سلّة من الليمون، ربما عشرة حبات أو يزيد، وضعتها فوق الرفّ وتأملتها، سألت نفسي في اللحظة التالية: لماذا كلّ هذا الليمون؟
ربّما لأنّه يذكرني بقريتي البعيدة، قد يكون لهذا الترف الأخضر المصفرّ ذكرى بعيدة مرتبطة بطفولتي أو بالمراحل الأولى لعنفوان شبابي. لا أدري حقيقة، ولكني أعرف بأنني أجد نفسي بائسًا حين تقع عيناي على كوم من الليمون المعروض للبيع في أحد المحلات التجارية. كيف يمكن أن يباع الليمون بهذه البساطة؟! أنا حتى لا أجرؤ على ذبحه من الوريد حتى الوريد! لا أسارع بعصر بطانته وتشويه منظره الأخضر المصفرّ لإرضاء غواية العطش.
الليمون يملك جاذبية غريبة على حضوري ويومياتي، وحين أكون حزينًا أفضّل أن يبقى بعيدًا عن متناول موسي الحادّ!
جميع البيوت التي سكنتها قبل أن تطرق الحضارة يومي ونهاري وأمسياتي كانت مزيّنة بشجيرات الليمون الأنيقة الرشيقة. تفرض طقوسها بأغصانها المائلة أبدًا نحو الجرح المالح، نحو سدرة المنتهى، نحو قلبي المتفجر محبّة للطيور المهاجرة، للنورس لطائر اللقلق للهدهد. قرر بعض الكتّاب المصريين تسميتي بالهدهد ولم أمانع، لم أسأل حتى عن السبب. فلأكن هدهدًا أحمل الأخبار لسليمان في أحلامي، لكن الليمون ذبل قبل أن تظهري أنت على حين فجأة كالقبلة.
أخبرتكِ بأنّ لديّ ثلاث حبّات خضراء مصفرّة من الليمون، وأنتِ سألتني في اليوم الثاني كم بقي من ليموناتي الثلاثة؟ أجبتك بأنها ما زالت ثلاث حبّات خضراء مصفرّة تنتظر من يهتمّ بها، فإمّا الذبح أو العصر ولكنّ ليس أنا من يقوم بذلك! احتفظت بالسلّة ووضعت ليموناتي في إناءٍ فاخر وتركتها تؤنس وحدتي.
حدث هذا في مدينة متمرّدة، خلعت هدوءها وأعلنت نفسها عاصمة قارة أوروبا العجوز ثم ابتلعتني على حين غفلة مدّة عام كامل.
بروكسل هي المدينة الوحيدة التي هربت من ذاكرة قلمي حتى اللحظة. ربّما لأنّني كنت ألملم ذاتي وأستعيد عطب ذاكرتي في أرجائها. لهذا لم أذكرها كثيرًا في بوحي، إلا أنّ حبّات الليمون الثلاث كانت في بيت صغير هناك، بيت خالٍ حتى من ستائرَ بيضاء أو وردية تخفي إدماني على الكتابة والنوم بعد ظهر كلّ يوم، خوفًا من كابوس النعاس قبل الثانية من صباح اليوم التالي.
أخبرتك بأنّني أخشى على ليموناتي الثلاث، ربّما هناك سلّة من الليمون في البقالة ترجو اقتناءها. قلتِ: أعصرها، ضع بعض السكّر واشربها وتذكّرني ولا تنسَ صوتي الدافئ عبر الأثير حين تصمت المدينة وتغفو أوروبا لوهلة من الزمن!
مضى وقت طويل ولم أقتنِ ليمونًا .. مضى وقت طويل دون أن يشقّ سكّيني الحادّ طريقه في متاهات حبيبات الليمون. ربّما لأنّي أقرأ التاريخ معكوسًا، وربّما لأن التاريخ هو من يقرأني دون أن يترك نقاطًا أو علامات تعجّب، لكنّه دائمًا يترك العديد من الأسئلة وأنا ماضٍ للإجابة على أكبر عددٍ ممكن منها.
الأثير شاسع رحب ..
وأنا أعرف بأنّك هناك
الأثير مفتوح لشهقاتٍ واعترافات أخرى ..
