[مهنا أبو سلطان علاونة]

كثير من الناس يولد وفي فمه ملعقة من ذهب .. أنا ولدتُ وفي فمي ( كُندرة ) .. هكذا هو حظي البائس ..
ذلك أنه وبعد يومين فقط من وصولي أرض الوطن قادماً من بلاد الغربة اللئيمة .. كان الصباح ليس
ككل الصباحات الشتوية الأخرى في بلادي .. كانت الشمس تغازلني بطريقة امرأة لعوب .. السماء
صافية .. والجو دافئ إلى حد ما .. يُغريني بالخروج لنزهة إلى شاطيء البحر القريب من مكان سكناي ..
غيّرتُ منامتي التي اشتريتها يوم ميلادي الأربعين .. أي قبل سبع سنوات ونيّف .. بملابسي الرسمية
الكالحة كوجوه أعداء الأمة .. وتناولت مشطي الذي تركته قبل سفري إلى الخارج مجاهداً من أجل وضعٍ
أفضل .. وسرحت شعري القصير .. أمام مرآة مكسورة الخاطر من طرفها العلوي .. حدث ذلك الكسر
ذات غضب من حظي الذي لا يفلق الرمل .. وخرجت ... ناسياً أن أغلق باب ما يُدعى بالبيت .. والذي هو
فقط عبارة عن غرفة صغيرة .. وحمام بائس بابه من شرشف قديم .. ومطبخ قذر لا يصلح إلا لفنجان قهوة
مُرّةٍ كما أحب أن أحتسيها .. خرجت من البيت ميمماً الموج الهاديء .. لأني - رغم كل ما أنا فيه من تواضع
الحال – شاعري حتى الثمالة .. وأجرؤ أن أصف نفسي بالرومانسية .. الطريق خالية إلا من عدد قليل جداً
من المارّة المسرعين لا أدري لماذا .. والكثير من أفراد الأمن وسيارات الشرطة التي تنهب الشوارع ذهاباً
وإياباً .. بعض الحواجز الأمنية الطيارة تدقق في وجوه السابلة .. الأجواء في كثير من التوتر .. وقليل من التسامح .. ألم أقل لكم أن حظي عاثر لدرجة أنني لا أستطيع التفاؤل .. ؟ قلت في نفسي : هذا أول الغيث
.. ربنا يستر .. ولأني أخاف رجال الأمن كثيراً خوفي من أي مرضٍ مُعدٍ .. رغم كونهم عرباً مثلي
.. يسهرون لراحتي وحمايتي .. مشيت متجنباً الإحتكاك بكل ما هو قريب منهم .. ويمّمتُ نحو البحر ..
لعلي هناك أنسى هذا الإستهلال ( المبارك ) ليومي .. على امتداد الطريق .. لا يكاد يخلو متر واحد من
رائحة رجال الأمن ... لهم رائحة مختلفة .. أخيراً وصلت الشاطيء الجميل .. الأمواج هادئة تداعب النورس
.. وفوق التقاء الماء بالرمل .. أجساد تتمطى شبه عارية إلا مما يستر العورة .. سال لعابي لهذه اللوحات المتناثرة
على الرمال العطشى الشبقة .. ولم أكد أفترش ذات المساحة من الرمال .. حتى فاجأني أكثر من رجل أمن ... مدججين بشيء يشبه الغضب .. وأحاطوني إحاطة السوار بالمعصم .. قال أحدهم بنبرةٍ مُؤَكِّدة " لكبيرهم " : هذا هو سيدي
.. إنه طبق الأصل للصورة التي معنا .. ناداني سيّده حاسماً : تقدم فوراً ولا تتحرك .. لقد أتعبتنا يا ..........
عقدت الدهشة لساني .. وفؤادي لم يعُدْ مكانه ... أذكر أنني لم أفعل ما يُغضب الحكومة .. ولا ما يُغضبُ حتى فراشة .. قلت مرتعشاً : أنا يا سيدي ؟ قال صائحاً : نعم أنت .. أم تراني أنادي ظلك ؟ نسيت أن ظلي سُرق في قصة أخرى سابقة.. وقبل أن أردَّ بحرفٍ .. قال لي سيّدُه : ألا تعلم أنك قد تنشر الموت في كل بقعة من الوطن ؟ .. – أنا ؟؟؟ - تفضل إركب معنا .. - إلى أين يا سيدي .. ؟؟
- هناك ستعلم كل شيء .. إذا كنت لا تعلم .. .. لم أدرِ لماذا لم أستوعب ذلك النداء .. ولم أستسغه
.. ولم أدرِ أيضاً كيف استطعت الإفلات وأطلقتُ ساقيّ للريح ... وهم يتبعوني بسرعة أظنها تفوق سرعة الضوء .. لشدة خوفي .. وينادي بعضهم صارخاً : سلّم نفسك لنا وأنت ونحن في أمان .. أنا وهم في أمان ؟؟ ألهذا الحد أنا خطير دون أن أعلم ؟؟
عند سماعي جملته الأخيرة ضاعفت من سرعتي .. أسابق الزمن .. كلّت قدماي من كثرة الركض السريع
.. لهثتُ كثيراً .. لم اعُد أقوى على الطيران .. وهم خلفي كأنني قتلت أبا أحدهم .. لماذا أنا ؟؟ أتساءل وأركض
.. أكاد أُجَن .. أنا جدّ مسالم .. وأركض ... بدأت المسافة بيني وبينهم تتقلص شيئاً فشيئاً .. وبدأ قلبي ينخلع من صدري شيئاً فشيئاً .. هدّني التعب ... اللهاث .. بدأتُ أسعل من شدة التعب .. والمسافة تتقلص بينهم وبيني ..
وأخيراً .. لم يبق إلا الإستسلام ... سقطت على الأرض في شبه غيبوبة .. أمسك بي الرجال .. وكاد أحدهم أن يطلق النار عليّ لشدة ما تعب هو الآخر في مطاردتي .. أَسْمَعوني بعض الكلمات البذيئة .. معهم حق .. كادوا يهلكون تعباً وهم يطاردوني .. وأركبوني سيارة شرطة لحقت بنا بعد أن اتصل الضابط طالباً إياها دون تأخير
.. قال الضابط قائد الوحدة التي أهلكتني وأهلكتها لهاثاً : لماذا تهرب .. هل تظن أننا لا نستطيع الإمساك بك ؟
أم تظن أننا نتركك تنشر الموت في كل مكان هنا ؟ .. أنا أنشر الموت ؟؟؟ قلتها في نفسي طبعاً .. قلت متشجعاً
قليلا : سيدي أنا احترتُ فعلاً من مطاردتكم لي .. أتأذن لي بسؤال واحد ؟
قال : طبعاً ... سألتُ : هل أنا إرهابي ؟؟ ابتسم بشيء من السخرية لسذاجة السؤال ثم أجابَ سائلاً : ألم تكُنْ
مغترباً ودخلت البلاد من يومين ؟ قلت على الفور : لا .. أقصد بلى يا سيدي .. قال بشيء من الهدوء :
أنت دخلت البلاد دون تدقيق .. نريد فقط إجراء فحص طبي لك.. أنت دخلت هنا دون تدقيق طبي على الحدود إهمالاً من القائمين على الأمر .. ثم اكتشفوا ذلك حين رأوا كلمة المكسيك بعد أن أصبحتَ أنت داخل البلد ..
.. فكونك كنت في المكسيك .. يستدعي الفحص دون إبطاء .. لنتأكد من خلوّك من إنفلونزا الخنازير .. ضحكت .. وهل من أحد محظوظ يسافر إلى المكسيك من أجل وضعٍ أفضل ؟
جبع 17/05/09

