[طلعت سقيرق]

[ALIGN=CENTER][TABLE1="width:95%;background-image:url('http://www.nooreladab.com/vb/mwaextraedit2/backgrounds/10.gif');background-color:teal;border:4px outset green;"][CELL="filter:;"][ALIGN=justify]
طائر أبيض مشرب بحمرة خفيفة حطّ على الشباك . فرد جناحيه ، توهمت أنه سيطير ، لكنه آثر البقاء ومدّ لحنا ساحرا ..حدقت فيه طويلا ، أخذت الأشياء تتراقص ..أصبح العالم حولي كأنه في حالة اهتزاز ..وقتها ربما أخذت أدخل في خبايا حلم .. أو ما يشبه الحلم ..أقول ربما !!..
( كأنك تريد أن تروي حلمك ؟؟..)..
يصعب أن أحدد المسافة الفاصلة بين الأشياء .. ربما كنت أنظر من زاوية لا يعرفها أحد سواي ..!!..
( كأنك لا تريد أن تقول أي شيء ؟؟..)..
عندما أفكر بما كان ..يعتريني الذهول .. وفي فوضى انشغالي بكل ما مر ، يمتصني حقل الذكريات فأكاد أبكي .. أقول : الرجال لا يبكون .. أتساءل : هل كانت قريبة من القلب والروح إلى هذا الحد ؟؟..يبقى الجواب معلقا في بحر شوق يسرقني مني .. أحيانا يقول مطر الفصول إنها شرشت في عمري ومدت أغصانها وفروعها وثمرها حتى الروح ..لكن لا أحد كان يريد لهذا الحب أن يستمر .. كل واحد يرمي حجرا فتتسع الدوائر وتكبر ثم تغيب ..
( كأنك تنزف ..مع انك تحب أن تشعل الفرح دائما ))..
هل كان حبا أكبر من هذا الزمن ؟؟.. هل كانت حياتنا بما حملت من جمال فوق احتمال هذا الزمان ؟؟.. ربما كنت أكتبها في شعري فترقص القصيدة ..أذكر أنني كتبت لها قصيدة((طائر الليلك المستحيل)) فرقصت عندما سمعتها .. من أين أبدأ في رواية ما أريد .. أحيانا تصبح الفصول أطول من كل الصفحات ..
وحدها الشجرة المائلة أمام المقعد الحجري في حديقة تشرين كانت تحاول أن تسكب أصابعها في الغبش الساقط بين أوراق المسافة المطفأة .. كانت ترمي غطاء الرأس بعيدا وتضحك ..تمد ضحكتها مثل شلال في غاية الصفاء ، تضغط بكل جمالها الأخاذ على ما انفرد من أصابع عمري .. أمد شفتي وأرتشف من كأس كل أنملة خمرة تسكرني حتى الذهول .. نتداخل فوق المقعد الحجري كأننا نسقط في تويج وردة سحرية .. أحيانا تأخذنا البقية من ذهول الوجد فنذوب انطفاء فوق وسادة خضراء بحجم الروح .. وحين ترتوي الظلال وتنهض البلابل مكسوة بكل ما في الدنيا من حسن نأخذ في الانسحاب إلى فوضى الغبش الناعم الحنون .. وننهض حين تطرق عقارب الوقت ندهة النهوض ..
نترك مكاننا السحر ونمشي في الطريق الذاهب بشكل متعرج بين الأشجار نحو باب الحديقة المطل على ساحة الأمويين .. ترتبك الخطوات بين الحين والحين..النظرات من هنا وهناك تسرقنا أو تطرق مسامات جسدينا المتلاصقين بتساؤل..تضحك وتضع رأسها على كتفي .. أدندن أغنية ولحن عشق لا ينام .. أسرق قبلة حين تغطي الأشجار كل المسافات .. تهرب شفتاي بما علق من رحيق وخمر ونداء طري مثل الصباح من جسدها الضاغط على كل خلية من خلاياي ..
حين يصبح باب الحديقة وراءنا ويبرز الشارع بما يحمل من أضواء وضجيج وتداخلات ترتعش المسافة .. ترفع رأسها وتبتعد قليلا .. تصير الخطوات أكثر اتزانا .. أضحك وأهمس " هل هو الخوف ؟؟.." تقول " لا أنكر .. ولا أستطيع أن أنكر ".. مازال الشباك أمامي .. ابتسامتها تملأ الدنيا .. أحرك يدي وشفتي ورفيف القلب .. تبقى صورتها بشكل ما إلى جانبي .. أشم رائحة عطرها في كل سحبة خيط من خيوط قميصي .. تدغدغ أنفاسها الحارة وجهي ..أشعر أنني أسير دون اتزان على الأرض .. أتمنى في فوضى الحلم أن أمد يدا تعيد السيارة التي أقلتها .. أضحك من فكرتي .. أتساءل : أما شبعت من طول المسافات التي مشيناها معا ؟؟.. أما ارتويت من كل هذه الينابيع التي حطت في حقول عمري وهي إلى جانبي ؟؟..
أربع سنوات مرت .. أربع سنوات مليئة بكل الملامح والذاكرة والذكريات .. أربع سنوات وهي إلى جانبي .. في كل يوم ساعات .. في كل ساعة دقائق لا أحلى منها ولا أجمل .. كلماتنا تنقر شباك الوقت دون توقف بمنقار من ذهب ..جسدان يلتقيان خلسة في لهاث الدقائق والثواني .. كثيرا ما كنت أظن أننا صرنا اثنين في واحد ..حفظتْ تفاصيل عمري وملامح وجهي .. وحفظت تفاصيل وجهها وعمرها .. في مكتب المجلة نلتقي .. في الشارع نلتقي .. في الحارات وبين فواصل الوقت .. في زوايا النسيان .. في الحدائق ، في الدروب المطلة على كل الأرصفة، نلتقي ولا نمل اللقاء ..
