ما أسعدني بوجود الزجالة الرائعة والأديبة الفاضلة فتيحة في هذا المتصفح... إما بخصوص النهايات المِؤلمة فهو ترجمة لواقع الحال ليس إلا وسوف أحاول نزولا عند رغبتكم أن تكون في بعض حكايات شهرزاد نهايات سعيدة...
....لكن في الحقيقة لو كنا نعلم كثيرا من النهايات لتجنبنا البدايات ولقد تذكرت محمود درويش رحمه الله حين قال عن نهايات منيف :
على طرف نقيض من صحراء إبراهيم الكوني الملجأ والذريعة في آن، عن رؤية واعية للوضع العربي بأكمله تضع موضع التساؤل كافة إشكالياتنا الراهنة المؤسسة على ثنائية قال بها الطهطاوي في مطلع النهضة، لترسم إمكانية مخرج إيجابي ينبثق من "روح المكان"
ولك كامل الود والتقدير والإحترام أيتها الصديقة العزيزة الغالية
بعد أن أنهى مهمته خارج المدينة ، عائدا إلى المركز على الخط السريع الرابط بين المدينتين، فوجئ بفتاة على قارعة الطريق تشير إليه بالتوقف، لم يكن يتوقع أن تتواجد قاصر في هذه الساعة المتأخرة من الليل في هذه الأرض الخلاء - سيح - يبعد عن المدينة مئآت الكلومترات، أوقف السيارة واقترب منها، لاحظ بقعا من الدماء الغزيرة على ردائها الأبيض الشفاف، كانت تبلغ من العمر حوالي 12 سنة، لم تكن تتألم أو تشكو من شيء، سألها عن سبب تواجدها في هذا المكان، لم تنبس بأدنى كلمة، فتح لها الباب وصعدت إلى المقاعد الخلفية، ثم أمن الباب أوتوماتيكيا كي لا يفتح عنوة، فواصل طريقه باتجاه المقر، سألها أثناء الطريق عدة أسئلة، لكنها لم ترد على أي سؤال،
وأعاد السؤال مرة ثانية:
_ ماسمك؟
قالت:
ريم ....ريم ..... ريم
كان صوتا حادا وقويا، رفع عيناه إلى المرآة ليراها، فلم ير من خلالها أحدا بالخلف، حاول التوقف ..أحس كأنه فقد التحكم في السيطرة على المركبة ،فركنها جانب الطريق بصعوبة، لم يصدق أن الفتاة قد اختفت، أصابته الدهشة وكأنه كابوس أو خيال، لكن حين وصوله لم يخبر أحدا بموضوع لن يصدقه فيه عاقل، بل سوف يثير تساؤلات حوله، ويمكن أن يسبب له مشاكل وقلاقل...
رغم محاولته النسيان إلا أن صورة الصبية ظلت راسخة في مخيلته ، وليس من السهوله بما كان أن يتناسى رداءها الشفاف الأبيض المثخن بالدماء، ولايمكن أن يبرح من خاطره ذالك الصوت الحاد، كموجة كهربائية عارمة اخترقت نبض كيانه ، أجبرته أن يسأل نفسه مآت المرات :
من هي ريم ياترى؟
لذلك التزم مكتبه أمام الحاسوب، وشرع يبحث في بلاغات التغيب، وإذا به يعثر على ضالته مدرجة ضمن قائمة المطلوبين، وصورتها الحقيقية مثبتة على صدر بلاغ بتهمة الفرار من المنزل قبل شهر، إلا أن نتيجة البحث والتحري خلصت ردا على المشروحات ،أنه قد تعذر إحضار المذكورة بحيث لاتتوفر معلومات عن مكان تواجدها ..
لم يكن بالصعوبة بالنسبة إليه أن يبدأ مما أنتهى إليه زملاؤه، حيث أنه توصل أن الفتاة كانت تمتلك هاتفا خلويا، وبعد اطلاعه على كشف المكالمات الواردة تبين أن آخر اتصال كان من رقم يعود لأبيها الذي هو المبلغ باختفائها، حينها تيقن أن الموضوع يجب التحقيق في ملابساته من جديد، فاستدعى والدة المتغيبة.
وفتح المحضر في ساعته وتاريخه، تحت إشراف النقيب .../
والرقيب مباحث.../
وبحضور الرائد... عن الشرطة النسائية
إسمك وسنك وهويتك؟
.....
أتعرفين هذه الصورة؟
انخرطت في البكاء والنحيب ثم قالت :
بنيتي .. بنيتي
لكنها لم تقل أين هي؟ أو هل وجدتموها؟ طالما هذا هو السؤال الطبيعي بخصوص فتاة متغيبة لذلك تم سؤالها بطريقة مغايرة واستفزازية:
إننا نعلم كل شيء عن الفتاة من الأفضل أن تقولي الحقيقة قبل أن تتهمي بالإدلاء بمعلومات كاذبة وتضليل العدالة:
حسبي الله عليه ... حسبي الله عليه
من تقصدين ؟
.. أبوها هو السبب وأنا ماني عارفة شو أسوي ...ثم أجهشت ببكاء مرير يستحيل معه مواصلة التحقيق.
ولهذه الأسباب صدر الأمر بضبط وإحضار المعني بالأمر لسماع إفادته.
لما أحضر إلى المكتب ،يفاجئ بصورة له وقد تبثت عمدا على الحائط كان يحمل فيها ابنته ريم بين ذراعيه وهي سعيدة بدميتها العروس، وكان حينها في غاية السعادة والفرح... لم يتمالك الرجل نفسه حتى انهار باكيا متحسرا قائلا دون أن يسأله أحد:
ليتني مافعلت ... ياربي ياربي
فانهار على الأريكة نادما على ما أقدم عليه من فعل فظيع يندى له الجبين، حيث أفاد:
أنه تلقى رسالة من مجهول يخبره فيها أن صورة ابنته متداولة على شبكة التواصل الإجتماعي وهي في أوضاع مخلة.. وقد تضمنت الرسالة الرابط لتلك المواقع، لما اطلع عليها استشاط غضبا ،واقتاد ابنته قسرا في سيارته إلى تلك الأرض الخلاء ، حيث قام بتصفيتها رغم استنجادها بأمها، رغم صراخها المتكرر أنها بريئة، لم يصغ لنداء قلبه أو حرقة فؤاده بل صم أذنيه عن أي استجداء، ونفذ جريمته معتقدا أنه رد اعتبار لشرفه ، ثم قام بفتح بلاغ تغيب ليضلل به العدالة عما اقترفه ضد فلذة كبده.
وكانت المفاجأة بالنسبة له ،أنه قد تم التعرف على صاحب الرسالة المزعومة وإحضاره..
كان حدثا يبلغ من العمر 15 سنه ،إنه ابن جاره بالجنب، الذي أقر بأنه هو من قام بفبركة تلك الصور ونشرها نكاية بالفتاة، كونها رفضت الخضوع لرغباته ونزواته..
بعد جلب جثمان المجني عليها بدلالة المتهم،وإحالته للطب الشرعي وقد تم توقيف المذكوران حسب مقررات النيابة صدر حكم القضاء بحقهما يفيد:
بالسجن 20سنة نافذة بالنسبة للأب، وتبرأة الحدث مما نسب إليه من تهم، كونه أنكر ماجاء في أقواله بالضابطة القضائية ،وليس هناك دليل مادي ملموس تطمئن له هيئة القضاء لإدانته ..
ولهذه الأسباب تم الأمر بالإفراج عنه إن لم يكن مطلوبا على ذمة قضية أخرى..
بعد فترة لا تزيد على ثلاثة أشهر تم الإبلاغ عن اختفاء الحدث لجهة غير معلومة
و مازال البحث والتحري جاريا بشأنه.
رن هاتفه الخلوي صادحا:
ليه يابوي تدلع وتبخل بقربك
ليه يا بوي تتمنع على ذي يحبك
كيف الاقي اليوم تضحك تضحك من بكاه
وانت لي كنت له دايم دايم سلاه
غادر مكتبه مرددا في الممر رنة الهاتف دون أن يرد على المتصل
لذكرى حياة امرأة، تلك الصديقة الجميلة، صديقة بيتر وجون وإفيت، مذ كانت الغوريلا كرة الشحم، تضع العقد الماسي تحت المظلة من قطعة الخيط ...
