و ماذا بعد يا عرب و إلى أين سيصل بنا الحال بعد كل هذا الذي جرى و يجري و سيجري غداً يحمل لنا كوارث و نكبات و مصائب لا يعلم بها إلا الله!! أي مصير يحمله الغد الأسود لهذه الأمّة التي فقدت الكثير من مقومات حياتها و حيائها و شرفها المهدور، و قد وصل بها الأمر إلى هذا الحد من التدهور غير المسبوق بتاريخها المعاصر الملطخ بأكثر من بقعة سوداء!
الوطن العربي يتهاوى بلداً بعد آخر.. ففي فلسطين و العراق و لبنان دماء تتناثر في الريح.. و دموع تسيل من عيون الثكالى و الأيامى و الأيتام و الانسان هناك يعدو فوق أرضه مثل حيوان هائج أعياه لفح الموت.. و الأرض تشتعل تحت الأقدام و تلفح الوجوه بالنار.. أناس تبيد أناساً.. و أرواح تزهق أرواحاً..و قاتل و مقتول.. خراب و دمار.. جرائم و أحداث..و مشاهد دموية في واجهة الأحداث!
هل لا زال عند العرب متسع للموت و حفر القبور؟! هل لا زال عند العرب متسع لذرف الدموع و لطم الخدود؟ أما سمعوا بكاء المآذن و أنين الكنائس؟ أما رأوا الأسواق التي تباع فيها الأوطان و الأديان؟ ترثي أناساً و بلاداً و أوطاناً.. كلها ضاعت.. ضيعها العرب! نقولها حقيقة و في الحقيقة وجع و ألم و حقول من نار تغلي في الصدور! في فلسطين ضاعت القضية.. ضيعها أهلها.. و الخوف كل الخوف أن يفنى الشعب ، كل الشعب.. بعدما أفنت منه خلافات الفصائل نفراً غير قليل.. أخوة الكفاح و النضال يقتل بعضهم بعضاً.. يا للخزي و العار! أيهم لا يقرأ كتاب الله و آياته التي تنهي عن الاقتتال الأخوي؟! ألم يقرأ اولائك وهؤلاء هذه الآية الكريمة:
" و من يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها و غضب الله عليه و لعنه و أعدّ له عذاباً عظيماً" سورة النساء .93 . أم أنهما قرءا آيات شياطين الأنس فاستجابا لها و عملا بها!!؟؟
انهم اليوم و بعدما لطخوا الأرض الطاهرة بدماء أبنائهم، بدأوا بحرب جديدة، حرب بينات و اتهامات متبادلة لم تخل من السب و الشتم و القذف بنعوت و أوصاف تغرس في النفوس تغرس في النفوس حقداً و تفتح في القلوب جرحاً! كل طرف يتهم الآخر ارتباطه بقوى خارجية! من تصدق و من تكذب.. و كلهم مخطئون؟ لقد حققوا حلم إسرائيل.. و يا للعار!
شعب فلسطين في ألم و ليل داج.. يعيش أحلك الظروف و أتعس الأيام.. و الأيدي على القلوب مخافة ما يحمل الغد من مفاجآت تضع الجميع في دائرة النار التي لا تبقي و لا تذر! و فعلاً هو يعيش بين فكي الأهل و الأعداء، ضمن دائرة مغلقة من الكذب و النفاق في أرض تخلو من العدل و الأمان.. و كل أرض ليس فيها عدل أو أمان نلعنها!!
حمى الله شعب فلسطين من ذوي القربى و من عدوه إسرائيل.. و تبّت كل يد تمتد بالسوء على أهلها..
و من فلسطين إلى العراق طريق مفروش بالأشواك المبللة بالدموع و الدماء.. دماء للعراقيين التي تسفك بأيد عراقية و عربية و أميركية.. مشاهد دموية يومية.. و قوافل من الشهداء و الجرحى تسقط كل يوم بالعشرات بل و بالمئات..! العراق جريمة العصر الكبرى بعد جريمة فلسطين ارتكبتها إدارة بوش و تشيني و إسرائيل من أجل ديمقراطية النفط و اطمئنان الكيان الصهيوني!
السؤال الحائر على الشفاه دوماً: من يصنع الموت و يحصد الأرواح و يفجر دور المعابد في العراق؟ من يقتل و يسحل و يشوه جثث المدنيين الأبرياء في العراق؟ من يثير الفتن و يشعل نار الطائفية و المذهبية بين العراقيين!؟ اتهامات من هنا و هناك..من الداخل و الخارج.. أمم تتهم أمماً.. و دول تتهم دولاً.. و أحزاب تتهم أحزاباً، لكن أحداً من هؤلاء لا يعترف بمسؤوليته عما يحدث في العراق.. و تظهر بين الفينة و الأخرى حركات و تنظيمات أصولية مسلحة تدعمها أطراف دولية تعلن و بفخر، مسؤوليتها عن أحداث معينة.. و تشير أصابع الاتهام هنا إلى دور أميركي و إسرائيلي و إيراني في التفجيرات و اشعال نار الخلافات بين الطوائف العراقية..
