رد: دعوة إلى فنجان قهوة....
بتاريخ 20/8/2016، أي قبل أربعة أيام، وجَّهتُ للسيدات والسادة أعضاء (نور الأدب) الكرام دعوةً لِلِقاءٍ نَتَسَلَّى فيه بإدارة ما يُشبه حديثاً نقدياً حول بعض ما ننشره من أعمالنا وإبداعاتنا في موقع نور الأدب..
ولإسباغ شيءٍ من الواقعية على هذه الدعوة التي ستتمُّ في عالم افتراضي، اخترتُ لها عنواناً مألوفاً في حياتنا اليومية هو (دعوة إلى فنجان قهوة)... ولمزيد من الواقعية، اخترتُ لِلِّقاء ركناً هادئاً على طرف موقعنا هو منتدى (فنجان قهوة ومساحة من البوح) الذي تعرفون.. ثم لا أدري كيف شَرَدَتْ بي أحلامي وخيالاتي إلى درجة إيهامي باحتمال تَطوُّر هذا الركن إلى مقهى صغير مستقبلاً، نلتقي في دفءِ ودِّه أصدقاءَ وأخوةً تجمع بينهم محبة صادقة ومواهب فياضة يرغبون بعرض إبداعاتهم لبعضهم قبل عرضها لأيِّ آخر خارج دائرتهم الحميمة.. ولأُجَنِّبَ جميعَهم الإحراج، قلتُ أبدأُ بنفسي، فاخترتُ قصةً قديمةً لي لتكون محورَ أول دردشة "نقدية" تجري بيني وبينهم..
وبعدَ كلِّ هذه التحضيرات، جمعتُ أوراقي تحت إبطي، كما يفعل كلُّ السذج أمثالي، وسمحتُ لشوقي إلى من أحببتُهم أن يُنبِتَ لخطواتي اللَهِفَة إلى لقائهم أجنحةً من فرحٍ طفلٍ تطيرُ بي مُسرعَةً إلى الاجتماع بهم في ذلك الركن الذي وَدِدْتُ موافقتهم على تسميته (مقهى أصدقاء النور)..
بالطبع، كنتُ أولَ الواصلين إلى مكان الدعوة، لأنَّني الداعي، وحسب الأصول، ينبغي أن أكون في استقبال مَن دعوتُهم.. اخترتُ طاولةً صغيرة مُواجِهَةً لباب المقهى، ثم طلبتُ فنجان قهوة رشفتُه على مَهلٍ مُفكراً بما سأقول وأفعل، حين يكتمل الحضور.. ثُمَّ لمَّا طالَ مُكثي ولم يأتِ أحد، طلبتُ فنجاناً آخر، ثم ثالثاً ورابعاً و.... وعاشراً..، لكن أحداً لم يأتِ..
ومع أنَّ اليوم الأول انقضى انتظاراً بلا طائل، أصررتُ على مواصلة الانتظار، مُنقاداً لطبعٍ فيَّ سيِّء يُسمَّى العناد.. إلا أنَّ عنادي ما لبث أن بدأ يضعُف شيئاً فشيئاً مع تَقدُّم الوقت، وفعلتْ الشيخوخة فيَّ فعلُها، فبدا على ملامحي التعب والإرهاق إلى حدٍّ دعا عمال المقهى إلى رجائي أن أُغادر إلى البيت لأرتاح، ثم أعودَ صباحَ اليوم التالي.. فَأَبَيْتُ قائلاً: وماذا لو أتى أحدُ المدعوين في غيابي؟ لاشكَّ أنه سينزعج وربما سيغضب إِذْ لم يجدني.. فطمأنوني بأنَّهم سيخبرون كلَّ مَن يحضر في غيبتي بطويل انتظاري وتعبي وأكيدِ عودتي..
مع فجر اليوم التالي، عدتُ إلى المقهى أشتعلُ أملاً وتشوُّفاً للقاء مَنْ دعَوت، فلَمَّا أضحى النهار ولم يأتِ أحد، داخَلَني بعضُ يأسٍ وانقباضٌ كادا يَستَفِزَّانَنِي من مكاني ويَغلِبا صبري فأرحل، لولا أن بَدَّدَتْهُما إطلالةُ واحدةٍ من ألطف أعضاء الموقع هي الآنسة (فاطمة البشر).. فاستبشرتُ بمقدمِها خيراً، وأمِلُتُ أن أبدأ الدردشة معها ريثما يحضر آخرون، فإذا بها تُخبرني أنَّ مرورها عابرٌ، لكنها ستعود.. فحزنتُ، ثم ما لبث أن مازَجَ حزني شيءٌ من غضب غَذَّاهُ انتظارُ ليلةٍ طويلة وتعبُها، فكان ناتجُ هذا المزيج السيِّءِ سوءَ فهمٍ لمقصدِ كلمةٍ قالتْها لي ممازحة، فردَدْتُ عليها بعتاب فظٍّ أرجو أن تَتَقَبَّلَ اعتذاري الشديد عنه وأسفي، ولا أظنُّها إلا عاذرةً خصوصاً وأنني أرى فيها ابنتي وموهبةً رائعة تفيض لطفاً وإنساً ومودة..
