[طلعت سقيرق]

[align=justify]الشعر طلعت سقيرق في حوار :
كان شعري كما شعر سواي ابنا شرعيا لهذا العصر ..

حوار : سليمان العبد
*يقول غابرييل ماركيز (( واجب الكاتب أن يكتب جيدا ..ذلك هو التزامه )) ما رأيك؟؟.. وماذا عن أدب الانتفاضة في هذا المسار ؟؟..
**وهل أتى ماركيز بما كنا لا نعرفه .. باعتقادي ذلك شرط الكتابة في كل زمان ومكان أقاله ماركيز أو سواه .. الآن لننتقل إلى الجانب الآخر من السؤال أو صيغته.. أدب الانتفاضة له معيارية خاصة يصعب معها اللجوء إلى التنظير المرتكز على مدارس أو مقولات من خارجه .. هو أدب شعب كتب رسالته بالدم والنار ، وسجل كل حرف بخصوصية لا نقول معها كان على الحرف أن يكون من هذه المدرسة أو تلك .. طبعا هذا رأيي ، وكثيرون كما تعلم رأوا أن أدب الانتفاضة كان أدب حجارة ، بقصد التقليل من القيمة الفنية لهذا الأدب ، وآخرون رأوا أن هذا الأدب لم يكن على مستوى الحدث ، وهكذا .. باعتقادي أدب الانتفاضة لم يدرس بشكل صحيح ، بل كانت كل الدراسات انفعالية سريعة ، وهي الصفة التي يطلقها كثيرون على إبداع الانتفاضة .. علينا أن ندرس أدب الانتفاضة بوعي ودراية وبعدها نطلق الأحكام ..
*هل نتخلى عن أهمية الفن في بعض الأحيان من اجل المحمول أو الموضوع .. ماذا عن الشعر الفلسطيني خاصة ؟؟..
**إذا سقط المعيار الفني وضاع ضاعت القصيدة ، من واجب الشاعر في هذه الحالة أن يعدم قصيدته ، لأنها بشكل ما لا تعبر عن حالة طبيعية .. الشاعر الذي يهتم بقصيدته عليه أن ينتبه إلى مسار القصيدة .لكن هناك حالات لا ينتبه فيها الشاعر إلى ذلك وهنا المصيبة ..
الشعر الفلسطيني كان شعرا متقدما حسب اعتقادي في اختيار الموضوع وفي
المعيار الفني، وفي لبعد الفكري .. لكن مشكلته الكبيرة كانت في الدوران حول موضوع محدد مما شكل نوعا من التكرار في كثير من الأحيان ، لا نستطيع إنكار ذلك .. لكنه بالتأكيد كان الشعر الأبرز في قائمة الشعر العربي .. شعري وبعيدا عن النقد وما قاله النقد ، شعر يطمح لأن يكون في المقدمة .. ربما تحقق ذلك وربما لم يتحقق ، ليس هناك مقولات نهائية حتى بالنسبة لحكمي على شعري .. أعتقد مثلا أنني في القصيدة الصوفية وضعت خطوة تجاوزت الكثيرين ، لكن هذا يبقى رأي شخصي فيه من الأنانية والنرجسية ما فيه ..
*هل يتفوق الشعر على سواه من الأنواع الإبداعية الأخرى ؟؟..
** يبقى الشعر حالة إبداعية خاصة متميزة بكل معنى الكلمة ، طبعا كل إبداع يملك صاحبه حالة متميزة . الشعراء العرب أثبتوا ذلك وأغنوه والأمر لا يحتاج إلى كثير قول ..
* هل يشكل الشعر مرجعا يعبر عن الحالي في قادم الأيام ؟؟..
** باعتقادي كل أثر إنساني صغر أو كبر يكون أو يجب أن يكون مرجعا في الأيام والسنوات الآتية .. طبيعي أن يكون الشعر العربي المرجع الأهم .. لأننا قريبون الآن من الصورة إلى حد كبير لا نستطيع تصور ذلك بشكل صحيح .. فالصورة أمامنا في حالة فوضى وتداخل لأننا نعيشها ، لكن بعد سنوات أو عصور ستصل الصورة بشكل أوضح مسقطة الكثير من الزوائد الدودية .. لن تأخذ العصور القادمة كل شيء لأن هذا مستحيل ، سيكون الانتقاء شيئا ضروريا ولازما .. ولو كان باستطاعتنا النظر إلى الصورة الآن لرأينا بالفعل أنها جيدة ومعبرة عن أشياء جميلة فينا وفي زمننا .
