نانسي السندريلا ( قصة قصيرة- من الأدب الساخر)
د. ناصر شافعي
بعد مرور عشر سنوات كاملة على الزواج , مرت الزوجة خلالها بتجارب عديدة من الفحوصات و التحاليل و الحمل و الإجهاض .. أجمع الأطباء على إستحالة إكمال الحمل و الولادة لوجود تشوه خلقي في رحم الأم , بعد مرور هذه السنوات الطويلة القاسية .. حملت الأم و أنجبت طفلة آية في الجمال و الروعة .. دليل قاطع على قدرة الله التي تفوق أى قدرة , ومشيئة الله التي تعظم أي مشيئة . وأتفق الوالدان على إختيار إسم الطفلة " نانسي " , الإسم الذي طالما حلمت به الأم لإبنتها .
كان للجدة رأى آخر .. لقد رأت فيها ملامح وجمال و صفات " سندريلا ".. التي لا يستحقها إلا أمير الأحلام .. الفتى الوسيم الراقص .. الذي يأتي بعد دقات الساعة معلنة عن إنتصاف الليل , محملاً بكل ما هو نفيس وعزيز من المجوهرات واللآلئ الثمينة ..
يحملها ويطير بها إلى قصره الرائع البديع , بينما تنظر إليها الفتيات الأخريات في غيرة و حقد و حسد .
ومع مرور السنوات , وتطور و نمو الطفلة , يزداد جمال " نانسي السندريلا " الوجه الجميل الذى أبدع الله في خلق ملامحه .. الشعر الأصفر الذهبي الناعم .. العيون الواسعة الخضراء .. الجسم الممشوق المتجانس .. الصوت الملائكي الحالم ..
وكل يوم يمر , يضيف الله إليها جمالاً على جمال , و تضيف إليها الأم و الجدة , ملامح جمالية جديدة إصطناعية متعمدة , ثياب غالية ثمينة مبهرة , كماليات أنثوية جاذبة للأنظار , بالإضافة إلى شحنة جديدة من الشروط والصفات و الحواجز و العقبات و الخواص التي يجب أن يمتلكها ويتميز بها زوج السندريلا المنتظر .. الأمير الوسيم المرتقب .
" هذا الشاب فقير .. وضعه المادي غير مناسب .. لا يليق أن يكون زوجاً لجميلتنا الساحرة الرائعة . " .. " هذا الرجل كبير السن ..رغم أن الفارق العمري بينهما سنوات قليلة , إلا أنه لا يناسب رقتها ووداعتها . ".. " هذا الشاب أسمر اللون .. كيف يتزوج من العسل الأبيض والشهد الصافي و القشدة الطازجة ؟ " ..هذا سمين .. وهذا أصلع .. طويل جداً .. ثقيل الظل .. بخيل .. غريب الأطوار .. مرح أكثر من اللازم ( يعني خفيف) .. هذا قريب نعرفه و نعرف أمه , والبعد عن القريبة غنيمة !! .. وهذا غريب لا نعرفه أصله من فصله .. جوز بنتك لقريب وماتجوزهاش لغريب ! ".
مرت السنوات سريعة متلاحقة .. وتنوعت أسباب عدم الزواج , بين الرفض و الرفض القاطع .. ماتت الجدة .. وذبل الجمال .. وضاعت الابتسامة.. وظهرت التجاعيد وخطوط السنين جلية على وجهها و بشرتها . وشارفت نانسي على بلوغ الخمسين من عمرها , إختفى لقب السندريلا المصاحب لإسمها .. إختفى تماماً أمل ظهور الأمير المنتظر .. وباتت تقضي أيامها المملة , جالسة تعد الأيام وتنظر في المرآة وتتحسر على الجمال الذي ولى , و العمر الذي ضاع .
جلس أمامها صديق والدها الكهل العجوز المتصابي , الذي تجاوز الثمانين من عمره , في خجل مصطنع و إحترام مفتعل .. خرجت من فمه حروف الكلمات بصعوبة , نتيجة لطقم الأسنان المشروخ .. وقال : نانشي .. تقبلي تتجوزينى ؟ .. أهو آخد بالى من صحتك .. و تاخدي بالك من صحتي .... ونشلي ( نسلي ) بعض .. إيه .. موافقة ؟ .
إنتهى
د. ناصر شافعي
القاهرة . 8 يونية 2009. حقوق النشر محفوظة للمؤلف .