بعد مغادرة الآنسة فاطمة، ببضع ساعات، كاد أخي (محمد الصالح) أن يُثير بي مرورُه العابر نفس الحالة من الغضب أيضاً، لولا أن بادر إلى تبديد غضبي بنكتة المشرط التي سأحكيها يوماً لمن يحضرون إلى هذا المقهى..
وبعده بساعات قلائل، عَرَّجَت الأستاذة (عزَّة عامر) على مكان الدعوة، لا لتبقى بل لتُسَجِّلَ حضورها فقط وترفعَ عن نفسها العَتَبَ بأنَّها لَبَّت الدعوة.. فقبلتُ عذرها، وابتسمت لمزحتها الخفيفة التي ألقتها وهي تمضي مغادِرَة..
في اليوم التالي، كان أولُ الواصلين الأستاذة (عروبة شنكان)، ففرحتُ بأنني سأُجالسُ أديبةً مبدعة أُحبُّ ما تكتب، لكن فرحتي سرعان ما خَبَتْ حين أخبرتني الست عروبة أنها جاءت ملبيةً الدعوةَ فقط، أي مثل عزَّة، ومعتذرة عن البقاء طويلاً بعدم إتقانها النقد..!
ثم حضرت د. رجاء بنحيدا ترفل لطفاً كعادتها.. فأَلْقَتْ التحية، ثم انصرفت وهي تَهْمِسُ في أذني بعبارة تنتمي إلى أسلوب المدح بما يُشبه الذم أنَّ اختياري لقصة (خبر كاذب) لم يكن موفقاً لأنها مُحْكَمَةُ النسج، وبالتالي لا تصلح لبدء دردشة نقدية.. قالت ذلك وانصرفت على عجل، فتَكَدَّرتُ لذهابها..
ويبدو أن أخي محمد الصالح، بحسه المرهف وقلبه النقي، استشعر في عدم رَدِّي على كلِّ من مروا بي، وهو منهم، ما أَقْلَقَه، فكرَّر زيارتي حاملاً معه، هذه المرة، تحليلاً طويلاً وجميلاً لقصتي (خبر كاذب).. تحليل سأُعَلِّق عليه لاحقاً، مُكتفياً هنا بتوجيه الشكر الجزيل له على كتابته، ليس بسبب ما جاء فيه من كلمات إيجابية بحقي، بل تقديراً لتلك المحبة الآسرة التي شعرتُ بها تفيض من العبارات التي نَسجَ منها هذا التحليل لقصتي..
ولمَّا لم يصدر عني أيُّ ردّ على تحليله ومداخلة الدكتورة رجاء، أعادا كلاهما خطابي بأسلوب آخر، جَمَعَ بين الأُنس والمحبة اللذين حَفَّا بهما تعليقاتهما اللطيفة على القصة..
وهنا، قد يسأل سائل: أما كان يكفيك حضور هؤلاء السيدات والسادة جميعاً لتردّ؟ أَوَلَمْ يكن من المحتمل، لو ردَدْتَ على من حضروا، أن يَتَشَجَّعَ آخرون فيحضروا ويُشاركوا؟
وأقول مجيباً: بلى.. وأنا من يقع عليه الذنب، لا غير، فقد أبطأتُ في التفاعل مع من حضروا، حين لم أردّ عليهم؛ وأسأتُ، عن غير قصد، إلى مَن لا زلتُ ألتمس معذرتَها.. ولكن كان لكلِّ هذا الذي حصل ما يُبرِّرُه.. وتكفي الإشارة شرحاً هنا إن قلتُ إن ما حصل أثناء انتظاري لم يكن في حسباني أبداً حين طرحتُ فكرة هذا المقهى النقدي، ولا حين وَجَّهْتُ الدعوة لحضور افتتاح جلسته الأولى التي ذَكَّرَني عددُ الحضور القليل فيها، بضآلة جمهور الأمسيات الشعرية والقصصية في دمشق، قبل الأزمة الحالية..، فقد كان يقتصر عددهم على الشاعر ومدير النادي الذي تُقام فيه الأمسية وبعض العاملين فيه، بالإضافة إلى بعض من وافقَ من أهله وأصدقائه على الحضور، حتى لا يبدو الشاعر المسكينُ مجنوناً يُكلم نفسه..
وأخيراً،
فنظراً لأنَّ مبررَ غيابي خلال الأيام الأربعة الماضية مثيرٌ وغريبٌ، ولأنَّ التعبَ أدركَ شيخوختي وأجبرَها على التماس إذنكم لترتاح، فسأُؤجل الحديث عن هذا المبرِّر إلى الغد، إن شاء الله..
هل أطلتُ الثرثرة؟ أظنّ، وأعتذر..
|