ذكرى صديق المهمشين والفقراء، ذاك الذي رسم بقلمه المجنون وحرفه البديع الآسر وجع المعاناة ,,,
أخبرني خلي أنه ....
كان واقفا أمام باب العناية المركزة، حين دخلا لسماع إفادة المجني عليها حول ما تعرضت له من إيذاء جسدي بليغ، حسب البلاغ الوارد من أحوال المستشفى، والتقرير الطبي الذي يفيد أن المعنية في حالة حرجة، والمتوقع أن تعود إلى حالة فقدان الوعي من جديد..
وبسؤالها عن الواقعة:
رفضت المريضة الإدلاء بأية معلومات أو الإجابة عن أي سؤال، سوى كلمة واحدة كررتها عدة مرات
إبني ,,,, إبني ,,, إبني
ثم غابت عن الوعي من جديد، ظل واقفا بجوارها، لم يبرح مكانه، إلى أن أعلن الطبيب حالة الوفاة بسبب نزيف داخلي، تعذر على إثره إنقاذها رغم كل المجهودات التي بذلها أطباء مختصين...
لأجل ذلك صدرت أوامر صارمة بضبط الجاني وإحضاره..
وبمناسبة جلبه إلى المركز، فتح المحضر في ساعته وتاريخه، تحت إشراف الرائد.../ والمحقق.../
إسمك وسنك وهويتك؟
.....
ماعلاقتك بالمجني عليها..../
زوجتي
ماذا وقع بينكما؟
رفض الإجابة مكتفيا بالقول:
زوجتي والشرع يأمرني بتأديبها
أين وقع ذلك؟
في المنزل؟
رغم عدم إفصاحه عن الأسباب،إلا أنه أقر موقعا على اعترفاته بالتهم المنسوبة إليه...
كان حاضرا أثناء التحقيق، يستمع إلىه.. تستحضر ذاكرته حجم المعاناة التي عاشها في تلك اللحظة العصيبة... لن ينسى أبدا حين خرج يطلب المساعدة من الجيران لنقل والدته إلى المستشفى ... لن يبرح قط من ذاكرته استجداءه له بأن يكف عن إيذاءها ...لن ينسى ألبته محاولته الإمساك بيديه الصغيرتين يد الجلاد الغليظة عله يكف عن رطم رأسها والحائط,,,لم ولن ينسى الجرح البليغ الذي أحدتثه هذه الواقعة في خاطره ...
كان حاضرا حين مثول الجاني أمام القضاء، شاهدا على الحكم الصادر بشأنه مدى الحياة .. رافقه أثناء ترحيله مخفورا مقيدا بالأصفاد والأغلال إلى زنزانته ... كان متواجدا في كل التفاصيل ,, كان يرافقه في كل مكان يتم نقله إليه، يجلس قبالته، يتأمل ملامح وجهه المتجعد الصلب، يتفحص شعوره البارد المتجمد كالصخر الأصم ، ضمير غائب لم ينتبه أي إحساس بالأسى والندم....
حينها عاد إلى مكانه، في نزل لرعاية الأيتام،عندما كان الصبي منشغلا في رسم صورة لأمه والمنزل الكبير المفعم بالدفئ والأمان، صورة للحب الأبدي الراسخ بشتى الألوان، يكتب على الجدار قصة سرب من العصافير العابرة في السماء الزرقاء، إلى ضفتي الحياة والأحلام والجمال...
إلى أمل العودة أيها الطيف الصغير المتنقل بين سطور الألم والأمل....
شبت مشاجرة عنيفة في أحد المراقص بين ثلاث مواطنين وآخر أجنبي، فتم جلب الأطراف إلى المركز
وزج بهم في التوقيف لحين صحوتهم من أثر السكر الشديد، ثم يسألون عن نبإ أفعالهم...
في اليوم التالي استيقظ الثلاث باكرا، ورابعهم مازال باسطا رجليه بالوصيد، ومن شدة حنقهم وغضبهم عليه، أجمعوا أن يوقعوه في براثن الخديعة والمكر..
لذلك أيقظوه ليتناول معهم وجبة الفطور، معتذرين له عما بذر منهم بالرغم من الكدمات والرضوض البادية على وجوههم، تصالحو وتوادوا وتنازلوا له طواعية عما لحق بهم من ضرر بسببه,,, فاطمأن الرجل لهم وبدا عليه الأسى والندم..
وهم في غمرة المحبة والسرور، أوهموه أن الشرطة تشدد العقاب على غير المسلمين، والحل للخروج من هذه الورطة، أن يدعي أثناء التحقيق أنه مسلم، وقد أعلن إسلامه في بلده ونطق بالشهادتين بين يدي الإمام والجماعة، في وقت سابق، واختير له إسم عبد الرب... ..
بعد السماع لإفادتهم، دون في المحضر بأن الرجل مسلم حسب ادعائه، ووجه لهم الإتهام بتعاطي المشروبات الكحولية والمشاجرة، وأحيلوا إلى القضاء حيث تلقوا خبرا بالنطق بالحكم : " بثلاثة أشهر حبسا نافذة وثمانون جلدة حدا" ...
خلال ثلاثة أيام رحلوا إلى المنشأة العقابية ليلتحقوا بحشد عظيم من الناس أوتي بهم من كل فج عميق لنقس الغرض، حيث نصبت في الوسط خشبة جرداء يثبت عليها المؤمن العاصي ليقضي به الجلاد ماهو قاض، بالحد أو التعزير، فكان صاحبنا عبد الرب هو أول من نودي عليه، وبسبب ردة فعله، وامتناعه التسديح على بطنه، جيء به عنوة وأحكم وثاقه على اللوح .. وأول قطرة غيث تلقاها على ظهره، أشعل المكان صراخا وزعيقا :
_ أيام نوت عبد الرب,,,,_
_أيام ...كريستيان جو....ف اك يو,,,
_ نو نو نو نو ....أووووو,,, واو
لم يكمل الرجل الثمانين جلدة حتى ساءت حالته جدا، ومن الصدف أنه في نفس اليوم جاء أحد زملائه لزيارته بعد أن علم بمكان توقيفه ، فحكى له ما جرى بالتفصيل، واستطاع هذا الأخير في غفلة من الحراس والمراقبة، التقاط صور بواسطة هاتفه النقال تظهر تلك الجروح البليغة والسجحات الخضراء والزرقاء التي تغطي ظهر الرجل وأردافه بالكامل..
وكانت المفاجأة أن عبد الرب لم يصرح أثناء التحقيق معه، بأنه يعمل جندي في القوات البحرية الأجنبية الراسية على رصيف الميناء، مما أثارته تلك الصور من زوبعة كبيرة، حيث تم الإفراج عنه فورا، وإقالة كل من ضبط ..وحقق.. ورفع ونسخ ...وحكم أو له علاقة بالبلاغ رقم...
وتزامن ذلك وبرقية مستعجلة من جهات عليا ، بمنع وحظر عقوبة الجلد نهائيا ,,, قبل أن يتحرك الأسطول الرابط في الميناء باتجاه المياه الدولية في عرض البحر...
مرت سنة على الموضوع، بينما كان الثلاث الندامى جالسين يقرعون الدنان ... فتح أحدهم التلفاز وإذا بهم يفاجئوا بنشرة الأخبار تبث تسجيلا مصورا لعبد الرب في أحد البؤر المتوثرة وهو يجز رقبة أحد المرتدين، ويتوعد الكافرين بلسان إنجليزي فصيح، مهددا منددا مختتما وعده ووعيده بقوله :......وإنا لغالبون,,,
"... ومن يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا...."
وضع خلي سماعتي الهاتف في أذنيه قبل أن أسأله، مشيرا بيديه كعادته :
بعدين ’ بعدين’ لحين مستعجل ياخلي متجها صوب سيارته مدندنا في الممر,,
يقرا عليا المطوع.....