* هل من مهام الشاعر أن يؤرخ ؟؟..
** اختلف الشعر المعاصر عن هذه الحالة لأنه صار أكثر اتساعا في منظوره ونظرته ، كما أنه لم يعد أداة إعلامية وليس مطلوبا منه أن يكون بوجود إعلام واسع نشط ، قد نجد شيئا من هذا في مراحل خاصة مثل الانتفاضة ، الحروب ، الثورات ، وتبقى هذه حالات خاصة في مرحلة خاصة .. أما في العام فقد ترك الشعر لسواه مسؤولية التاريخ أو الوصف التاريخي .. وحسب اعتقادي لا يكون الفن فنا في مثل هذه الحالات التي يتفرغ أو ينحرف فيها للتأريخ ليس إلا !!
* هناك فصل بين الشيء والفكرة ما رأيك ، هل يكون ذلك حاضرا عند الكتابة؟؟
** كل هذا تنظير لا يدور في بال الشاعر عندما يكتب القصيدة .. لا أستطيع أن أضع طلعت سقيرق في حالة انتباه ووعي تامين لأقول له عليك أن تكتب الآن قصيدة فكرة ، وبعد قليل أقول له عليك أن تكتب قصيدة شيئية .. النقد هو الذي يقسم ويفصل ويحدد .. ثم لماذا هذا الفصل بين الشيء والفكرة وكأنهما في دربين منفصلين ، ألست معي في أن هذا القول يعود بنا إلى حالة من التفكير التجزيئي الذي لا يصل إلى نتيجة .. أقول لك وبمنظوري الخاص أن الشيء ملازم للفكرة ، والفكرة ملازمة للشيء ، ولست ممن يحبون الدوران في متاهة الوصف الشيئي المجرد ..
*هل كل ما يكتب من شعر يعبر عن العصر .. وما ذا عنك ؟؟..
** طبعا .. وإلا فأين نعيش ؟؟ الشعر العربي حتى حين نصف بعضهم بالاغتراب فهو معبر عن العصر .. هذا الاغتراب تعبير عن حالة من حالات الراهن .. وسأفترض أن هناك شعرا رومانسيا أدار ظهره لكل الأحداث وأخذ يكتب عن الحب والحلم وما شئت ، فهل أقول إنه شعر لم يعبر عن العصر ؟؟ كل شعر كتب في هذا العصر كان مرآته الصادقة الواضحة شئنا أم أبينا .. لا تصدق هذه الأقوال الكبيرة التي ترى أن الشاعر لم يكن مخلصا لعصره ، أو أنه خان عصره ، وما إلى ذلك .. فحتى هذه الأوصاف تعبير عن العصر .. ولا يمكن أن يقف الشعراء كلهم في طابور واحد معبرين عن موضوع واحد ليكونوا مرآة العصر .. من هذا المنظور كان شعري كما شعر سواي ابنا شرعيا لهذا العصر ..
*ماذا يشكل النقد وأين موقعه في مسيرتك الكتابية ؟؟..
** لي كما تعلم كتب نقدية عديدة .. وحتى لا أقع في مطب التنظير أقول لك ببساطة أنا ناقد انطباعي بكل معنى الكلمة .. انطباعي حتى العظم .. ربما يكون ذلك عيبا عند البعض ، ليكن فهذا أنا ، ربما يكون أمرا جيدا عند البعض الآخر ، أيضا ليكن فهذا أنا .. لا أطمح لأن أكون ناقدا ممذهبا ، ولا أريد أن أكون .. النقد بالنسبة لي تذوق وإحساس وشعور ، وأداة لغوية متفوقة تستطيع أن تقدم إحساسي بصدق ..
*ماذا يقول طلعت سقيرق عن مفهوم الحداثة ؟؟..
** الحداثة .. المعاصرة .. ماذا يعني هذا وذاك ؟؟ ليس هناك اتفاق حول المفهوم العام ، لأن الحداثة هي الراهن في كل آلياته وتفاعلاته .. طبيعي أن يكون الشعر العربي الحديث أو المعاصر ابنا للحداثة والمعاصرة مادمنا نقول ((حديث )) و ((معاصر )) ماذا نريد بالتحديد من الحداثة ؟؟ الشكل أم الموضوع أم الفكرة ؟؟ هل نريد الرمز أم استعمال ما هو معاصر من مفردات ، أم نريد الانفصال عن التاريخ والماضي والتراث ؟؟ لنحدد ماذا نريد من المعاصرة والحداثة وبعدها يمكن أن نحاكم الشعر وغير الشعر .. باعتقادي كل الشعر ابن الحداثة وإن جاء في لبوس القصيدة العمودية ، ولن يكون حد اثويا إذا لبس لبوس قصيدة النثر فقط .. المفهوم مشكلتنا يا صديقي ، مفهومنا لما نطلق من مصطلحات .. لنقل مثلا الحاثة تعني كذا وكذا ، وبعده لنأخذ القصائد ونرى إن كانت ابنة شرعية للحداثة ..
