القط الوالد ( قصة قصيرة- من الأدب الساخر)
د. ناصر شافعي
لي صديق عزيز صيدلي . رجل فاضل , كريم , مرح . زوج مثالي , والد لثلاثة أطفال . كل جوانب حياته إيجابية و مثالية , في محيط العمل و الأسرة و الأصدقاء . ولكن جانب واحد في حياته يحيرني , وأتعجب منه !! .. هو إرتباطه الشديد بعالم القطط وحياتها . أصبح عالم القطط يحتويه ويشكل جانباً أساسياً في حياته و شخصيته واهتمامته . يتحدث عن القطط و حياتها , أكثر من تحدثه عن مشاكلنا و حياتنا , نحن عالم البشر !!. يقسم على معرفته بلغة القطط ونفسياتها , أكثر من معرفته للإنسان !!.
في الثامنة صباحاً من كل يوم جديد , يخرج صاحبنا من منزله مصحوباً بحرس الشرف – التشريفة - التي تكون في إنتظار سيادته و إستقباله . تتكون التشريفة من كوكبة أساسية من القطط الصديقة , تتبعها مجموعة أخرى عجيبة و غريبة من القطط , تحاكي خطواته تماماً .. فإذا أسرع الخطى أسرعت .. وإذا أبطأ أبطأت.. وإذا توقف عن السير توقفت !! . قطط من كل الأنواع و الألوان و الأشكال و الأحجام و الأعمار .. بل ومن الطبقات الإجتماعية المختلفة ! .. القط الارستقراطي المتعالي , ومتوسط الحال الراضي .. القط الفقير المسكين و المشرد الجائع الطامع .. الفتوة القوي الجائر .. و الجبان المتخاذل الخائف !.
مئة من الأمتار تفصل بين بيته و صيدليته . يتوقف لفتح باب الصيدلية المعدني , فيحدث صريراً عالياً يستدعي مجموعة أخرى من القطط الجائعة و المشردة .. الصديقة القريبة , أوالغريبة الضيفة أو المتطفلة .
لا يتجرأ أي قط على الدخول إلى مقر العمل . هذا القرار تحترمه جميع القطط على إختلاف طوائفها و مذاهبها وعقائدها ( حسب إعتقاد صاحبنا ) . ثم يبدأ صاحبنا في وضع الحليب الطازج وفتات الخبز الفينو الصابح , في أطباق بلاستيكية جديدة , ذات الإستخدام لمرة واحدة , أمام الجزء المغلق من الباب (الفترينة ) . تقضي القطط على الحليب خلال دقائق معدودة .. وتنصرف , بعد إلقاء تحية الشكر و الامتنان لصاحبنا الكريم :" نياوووو .. نياوووو " فيرد صاحبنا التحية بمنتهى الجدّية و الوقار و الاحترام و إنكار الذات :
-لا شكر على واجب .. بس خلوا بالكم من نفسكم !
قط جربان مشرد يأتي مسرعاً متأخراً , بعد إنتهاء وليمة الإفطار .. ينظر إلى صاحبنا , ويعتذر عن التأخر : " نياووووو ... " .. يرد صاحبنا عليه في عصبية و إنفعال :" إنت كده دايماً تيجي متأخر ! .. ياأخي نام بدري شوية , علشان تقدر تصحى بدري .. النهارده خلاص .. مفيش فطار" .
ينظر إليه القط في إستعطاف ورجاء , فيحن قلب صاحبنا , ويسرع بتحضير إفطار خاص للقط المسكين الجائع المعتذر .
يتكرر هذا المشهد ثلاث مرات يومياً , التشريفة , والوداع , ووجبات الإفطار والغذاء و العشاء .. التي تأتي تماماً في موعدها .. وتتنوع في مكوناتها .. وتحترم ذلك جميع القطط , وتقدره .
يوماً ما .. يتحدث إلىّ بكل جدية و إهتمام ودهشة , قائلاً : " تصور القطة ..... بنت الإيه .. إمبارح ولدت أربع قطط . اللي محيرني و مجنني , أعرف مين اللي عملها ! .. مين أبو العيال ؟ .. طب كان جه طلب إيدها مني .. وأنا كنت وافقت ! .
في اليوم التالي .. وجدت صاحبنا فرحاً متهللاً مستبشراً .. وقال لي في بهجة و سعادة و إنشراح : " مش عرفت القط الوالد .. بلاك بوي .. القط الأسود الأعور .. طلع هو القط الوالد .. رايح جاي يطمئن على عياله .. ويجيب لهم أكل .. طب أنا رحت فين ؟ " .. إبتسمت . تركته يحّضر العشاء الفاخر من " التونة " للأم الوالدة .. والحليب الطازج للصغار الوليدة ..
حقاً إنه القط الوالد .. نياوووو .
إنتهى .
د. ناصر شافعي . 11 يونية 2009 . القاهرة