[نصيرة تختوخ]

أسلوب شيق وممتع للغاية , إستمتعت فعلا بما قرأت وأتمنى لك حظا سعيدا وأن نقرأ لك المزيد من الابدعات على صفحات نور الأدب .
تحيتي و تقديري

[عبدالله الخطيب]

الأستاذ و الأديب مهنا أبو سلطان علاونة..
مساء الخير.

للأرهابي شروط.. لا تنطبق في يومنا هذا إلا على من إستغل هذا المُصطلح في سبيل تمرير مآربه القذرة و الدنيئة.

لوكان مهنا أبو سلطان و ما يكتب أو يرسم يُسمى إرهاباً.. فحيىّ على الأرهاب.

قصَ يحمل رمزية عالية و معاني عميقة.
شكراً لك.. احترامي و تقديري.


ابن البلد

[مهنا أبو سلطان علاونة]

الأخت الغالية " نصيرة تختوخ " ..
أشكر لك مرورك الكريم على نصي المتواضع .. كان لكلماتك الرائعة نكهة متميزة ..أاضاقت للنص شيئاً عظيماً .. مما جعله يبدو اجمل ..
كل التقدير لك .. وآمل أن أستطيع التواصل الدائم معكم هنا .. في هذا المنبر الرائد " نور الأدب " ..
مهنا ..!!

[مهنا أبو سلطان علاونة]

الأخ الحبيب .. عبدالله الخطيب ..
إن نصي المتواضع .. كان ناقصاً .. وبالتالي كان بحاجة لمن يضع له لمسة الكمال .. فكانت مفرداتك الجميلة .. التي أكملت النص .. وأضافت له شذى من نوع آخر ..
مرورك من هنا أدخل البهجة إلى وجداني ..
مهنا ..!!