أحضرت إحدى الدوريات إلى المركز، شخصان كانا يتنازعا على حقيبة جلدية متوسطة الحجم بجانب الخط السريع ،المحاذي لبعض المناطق الزراعية.
وكل منهما يدعي أنها له..
وبما أن الموضوع لايحتاج لفتح محضر رسمي، كونه مجرد سوء تفاهم بين طرفين ،وضعت الحقيبة على المكتب لحل الاشكال لمن لديه دليل يتبث به ما يدعي,,,,
لكن ما كان يثير الانتباه،أن الحقيبة من النوع الفاخر، متبثة على ظهرها باللصق، حزمة صغيرة من الدولارات الجديدة، من فئة المائة دولار تبدو متسلسلة الأرقام ، ومقفلة بقفل ذهبي صغير.. والمفارقة أن لا الحقيبة ولا المبلغ المتبث، يتناسب وإمكانيات هذان المزارعين,,
فالأول كان يدعي أن الحقيبة تعود لصديقه الذي غادر البلاد في إجازة، وأوصاه الاحتفاظ بها وأخذ المفتاح معه، بينما الآخر يقول أنها تحوي بعض الملابس والعطور وأشياء أخرى لايتذكرها، إلا أنه أضاع المفتاح، وأضاف أنه تركها بجانب الحاجز الحديدي، واندس خلف الشجرة المحاذية ليقضي حاجته، وفوجئ بغريمه يستولي علىها..
كان المحقق يعلم تماما أن الرجلان قد أفرطا في الكذب، ومازالا يصران عليه، وبما أن القانون يمنع إجراء أي تفتيش إلا بحضور المالك الحقيقي كان لابد من استشارة وكيل النيابة المناوب للقيام بهذا الأمر..
لما فتحت الحقيبة .. لم يكن فيها شيء ذو أهمية، سوى أنها كانت مملوءة بنجارة الخشب الناعمة قد أحيطت برأس آدمي جز من الوريد إلى الوريد، مقتلع العينين مخروم الأذنين مبتور اللسان.. يضع إطار نظارات شمسية دون زجاج...
وضعه على الطاولة ليرى لمن تعود الحقيبة..
سقط الأول مغشيا عليه، والثاني بدا مشدوها مذهولا من هول ما يرى، يلطم وجهه قائلا:
- والله والله أنا حمار..
- مو هذا ربيعك المسافر
- والله والله ما عرفوش ذانا ..أنا عبيط والله
بينما الآخر حين صحا من صدمته قال:
أرباب أنا نفر كزاب أنا يريد فلوس بس
أنا ما في معلوم هاذي شنطة
أوقف المذكوران واتخذت الإجراءات اللازمة حول الموضوع .. بعد فترة وجيزة أتى الرد يفيد: أن الرأس تعرض للجز من أعلى الرقبة بواسطة آلة حادة، وقد تعذر التعرف على هوية المجني عليه ...وتم التحفظ عليه في ثلاجة الطب الشرعي ،القسم الخاص بالجثث المجهولة لغاية انتهاء التحقيق..
وبعد إحالة الأوراق إلى النيابة أتت مقرراتها كالتالي:
1- تطلب تحريات الشرطة حول الواقعة.
2- الأمر بالإفراج عن المذكوران بكفالة، كونهما عابرا سبيل عثرا على الحقيبة موضوع البلاغ أثناء عبورهما الطريق.
3- ضبط وإحضار الجناة...
وجد الفريق المكلف بالموضوع نفسه في موقف لايحسد عليه، وليس هناك أي شيء في الحقيبة يقود إلى فك طلاسم اللغز، سوى قطعة ورق قد وجدت في حلق الضحية، كتب عليها بلغة لاتينية قديمة،عبارة تفيد التهديد :" الرأس التالي سوف يكون أنت ياابن,,,,"
مما أثار عدة تساؤلات:
من كتب الرسالة؟ وموجهة ضد من ؟ ومن يكون الرأس القادم؟ ولماذا ؟ وأين؟ ومتى ؟
بمعنى أن هناك جريمة أخرى سوف ترتكب بنفس الطريقة,,, لكن المعظلة التي أثارت جدلا كبيرا داخل القسم، أن الجاني كان يدرك حتما بأن الشرطة سوف تعثر على الحقيبة ، مما يدل على أن الرسالة موجهة إليهم بشكل مباشر، مما استدعى نوعا آخر من التحقيق، لتتفجر عدة مفاجآت لم تكن لتخطر على البال....
على البال هكذا رن هاتفه النقال صادحا.
واتجه صوب سيارته مدندنا في الممر بين المكاتب في حين تلقيت رسالة منه تفيد :
تردد أول الأمر... أمسك رأسه بكلتا يديه ... نظر إلى الأفق عله يرى أحدا يستمع إليه ... تأمل الفضاء الواسع .. رغم الصفاء والزرقة في الآفاق , كل شيء يبدو قاتما، يدور كالرحى ينهار في عقله ومخيلته ... وقف على الحافة في أعلى البرج , مقدما على إنهاء مسار زمن طالما كان فيه سعيدا، انتهى بالكآبة وخيبة الأمل...
تروى لحظات يودع فيها النور ليلحق بالظلام، عل الليل يسعفه قليلا ليخلد للنوم طويلا.. ربما يضع حدا لشخص غريب يلاحق مشاعره وأحاسيسه، يسكن فكره وكيانه يتوق الانفصام عنه، كم يمقته ويكرهه.. لم يكن هو في يوم من الأيام...
اندفع إلى الأمام من ذاك الارتفاع الشاهق ، ليرتطم بقوة على سرير الضغط الهوائي التابع للوقاية المدنية الذي كان له بالمرصاد...
ليجد نفسه مقيدا على السرير في المستشفى بعدما استفاق من غفوته..
قبل أن يسأله أحد عن سبب ما أقدم عليه، انتابته هستيريا شديدة، تدخل على إثرها الطاقم الطبي، وغادرالجميع، قبل أن يعرفوا منه سبب إقدامه على الشروع في الانتحار,,
وبعد إحالة الأوراق التحقيقية إلى النيابة جاءت مقرراتها كالآتي:
-تطلب تحريات الشرطة حول الواقعة
-يوقف المذكور 15 يوما ويجدد في حينه
-إحضار المتهم إلى حرم النيابة إن سمح الخبير الطبي بذلك
و بناء على هذه التعليمات، وبالتدقيق في أنظمة المعلومات الجنائية، تبين أن المذكور ليس من ذوي السوابق، كما يشير سجله المدني بأنه رب أسرة تتألف من زوجة وطفلين، ميسور الحال، ليست لديه أية مشاكل مع جيرانه أو أسرته أو في عمله، حسب المعلومات المتوفرة من محيط سكنه حيث يقطن ويعيش..
خلال بضعة أيام على الواقعة، لوحظ أنه لم يأت أحد لزيارته سواء في المستشفى أو المركز للسؤال عنه ومكان تواجده من طرف أسرته أو عائلته, مما أثار عدة شكوك، وبما أنه في حالة غير مستقرة لا تسمح بالاستماع إليه، لأجل ذلك صدر الأمر بالدخول إلى منزله لمعرفة ما يجري,,
كانت آثار الدماء في كل مكان، فوضى عارمة في كل ركن وحجرة..
وقد تم العثور على مقبرة جماعية في الحديقة تضم الزوجة والطفلين والحماة والخادمة،
لتتزامن المعاينة مع بلاغ وارد من المستشفى يفيد أن المتهم وجد منتحرا في غرفته .
خرج من إحدى الحانات وهو في حالة مفرطة تحت تأثير الكحول ..
