الفصل الثامن / صورة واحدة تنسخ الصور
[align=justify]
لم يكن في خاطري أن اكتب اليوم شيئا غير مواد مجلة " صوت فلسطين " حيث عليّ غدا أن أسلم كالعادة مواد الملف الثقافي للمجلة .. تعودت منذ سنوات ربما أن ابقي العمل الذي يتطلب أياما لليوم الأخير ، حتى صارت هذه العادة هي الأساس الذي أنتهجه رغم التعب والإرهاق حيث أنجز عمل الأيام في يوم واحد ..
الزاوية الأسبوعية في جريدة البعث كتبتها ونشرت يوم الثلاثاء بعنوان " تلاميذ غزة " هؤلاء الذين ذهبوا إلى مدارسهم ليعيشوا حالة الركام والدمار والعنف الإسرائيلي الذي صار ماركة مسجلة في هذا العصر الصامت الخجول حتى من الاعتراض ..فما تقوم به إسرائيل يبقى شيئا غير قابل للنقض أو لقول كلمة بحق من يذهبون موتا قبل أن يشربوا قهوة الصباح !!.. مع أن القهوة على ما أظن لم تعد متوفرة في غزة .. !!..
أشعر بالتعب ..هذا ما أشعر به تماما ..واكتب بدافع الكتابة ليس إلا ..ربما كي أكمل نهارا من هذه الأيام التي تمر بحركة لا إرادية أحيانا وما أصعب أن تمر الأيام بصورة لا إرادية أحيانا .. صوت فيروز صمت بعد أن انتهى الوجه الأول من الشريط رغم ذلك لا رغبة عندي لأقلب الشريط على الوجه الثاني فالصمت ربما أجمل أغنية في هذه الحالة التي تشعرني بخدر لا أعرف كنهه أو تعريفه هو خدر وكفى ولا شيء غيره ..
بنت الخال هدى الخطيب تعتب على تصرفات كثيرة تراها بعيدة ربما عن طبيعتي ..أفسر لها وأشرح..المشكلة أن هناك شرخا ما في داخلي لا أستطيع الخلاص منه .. هذا الشرخ يولد الكثير من التصرفات الغريبة عني .. لكنه شرخ موجود لا استطيع الخلاص منه .. قربها الشديد مني يجعلها تستغرب ..قربي الشديد منها يجعلها تتساءل ..ومشكلتي معلقة بين فكي صورة غير مفهومة أو معروفة..اعرف أنه يحق لها أن تعتب وتستغرب ويدهشها هذا الذي في داخلي ..لكن مشكلتي أنني لا أعرف ما هو هذا الشيء وما منبعه !!..
في اليوم الثاني أراني في غير الحالة التي كنت عليها في اليوم السابق ، لا يوجد أي شرخ ، كل شيء عادي طبيعي يسير بشكل رائع جميل .. يرن جرس الهاتف يأتي صوت هدى :
- ما بك لماذا صوتك متعب ؟؟..
- أشعر بأنني سأصاب بزكام ..البارحة مشيت مسافات طويلة في شوارع كندا .. لم يكن الثلج على عادته ربما تغير بعض الشيء ..هناك ماء .. عندما يسيل الماء أستبشر خيرا وأقول البرد أقل من اليوم السابق ..
- عندنا كأن الصيف قد بدأ في دمشق ..
نتحدث عن أشياء كثيرة .. يذهب بنا الحديث هنا وهناك .. لا أدري كم من الوقت تحدثنا .. كان علينا أن نقول الكثير فمنذ أيام لم نتحدث ..صار جزءا من حياتنا أن نقول كل شيء .. يجب أن تعرف كل ما يتعلق بي .. يجب أن اعرف كل ما يتعلق بها ..حتى التفاصيل الصغيرة صارت مهمة في حياتنا.. هل أشعرها بالضيق حين أتدخل في حياتها إلى هذا الحد ؟؟.. فعلا لا أعرف أشعر أنني أتدخل ولا أتراجع عن هذا التدخل الذي يصبح ثقيلا في بعض الأحيان .. رغم بعد المسافات تسمع وتقول نعم .ما معنى كل ذلك ؟؟..
- أين ذهبت اليوم يا هدى ؟؟..
- تمشيت قليلا في شوارع كندا .. جلست في البيت .. قهوة الصباح كانت رائعة ..