تجلس على جانبي .. يتلاصق الكرسيان .. تراقب حروفي وأنا أكتب .. تحفظ شكل الفواصل وتعرف كيف تصير الكلمات فراشات تنمو على الورق وتطير..تكاد ترى كيف يتدفق الحبر من قلمي .. تحفظ رائحة كل جملة وتعبير وصورة .. بعدها تأخذ في القراءة والكتابة .. وحين تصير حروفها حبرا على الورق ، تقفز ملامح وجهي ولا تستطيع أن تخرجني من رائحة كلماتها .. كأنها أنا .. لا أحد يريد أن يصدق أنها التي تكتب .. تقع في حيرة وغربة .. تسير في شارع من ألم .. تلمع الدموع في عينين حزينتين ... أشعر لأول مرة أنني سرقت منها كل هدوء أيامها الماضية ..لماذا كان عليها أن تعرفني ؟؟.. حتى الكتابة صارت حصارا .. تنظر إلي بخوف ورجاء .. ماذا أستطيع أن أفعل ؟؟.. الأمكنة تضيق لتصل حد الاختناق .. كانت تظن أنني قادر على القيام بالمستحيل .. لكنني أمام كل هذه الحرائق لهثت !!.. الكل اتفقوا على إعلان الحرب .. وجدوا الفرصة وما أضاعوها .. ورأوا أن حقهم أن يمدوا السكاكين ليغرسوها في اللحم الطري بتلذذ غريب !!..
( هل كان على الدروب أن تنتهي هنا ؟؟..)..
اختلطت الأشياء .. العيون ما عادت تستطيع أن ترى بصفاء .. كل شيء ملاحق.. كل حركة محسوبة .. أحيانا يصبح الناس والأصدقاء الذين تعرفهم أشد المعرفة ، غرباء .. ببساطة هم لا يريدون أن تكون سعيدا..!!..
( الناس هم الناس في كل زمان .. أنت تنقل مشاعرك وأحاسيسك لا غير )..
لا أدري .. كنت أتمنى أن أجد أي إنسان إلى جانبي .. كلهم طعنوني حين أدرت ظهري .. كل الذين أعطيتهم عمري طعنوني .. ما أجبنهم حين أكون أمامهم .. كل واحد منهم كان يقول لي إن الآخر قال عني وعنها أشياء كثيرة ... وكان علي أن أصمت ، أن أهز رأسي .. كان يحزنني أن يتراكم كل هذا الشوك في الطريق.. كان لا بد من وضع نهاية ما .. من أجلها .. أدركت أن الحصار صار أكبر منها ..
( وكان عليكما أن تفترقا )؟؟..
أحيانا نقبض على الجمر حتى لا تحترق أصابع من نحب .. كان علي أن أفعل .. وكان عليها أن تفعل .. رجل وبنت وحكاية لا تريد أن تكتمل .. الحديقة .. الخطوات .. الشجر .. الكلمات المكتوبة على مقعد حجري .. لا أدري كيف كان شكل ذلك اليوم .. تحدثنا عن الأمسيات الأدبية الكثيرة التي حضرناها معا .. عن الكتب التي قرأناها .. عن الدروب التي مشيناها .. عن سنوات أربع .. عن تفاصيل صغيرة وكبيرة مرت .. شارع الغوطة .. المنتزهات .. الأصدقاء .. الرسائل التي طيرناها إلى البعيد .. عاداتها التي تغيرت وتبدلت .. كلماتها .. كأننا كنا دون أن ندري نسرد تاريخ أربع سنوات من عمرنا .. وافترقنا ..حتى الآن لا أستطيع أن أروي التفاصيل .. افترقنا .. الكلمة وحدها تكفي لتقول كل شيء ..
( هل مر زمن طويل ..هل ما زلت تشعر بالحنين .. هل ؟؟..)..
طائر أبيض مشرب بحمرة خفيفة حط على حافة الشباك .. عدة أشهر مرت ..ربما لطولها كانت سنوات .. فرد جناحيه فتوهمت أنه سيطير .. أردت قبل أن نفترق أن أقول لها أشياء كثيرة .. مد لحنا ساحرا .. لا يمكن أن ينسى الواحد منا أربع سنوات بساعاتها ودقائقها .. حدقت بالطائر طويلا .. حدقت بها طويلا .. كانت تبتعد بخطوات باكية كابية على الرصيف الطويل .. خطوات شعرت معها أنها الخطوات الأخيرة في لقاء أخير .. بعدها لن نلتقي .. وإذا التقينا فسنكون كغريبين لا يعرف أحدهما الآخر .. لا أنكر حبها ... لماذا كان عليهم أن يطلقوا الرصاص على أيامنا ؟؟.. كان حبها جنونا أدمنته .. كانت تبتعد .. وكان الهواء يبتعد .. أصبح العالم حولي في حالة اهتزاز .. شعرت أن الأشياء لم تعد كما كانت.. وقتها ربما أخذت أدخل في خبايا حلم ، أو ما يشبه الحلم .. كل هذا حدث في يوم امتد على مدار أربع سنوات .. أربع سنوات في يوم .. أراد الطائر الأبيض المشرب بحمرة خفيفة أن يأخذ قطرة ماء .. كان مسكونا بالظمأ .. مد منقاره .. فأخذت عيناي تسكبان شيئا من ماء القلب والروح والعمر والشريان ..
[/ALIGN][/CELL][/TABLE1][/ALIGN]