وأنا أعرف بأنّك هناك
اليوم سأقتني بعض الليمون
لونه الأخضر المصفرّ يراوح قوس قزح، يتقاسم وإيّاه ذاكرتي وكلاهما يعرف .. يعرف بأنّك هناك. [/align][/cell][/table1][/align]
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
جميل أيها المبدع الراقي " خيري حمدان " أن تتمازجا ذاكرة الليمون والجسد حتى التماهي .. لتشكل المستقبل .. جميل هاجسك المفتوح على الليمون و الملح والنوارس والبحر .. ماهذا الجرح المالح الذي يسكنكك أيها المبدع الأخضر .. أجرح الغربة والذكرى يمخران قلبك النازف أيها الغريب .. أم هو جرح الحب الذي لن يندمل إلا على فتح عقارب ذلك الزمن البريء .. جميل مقطعك الأخير وأنت تسائل التاريخ بين علامات الإستفهام والتعجب .. جميل جوابك الذي يبد أ من " الأثير شاسع رحب ..إلى يعرف بأنك هناك " .. بوح شاعر رقيق يمخر عباب العودة المأمولة ولكنني أراها أشبه بالمستحيل .. جميلة فلذتك الرائعة " ليموناتي الثلاث" .. وهي تنفتح على المعذب في المطلق .. هكذا يكون الإبداع الصادق سيدي متجاوزا الراهن بكل علاته وإحالاته .. من أروع ما قرأت لك .. جميل سحرك أيها السيد النبيل
تحياتي
مهندس يكتب القصة ، الرواية ، الخاطرة ،والأدب الساخر
رد: ليموناتي الثلاث
اقتباس
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خيري حمدان
[align=center][table1="width:95%;background-image:url('http://www.nooreladab.com/vb/mwaextraedit4/backgrounds/14.gif');background-color:darkblue;border:5px double black;"][cell="filter:;"][align=center]
الإهداء: لها
سلّة من الليمون، ربما عشرة حبات أو يزيد، وضعتها فوق الرفّ وتأملتها، سألت نفسي في اللحظة التالية: لماذا كلّ هذا الليمون؟
ربّما لأنّه يذكرني بقريتي البعيدة، قد يكون لهذا الترف الأخضر المصفرّ ذكرى بعيدة مرتبطة بطفولتي أو بالمراحل الأولى لعنفوان شبابي. لا أدري حقيقة، ولكني أعرف بأنني أجد نفسي بائسًا حين تقع عيناي على كوم من الليمون المعروض للبيع في أحد المحلات التجارية. كيف يمكن أن يباع الليمون بهذه البساطة؟! أنا حتى لا أجرؤ على ذبحه من الوريد حتى الوريد! لا أسارع بعصر بطانته وتشويه منظره الأخضر المصفرّ لإرضاء غواية العطش.
الليمون يملك جاذبية غريبة على حضوري ويومياتي، وحين أكون حزينًا أفضّل أن يبقى بعيدًا عن متناول موسي الحادّ!
جميع البيوت التي سكنتها قبل أن تطرق الحضارة يومي ونهاري وأمسياتي كانت مزيّنة بشجيرات الليمون الأنيقة الرشيقة. تفرض طقوسها بأغصانها المائلة أبدًا نحو الجرح المالح، نحو سدرة المنتهى، نحو قلبي المتفجر محبّة للطيور المهاجرة، للنورس لطائر اللقلق للهدهد. قرر بعض الكتّاب المصريين تسميتي بالهدهد ولم أمانع، لم أسأل حتى عن السبب. فلأكن هدهدًا أحمل الأخبار لسليمان في أحلامي، لكن الليمون ذبل قبل أن تظهري أنت على حين فجأة كالقبلة.
أخبرتكِ بأنّ لديّ ثلاث حبّات خضراء مصفرّة من الليمون، وأنتِ سألتني في اليوم الثاني كم بقي من ليموناتي الثلاثة؟ أجبتك بأنها ما زالت ثلاث حبّات خضراء مصفرّة تنتظر من يهتمّ بها، فإمّا الذبح أو العصر ولكنّ ليس أنا من يقوم بذلك! احتفظت بالسلّة ووضعت ليموناتي في إناءٍ فاخر وتركتها تؤنس وحدتي.
حدث هذا في مدينة متمرّدة، خلعت هدوءها وأعلنت نفسها عاصمة قارة أوروبا العجوز ثم ابتلعتني على حين غفلة مدّة عام كامل.
بروكسل هي المدينة الوحيدة التي هربت من ذاكرة قلمي حتى اللحظة. ربّما لأنّني كنت ألملم ذاتي وأستعيد عطب ذاكرتي في أرجائها. لهذا لم أذكرها كثيرًا في بوحي، إلا أنّ حبّات الليمون الثلاث كانت في بيت صغير هناك، بيت خالٍ حتى من ستائرَ بيضاء أو وردية تخفي إدماني على الكتابة والنوم بعد ظهر كلّ يوم، خوفًا من كابوس النعاس قبل الثانية من صباح اليوم التالي.
أخبرتك بأنّني أخشى على ليموناتي الثلاث، ربّما هناك سلّة من الليمون في البقالة ترجو اقتناءها. قلتِ: أعصرها، ضع بعض السكّر واشربها وتذكّرني ولا تنسَ صوتي الدافئ عبر الأثير حين تصمت المدينة وتغفو أوروبا لوهلة من الزمن!
مضى وقت طويل ولم أقتنِ ليمونًا .. مضى وقت طويل دون أن يشقّ سكّيني الحادّ طريقه في متاهات حبيبات الليمون. ربّما لأنّي أقرأ التاريخ معكوسًا، وربّما لأن التاريخ هو من يقرأني دون أن يترك نقاطًا أو علامات تعجّب، لكنّه دائمًا يترك العديد من الأسئلة وأنا ماضٍ للإجابة على أكبر عددٍ ممكن منها.