*ماذا تقول عن الشعر التقليدي هل هو شكل أم معنى ؟؟..
** لي الكثير من المقالات واللقاءات التي رأيت فيها أن التقليدي ليس بالضرورة الشعر العمودي ، وأن الشعر الحديث ليس بالضرورة شعر التفعيلة أو النثرية .. التقليدي روح وكيان ومقولة ومؤدى .. هناك قصائد عمودية أكثر حداثة من قصائد تفعيلة أو نثر .. ليس الشكل هو الذي يحدد .. للأسف لم يتم حتى الآن التقاء أو توافق بين أصحاب الأشكال الثلاثة .. كل يعتقد أنه على صواب .. لا أدري ما السبب الذي يجعل هؤلاء الشعراء مصرين على الحرب الضروس حول الشكل واهي النتيجة ؟؟ صدقني لا شيء .. ولن تكون هناك نتيجة مادامت الآراء محنطة عند كل واحد وغير قابلة للتغيير .. ليكتب كل واحد بالشكل الذي يريد ما المانع ؟؟
*ما هي العلاقة بين الإبداع والذات المبدعة ؟؟..
**العلاقة بالتأكيد علاقة تبادل وتداخل حتى العمق .. الذات المبدعة تأخذ من الإبداع، والإبداع يأخذ من الذات المبدعة .. الفصل ، حين نفصل، قسري وغير طبيعي .. لكن حين نتحدث عن الأدب والموقف فالأمر بالتأكيد يختلف .. إذ هناك كثيرون يبيعون أدبهم في سوق النخاسة !!
*الشعر المعاصر هل استفاد من تقنيات العصر ؟؟..
**الشعر الحديث استفاد من كل تطور وأخذ من كل تقانة .. قد أستعمل الحوار والخطاب والمونولوج والمسرح والقص واستعارة الشخصيات ، وما إلى ذلك وقد فعلت .. لذلك قلت لك من قبل لا أومن كثيرا بمقولة أحادية السرد .. من جهتي أرى أن على الشعر أن يستفيد من كل ما هو متوفر في العصر حتى يبقى قادرا على الرفد باستمرار .. في مستوى آخر أفترض منذ البدايات المتلقي المضمر ، والكتابة بشكل ما لي ولهذا المتلقي المضمر .. طبعا أفترض أن تتسع الدائرة بين المتلقي والشاعر وهذا بحاجة إلى ابتكار، لذلك كتبت ديواني المفتوح زمنيا بشكل ولغة مغايرين ، فصارت القصيدة عندي أقدر على الوصول لأنها قصيدة مفردة في بطاقة ، تستطيع أن تصل إلى أي مكان .. هذا جزء من التواصل الحديث القادر على تجاوز المألوف .. وأفكر بالجديد بشكل دائم ..
* ماذا تقول عن الشعر وعلاقته بالزمن بالنسبة لك ..وهل يكون الشعر سعر حالة أم شعر زمن ؟؟..
**الشعر شعر حالة طبعا بالنسبة لي ، إذ لا يجوز التعميم .. ليس هناك مساحة زمنية خاصة . كل زمن هو زمن شعري أو لا شعري .. أنا الذي أكيف الزمن ولا أترك له أن يكيفني ، أو أن يأسرني .. طبعا هذا يختلف عن الداخل أو المكنونات التي في الزمن .. مثلا أن تقول لي الغروب وما شابه ، فهذا زمن وصفي أكثر منه زمن مجرد ..
*ماذا تقرأ الآن ؟؟..
**. الثقافة واسعة باتساع العالم ، ويهمني أن أختار الكثير وأهضم أو أتمثل القليل .. مثلا أهتم الآن بالحاسب وتقنياته .. أهتم بالسيناريو .. أقرأ كل شيء ... وأركز على ما هو أدبي من شعر ورواية وقصة ونقد .. وربما لا أقرأ من الشعر في هذا الزمن إلا القادر على جذبي وأسري بقوة .. فليس عندي وقت أضيعه في قراءة شعر غث متهافت ..
12 شباط 2000 [/align]