[نصيرة تختوخ]

جميل وبديع ماقرأت هنا أستاذ طلعت سرد مبلل بالشعر و الحنين والرومانسية وأشياء أخرى
كتبت فأبدعت
تقديري لك

[طلعت سقيرق]

الغالية .أ. نصيرة
تحياتي وسلامي
قصة تعود إلى زمن ما ... هي من مجموعتي " امرأة تسرج صهوة الروح "الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب .. أكثر قصص هذه المجموعة مشتعلة بشيء من التذكر والذكرى .. هالة هذه زميلة صحفية توفيت بالسكتة القلبية رحمها الله ...
اشكر لك حروفك ,
سلمت يا غالية
طلعت

[نصيرة تختوخ]

رحم الله الفقيدة, ربما هي فكرة أستاذ طلعت أن تضيف تحت نصوصك اسم المجموعة أو الكتاب المقتطفة منه إن كانت موجودة فأنا تشوقت الآن مثلا لقراءة نصوص أخرى من نفس السلسلة امرأة تسرج صهوة الروح لأن لقصة حكاية بنت اسمها هالة نكهة جد خاصة.
تحيتي

[طلعت سقيرق]

الغالية .أ. نصيرة
تحياتي
لي 36 كتابا مطبوعا ياغالية ... ومسألة ذكر كتبي التي وردت فيها هذه المادة أو تلك صعب .. إضافة إلى أن هناك الكثير من المواد في المنتديات ليست في كتب .. ولا تنسي حقوق النشر للكتب أيتها الغالية .. هناك دور نشر كثيرة تمنع ان ننشر الكتب أو ما فيها حفاظا على حقوقها ..
أشكرك ..
سلمت
طلعت

[ناجية عامر]

أستاذي الفاضل طلعت، مساء الخير

ما أروعك و ما أروع ما قرأت لك هنا سيدي

أحسستنا بواقعية القصة بأسلوب سلس و سرد ممتع

رحم الله الفقيدة الأستاذة هالة و أسكنها فسيح جنانه

تحيتي