أستراليا القارة الآسيوأوربية المتأمركة
سيدني- منير الفيشاوي
ستة أيام قضيتها في ربوع أستراليا، بدءاً من شمالها الشرقي من ولاية كوينزلاند، وصولاً إلى شمالها الغربي حيث ولاية نيو ساوث ويلز، وانتهاءً بولاية فيكتوريا بأقصى جنوب تلك القارة الصغيرة القابعة في الجنوب الشرقي من الكرة الأرضية.
الوصول إلى سيدني
عند الخروج من المطار فجراً، استوقفت سيارة أجرة، وبعد تحميل الأمتعة توجهت إلى الباب الأمامي الأيمن للسيارة كي أجلس بجوار السائق، ولكني فوجئت بأحد السياح الأوربيين يقهقه عالياً ويتبعه تعليق سائق التاكسي مبتسماً ومتسائلاً : " هل تود أن تقود التاكسي بدلاً مني ؟!" وهنا اكتشفت أن عجلة القيادة هنا بأستراليا على الناحية اليمنى، أي حسب النظام الإنجليزي المطبق على كافة دول الكمنولث البريطاني!
وقد طال التأثير البريطاني على أستراليا برودة الطقس برغم أن تلك الزيارة كانت في شهر يونيو، والسبب أن هذه الدولة القارة تقبع في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية حيث يتعاكس الطقس مع مثيله بالنصف الشمالي منها.
تحرك التاكسي متجهاً إلى الفندق، وأثناء الطريق أجريت حواراً مع السائق الذي أستهل حديثه ذاكراًأنه مسلم ومتزوج من نيوزيلندية وأن التاكسي هذا مملوك لشاب مصري الأصل، وأضاف السائق أن الحياة في أستراليا مرضية للمهاجرين والمواطنين بشكل عام، ففي أستراليا يستطيع الجميع مآذارة الشعائر الدينية وفيها تجد الجامع يجاور الكنيسة والمعابد المختلفة، اليهودية والبوذية والجينية والطاوية والهندوسية وغيرها. أما عن مستوى الأسعار في أستراليا بشكل عام فهو يكفل للجميع حياة يسيرة مقارنة بمستويات الدخول.
أستراليا والسياحة
تقع أستراليا في الجزء الجنوبي الشرقي من العالم، ولا يقربها من حيث الموقع النائي من الدول غير الصغيرة سوى نيوزيلندا والتي تقع جنوب شرقي أستراليا علاوة على بعض الجزر الصغيرة أو الدويلات والتي يطلق عليها "دول جنوب المحيط الباسفيكي"وهي متناثرة شرق أستراليا وشمال غرب نيوزيلندا مثل جزر فيجي وفانيواتو ونيوكاليدونيا وتوفالو وساموا وسولومون وغيرها. ويبلغ عدد سكان أستراليا حوالي 20مليون نسمة، يقطن أغلبهم المناطق الجنوبية والشرقية وبعض المناطق الغربية.
وتتكون أستراليا من سبع ولايات رئيسية تتمتع كل منها بحكم ذاتي، ففي الشمال الشرقي تقع ولاية "كوينزلاند" وعاصمتها "بريسبن"، وإلى الجنوب الشرقي تقع ولاية "نيو ساوث ويلز" وأهم مدنها "كانبرا" وهي العاصمة الرسمية الحالية للدولة الأسترالية، أما مدينة "سيدني" فهي عاصمة الولاية نفسها. وإلى الجنوب تقع ولاية فيكتوريا، وأهم مدنها "ملبورن" وهي عاصمة الولاية والتي كانت العاصمة الرسمية لدولة أستراليا قبل انتقالها إلى "كانبرا"، ثم جزيرة " تسمانيا" وهي ولاية قائمة بذاتها في أقصى الجنوب وعاصمتها "هوبارت" وتقع في بحر تسمان، وفي الجنوب الأوسط تقع ولاية "جنوب أستراليا" وعاصمتها "أديلايد"، وإلى الشمال الأوسط ولاية "الإقليم الشمالي" وعاصمتها "داروين"، وإلى الغرب تقع ولاية "أستراليا الغربية" وعاصمتها "بيرث".
الدولة القارة
وأستراليا هي الدولة الوحيدة في العالم التي تحمل صفة "الدولة القارة". والسياحة إليها في تنام مطرد ولا يواجهها سوى صعوبة أساسية تتمثل في بعدها جغرافياً وبمسافات شاسعة عن أهم دول العالم المصدرة للسياح وفي مقدمتها دول أوربا الغربية وأمريكا واليابان ودول الخليج العربي.
أما عن سياحة الاستراليين إلى الدول الأخرى فلا يواجهها نفس العائق، حيث ذكر لي "شاناهان" أحد مسؤولي السياحة في ولاية كوينزلاند قائلاً: "نحن- على عكس ما يعتقد الكثيرون- سعداء بأن بلدنا يحمل صفة (الدولة القارة)، وكذلك بكونها جزيرة تقبع في مكان ناء من العالم، فهذا مبعث أساسي لسعادتنا، ومع تطور أجهزة وأدوات الاتصال فنحن متصلون مع الثقافات المختلفة، وفي نفس الوقت لنا عالمنا الخاص والمتنوع في كافة مناحي الحياة.إننا خليط من 140 جنسية، مما يعطي الشعب الاسترالي تميزاً خاصاً في كل شيء، وعدم اشتراكنا في حدود مع دول أخرى يقينا شرور المشاكل الحدودية المنتشرة في كافة أرجاء المعمورة، مما أعطانا الفرصة للتفرغ لتنمية أستراليا وتقوية أواصر الصداقة مع دول العالم المختلفة".