امتطى سيارته الهامر وانطلق بها مسرعا إلى حال سبيله، وبعد تجاوزه الطرق الفرعية، داس بكل قوة على البنزين، خصوصا أن في هذا الوقت المتأخر من الليل يكون الطريق السيار شبه فارغ من حركة السير ,, مد يده للمقصورة الخلفية ليسحب الكأس، وإذا بالمقود ينحرف قليلا لترتطم المركبة بالحاجز الحديدي، فانعرجت عن مسارها في الاتجاه المعاكس، واصطدمت بسيارة أخرى كانت تسير مسرعة في أقصى اليسار باتجاه مركز المدينة ,,
كان حادثا مروعا.. تضررت على إثره السيارة المقابلة بشكل كبير، ولم يخرج من داخل حطامها أحد، في حين مركبته أصابها طعج بسيط في الجانب الأيمن من الجهة الأمامية .. حرك العادم إلى الخلف، والتف عبر منفذ عوارض الحاجز المحطم، محولا مسار مركبته اتجاه المخرج الفرعي, فارا من مكان الحادث عبر طريق آخر..
حين وصوله إلى مسكنه، ركن سيارته بالمرآب، اتجه إلى الداخل وهو يحتسي ماتبقى من ثمالة القنينة، إلى أن ارتمى على السرير.
... في صباح اليوم التالي دخلت الشرطة لتوقظه بموجب أمر ضبط وإحضار، بتهمة الفرار من مكان الحادث..
حينها تيقن بعدما استفاق، أن الموضوع سوف يستغرق وقتا طويلا، راجيا أن يسمحوا له بوداع زوجته، وأن لايضعوا القيد في يديه أمام ابنه الذي يبلغ من العمر أربع سنوات، إلا أنهم أجابوه أنه لا أحد في المنزل غيره، وتلك القنينة الصفراء التي بجانب وسادة نومه..
لما أحضر إلى المكتب للإستماع إليه، كان الجميع ينظرون إليه، لايعرفون كيف يبدأون، أو ماذا سيقولون.. فبادر ضابط التحقيق قائلا له :
_ السيارة التي اصطدمت بها البارحة، كانت تنقل زوجتك وابنك إلى المستشفى، رفقة جيرانك وقد لقي الجميع حتفه..
رحمهم الله جميعا
وفتح المحضر في ساعته وتاريخه /,,,,,,
كان وقع الخبر كالزلزال في كيانه، إلا أنه بدا جامدا لم يتفوه بأدنى كلمة..
وبعد أن أحيل خلال ساعات قليلة إلى النيابة العامة، كان طاقم من المحامين بانتظاره، معظمهم يعمل لدى شركاته الضخمة والمتعددة عبر العالم، في حقائبهم مبالغ نقدية هائلة قصد الإفراج عنه بكفالة لحين موعد المحاكمة، لكنه طلب من الجميع المغادرة وعدم التدخل في الموضوع نهائيا، ليتقرر أخيرا الأمر بترحيله إلى المنشأة العقابية على ذمة القضية.
خلال تلك الشهور القليلة التي مكث فيها بالسجن المركزي، كل النزلاء الذين صادفهم هناك، والمحتجزين بسبب مستحقات مالية، قضى ما عليهم للدائنين، ليفرج عنهم في حينه، أما الذين أوقفوا بسبب جنح متنوعة، حركت قضاياهم بأمر منه من طرف محاميه، وأتى أمر القضاء لغالبيتهم الإكتفاء بمدة العقوبة وإخلاء سبيلهم، أما الذين كانوا في انتظار حكم الإعدام والمٍؤبد، تم دفع مبالغ مالية ضخمة كديات مرضية لدى طالبي الحق، وأسقطت عنهم العقوبة ليفرج عنهم دون قيد أو شرط، ولم يبقى معه في المنشأة سوى عدد قليل من المعتقلين لا يستطيع فعل شيء إزاءهم، بسب قضاياهم الأمنية المعقدة، لكن وساطته لهم لدى المعنيين وضمانته الجادة بإدماجهم في سوق العمل لدى شركاته، كان كافيا ليأتي الرد إيجابا، شرط توقيعهم إنذارا أخيرا بموجبه نالوا حريتهم وغادروا .. حتى حراس المنشأة لم يبخل عليهم في حل مشاكلهم المالية، لتتبدل سلوكياتهم بين عشية وضحاها بقدرة قادر من زبانية العذاب إلى ملائكة الرحمة..
حين جاء الأمر بإخلاء سبيله، لم يتردد أن يهب كل ما تبقى من ثروته الضخمة لوالدي زوجته وأبناء جاره، ثم غادر عن طريق المطار الدولي صوب المسجد الحرام ليعتكف قرب مقام سيد المرسلين...
خلال أيام معدودة، وردت برقية إلى المركز، مرفوقة بكتاب، يفيد وفاة المذكور حيث أنه وجد في الحرم الشريف قد فارق الحياة وهو في حالة سجود لإبلاغ ذويه أو من يهمه الأمر...
_ولك أن تتخيل ياخلي الجموع الغفيرة التي استقبلت جثمانه في المطار..
أخربرني خلي أنه ....
اشتكى سكان أحد الأحياء من رجل يستغل ملحق سكن أحد المساجد في أعمال الدجل والشعوذة، متضايقين من كثرة المرتادين إلى المكان الذي اتخذ وكرا لمعالجة المجانين والمعتوهين والباحثين عن السعادة ,,,,
إلا أنه ولجلب المذكور إلى المركز، كان لابد من التنسيق مع النيابة العامة للتأكد من صحة الادعاء، والتصريح بإجراء اللازم حول الموضوع.. فتم تكليف كل من الزوجين الملازم السيدة/... والرقيب أول السيد.../اللذان يعملان في نفس القسم، وقد انتدبا لتنفيذ المهمة رغم مايثيرانه من مناكفات ونزاعات بينهما غالبا ماتكون الغلبة فيها للزوجة بحكم رتبتها العسكرية، كما أنهما شابان نشيطان يحظيان بحب واحترام كبير، لطبعهما الاجتماعي الذي يضفى على القسم روابط الأسرة الواحدة، والإيخاء بين الجميع ...
وبعد أن تم التنسيق مع الوسيط، وحدد لهما موعدا قصد العلاج، كانت التعليمات تنص على أن تتم المداهمة والتفتيش حين استلام الرجل للمبلغ النقدي المتفق عليه....
لكن لسوء الطالع،أن هذا الأخير امتنع عن استلام أي مبلغ إلا بعد إخضاع السيدة للعلاج من الصرع ونوبة الهذيان التي تعتريها،لذلك نادى الرجل زوجته ومساعدته وأدخلا المريضة الغرفة الخاصة بالعلاج، وشرعوا في تلاوة التعازيم واشتعل المكان أدخنة وبخورا، لكن ما لم يكن في الحسبان أن يشدوا وثاق السيدة وتشبعانها المرأتان ضربا مبرحا، بدعوى طرد الجن والأبالسة من جسدها النحيف ...
وبالرغم من استجداءها به، إلا أنه أبى التدخل ملتزما بالتعليمات حتى لاتتعرض العملية برمتها للفشل...
وبعد أن أنهوا العلاج، استلم الرجل المبلغ النقدي ودسه في جيبه، مِؤكدا للزوج شفاء زوجته من الهوس والهذيان، حينها اقتحمت الشرطة المكان واقتيد المتهمون إلى المركز، وحرزت المضبوطات وكل ما تم العثور عليه مخالفا للقانون، وأرسل بعضها إلى المختبر، وكانت عبارة عن أعشاب وعظام وجلود ومخالب لزواحف وحيوانات مختلفة ...
وبمناسبة جلب المتهم إلى المكتب فتح المحضر في ساعته وتاريخه/
وقد اعترف بما نسب إليه من تهم، حيث قررت النيابة :
توقيف المذكورين 15 يوما على ذمة التحقيق ويجدد في حينه .
ضبط وإحضار الوسيط المدعو/ ...
كان الرقيب حينها في غاية السعادة، بعد أن تكللت مهمته بالنجاح، محدثا زملاءه عن تلك المغامرة، ويوصيهم بالمتهمتان خيرا
ويقول ساخرا :
الجماعة ماقصروا الله يجازيهم خير
لكن فرحته تلك لم تكتمل حيث يفاجئ بأمر توقيف صادرا بحقه من طرف مدير القسم مدة ثلاثة أيام، بدعوى كسر أمر عسكري اقتيد بموجبه إلى محبسه، رغم اعتراضه واحتجاجه على القرار واصفا إياه بالظالم، لكن بالرغم من ذلك فإن زوجته لم تبخل عليه في أن ترسل له طيلة تلك الفترة وجباته الدسمة المفضلة لديه، وملابسه الأنيقة التي يِؤدي بها فرائض الصلاة...
