاج:

لم تعد البلاغة مجرد صناعة لفظية، و لم يعد استثمار الصور البلاغية من مجاز و استعارة و كناية... يجسد الوظيفة الجمالية أو الشعرية فقط، بقدر ما يجسد الوظيفة الحجاجية بالدرجة الأولى؛ و أقلها أن يبرهن الشاعر ببلاغته على كفاءته باعتباره شاعرا بارعا؛ هاته إذن هي الصورة النموذج التي يهدف إلى ترسيخها في أذهان المتلقين. لذلك لا فصل بين الامتاع و الاقناع إلا نظريا، ذلك أن الأول يعد سبيلا للثاني.
و بما أن البلاغة تجاوزت ذلك المنعطف الخطير الذي يجعلها مجرد بلاغة أسلوب و صور لا أقل و لاأكثر، فإنها لم تعد حبيسة الخطاب الأدبي فقط، بل أصبحت البلاغة اليوم رهان كل الخطابات اللغوية و غير اللغوية أيضا، حتى صرنا نتحدث عن بلاغة الصورة و مدى تأثيرها في المخاطب.
إن البلاغة هي سبيل البرهنة على سعة الخيال و سموه، و براعة التصوير و غناه، و القدرة على إفهام الآخر منتهى القصد و غايته، لذلك يمكن أن نقول – بعيدا عن الحسم- أن كل بلاغة حجاج، و ليس كل حجاج بلاغة، ذلك أن الحجاج قد لا يحقق غايته، و بالتالي لن يصل إلى المنتهى، و هذا الأخير هو البلاغة...

2- مفهوم البيان:

لنتأمل التعريفات التالية:
جاء في لسان العرب: "البيان: ما بين به الشيء من الدلالة وغيرها. وبان الشيء بيانا: اتضح فهو بين ... والبيان: الفصاحة ، و الإفصاح ، والبين من الرجال السمح اللسان الفصيح الظريف العالي الكلام، وفلان أبين من فلان ، أي أفصح منه وأوضح منه كلاما" (لسان العرب، مادة( ب ي ن))
عقد الجاحظ (ت 255هـ) بابا من أبواب كتابه البيان والتبيين بعنوان: باب البيان، وضح فيه معنى البيان بقوله: " البيان اسم جامع لكل شيء كشف لك قناع المعنى، وهتك الحجاب دون الضمير، حتى يفضي السامع إلى حقيقته ويهجم على محصوله كائنا ما كان ذلك البيان، ومن أي جنس كان الدليل؛ لأن مدار الأمر والغاية التي إليها يجري القائل والسامع، إنما الفهم والإفهام فبأي شيء بلغت الإفهام وأوضحت عن المعنى هو البيان في ذلك الموضع» أبوعثمان عمر الجاحظ « البيان والتبيين» تحقيق عبد السلام هارون ج1 ص 76
وتناول بدقة سراج الدين أبو يعقوب يوسف بن محمد السكاكي ( ت 626هـ) في كتابه مفتاح العلوم ، وهو الذي جعل فيه علم البيان علما مستقلا من علوم البلاغة الثلاثة معرفا إياه بقوله: هو «معرفة إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة بالزيادة في وضوح الدلالة عليه وبالنقصان ليحترز بالوقوف على ذلك عن الخطأ في مطابقة الكلام لتمام المراد منه» سراج الدين أبو يعقوب يوسف بن محمد السكاكي «مفتاح العلوم» تحقيق نعيم زرزور ص 329.

 إذا تأملنا هاته التعريفات نجدها تنحو نفس المنحى، بل تقصد نفس الشيء، على اعتبار أن البيان هو الوضوح ، أو إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة يكون أحدها أبلغ من الآخر، لدرجة أن هناك من رادف بين البلاغة و البيان. فلأجل الوصول إلى منتهى القصد، يلزم أن نعرب عن هذا القصد أولا، بواسطة تجسيده ؛ و سبل التجسيد و التصوير هي ما تتجلى في مباحث علم البيان، مما يتيح للشاعر أو غيره أن يختار ما يناسب خطابه، من تشبيه أو استعارة أو كناية ... أما الحديث في هذه المباحث يستدعي مقامات أخرى، لذلك ستكون البداية مع التشبيه.
 فما مفهومه؟ و ما أركانه؟ و ما أنواعه ؟ و ما خصوصية كل نوع ؟
 هذا ما سنتعرف عليه في الدروس المقبلة، و التي ستزاوج بين النظري و التطبيقي بإذن الله تعالى.
___________________________________و الله ولي التوفيق

[محمد الصالح الجزائري]

حجزتُ مقعدي المفضل للاستفادة والاستزادة..شكرا لك أختي الأستاذة فاطمة الزهراء على الدرس القيم..

[فاطمة الزهراء بحوص]

أهلا و سهلا بك سيدي محمد الصالح الجزائري، نرجو أن نكون عند حسن الظن

[رشيد الميموني]

يسعدني أن أكون هنا في هذع الواحة الظليلة لأتهل من مائها الزلال .
شكرا فاطمة على هذا الدرس الرائع وأنتظر المزيد .
خالص مودتي

[فاطمة الزهراء بحوص]

أهلا و سهلا بك السيد رشيد الميموني
سعداء بتتبعكم و تفاعلكم... نرجو أن نقدم لكم ما يروقكم ...