- الجو عندكم بارد جدا ..اشعر كأنني أعيش في كندا ..أتدرين البارحة السبت طلبوا مني أن أسافر إلى تركيا لإلقاء بعض القصائد أنا والشاعر صالح هواري .. على أن يكون السفر السبت القادم 14/2/2009 .. رفضت .. لماذا الأجوبة معلقة في خبر كان ..!!
- أنت تترك الفرص تذهب هكذا في كل مرة .. أعانني الله على عقلك ..
- لا ادري يا هدى أشعر أنني مثل ضائع أحيانا ..
- تبرير ..كله تبرير .. مناسبة عظيمة أن تلقي بعض القصائد من أجل غزة ..
- فرصة وذهبت ..
- هذا حرام ..
- أعرف ..لكن ما حدث ..حدث .. ماذا أفعل ..
- غدا سأحاول أن أتحدث ..
اليوم لم أذهب إلى المجلة .. كنت قد سلمت مواد المجلة البارحة .. وجلست اليوم هكذا دون سبب في البيت .. اشعر بحاجة ماسة لكتابة قصيدة .. البارحة كتبت من هذا النفق جزءا ولم أكمله وقفت عند " لكن مشكلتي أنني لا أعرف ما هو هذا الشيء وما منبعه " .. واليوم تابعت كأن شيئا لم ينقطع..بين اليوم والبارحة مسافة لكن هذا ما حدث .. أشعر اليوم بأنني أحب أن اكتب ..هذه مشكلة الكتابة .. صور متنوعة تنزرع في هذا المكان أو ذاك ..
تقول نصيرة تختوخ :" سقطت كل كلمة من قلبك في قعر نصك و في وجدان كل قارئ هيتغوص بحثا عن أحاسيس تلتحم بها..الألم ذاته والضياع و التشرد في الذات أصاب نفوساعربية بل إنسانية كثيرة .
العجز و الشعور به يوقظ الضمير ويجعله يؤرقنا و يعذبنا و يبكينا, أنت تمشي جثة من بين جثث كثيرة تتحرك في شارع عربيوهناك من يذهب لعمله و يعود بخطى مومياء ويرى الناس من حوله آلات تتحرك مبرمجة تعملبجد من أجل أحلام صيفية وتقتنع بكلام المذياع و التلفاز و الجريدة ..وتأبى كسرالقيود و تجاوز البرامج.عميق هو الجرح و قاسية هيالأحدث و مفزعة هي الصور لكنك أتقنت التعبير وأجدت رسم النفق الذي تجولت فيه جثةتأبى أن تموت."...
تقول نبيهة كمون :" في يوم ما نظرت إلى المرآة فمازادتني إلا احتقارا لذاتي ...تركتها هاربة للمجهول الذي رسمه صمتي وعدم مبالاتي بطلبابسط حقوقي وهي كرامتي"....
تقول راضية الزهراء :" لكلماتك النارية وقع خاص على قلوبنا التي ما زالت تنزف ألما على أهل غزة,والتي مازالت أحداثها وصورها المروعة وصراخ نسائها وأطفالها وكل البشر محفورا فيأذهاننا,فأين نذهب بكل هذا؟ ثقيل هو الحمل, وثقيل خزينا وعارنا بين اسطرالتاريخ.فلتصفحي عنا يا غزة"..
يقول رشيد الميموني :" حالة من حالات كل من عايش هذا الظرف الموغل في السواد .. رددت صدى كل الأصوات .. مشيت جثة ، فلم تكن جثتك الوحيدة .. نظرت إلى المرآة فكانت انعكاسا لكل من نظر إلىنفسه وقد تعرت إلى درجة المسخ .. من منا لم يبتكر لنفسه مونولوجا غلب عليه العتابواللوم و التأنيب ؟..هل لا زلنانحس بمرور الزمن ؟ هل نعي أمكنتنا ؟ ربما كنا نعيش في الأزل .. سواء في الماضيالسحيق أو في المستقبل البعيد .. لكننا - وكلماتك تؤكد ذلك - لسنا منتمين لهذاالزمن .. فقد غشينا الظلام فلم نعد نرى شيئا ."....
كل واحد منا يقول إنني سأتوقف عن الكتابة لشعور ما ينتابه ..لكن فجأة يتابع الكتابة وكأن قراره الذي اتخذه لا يعني أي شيء .. تستمر الحياة ..تستمر الكتابة .. يستمر السير نحو الدرب المرسوم .. تدب فينا الحياة مطالبة باستمرار الحياة لأن علينا أن نعمل ..أجمل ما في الفراشة أنها رغم احتراقها تهوى النار .. هل الكتابة نوع من الاحتراق ؟؟..
[/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|