ذكرى ....
كان موعدنا عندما تحبل دالية العنب .. عندما تزهر شجرة المشمش خلف نافذتي ..
عندما تتسلل إلى قلبك رائحة قهوتي في تلك الصباحات الندية من صباحات أيلول ..
تلك الصباحات التي كانت تجمعنا لتفرقنا .. لكنها كانت تجمعنا .. كانت هي موعدنا .. بل كانت هي اللقاء .
لم أكن أخشى صباحات أيلول وما تحمله في طياتها من نذير بالفراق ..
لم تكن تخيفني لحظات الوداع ..
كنت دائما ً معك على موعد جديد .. كنت دائما ً معك في على لقاء .
لم أصدق أن دالية العنب حبلت وطرحت عناقيد العنب التي كنت تحب وتشتهي وتنتظر ..
وشجرة المشمش أزهرت وأثمرت وطرحت كل ثمارها خلف نافذتي ..
والقهوة ما زالت تغلي وتغلي وتغلي ورائحتها لم تصلك .. ما كنت أظن أنك
لن تأتيني في أيلول ..
ما راودتني الظنون يوما ً أنك ستخلف لي موعدا ً.
ها قد أتى أيلول .. أيلول أتى هذا العام وحيدا ً حتى من ذكراك .. يتيما ً من وجودك .. لو كان حضورا ً
للوداع ..
القهوة مرّة .. مرّة .. أمرّ من العلقم في غيابك
وأنا ما زلت أنتظر أن تقول لي :
كل عام وأنت بخير ..
ما زلت أنتظر منك تهنئة العيد ..
الموتى لا يأتون .. لا يقدمون التهاني .. وها هو أيلول يرحل دون أن يجمعنا للوداع .. للفراق ..
فرقنا القدر في أيلول فائت .. كان أخر أيلول يجمعنا .
[center]
اليوم ما جدوى أن أفتش عنك في دفاتر الأيام .. ما جدوى أن أبحث عنك في عناوين أيلول البارزة ..
لا اسم لك بين المهنئين .. لم أجد اسمك بين الحضور .. أسقط سهوا ً ؟ [/center
أم أنك أصبحت نسيا ً منسيا ً للجميع .. هل أقلب الصفحات وأعرض لهم صورتك وأقول : رحل كما يرحل أيلول
لكن بلا عودة .. بلا عودة .
حجم الفراغ الذي خلفه غيابك يكبر في كل يوم .. لا أمل في أن تأتيني وتبدد هذا الفراغ .. لا أمل في مواعدة
دالية العنب وشجرة المشمش وركوة القهوة في صباحات أيلول الندية .
سيأتي مطر لكن بدونك .. سيأتي برق ورعد وشتاء طويل بلا صيف يحمل رائحتك .. سأشرب قهوتي دون ان
أراك تلوح لي داخل الفنجان .. سأمضي الأيام أقلبها صفحة صفحة إلا صفحتك .. قد سقطت مع أوراق أيلول ..
من كان يظن بأنك ورقة خريفية .. من كان يظن أن هذا الشباب الدائم هو ورقة خريفية تسقط
وفي ذكرى مولدي ؟
أيلول لي رجاء .. إذهب إليه أيلول .. حدثه عني .. أخبره يا أيلول أن صورته في بالي كما هي ..حاضرة ..
حيّة .. منتعشة ..
وإنني أنتظر معها دالية العنب وشجرة المشمش والقهوة .. وأنتظر معها أيلول في كل عام ..
أنتظره لنفترق .. على أمل اللقاء .