الأثير شاسع رحب ..
وأنا أعرف بأنّك هناك
الأثير مفتوح لشهقاتٍ واعترافات أخرى ..
وأنا أعرف بأنّك هناك
اليوم سأقتني بعض الليمون
لونه الأخضر المصفرّ يراوح قوس قزح، يتقاسم وإيّاه ذاكرتي وكلاهما يعرف .. يعرف بأنّك هناك. [/align][/cell][/table1][/align]
[align=justify]أخي الأديب الرائع خيري ..
هنا انطلاقة جد رائعة لصورة أدبية لقلم متمرس في مجال البوح .. و كأنني أقرأ بداية لرواية عنوتها بليموناتي الثلاثة .. أجد أن هناك فضاء متبقي من المساحات الحافلة بالأحداث ما زالت مندسة .. أشعر و كأنك توقفت في البداية .. هو رأي من صديق مر من هنا .
صديقي الأديب الرائع قرأت لك الكثير لكن هذه المرة أجد أنك أبدعت بكل مقاييس الحروف المحترفة .[/align]
كالعادة إستمتعت بنص له شذى وروح .
أيام الترحال و الغربة تترك بصماتها على النفس و المبدع من يتأمل ويستوقفه مالا ينتبه له غيره فيرى فيه أشياء و أشياء.
لك تحيتي و تقديري
أديب وقاص وروائي يكتب القصة القصيرة والمقالة، يهتم بالأدب العالمي والترجمة- عضو هيئة الرابطة العالمية لأدباء نور الأدب وعضو لجنة التحكيم
رد: ليموناتي الثلاث
اقتباس
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عادل سلطاني
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
جميل أيها المبدع الراقي " خيري حمدان " أن تتمازجا ذاكرة الليمون والجسد حتى التماهي .. لتشكل المستقبل .. جميل هاجسك المفتوح على الليمون و الملح والنوارس والبحر .. ماهذا الجرح المالح الذي يسكنكك أيها المبدع الأخضر .. أجرح الغربة والذكرى يمخران قلبك النازف أيها الغريب .. أم هو جرح الحب الذي لن يندمل إلا على فتح عقارب ذلك الزمن البريء .. جميل مقطعك الأخير وأنت تسائل التاريخ بين علامات الإستفهام والتعجب .. جميل جوابك الذي يبد أ من " الأثير شاسع رحب ..إلى يعرف بأنك هناك " .. بوح شاعر رقيق يمخر عباب العودة المأمولة ولكنني أراها أشبه بالمستحيل .. جميلة فلذتك الرائعة " ليموناتي الثلاث" .. وهي تنفتح على المعذب في المطلق .. هكذا يكون الإبداع الصادق سيدي متجاوزا الراهن بكل علاته وإحالاته .. من أروع ما قرأت لك .. جميل سحرك أيها السيد النبيل
تحياتي
الأديب الجميل المبدع عادل سلطاني
إنه كل ما ذكرت. الجرح الشرقي والتماهي مع الليمون ووجه امرأة في طريق العودة الذي لا ينتهي.
جاء تعليقك وإضافتك وبوحك مكملة لما تاه قلمي عن كتابته.
أشكرك لأنك أنت المتمرد وحامل القلم كالمبضع يبحث عن المشاعر ليطلق لها العنان بعبور خفيف الظل حميم.
مودتي
أديب وقاص وروائي يكتب القصة القصيرة والمقالة، يهتم بالأدب العالمي والترجمة- عضو هيئة الرابطة العالمية لأدباء نور الأدب وعضو لجنة التحكيم
رد: ليموناتي الثلاث
الأديب العزيز جمال سبع
ربما كان هناك إمكانية للمضي في الكتابة ولكني أعتقد بأن هذا النص متكامل أو على الأقل أنا غير قادر على المضي في تحريض المشاعر أكثر من ذلك، خاصة وأن لهذه الليموانت حكاية تطول
أشكرك لحضورك وكل عام وأنت بألف خير
أديب وقاص وروائي يكتب القصة القصيرة والمقالة، يهتم بالأدب العالمي والترجمة- عضو هيئة الرابطة العالمية لأدباء نور الأدب وعضو لجنة التحكيم
رد: ليموناتي الثلاث
اقتباس
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نصيرة تختوخ
كالعادة إستمتعت بنص له شذى وروح .
أيام الترحال و الغربة تترك بصماتها على النفس و المبدع من يتأمل ويستوقفه مالا ينتبه له غيره فيرى فيه أشياء و أشياء.
لك تحيتي و تقديري
الأديبة نصيرة تختوت
تقرأين ما بين الأسطر لتجدين الغربة والترحال عملاقين يطلا برأسيهما من بين العواصم والشوارع والحافلات
أشكرك لحضورك الجميل
وكل عام وأنت بألف خير