أرشدنا الكاتب من العنوان إلى أن الخبر الذي سيرد لاحقاً في القصة هو خبر كاذب، وهذا ما جعلني شخصياً أبحث عن الخبر الكاذب بين عناوين الأخبار التي وردت في المحطات الإذاعية الأربع، فوجدت أن الخبر الأول يأخذ مساحة كبيرة من حياتنا، ولم تسلم حتى الدول العظمى منها، فهو خبر صادق. انتقلت مع الكاتب إلى المحطة الثانية، فوجدت أن هذا الخبر يصف حالنا نحن العرب حالياً، فكان الخبر صادقاً. أما الخبر الثالث فقلتُ ربما يحمل شيئاً من الكذب، لأن زعماءنا العرب لا يأبهون بإهدار أموال الدولة على أنفسهم ومتعتهم إطلاقاً. وفي المحطة الرابعة، كان الخبر صادماً، وأقررت أن هذا الخبر هو الخبر الكاذب بالتأكيد، فلو أنني حييتُ ثلائمائة سنة لن يحدث شيئاً كهذا أبداً، ما أكّد لي هذه المعلومة هو تصرف الزوجة حين أخبرها زوجها عن الخبر، لم تحرّك ساكناً وكأن شيئاً لم يكن.
وحينما غطت فم زوجها وهو يتحدث، أكدت لي هذه الزوجة مرة أخرى أن الخبر كاذب، فلو أنه لم يكن كذلك ما كانت لتغطي فم زوجها خشية أن يسمعه أحد، ويذهب في غياهب السجون.
إلا أن الجماهير التي نزلت للشارع، غير مهتمة بما ترتدي على الإطلاق، زرعت الشك في نفسي، وهذا ما أراده الكاتب بالتحديد، وجعلني أفكر مرة أخرى، لم لا يكون الخبر صحيحاً؟، وتلك النسوة اللاتي نزلن بثياب نومهن، أبيْن إلا أن يقطعن الشك عندي باليقين أن الخبر صحيح. وأهنئ الكاتب على استطاعته أن يجرّ القارئ تدريجياً، دون أن يشعر، من مرحلة التصديق أن الخبر كاذب، إلى مرحلة التصديق أن الخبر صحيح.
ثم حينما وصلت الشرطة، أفقت من سكرتي التي وضعني فيها الكاتب متعمداً، وقلت مرة أخرى هذا هو الخبر الكاذب بالتأكيد، ولن أشك بهذا مطلقاً.
هذا فيما يخص القصة كاملة، لكني سأذكر بعض النقاط التي شدت انتباهي بالقصة:
** حياة الزوجين تبدو رتيبة، مملة، قهرها الروتين، ويبدو أن كلا الزوجين لم يمارسا النقاش الهادف ولم يتحدثا كزوج وزوجة منذ فترة طويلة، ورغم أن هذا ما تؤول إليه جلّ العلاقات الزوجية، إلا أن الزوجين مايزال أحدهما يخاف على الآخر. حيث أن الزوجة كتمت فم زوجها خشية أن يقتل أو أن يدخل السجن لتفوهه بمثل هذه الأخبار المغرضة، وقام الزوج بالتقاط زوجته من على الشباك خشية الانتحار.
** كلمة الغفورة -والتي اعترض عليها أ. محمد الصالح- وجدتها تحديداً في مكانها الصحيح، وهذا لأن جماهيرنا العربية تغفر لكل معذبيها، وخصوصاً سادتها وحكامها وجيشها، تغفر لهم كل خطاياهم. لهذا أرى أن الكاتب وفق في اختيار كلمة الجماهير الغفورة، فهي غفرت للشرطة قمعها مسيرتهم، وعادوا يجرون أذيال الخيبة وراءهم دون أن ينبسوا ببنت شفة. وإن ما يحدث في مجتمعاتنا العربية هو نتيجة صكوك غفران الشعوب لأفعال الزعماء.
** استخدم الكاتب "الراديو" بدل التلفاز، وهذا ما جعلني أستغرب في بداية القصة، وسألت نفسي :"لماذا؟"، فنحن امتنعنا عن الاستماع إلى الراديو منذ سنوات طوال، إلا في السيارات، وبما أن الزوجين في المنزل لماذا لا يفتحان التلفاز!. لكن مع تتابع الأحداث في القصة، رأيت أن الراديو هو الوسيلة الأنسب لبث مثل هذا الخبر، رغم أننا في القرن الحادي والعشرون. وهذا لأن التلفاز يتطلب صوراً حية، وبثاً مباشراً، وهذا ما لا يملكه الكاتب، وبالتالي وُفق الكاتب باستخدام الراديو.
******
في هذه القصة القصيرة استطاع الكاتب أن يتطرق إلى عدة أمور وربما مشاكل سياسية واجتماعية تعاني منها المجتمعات العربية، ولا أخفي سراً أنني فرحت حينما وجدت أن الكاتب لم يغفل عنها، لأنها هي سبب الكثير بل جميع مشاكلنا:
* منع حرية الرأي: وتتمثل في فضّ المسيرة.
* والمعارضين مصيرهم غير معروف: وتتمثل في تكميم الزوجة فم زوجها.
* الشعوب العربية تُساق كالأغنام وراء قادتها: وتتمثل في عودتهم إلى بيوتهم دون أن يقولوا كلمة اعتراض واحدة.
* الفنانون هم المحرّك الرئيسي للمجتمع، وصفاقة الكثير من الشبان والشابات وانسياقهم وراء هذه الأمور لدرجة الجنون: وتتمثل في ذكر الكاتب الفتيات المنتحرات بسبب وفاة عبد الحليم. ونرى هذا جليّاً في فئة الشباب والمراهقين.
* التكالب والتواطؤ العالمي على الشعوب العربية: وتتمثل في سخرية الإعلام من تصديق الجماهير العربية لهذا الخبر.
* الشائعات مرض ينهش في مجتمعاتنا العربية: وتتمثل في الجار الذي جاء لاهثاً يخبر جاره عما سمعه. وإن كانت القصة تتطلب مثل هذا الفِعل، إلا أنني رأيته يمثل الشائعات التي تتنشر كالنار في الهشيم في المجتمع.
* مجتمعاتنا تصدق الأخبار الكاذبة دون سواها: ويتمثل في تصديق كل الناس لخبر اتحاد الدول العربية، وهذا شيء مستحيل، وخرجوا عن بكرة أبيهم يهتفون، دون أن يتحققوا من صحة الخبر، وهذا شائع جداً في مجتمعاتنا العربية.
* العرب لا يهتمون ببعضهم أبداً: وتتمثل في نسيان الجماهير وربما عدم اهتمامهم بالأخبار التي تتحدث عن القتلى والجرحى والتفجيرات هنا وهناك. ونرى هذا واضحاً هذه الأيام.
******
أخيراً؛ أريد أن أنوه إلى أنني لست ناقدة، لكن هذا ما شعرت به كقارئة ... وأني لم أتأخر عن الرد إلا لرغبتي في قراءة القصة مراتٍ أُخر ...
تقبل مروري د. محمد الصواف