مضى أسبوع على الموضوع حتى كاد أن يدرج في خزانة النسيان، لكن تقرير المختبر الجنائي أيقظه من جديد، حيث خلصت فحوصاته بخصوص المضبوطات المحرزة بأنها تتضمن عظاما هي لأطراف بشرية تعود لرضيع لم يتجاوز ستة أشهر... كما خلصت التحليلات أن بعض الأعشاب كانت سببا في وفاة أحد الأشخاص حسب مقارنتها بالتحاليل المخبرية الطبية الواردة من المستشفى المركزي بهذا الخصوص...
لكن وقبل الشروع في إعادة النظر في الموضوع حسب المعطيات الجديدة، ترد برقية من جهة عليا تفيد وقف التحقيق إلى إشعار آخر....
فجأة رن هاتفه النقال صادحا...
بالساحة تلاقينا بالساحة
عليها جوز عيون شو دباحة
وقامة يخزي العين والخدين
تفاحة بتغار من تفاحة
تركته يدبك في الممر على الإيقاع، احتفاء بترقيته التي انتظرها طويلا، وقد انضم إليه زملاءه محتفلين معه..
.
حضر إلى المركز في ساعة متأخرة من الليل، لا ليشتكي على أحد أو الإبلاغ عن ضرر لحق به، بل كل ماكان يرغب فيه هو المغادرة إلى وطنه..
بعد التدقيق في وثائقه تبين أن ليس عليه قيد يحول دون رغبته، وماعليه سوى التوجه إلى المطار ويسافر حيثما شاء ومتى أراد..
إلا أن الرجل أصر أن يظل في المركز لحين إتمام إجراءات سفره، متمسكا بالمكتب رافضا الخروج منه، لذلك تم الاتصال برب عمله واخباره بالأمر، وحضر هذا الأخير على الفور، وبحوزته تذكرة المغادرة وكل الحقوق والمستحقات حسب العقد المبرم بينهما، إضافة إلى مكافأة منه إليه وأن لامانع لديه ليظل في عمله إن عذل عن رأيه، أو العودة بعد فترة إجازة قصيرة، لكن الأخير أصر على الرحيل نهائيا دون أن يبدي أي تراجع عن قراره،
وبإلحاح منهم عن سبب اتخاذه هذا الموقف، تردد في الكلام أول الأمر، ثم نظر إلى النافذة بإمعان متوجسا من شيء، وقال بصوت خافت مرتجف أقرب إلى الهمس :
وبناء على رغبته، وقع على إقرارمنه كونه استلم كل مستحقاته، وحرر محضر شكلي بأقواله، وحيث أنه لم يتبق على موعد مغادرته سوى ساعات قليلة، تم اصطحابه إلى المطار... وما إن أقلعت الطائرة في الأجواء، حتى استند على الأريكة بارتياح، كأنه تخلص من عبئ ثقيل أرهقه كثيرا منذ سنين، محدثا نفسه قائلا :
آه... كم أنا مشتاق إلى وطني,,, حلق أيها الصقر الجامح ..إرحل بعيدا بعيدا عاليا فوق السحاب ..امتطي صهوة الرياح.. إخفق بجناحيك عاليا فوق هذي القباب، نحو المدى وفوق السراب .. بعيداعن الهياكل والجماجم وأطياف الضباب، من ترفض السبات في قعر البحار أو تحت التراب....
فتح الستار ليلقي نظرة الوداع من النافذة، عله ينسى برهة ما كان يؤرقه وكاد يصيبه بالجنون, بدا له البحر كالسماء، والأهازيج العتيقة مازال يرتد صداها عبر نسيم الأثير ... فكم هيج الشوق ذكراه للأهل والأحبة والوطن ..
تذكر الليل البهيم والمطر الغزير ،.حين تمرد البرق على سطوة السماء، موقدا لهيب الرهبة في المكان الموحش... إعصار هز أركان الأكواخ المعششة بالحزن مذ أمد بعيد، أيقظه من غفوته،أدكى شعور الوحدة والغربة والرهبة في فؤاده..
كانت عاصفة هوجاء دمرت مسكنه الخشبي وتركته في العراء ,,لاوجود لأي مكان يأوي إليه، أو مرتفع يعصمه من الماء، لولا أن اهتدى إلى مدخل كوخ بين الصخور، لجأ إليه بصعوبة زحفا بين الأحراش، مستعينا بضوء يومض من منارة بعيدة وسط البحر...
كان الكهف شاسعا .. دافئا وهادئا، كأنه يحظى بعناية من المجهول، استند على الجدار ونام قليلا، وحين استيقظ تقدم إلى الداخل وجد صندوقا خشبيا محكم الأغلاق، أماط عنه الغبار وهم بفتحه، لكنه توهم أصواتا قوية تعالت من عمق الكهف ...
كان الصندوق مليئا بالصور لأناس من كافة الأعمار، أمعن النظر في بعض الملامح والوجوه، وخالجه الشك أنه صادف بعضا منهم في مكان أو زمان ما... وبعد أن هدأت العاصفة وانقشع ضوء الصباح ، غادر الكوخ إلى مسكنه الخشبي المدمر، وجلس بين ركامه يفكر في أهله وذويه وأقرب الناس إليه، لذلك انتابه اكتئاب شديد دفعه لاتخاذ قرار الرحيل إلى بلده ..
وماهي إلا لحظات حطت الطائرة وغادر الجميع نحو بوابة الخروج ...لم يسأله أحد عن جواز سفره كباقي المسافرين، لم يعبأ الحراس بمروره أمام أعنهم .. .. وقف أمام مرآة كبيرة منتصبة على واجهة محل تجاري ليرى نفسه، فلم تكن تعكس سوى من هم يمرون بجانبه....
في حين كانت كل الصور التي في الصندوق قد غادرت تباعا نحو أوطانها لصلة الرحم، دونما تذكرة أو وثائق سفر.
رن هاتفه النقال وتوقف عن الكلام واضعا السماعة في أذنه وغادر وهو يردد:
أديب وشاعر جزائري - رئيس الرابطة العالمية لشعراء نور الأدب وهيئة اللغة العربية -عضو الهيئة الإدارية ومشرف عام
رد: إحك يا شهرزاد
(اِحكِ يا شهرزاد) الأجزاء من 1 إلى 9 في صفحة واحدة.. قراءة ممتعة ..
[frame="13 10"]
اِحك يا شهرزاد.
