التسجيل قائمة الأعضاء



 
القدس لنا - سننتصر
عدد مرات النقر : 137,842
عدد  مرات الظهور : 162,295,734

اهداءات نور الأدب

العودة   منتديات نور الأدب > مـرافئ الأدب > قال الراوي > الـقصـة القصيرة وق.ق.ج.
إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 30 / 06 / 2009, 57 : 07 PM   رقم المشاركة : [1]
ابراهيم عوض الله الفقيه
كاتب قاص وروائي
 





ابراهيم عوض الله الفقيه has a reputation beyond reputeابراهيم عوض الله الفقيه has a reputation beyond reputeابراهيم عوض الله الفقيه has a reputation beyond reputeابراهيم عوض الله الفقيه has a reputation beyond reputeابراهيم عوض الله الفقيه has a reputation beyond reputeابراهيم عوض الله الفقيه has a reputation beyond reputeابراهيم عوض الله الفقيه has a reputation beyond reputeابراهيم عوض الله الفقيه has a reputation beyond reputeابراهيم عوض الله الفقيه has a reputation beyond reputeابراهيم عوض الله الفقيه has a reputation beyond reputeابراهيم عوض الله الفقيه has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: فلسطين

في مهب الريح

في مهب الريح
بقلم ابراهيم عوض الله الفقيه*

تكوّر في سريره ليلاً، وأخذ يرتجف.. شعر أنه مهجور، دفعه خوفه من المرض لأن يبقى متيقظاً دائماً، بدا خائفاً من النوم ورؤية الكوابيس في الأحلام.. نظر حوله، تراءت له الأشباح من جديد.. فجأة سحب حقنة الكلوكوز من يده وقام ووقف في زاوية الغرفة شبه عار متأهباً للقتال، تجمع الممرضون حوله، هددهم بكسر وتحطيم كل الآلات الموجودة في الغرفة، ورفض أوامرهم، وعندما هرع الطبيب ليحقنه حقنة مهدئة، رفض الانصياع لأوامره أيضاً، ولم يمكّنه من الاقتراب منه، تفادى توسلات زوجته أيضاً، ورفض التسليم للأمر الواقع.. وكان الشيء الغريب في تصرفاته، تلك الأصوات والرؤى التي يقول بوجودها عنده.. أشباح مخيلة غير محسوسة لم يولها الأطباء أية أهمية.. ولم يهدأ إلا عندما زاره أحد أصدقاءه القدامى، استسلم له وراح يبكي على صدره، ورفض أن يتركه يرحل مدعياً أن الأطباء والممرضين تآمروا عليه ويريدون قتله أو تسليمه للعدو الذي يتربص له، وأكد لصديقه أنه سمعهم يتحدثون عن ذلك أثناء تماثله للنوم عند حضورهم لمراقبة حالته الصحية.
جلس بجانبه وأخذ يستعيد ما علق بذاكرته من أحداث.. وسرعان ما راحت أحداث الماضي تتجسّد له لحطة بلحظة..
كان قد مرّ أكثر من ربع قرن قبل أن يتشافى أبو الفدا تماماً من إصابته أثناء وجوده مع المقاتلين في جنوب لبنان، ودفعه راتبه الضئيل الذي يتقاضاه من منظمة التحرير الفلسطينية إلى البحث عن عمل إضافي، بعد أن كثرت طلبات أسرته المكونة من سبعة أشخاص، وازدادت متطلبات تعليم أولاده في السنوات الأخيرة.
كان متوتراً جداً وحزيناً، والأمور تزداد سوءاً، وكان على ارتفاع أكثر من عشرة أمتار عندما انهارت السقالة تحت قدميه، وسقط مرتطماً بالأرض أثناء عمله في البناء.. صعقته الضربة لثوان عدة، لكنه تمكن من الوقوف على قدميه ظاهرياً، ولم يصب إلا ببعض الرضوض الخفيفة.. لكن العمال حملوه إلى المشفى حيث أجرى له الأطباء فحص روتيني.. وفجأة بدا وكأنه لا يذكر شيئاً، ولا يتذكر أين هو، ولا يعرف أحداً من أفراد أسرته أو أقاربه.. اتصل عامل المستشفى بزوجته وأولاده وأخبرهم أن شيئاً غريباً يحدث مع مريضهم، وأنه حاول الهرب من المستشفى.. وعندما وصلوا إليه وجدوه شبه عار في زاوية الغرفة يهذي بعبارات غير مفهومة.. صعقت زوجته لمنظره، وعندما لم يتعرف عليها راحت تصرخ في وجهه "أنا قبلتك فقيراً ومريضاً، بيد مكسورة وعين واحدة.. أما مجنوناً فهذا لا يُحتمل"، وخرجت على غير هدى تبكي مصابها.. وحين عادت إليه ثانية بعد أن هدأت، اكتشفت أن ذاكرته تغطي العشرين سنة الأولى من عمره فقط، ويعتقد أنه عاد إلى سن التاسعة عشر مقاتلاً في جنوب لبنان، وما بعدها هوّة بحر سحيقة.. فحصه الأطباء من الداخل والخارج، ووضعوا له الكهرباء على دماغه، نوموه مغناطيسياً وصوروه، لكنهم لم يكتشفوا سبباً منطقياً لفقدانه الذاكرة، وأكد أحد الأطباء أن تضخم الغدة الدرقية هي السبب المباشر لحجم مأساته، وقرر أن يجري عملية جراحية لاستئصال الجزء المتضخم منها.
