رد: تسلل إلى شرفة رشيد الميموني
مودعا من شرفته المساء.. مودعا الليل والنهار، وأنات الوتر ألقى نظرته الأخيرة بالأفق حيث الشمس قد أفلت مباركة رحيله، فرمى غاضبا بأقلامه وأدواته، مشتتا أفكاره، ممزقا أوراقه، ماحيا ذكرياته، ( لم الغضب إذن ما دامت الذكريات قد محيت؟) لكن رشيد يولي ظهره لكل زمان به حياته، ناسيا كل ما عاشه من حب في السابق، ليتلاشى في غياهب النسيان، ترى يستطيع الميموني حقا؟ نسيان ما عاشه من لحظات حب كانت جميلة في وقت ما؟ يستطيع أن يولي ظهره لحياته، ويبتعد عن أقلامه ونباتاته وشرفته؟
تلك الصورة التي علقها رشيد هذه المرة على شرفته كانت خريفا ضبابيا في جو تملأه وحشة وكآبة، والأشجار قد تعرت من ورقها.. كل شيء رمادي ، حتى ظهره الذي ولاه للشرفة.. فهل يعود؟ وهل ترجعه الردود؟
تلومه التعليقات على قراره في صبيحة الغد، فيأتي كالمتأسف على قراره، راسما أمل عودة أحسن لشرفة مزهرة أكثر.. لكن عزة نفسه وعناده أبى إلا أن يترك الشرفة بلا خاطرة أسبوعا كاملا ، لتأتي كلماته منتشية تخبرنا في الثامن من يونيو أن صاحبنا لابد عائد بعد لوم شرفته له وقد لفها الغبار وذبلت ورودها، حتى الصمت هناك لامه،وتغنت له القيتارة بألحان حزينة تدعوه للعودة فماكان منه إلا أن يعد بعودته، دون أن يترك هذه المرة صورة لتعلق بشرفته، وكأن خاطرته لم تكن إلا رسالة مطمئنة برجوعه، وكأنه وشرفته يرددان:
"ما أحلى الرجوع إليك!"
بعث رسالته عبر البريد دون أن تكون معها بطاقة مصورة بريدية، ريثما يستعد لبارقة عودة كانت بعد خمسة أيام يستقبله فيها الفجر مشرقا بابتسامته، يحثه على الأمل وقد فتح له ذراعيه ليرويه من ندى الأزهار ،فيقوم مزيحا اليأس مرتويا بالأمل، ينفض عن شرفته الغبار ، ويسقي الورود وينثر للطيور البذور، فتتوالى عليه كلمات خاطرته تترى،يهمس، ويبوح ويصيح، والصبح يردد صياحه تشرق الشمس بعد أفول باسمة ، تداعبه، فيغفو مستسلما لحلم جديد، وكانت الصورة وإن تزينت ببنايات سكنية إلا أن ملامح الطبيعة كانت أكثر إثارة بشموخ جبال تلوح كأنها تحيط بالبحر، والطبيعة الخضراء مبتهجة، وزرقة البحر هادئة، و يأتي مرة أخرى مستحضرا ذكريات حبه من مولده متتبعا فترات نموه، وابتساماته وعنفوانه.. حتى انفلت من بين يديه، فنتساءل نحن - العابرين- من شرفته؛ أي حب يقصد ؟ ألم يقل قبل إنه محا ذكريات كل حب عرفه؟!! أيقصد حبا جديدا قد انفلت؟! أم أن حبه السابق لم تنفع معه ممحاة ولا مبيض؟ ها حبه الآن يعلن في عناد تمرده وعصيانه، فلا يملك إلا أن يهمس له:
" منحتك قلبي
فاحتللته أجمل احتلال
فكن به رفيقا"
ولعل الصورة التي وضعها اليوم على حائط شرفته، تؤكد أن الحب السابق لم يمح بعد، ولكنه أيضا لا ينسى له محاولة المحو والهجر فأراد أن يرد الصاع صاعين ، كرامة للنفس، هاهي حبيبته كذلك تولي ظهرها لكنها ليست مثله اتجهت نحو ضباب، وإنما متجهة إلى الشاطئ، لعلها تنتظر روميو أن يأتي لإخراجها من اليم قبل الغرق، وها فعلا عند عودته الموالية يجد البحر يناديه فيتعانقان معا ، يتناجيان، ويبوحان بأسرارهما معا، وتحتفي النوارس بحبه الأبدي والبحر الذي ألبسه الطحالب والمرجان وجعله أميرا أهدى له كل حورياته، لكنه لم يعرهن اهتماما لأنه أخذ حوريته التي ولت ظهرها من قبل وهرب بها بعيدا متوجا إياها أميرة لأنها عشقه وقلبه وروحه، مع أننا حين نرى الصورة هذه المرة وقد وقفت الحورية أمام البحر ليلا نلاحظ أن البحر قد أهداها فستانا جديدا غير الذي دخلته به، وغير تسريحة شعرها الغجري..
تعليقان وردان، وغياب يناهز عشرين يوما يأتي بعده في 13 يوليوز 2020
|