(1)
[align=justify]روى لي أحد الخلان أنه:,,,, ورد بلاغ إلى مركز الشرطة يفيد اختطاف قاصرتبلغ من العمر 13 سنة من قبل أربعة شبان يستقلون سيارة ذات الدفع الرباعي مسجلة تحت رقم ,, وحسب الإجراءات المتبعة حرر المحضر في حينه والتحقق من هوية السيارة موضوع البلاغ لدى إدارة المرور والترخيص فتبين أن هذه الأخيرة تعود ملكيتها لضابط في القوات المسلحة برتبة لواء وأنها مازالت مركونة في منزل صاحبها منذ سنة تقريبا ولم تستعمل كونها مشطوبة من لائحة المركبات المتحركة لعدم صلاحيتها حسب الفحص الفني وبناء على هذه المعلومات القطعية وجهت إلى الشاكي تهمة البلاغ الكاذب وتم توقيفه احترازيا لحين عرضه على النائب العام والاكتفاء بتحرير بلاغ تغيب ضد القاصر حسب ادعائه بعد مرور 48 ساعة إن لم تتوفر معلومات عن عودتها لمنزل ذويها حينها تؤخذ أقوال الموقوف كونه أب المتغيبة.. وهكذا بعد استيفاء الإجراءات المتطلبة أحيلت الأوراق التحقيقية المرفوقة وسيق المتهم مخفورا تحت الحراسة إلى حرم النيابة العامة.. وبعد عرضه عليها أتت مقرراتها محررة في البلاغ كالتالي:
1_ تطلب تحريات الشرطة حول الواقعة
2_ ضبط وإحضار المدعوة/
3_ يوقف المذكور أسبوعا على ذمة القضية ويجدد توقيفه في حينه وتنفيذا لهذه التعليمات تم جلب القاصر إلى المركز بعد إحالتها على الفحص الطبي الذي جاء في تقريره بأن الفتاة تعرضت للإيذاء البليغ والاغتصاب وبموجبه واصلت شرطة الضبط القضائي البحث والتحري فتم التعرف على المتورطين في الموضوع وكذلك بعض الشهود العيان الذين صودف تواجدهم أثناءالحادث وكانوا بادئ الأمر رافضين الإدلاء بشهادتهم خوفا من التنكيل بهم من طرف الجناة ,,,,إلا أن التعليمات التي أصدرت لاحقا بشأن البلاغ الاكتفاء بما هو محرر آنفا من طرف النيابة كونه مازال قيد التحقيق لديها لحين إشعار آخر.... وفي غضون 15يوما يُفاجَأ الأفراد المكلفون بمهمة البحث والتحقيق ببرقية إداريىة عاجل جدا لمن يهمه الأمر تفيد أنه تقرر إبعاد المذكورين فورا إلى دولة أسيوية كونهم مخالفين لقانون الجنسية والهجرة وقد تعذر ترحيلهم إلى موطنهم الأصلي لعدم توفرهم على وثائق سفر ,,,,,الأب ،الأم والأبناء
_وماذا وقع بعد ذلك؟
_دلحين مستعجل يا خلي بعدين أو باخبرك......بس لاتخبر حد؟؟؟؟؟؟
............ الغول والعنقاء والخل الوفي وللحديث بقية يا شهرزاد.. [/align]
(2)
[align=justify]
حدثني خلي أن... زوجين عجزا عن الإنجاب بالرغم من كل المحاولات ومراجعة الأطباء والفحوصات التي لم تأت بنتيجة إيجابية وأخيرا قررا الالتجاء إلى الطب الشعبي والرقية الشرعية لعل الله سبحانه وتعالى يجيب اللي فيه الخير.. واستدلوا على رجل يشاع عنه أنه من الأولياء وعلى يديه وببركاته رزق العديد من الأزواج بالذرية الصالحة ولذلك ارتأى الزوجان تلقي العلاج عنده .. إلا أنه في أحد الأيام حضر الزوج إلى مركز الشرطة يستشيط غضبا , وبمناسبة وجوده والمحقق /,,,, بإشراف النقيب/ ,,,,, فتح المحضر في ساعته وتاريخه توقف خلي عن الكلام ونظر إلى ساعة يده
_ شو اللي صار كمل يا أخي
- بعدين بعدين باحاكيك الحين مستعجل ؟ ومازلت أنتظر عودته لعله يتم الحكاية,,,,,, عاد خلي إلى مكتبه ووجدني مازلت منتظرا قدومه فقال: سألوه,,, إسمك؟ وسنك؟ هويتك؟ عملك؟ محل إقامتك ما موضوع شكواك ؟ وأفاد بما هو تحصيل حاصل بأن الرجل الذي اعتقدا بأنه سوف يجد لهما حلا أوقعهما تحت تأثير مخدر منتهكا عرض الزوجة ومستوليا على ما بحوزتهما من مقتنيات ثمينةو لاذ بالفرار لجهة غير معلومة.. وبعد أسبوع من تاريخ البلاغ تم القبض على المشتكى عليه محاولا مغادرة الدولة عن طريق أحد المنافذ البرية فتمت إحالته إلى جهة طلب هو بمواجهته بما نسب إليه أنكر الإتهام جملة وتفصيلا.. وحين مثول الأطراف أمام العدالة صدر الحكم بإخلاء سبيل المتهم لعدم كفاية الأدلة إذا لم يكن مطلوبا على ذمة قضية أخرى بكفالة محل إقامته وللمتضرر حق الاستئناف خلال أسبوع من صدور الحكم.. بعد الحادث بشهر يرد بلاغ إلى المركز يفيد أنه قد عثر على جثة الولي الصالح المعالج لأمراض العقم والمسالك في صندوق قمامة تابع لبلدية المدينة.. فقيّدت القضية ضد مجهول مع مواصلة البحث عن الفاعل.. غادرني خلي وهو يدندن في الممر بين عتبات المكاتب: يا طير يا مسافر له,,,, لاح نجم الصباح وشهرزاد لم ,,,,,؟
[/align]
(3)
[align=justify]أخبرني خلي ,,,, بما أنه لم يكن يمتلك أوراقا لإثبات هويته تم تبصيمه وتوقيفه احتياطيا . فجاء التقرير الوارد من قسم البصمات يفيد أن المشتبه به مطلوب للتحقيق معه بموجب البلاغات المدرجة تباعا حسب تصنيفها الإداري.. وبالرغم من مرور فترة زمنية طويلة .. لم تسقط بالتقادم كونها تضم العديد من الضحايا الأبرياء.. أما معاونوه فكانوا قد دخلوا البلاد متسللين وغادروها بنفس الطريقة غير المشروعة,,,,و للحديث بقية يا شهرزاد,,,,,في زمن موحش..[/align]
(4)
[align=justify]طرق خلي الباب قائلا: إن المحب إذا لم يزر زارا وأخبرني أنه,,,,
,, لم يعبأ بوجودها.. كان غارقا في مراجعة الملفات المتراكمة التي تنتظر أجوبة عن أسئلة ملحة.. لكن رائحةكريهة أجبرته على رفع بصره ليجد أمامه آنسة تبلغ من العمر حوالي 14سنة في حالة مزرية ترتدي لباسا متسخا ..الشعر أشعث ومغبر.. والجسم يرتعش بشكل غير طبيعي .. تهذي بأنين خافت يصدر من بين شفتين مكتنزتين يسيل منهما لعاب على الذقن و أعلى الصدر ..استدعى سيدتين من أفراد الأمن للاهتمام بها وإحضارها إلى مكتبه ,, وفتح المحضر في ساعته وتاريخه تحت إشراف النقيب/,,,, والمحقق/,,,,, وبحضور العريف السيدة/,,,,,,, عن الشرطة النسائية ماسمك؟ أنا.. ماعرف؟,,,,,تبون طقوني ,,, ضربوني ,,, أنا غلطانة ماحد بيضربك مو نتو شرطة؟ نعم نحن شرطة
