ابني .. متى يعتمد على نفسه ؟
د. ناصر شافعي
يولد الطفل و يبدأ خطوات حياته الأولى معتمداً تماماً على أمه أو من يرعاه لتغذيته و رعايته و تربيته .. ففي مرحلة الرضاعة يتغذى على حليب ثدي الأم أو الغذاء الصناعي بالألبان المجففة أو حليب البقر أو الماعز ، و يظل طوال شهوره الأولى يتطور و ينمو و يتعلم كيف يواجه الحياة الدنيا و كيف يعتمد على نفسه .. شهور طويلة تمر حتى يستطيع الطفل أن يُطعم نفسه و ينظف جسده و يرعى نفسه و قد تمتد هذه الفترة إلى سنوات عديدة حتى يتمكن الطفل من امتلاك هذه القدرات كاملة .
و مع نمو الطفل و دخوله إلى مرحل الصبية يبدأ الاعتماد على نفسه رويدا رويداً و يحاول أن يتعلم و يتعرف على جوانب الحياة المختلفة .. و يبدأ في الابتعاد عن الاعتماد الكلي على الأم و الأب .
و عند دخول الابن أو الابنة مرحلة البلوغ يشعر كل منهم بضرورة الحاجة إلى الاستقلالية و يبدءون في البحث عن الحرية و معناها و تطبيقها ، و ضرورة فرض شخصيته المستقلة على الأسرة .
و في المجتمعات الفقيرة يبدأ الابن في الاعتماد على نفسه مبكراً و قد يضطر للبحث عن مصدر للدخل في سن الطفولة – منذ بداية وصوله إلى عمر عشر سنوات - حتى يستطيع مساندة الأسرة مادياً نظراً لعدم كفاية دخل الأسرة .. و قد يدفعه الوالدان أو أحدهما لمجال العمل ( مع الاستمرار في الدراسة أو تركها ) للإنفاق على أفراد الأسرة .
و رغم أن هذا الطفل قد يتعرض في بداية حياته إلى الكثير من المشاكل و العقبات التي تواجه طريقه ، إلا إنه يبدأ رحلة الاعتماد على نفسه مبكراً عن غيره من الأطفال و الأبناء في الطبقات المتوسطة أو الغنية .
و كلما ازداد المستوى الاجتماعي للأسرة كلما زادت فترة اعتماد الابن على الأب و الأم كمصدر للدخل و بالتالي اعتماده عليهم في توفير كل لوازمه و احتياجات حياته .
و في الطبقات الثرية يصبح الاعتماد على الأب و الأم كاملاً .. و يتأخر كثيراً اعتماد الابن على نفسه .. فتتحمل الأسرة كل ما يحتاجه الابن ليس فقط في مراحل دراسته الجامعية و لكن في تكاليف زواجه و زفافه و تجهيز مسكنه .. و شراء سيارته الجديدة و أحياناً كثيرة تتحمل الأسر الثرية مصروفات منزل الابن المتزوج .
في معظم الدول الأوربية و المتقدمة تتحمل الأسرة مسئولية رعاية و تربية الأبناء حتى مراحل البلوغ .. و بعد ذلك تدفعه لكي يبحث عن مصدر الدخل و العيش المناسب له و بذلك فهي تدفع الابن لكي يعمل و يوفر تكاليف حياته كما يشاء و تجبره على أن يحترم العمل و يدرك أهميته و ضرورته للحياة . و لكن في المجتمعات الشرقية يظل الابن عبئاً على كاهل الأسرة لفترات طويلة قد تمتد حتى عمر الثلاثين أو أكثر . و نفس هذه العادات تنطبق على الفتيان أو الفتيات . ربما لذلك فائدة على المحافظة على الأبناء من التعرض لمشاكل الحياة و العمل و لكن لها مضارها الكثيرة في عدم اعتماد الابن على نفسه و عدم تقديره و احترامه للعمل و أهميته إلا في مرحلة متأخرة من العمر .
كيف يمكن التغلب على هذه الظاهرة ؟
يمكننا التغلب على ظاهرة اعتماد الأبناء على الأسرة و الآباء لفترة طويلة من عمرهم عن طريق :
أولاُ : تعليم الطفل مبادئ الاعتماد على النفس منذ الصغر . فبداية من مراحل الطفولة المبكرة يجب أن يتدرب الطفل على تنظيم و ترتيب لوازمه و إطعام نفسه و تنظيف مكانه و مشاركة أفراد الأسرة في الأعمال المنزلية .
ثانياً : تدريب الطفل على بعض الأعمال المنزلية في فترة أجازه الصيف و يمكن أيضاً إلحاقه ببعض الأعمال المناسبة إن كان عمره قد تجاوز الرابعة عشرة .. فدخول الابن إلى سوق العمل في هذا العمر يعلمه الكثير و الكثير عن ضرورة العمل و أهميته .
ثالثاً : تشجيع الابن على أن يكون فرداً منتجاً و أن يشارك في النشاطات الإنتاجية التي يمكن أن تزيد من دخل الأسرة .
رابعاً : تعليم الابن على أهمية العمل المنتج و الذي يكون مصدره عمل شريف و يلاقي قبول و احترام من حوله و لا يكون مخالفاً للشرع أو القانون .
خامساً : عدم المبالغة في تدليل الأبناء و تحقيق كل رغباتهم بسهولة – حتى في حالة توافر جميع الإمكانيات – و ضرورة مشاركتهم الفعلية في التكاليف المالية اللازمة لهذه الرغبات و الاحتياجات حتى يزداد إحساسهم بضرورة الاعتماد على أنفسهم كمصدر للدخل .
تحياتي . د. ناصر شافعي
حقوق النشر محفوظة للمؤلف . د. ناصر شافعي .حياة صغيري . القاهرة .