سيدني أم لندن؟
منذ اللحظة الأولى التي تجولت فيها في مدينة سيدني، شعرت وكأني أتجول في العاصمة البريطانية لندن، فهي في معظمها ذات طابع كلاسيكي أوربي، ويعتمد مواطنوها في السكن على البيوت ذات الطابع الإنجليزي، ومعظم الأسر هناك تسكن تلك البيوت ذات الطابقين أو الثلاثة طوابق، وهي ذات أسقف علوية مائلة (على شكل الرقم ثمانية بالعربية) وحديقة صغيرة وكراج للسيارة، حيث إن صف السيارات في الشوارع بجوار الأرصفة محفوف بالكثير من المحاذير، لكثرة وجود لافتات تحظر إيقاف السيارات في العديد من شوارع سيدني.
ومن اللافت للنظر هناك الأسماء الإنجليزية - أقصد البريطانية- للشوارع مثل شارع "كينغز كروس" وهي بمثابة سوهو أستراليا، وشارع بيت وبه كبرى فنادق أستراليا، وأيضاً اسم الولاية التي تتبعها سيدني وهي "نيو ساوث ويلز" وكذلك ولاية "فيكتوريا" والتي تقع جنوب أستراليا، وهي المسماة على اسم إحدى ملكات بريطانيا العظمى إبان مجدها، علاوة على التعدد الواسع للجنسيات المختلفة في كل أرجاء المدينة بما يضفي جو "الكوزموبوليتان"،والذي يعطي الانطباع بأن هناك فرعاً أو امتداداً لمدينة لندن، يقبع في جنوب العالم، حيث تقع أستراليا، وبالتحديد في مدينة " سيدني".
من ناحية أخرى، فلابد للمدن- مهما تشابهت – أن يكون لها ما يميزها عن غيرها من مدن العالم، ويتجلى هذا في الموقع الفريد والمتميز لدار "أوبرا سيدني" والمقامة في داخل مسار النهر الذي يمر في وسط المدينة، وهناك أيضاً حديقة الحيوان – وهي صغيرة – ويميزها كثرة حيوانات الكانغارو التي تشتهر بها أستراليا، والمستخدمة صورته كرمز لها، وأيضاَ حيوان "الكوالا" وهو من فصيلة الدببة وإن كان ذي حجم صغير ورمادي اللون، ويشتهر بتسلقه الأشجار والاستغراق في سبات عميق على أعلى مرتفعاتها باحتضان أحد جذوعها أو فروعها المتينة والخلود إلى النوم وياله من مشهد جميل. ويمكن الذهاب إلى حديقة الحيوان بوسائل عديدة أقلها إثارة السيارة، وأمتعها بالتليفريك "العربة المعلقة" وأيضاً بالفيري "اللنش" لعبور النهر.
ومما يستحق الزيارة أيضاً في مدينة سيدني الأحياء والأسواق الخاصة بالصينيين، حيث يبيعون منتجاتهم وحيث مطاعم الأكل الصيني بأنواعه المتعددة وأسلوب تناوله وتقديمه، وكل شيء فيه صيني، خصوصاً العاملين فيه، لكن أغلب مرتاديه هم من السياح الأجانب، هذا بالإضافة إلى الصينيين بشكل خاص والمواطنين بشكل عام.
ومن الصروح السياحية في مدينة سيدني أيضاَ "برج سيدني" الشاهق في الارتفاع، حيث شاهدت بإطلالة رائعة منه معالم المدينة المترامية الأطراف، وفي المساء استمتعت من فوقه بمتابعة تلألؤ الأضواء الصفراء والملونة لمدينة سيدني في الليل، والتي حين تراها من داخل المطعم "الدوار" – الذي يدور دورة كاملة حول نفسه – من خلف زجاج نافذته، تخال المشهد وكأنك تنظر إلى فترينة متراص بداخلها أحجاراً كريمة تختلط مع أندر اللآلئ في تنسيق رائع.
وماذا بعد؟
هناك الكثير الذي لم نتطرق إليه بعد، فرحلتنا إلى أستراليا لم تتوقف عند الانتهاء من الكتابة عن النذر اليسير الذي سمحت به فترة الزيارة القصيرة من مشاهدته،ولكن كانت هناك موضوعات"ما بين السطور" تمثلت في لقاءاتنا بالمهاجرين العرب بأهم مناطقهم (لاكيمبا وبنش بول ) وتعايشنا معهم وغصنا في أعماق المشكلات التي تواجههم في المهجر. وتخالطنا مع نماذج متنوعة من الشعب الأسترالي، حتى وصلت إلى أن أطعمونا شرائح اللحم الأسترالي المشوي، وأطعمناهم من صحون الفول والفلافل والحمص.