,,, ,,,, أبوي بعد يضربني ...أقوله ليش ليش تضربني... إسم أبوك؟ ماعرف وينه؟ نايم وين أمك؟ أمي؟ ,,, راحت بلادها ,, واخوانك؟ أخواني,,/,,؟ شلتهم معاها وأنا لا ..ماتحبني أنا أدري ما تحبني انخرطت في البكاء والنحيب والغناء والضحك في آن معا.. يا هل الهوى ماترحموني.... أمر ضابط التحقيق إرسالَ الفتاة إلى المستشفى وإيفاءَه بتقرير إن كانت تعرضت للإيذاء أو عدمه .. فكان الفحص الطبي يفيد بسجحات متعددة في الظهر والبطن نتيجة العنف .. وحروق متعمدة في الأرداف وتمزق في الرحم بسب الاغتصاب المتكرر إضافة إلى انهيار عصبي بسبب اكتئاب حاد.... لهذه الأسباب قررت إدارة المستشفى وضعها تحت الحراسة النظرية وعدم تسليمها للمركز بسبب حالتها الصحية التي لا تسمح بذلك في الوقت الراهن.. وبأمر من النائب العام اقتحم المنزل فعثر على والد المجني عليها متوفى في مجلسه وبسبب تحلل الجثة كان يصعب إجراء المعاينة والتفتيش وتحريز المضبوطات.. في مسرح حادث يدل على أنه كان مرتعا لجلسات المجون والمشروبات الروحية وقد تم التعرف على الغرفة التي كانت وكرا لاحتجاز المجني عليها دون وجه حق.. وتنفيدا للأوامر الصارمة التي أصدرت بهذا الشأن تم تكثيف البحت والتحري وضبط بعض الأشخاص الضالعين في القضية موضوع البلاغ وبمثولهم أمام القضاء أسقطت بحقهم جميع التهم باستثناء إقرارهم بتعاطي المشروبات الكحولية وصدر الحكم بالاكتفاء بمدة التوقيف الاحتياطي وإخلاء سبيل المتهمين إن لم يكونوا مطلوبين على ذمة قضية أخرى,,,, وفي الوقت الذي كان يتم فيه تنفيذ أوامر القضاء ترد برقية صادرة من إدارة شؤون الأمن تفيد: عدم الإفراج عن المذكورين وترحيلهم فورا للسجن المركزي ,,,, وكانت أوامر التوقيف تنص على ما يلي: تمنع الزيارة يمنع الاتصال توقيف إنفرادي إلى إشعار آخر رن هاتفه الجوال ولم ينتظر الجواب عن السؤال.. قائلا: أدري أدري .... بعدين باحاكيك دلحين مستعجل بس لا تخبر حد؟؟؟؟؟ ومازالت شهرزاد تنتظر الجواب...؟ [/align]
(5)
[align=justify]أخبرني خلي أنه....... اتهم بالتحرش وألقي به في السجن لغاية أن يقول القضاء كلمته.. وبعد ثلاتة أشهر من التوقيف والترقب والانتظار تضاف إلى معاناته شكوى من طرف أحد البنوك يطالبه فيها بسداد ما عليه من مستحقات.. وإبّان هذه الفترة علم أن ابنه الوحيد البالغ من العمر 10 سنوات قد تغيب عن منزل والدته إلى جهة ما وأعقب هذا الخبر بقليل إعلان زوجته له بالطلاق وقدحصلت عليه.. كانت أحداثا متوالية وقاسية ومعاناة دامت قرابة ستة أشهر خلف القضبان. وأخيرا جاء الحكم ببراءته من التهم المنسوبة إليه حيث أنه تبين للقضاء من خلال التحقيقات أن البلاغ كان كيديا وليس ثابتا في حقه وقد تعذر إحضار الشاكية كونها غادرت عن طريق أحد المطارات الدولية متجهة لموطنها في وقت سابق ثم أعيد إلى محبسه في حينه كونه مطلوبا على ذمة القضية المالية... وفي أقل من أسبوع يبلغ من طرف إدارة المنشأة العقابية أنه قد تم دفع المبلغ المستحق للمؤسسة المالية وسوف يرحل من البلاد تنفيذا لأمر إداري صادر في حقه,,, قبل مغادرته بساعات قليلة وتحريره من طوق الأصفاد ترده مكالمة من طليقته تخبره فيها أن ابنه بخير وأن زوجها هو من دفع المستحقات لإطلاق سراحه وقد أودع في حسابه البنكي مبلغا يفوق أضعاف ما كان سيوفره لنفسه لو عمل طوال حياته معتمدا على راتبه.. راجية منه أن يبدأ حياته من جديد في بلده.. لتتزامن المكالمة الهاتفية مع برقية صادرة بشأنه تفيد: كف البحث وتسديد القيود,, لحظة يا أخي كيف...؟ بعدين بعدين دلحين مستعجل بس لاتخبر حد......؟؟؟؟؟؟؟؟ ومازالت شهرزا دتنتظر الجواب .....؟ [/align]
(6)
[align=justify]
حدثني خلي قال أنه,,,,: ورد بلاغ إلى المركز يفيد بأن منزلا في إحدى المجمعات السكنية يستغل في الفجور والتحريض عليهم ما أحرج سكان المنطقة فتم التأكد من صحة البلاغ فأجري اللازم وفتح المحضر في ساعته وتاريخه ...... لما أشاحت عن وجهها الخمار بإيعاز منه يُفاجأُ بزوجته ماثلة أمامه .. جرد المسدس من غمده ووجه فوهته إليها ضاغطا على الزناد إلا أن الرصاص لم ينطلق من حجرته لعطل في زر الأمان بينما هي لم تبد أية ردة فعل اتجاه ما حدث مكتفية بابتسامة باردة زادت من توتر الوضع ,,,,, بعد فترة من الانتظار المشوب بالخوف والترقب والصمت لم يتوقع أحد أن يأمر باستئناف التحقيق: ما سبب تواجدك في السكن رقم,,,,؟ اتصلت بي رفيقتي وخبرتني أنها تعبانة وتباني أوديها المستشفى ودلتني عل العنوان,, وماذا وقع؟ توني دخلت إلا والشرطة تقتحم البيت مادليلك؟ هاذا تلفوني شيك عليه وتأكد بروحك أين هي زميلتك ؟ ماعرف لقد تم ضبطك في مكان مشبوه – أفهمناها- فما قولك؟ ما أعرف بعد أن تليت عليها أقوالها رفضت التوقيع على ما أدلت به وأضافت: ورقتي تلحقني لبيت أبوي لو ما كنت دله انشد رفيقك وغادرت إلى حال سبيلها ,,,, فتم جلب صديقتها للتأكد من صحة ما أدرج أعلاه وبسؤالها شفاهة بدا عليها الخوف والارتباك وأجابت والدمع الغزير ينهمر على خدّين محمرّين خجلا بأنها وبالتواطؤ مع من كان مسؤولا عن العملية برمتها وبالتنسيق بينهما سلفا أوقعا السيدة في ذلك الشرك والقصد منه توريطها في الموضوع ... في حين سمعت طلقة نارية مدوية هرع على إثرها الجميع إلى مصدر الصوت فكان المسؤول عن العملية في مكتبه مضرجا وسط بقعة من الدماء وهاتفه الخلوي يرن دون انقطاع ...... لحظة لحظة.....؟
.. أدار محرك السيارة وانطلق مسرعا كعادته فاستلمت رسالة منه على الهاتف.. بعدين باحاكيك.....؟
[/align]
(7)
[align=justify]أخبرني خلي قال أنه: حضر إلى المركز وكان في قلق شديد..يهذي بكلام غير مفهوم ، يريد الإبلاغ عن شخص يضايقه أو يعتدي عليه ... وبمناسبة وجوده في مكتب التحقيق فتح المحضر في ساعته وتاريخه تحت إشراف الرائد..../ والمحقق.../ والمترجم .../ إسمك وسنك وهويتك؟ ما موضوع شكواك؟ المترجم: أنا إنسان مسكين أعمل في المقبرة ماذا وقع؟
_ ليلة أمس قمت بوضع إحدى النساء في مثواها الأخير .. هذه ليست امرأة ...هذه ليست امرأة ...هذه شيطان وبدأ يصرخ ويهذي بشكل غير طبيعي _وأضاف_ أرجوكم أرجوكم لا أستطيع التحمل,, كيف؟
_ دخلت جسمي وأضرمت فيه النار,, وانهار باكيا متحسرا متوسلا وكأنه يريد التخلص من وهم يضايقه بالفعل حينها أمر ضابط التحقيق بإحالته فورا على مستشفى الأمراض العصبية كونه غير مدرك لأقواله وأفعاله لكن بالتدقيق في تقارير الحوادث اليومية الواردة من المستشفى المركزي تبين أنه قد تم الإبلاغ عن حادث وفاة قضاء وقدرا بشأن فتاة تبلغ منالعمر حوالي 23سنة وصدر الأمر بمعاينة الشاهد مرقد المتوفاة وجاء التقرير يفيد بأن القبر قد تعرض للفتح مرتين بعد إغلاقه حسب تقرير المختبر الجنائي.. ولهذه الأسباب أرسلت الأوراق التحقيقية للنائب العام ليرى ما هو مناسب حول الموضوع وجاءت مقرراته كالتالي:
_ 1- تطلب تحريات الشرطة حول الواقعة.
_ 2- إحالة الجثمان موضوع البلاغ إلى الطب الشرعي.