و إيران و أميركا و إسرائيل ينفون ذلك.. و تتجه أصابع الاتهام نحو قاعدة بن لادن اعترف بها قادتها.. و أنباء أخرى تتحدث عن انتحاريين لاستهداف المدنيين"! .. واقع مر و محزن و أليم!
و تبّت كل يد تمتد على العراقيين بالسوء!
بعد فلسطين و العراق يأتي لبنان، الثالوث المعذب.. و الوطن المزروع بألغام الخلافات السياسية التي ان انفجرت لا سمح الله ستودي بالجميع، لا فرق بين معارض و موالي! لبنان، زهرة الوطن العربي و نفحة السماء و جنة الله على أرضه.. هذا اللبنان الذي احبه بنوه و أحبه جميع العرب يتعرض اليوم لسلسلة مؤامرات خطيرة تهب رياحها من هنا و هناك.. و أهله و بنوه و العرب الذين أحبوه عنها غافلون! مؤامرات تزعزع استقراره، و تزلزل كيانه، و تعصف بهدوئه و وجوده، و تضعه على حافة الانهيار و السقوط ليلحق بركب فلسطين و العراق و لتخلو الساحة لمن يرى في لبنان شوكة في حلقه و سداً منيعاً في وجه تنفيذ المؤامرات و المخططات لمشروع الشرق الأوسط الكبير!
بالأمس كان " فتح الإسلام " و غداً لا نعلم أي إسلام سيطل علينا من غيب أصحاب المؤامرات على لبنان!؟ و كم من الجرائم هذه الأيام ترتكب هذه الأيام باسم الإسلام.. و الإسلام منها براء!؟
من هنا ندعو جميع الفرقاء في لبنان أن يتناسوا خلافاتهم و يتوحدوا جميعاً لصدّ الأذى عن وطنهم الذي هم جميعاً أحبوه.. و قبل أن تغرق السفينة بهم جميعاً و يقضى قضاء لا يرد!!
عالمنا العربي إلى أين!؟ حقاً إلى أين!؟ هاجسنا الكبير و خوفنا العظيم أن يأتي يوم و نراه قريباً، ان ظلّ العرب على حالهم من الخنوع و الخضوع و الارتهان للغرب، نصبح بعده ذكرى أليمة أو تاريخاً منسياً!!
فسايكس بيكو ما زالت استراتيجية غربية قائمة لأن الأطماع الغربية ما زالت كما هي بل أشد و أدهى، و الاحتلال الاسرائيلي شاهد من أهلها.. فنحن بنظر الغرب الطامع بنا منطقة فراغ، نهدور قوانا في خمول و نهرول وراء ما يرسمه الغرب لنا بدعوى الواقعية السياسية دون نعمل نحن هذه الواقعية في سياستنا مع أنفسنا!! و فوق كل هذا و ذاك نعيش الحالة الاسرائيلية و نتعامل بالمفردات الإسرائيلية!!
أي لعنة حلّت و أي سخط و غضب نزل علينا.. و ما الذي فعلناه حتى نعاقب بهذا الكم الهائل من العذاب و الذل و الهوان.. هم قادتنا و المتسلطون على رقابنا ما فعلوه من إثم و ذنوب، و إن يكن، فما ذنبنا نحن الشعوب حتى تكتب علينا الذلة و المسكنة و نبوء بغضب من الله و رسوله؟ أخطاء يرتكبها معظم قادتنا و نحن من نتحمل وزرها و يدفع فواتيرها! معظم قادتنا الذين صلوا و ركعوا و سجدوا لبوش و أولمرت و يعملون وفق املاءات الأعداء و أوامرهم هم وحدهم من يستحق هذا العذاب.. هم من يستحق النعي بوفاة المروءة و الشهامة العربية بعد صراع طويل مع مرض الخضوع و الذل و الهوان! لقول الحقيقة، و في قول الحقيقة وجع و ألم.. ان معظم الأنظمة العربية تدين بالطاعة و الولاء لأميركا التي تدين بدورها بالطاعة و الولاء لاسرائيل..
و اليوم، أجل اليوم، كيف تبدو صورة العرب في عيون أهل الغرب!؟ لا شك أنها مخزية و معيبة و مخجلة إلى حد بعيد..ان أهل الغرب ينظرون إلينا على أننا شعوب متخلفة تتصارع و تتقاتل فيما بينها كالوحوش الضارية.. شعوب لا تستحق العيش أو الحياة.. يجب زوالها من على خارطة الوجود.. شعوب أنعم الله عليها بعظيم الآلاء و النعم التي لم تصنها و لم تحافظ عليها.. فحقّ عليهم الزوال!!
فيا أيها العتب.. يعد كل الذي سقناه و قلناه.. هل لديك من يصغي و من يستجيب.. أم جفّ القلب و جفّ الريق.. و أصيبت الآذان بالصمم و العيون بالعمى.. و يظلّ الجميع في حالة ضياع و شتات و فرقة و انقسام ليغرق المركب السائر على غير هدى بالجميع!؟
سيف الدين الخطيب / كندا ، 2007