عادت ذاكرته إلى الوراء وبدأ يتصرف مثل صبي مناور، يخترع أكاذيب ويجتر قصصاً حدثت له في نفس المستشفى قبل أكثر من ثلاثين عاماً.. خوف، ذعر، شعر أنه يختنق خوفاً، حيوان محاصر في زاوية من إحدى غرف المستشفى، كوابيس تملأ ذاكرته وأشباح تتجسد أمام عينيه، ريشة في مهب الريح، لم يتكلم عن تجربته في جنوب لبنان، كان يعيش التجربة من جديد بكل تفاصيلها، ويحاصره عملاء أباحوا دمه في يوم ما وفي تاريخ سابق في مستشفى لا يذكر مكانه أو زنزانة لا يعرف موقعها على الأرض العربية.. شيء لم يشعر به في السنوات السابقة، بدا جسده مستفزاً دائماً، مشدوداً، مقاتلاً حقيقياً، وما بين لحظة وأخرى يعود مسكيناً مريضاً منكمشاً عاجزاً، كيساً من الخرق البالية.
صور قديمة باهتة الألوان مخرت رأسه، وفجأة انفلشت ذاكرته وراح يتذكر اصدقاءه الذين اختفوا من حياته، واستشهدوا، وبدت أفواج اللاجئين والبيوت التي اشتعلت فيها النيران تتجسد أمام عينيه من جديد.. غيظ من الحرب، من السياسيين ومن خرائطهم وملايينهم وحساباتهم، من قهوتهم الحارة وأخطائهم القاتلة، وعجرفتهم التي لا حدود لها، خوف من لوائح القتلى وصور الشهداء في الصحف وعلى الجدران، والأرقام في أعمدة طويلة، وصفوف الجثث في الأكياس البلاستيكية السوداء.
خوف من الذين يلوحون بالأعلام ويصفقون ولا يعرفون لماذا قتل بعضهم الآخر، خوف من الزغاريد في الجنازات بدل الدموع الحقيقية.. هؤلاء المقاتلون الشرفاء هم لحم المَدافع، وهم المدافعون الأبطال عن الحرية، وما من واحد منهم يتذكر المكان الذي سقط فيه المقاتل، لكن جميع الأحياء يدلون بآرائهم حوله، ولهم أفكارهم بهذا الخصوص.. اللعنة على أفكارهم.
حاصرته عيون العملاء وأرعبته، في نظراتهم جميعاً هوات سوداء سحيقة، يحاصرونه، يعرفون نواياه، يصغون إلى همسه، يشتمّون رائحته، يلحقون به، يطاردونه، يراقبونه، ينتظرون أوبته وأيديهم على الزناد.
عندما ذهب للقتال، كان مستعداً للدفاع عن الوطن حاملاً صور الأبطال في عقله وفي شرايينه.. وحين عاد منتصراً يحمل أوسمة من شظايا القنابل في جمجمته وفي رسغه وفي عينه اليسرى التي استبدلها الأطباء بعين زجاجية فارغة.. أحس أنه محبط، مهزوم من أعماقه لأنه لم يستطع أن يلتحق بمواكب الشهداء، ولم تُعلق صورته على الجدران أسوة برفاقه.. فالكثير ممن تحملوا جهامة القتال تحطموا عندما عادوا، وتأكدوا بأنفسهم أنه لم يكن لهم مكان.. وفكّر لماذا يموت أبناء بلده بالمئات ويُقتلون دون ندم قبل أن تطأ أقدامهم أرض الوطن!. ولماذا يواجه المقاتلون عند عودتهم من أرض المعركة عدوانية أكثر شراسة من عدوانية أعدائهم، ويشار إليهم كقتلة وإرهابيين، ويطلقون عليهم النار أو يلقون بهم في غياهب السجون!.
زفر في نهاية المطاف وقال "لا أحد يفهم كيف يمكن إرسال ركاب إلى الفضاء ولا توجد طريقة لإنهاء هذا الصراع الذي لا نهاية له".. وأضاف بعد لحظة صمت "الحياة مجموعة من المهازل.. يظن المرء نفسه أنه سيعيش إلى الأبد، لكن العمر يصير ملحاً وماء، ولا يعرف كيف ينتهي".
شعر أنه ما زال على قيد الحياة، وأنه استعاد وعيه ونشطت ذاكرته، وراح يتذكر الأحداث لحظة بلحظة إلى أن وصل به المطاف إلى المستشفى.. فسأله صديقه "كيف ترى نفسك هذه الليلة؟".. تنهد وقال "أرى نفسي عجوزاً أكثر من الليلة الفائتة وأقل من الليلة القادمة".
- ومع ذلك يجب أن تعيش حياتك كاملة بآمالها وآلامها.
كان الليل قد انتصف، وعزم أبو الفدا أن يحل قضيته بنفسه، بعد أن فقد ذاكرته لأكثر من خمسة أيام، قضاها خارج الزمان والمكان، قام وفتح صنبور حوض الحمام، خلع ملابسه، ونظر إلى نفسه في المرآة.. الرقبة ثخينة ومخرومة وسط الحنجرة بعد إجراء عملية الغدة الدرقية، المنكبان ضامران.. كان معتاداً على تجاوب جسده معه بحيث لم يكن باستطاعته أن يتخيل أنه مريض.. مرّر يده على شعره، وتبين أنه لم يبيضّ فحسب، بل يتساقط أيضاً.. تذكر أحد زملاء الثورة الذي كان يدهن شعره بدهان الأحذية الأسود ليخفي لونه الأبيض.. استطاع أخيراً أن يتذكر وأن يسمي الألم ويفهمه ويتعامل معه، موقناً أنه سيبقى موجوداً بطريقة أو بأخرى في حياته.. شعر أنه خف من مرضه بطريقة عجيبة، اختفى الرعب القاتل الذي كان يلازمه كل ليلة، واستطاع أن يبقى وحيداً دون أن يرتعد خوفاً، وفي الصباح اكتشف أنه في غاية الشوق لزوجته وأولاده الذين لم يرهم "كما كان يعتقد" منذ أكثر من شهر كامل.
* كاتب / قاص وروائي


نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
ابراهيم عوض الله الفقيه غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 21 / 09 / 2009, 21 : 11 AM   رقم المشاركة : [2]
نصيرة تختوخ
أديبة ومترجمة / مدرسة رياضيات

 الصورة الرمزية نصيرة تختوخ
 





نصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond repute

رد: في مهب الريح

فالكثير ممن تحملوا جهامة القتال تحطموا عندما عادوا..
كم هي قاسية تجربة الحرب و كم هو صعب إخراج شظاياها من النفوس , سردك متناسق مؤثر أخي الكريم يستحق بعد إنهاءه وقفة تأمل في حال هذه الدنيا التي تشتعل فيها كل مرة أكثر من حرب.
تقديري وتحيتي
نصيرة تختوخ غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 21 / 09 / 2009, 10 : 10 PM   رقم المشاركة : [3]
رشيد الميموني
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب


 الصورة الرمزية رشيد الميموني
 





رشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

رد: في مهب الريح

قصة من الروعة بمكان ، بحيث تغري بالكثير من التعليق ، وفيها الكثير مما يمكن اقتباسه ..
لفت انتباهي بعض التعابير التي توحي بالتأمل و التدبر..
الحياة مجموعة من المهازل ..
ومع ذلك يجب أن تعيش حياتك كاملة بآمالها وآلامها..
قد يعاني المحارب من آلام مابعد الحرب ، لكن معاناته هذه تكون أقل وطأ فيما لو كانت وراءها قضية ، رغم الإحباط و التنكر من طرف الآخرين .
كتبت فأبدعت أخي إبراهيم عوض ..
لك مودتي .
رشيد الميموني غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
لا أستجدي الريح مصطفى معروفي شعر التفعيلة 4 19 / 12 / 2021 30 : 06 PM
يا نسيم الريح د. رجاء بنحيدا نورالاستراحة الصوتية والمرئية 4 22 / 11 / 2021 12 : 11 PM
الرحى.. محمد الصالح الجزائري الشعر 18 01 / 12 / 2020 51 : 02 AM
إيقاع الردى ! د. رجاء بنحيدا قصيدة النثر 4 13 / 05 / 2020 36 : 12 AM
وكأن الريح.. نصيرة تختوخ كلـمــــــــات 8 18 / 09 / 2011 11 : 12 PM


الساعة الآن 58 : 08 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية

خدمة Rss ||  خدمة Rss2 || أرشيف المنتدى "خريطة المنتدى" || خريطة المنتدى للمواضيع || أقسام المنتدى

|