_3- تشدد الحراسة على المذكور في محبسه في المستشفى. بعد فترة قصيرة تبين للطب الشرعي من خلال فحوصاته والعينات التي بحوزته أن المذكور قد واقع جثمان المتوفاة مرتين يوم تاريخ الدفن إلا أنه تعذر إحضار الجاني إلى حرم النيابة العامة كونه وجد في محبسه وقد فارق الحياة ,,, لحظة يا أخي ,,,,, بعدين باحكيك دالحين مستعجل بس لاتخبر حد؟ ومازالت شهرزاد تنتظر الجواب.. [/align]
(8)
[align=justify]
أخبرني خلي ...أنه حضر إلى المركز رفقة ابنه البكر وكانا ممسكيْن بإحكام برقبة أحد الخدم الذي يعمل لديه بمهنة مضمر.. أحضراه إلى المكتب بعد أن أوسعاه ضربا بالعقال والنعال ورغم ذالك مازال العجوز لم يشف غليله مما هو فيه من غضب شديد لدرجة أن حرس البوابة تجنبوا سؤاله أو الحيلولة بينه وبين الرجل الضرير تجنبا للخيزرانة التي كان يلوح بها طورا يمينا ويسارا وتارة على ظهر الرجل .. وبمناسبة حضوره فتح المحضر في ساعته وتاريخه تحت إشراف النقيب.../ والمحقق..../... والمترجم .../ إسمك وسنك وهويتك؟ ما موضوع شكواك ؟ وأفاد بما هو تحصيل حاصل بأن المضمر المدعو/... تم ضبطه من طرفهما داخل العزبة وقد استفرد بإحدى نياقه بعد أن أحكم وثاقها فواقعها دون خجل أو استحياء.. وأضاف بأن الناقة المجني عليها تعتبر من أغلى وأعز النياق لديه وميادين سباق الهجن شاهدة على ذلك وما حظيت به من جوائز وأوسمة نالتها على مدى سنوات من خلال الأقراص المدمجة التي بحوزته. وعليه تمت مواجهة المتهم بما نسب إليه فأقر معترفا دون إكراه أو مراوغة نادما متحسرا على ما اقترفه من أفعال متنازلا طواعية عمّا لحق به من إيذاء جسدي من طرف الشاكي وابنه بعدما سُئِل عن ذلك.. وفي اليوم التالي أحيل المتهم مخفورا إلى حرم النيابة وبعد اطلاعها على الأوراق التحقيقية جاءت مقرراتها كالتالي: 1 ـ تطلب تحريات الشرطة حول الواقعة. 2 ـ يوقف المذكور15 يوما على ذمة التحقيق ويجدد في حينه. 3 ـ إحضار الحيوان موضوع البلاغ والتحفظ عليه لغاية صدور الحكم بالقضاء. بناء على هذه الأوامر والتعليمات تحركت الزنزانة الحديدية رفقة دوريتين لجلب الناقة من العزبة بعد الاتصال بالشاكي وإخباره. لكن عندما وصلوا إلى عين المكان فُوجِئُوا بالشيخ الشاكي موجها بندقيته الكلاشنكوف إليهم أمام مدخل العزبة متوعدا مهددا مانعا هذا الإجراء بقوة السلاح قائلا: -لو فيكم حد نشمي وريا ليقرب هون
_يا شيخ استهدي بالله
-أقول ما حد يقرب من لعنود
_عين خير ياشيخ نحن هني ضيوف وما يصير خاطرك إلا طيب
_شو تبون من لعنود
_ما نبا شي نبا نشرب قهوة معاك واللي تامر نحن حاضرين طال عمرك
_القهوة واصلة والضيف مايرده إلا الخسيس وهكذا قبل الشيخ استضافتهم في مجلسه بالعزبة واحتسوا فناجين القهوة الطيبة المعدة على الجمر واستمتعوا بنكهتها الرائعة لكنهم أوهموه أن غايتهم من هذا الإجراء مصلحة لعنود بدعوى أنها سوف تتلقى علاجا خاصا من تسمم يمكن أن يضعف قوتها عن الركض ... ولهذه الأسباب وافق الشيخ شرط أن تعاد إليه لعنود خلال ثلاثة أيام فتم الإتفاق على ذلك وفي اليوم التالي أتى حكم القضاء سريعا وغير قابل للتأجيل أو الطعن بالحكم سنتين على الجاني وإبعاده وإعدام الحيوان - أي الناقة- طبقا لنص الشريعة وذلك خلال 24 ساعة من تاريخ النطق بقرار التنفيذ.وقد تم ذلك في حينه حسب الأصول... رن هاتفه الجوال وفر مهرولا من الباب الخلفي للمكتب وإذا بي أُفَاجَأُ بشيخ طاعن في السن يخاطبني قائلا:
_ عنت الله أبوه شرد الهرم بس أشوفه والله .... طأطأت رأسى مغادرا المكتب متيقنا أن خلي له ضلع في ملابسات البلاغ لكنني تلقيت رسالة منه تفيد.. بعدين باحاكيك دلحين مستعجل لاتخبر حدا ومازالت شهرزاد تنتظر الجواب..
[/align]
(9)
[align=justify]
أخبرني خلي أنه.... دخل أحد المقاهي المحاذية للمركز،واتخذ مكانا بالقرب من رجلين غارقين في تصفح الجرائد الصادرة هذا الصباح. أحضرت له النادلة فنجان قهوة حسب طلبه ،وأخذ يتحدث معها عن نفسه ويبالغ كثيرا في مدح ذاته ،مما أثار فضول من هما بجواره ، وأخرج مبلغا محترما من جيبه يتباهى به ليدفع الفاتورة، فسألته النادلة عن مكان عمله، وأجابها قائلا:
_ ضابط مباحث في هذا المركز. انقض عليه الرجلان فوجد نفسه مقيدا في المكان الذي ادعى أنه يعمل فيه. خلال ساعات ترد برقية بدرجة عاجل جدا،مرفوقة بنتيجة البصمة الخاصة بالمذكور تتضمن أمرا بتشديد الحراسة عليه،وإحالته مخفورا إلى قسم جرائم النفس للأهمية. وبمناسبة جلبه إلى فرع جرائم العنف فتح المحضر في ساعته وتاريخه تحت إشراف العقيد..../ وبحضور الرائد/... والمحقق/,,,, إسمك وسنك وهويتك؟ وأفاد أنه دخل البلاد متسللا ،ولعدم استطاعته إيجاد عمل لعدم توفره على الأوراق الثبوتية اتخذ السرقة سبيلا للحصول على المال.. وبمواجهته بأداة حادة تحمل بصماته قد حرزت أثناء معاينة واقعة مروعة، حاول الإنكار والمراوغة، لكن حينما ووجه بأدلة إضافية وجدت عرضا بحوزته في وكر إقامته أثناء التفتيش،اعترف أنها تعود إليه وحينها علم في قرارة نفسه بأنه محاصر بالبراهين والأدلة والقرائن الدامغةالتي تدينه ولا مجال له للإنكار، فانهار مقرا بمانسب إليه من تهم حيث أفاد بمحضر التحقيق: أنه وأثناء تواجده في إحدى الأسواق التجارية، شاهد شابا رفقة زوجته وابنته ،وبمراقبتهم لاحظ أن الرجل يمتلك مبلغا كبيرا من المال في محفظته، فتربص بهم واستطاع أن يندس في صندوق سيارتهم ذات عجلات الدفع الرباعي، فانتظر لغاية المكان الذي ارتآه مناسبا له ثم أقدم على ذبح الأسرة بكاملها غدرا، واستولى على كل شيء ثمين يمتلكونه ولاذ بالفرار... وبعد مرور سنة على الواقعة ،تأكد أنه لن يقع تحت طائلة القانون،واستمر في جرائمه،إلا أنه سقط معترفا بكل قضاياه تباعا، منها ما هو مثبت في بلاغات مجهولة الفاعل، ومنها من لم يبلغ عنه... أثناء مثوله أمام فرقة الإعدام، وقبل الإيعاز بإطلاق النار عليه بثوان، ترفع الراية البيضاء من طرف أهل الدم، ويوقف التنفيذ إلى إشعار آخر.... لحظة لحظة...... غادر المكتب متجها نحو سيارته قائلا: بعدين بحاكيك دلحين مستعجل ياخلي؟؟ ومازالت شهرزاد تنتظر الجواب..