أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في العراق صراع البقاء بين اللجوء والعودة والهجرة..
[align=justify]
أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في العراق
صراع البقاء بين اللجوء والعودة والهجرة..
ماهر الشاويش - دمشق
لا نبالغ إذا شبهنا ما حصل للاجئين الفلسطينين في العراق بمحاكم التفتيش في إسبانيا، فهل يمكن أن يخطر على بال أحد أن اللاجئين الفلسطيين لا يستطيعون التكلم بلهجتهم؟ وهل يخطر على بال أحد أن يشتري اللاجئون الفلسطينيون جثث شهدائهم المغدورين من مشرحة الطب العدلي ليواروهم في الثرى؟ وهل يُعقل أن يقتل الفلسطيني في المستشفى الذي ذهب ليتعالج فيه؟ هل يعقل أن يتعمد المعلمون والمدرسون ترسيب الطلاب الفلسطينيين؟ هل يخطر على بال أحد ان تطفأ مضخات مياه الصرف الصحي عن منازل الفلسطينيين؟ هل يعقل أن يتعمد عامل الكهرباء قطع التيار الكهربائي عن مجمعات سكن اللاجئين؟ وهل يعقل أن يقصف مجمع البلديات للاجئين الفلسطينيين بقذائف الهاون لقتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، فيما يترك من احتل العراق من دون أن يتعرض له مَن قصَف المجمع السكني؟
كل هذه أحداث يمرّ بها اللاجئون ويعانونها يومياً، ما ترك آثاراً سلبية على المجتمع الفلسطيني بشكل كبير.
ثلاثون ألف لاجئ فلسطيني بدأت مأساتهم بسقوط بغداد، ضاقت بهم الدنيا بما رحبت، ولم يستقبلهم إخوانهم من العرب والمسلمين. فمع غروب شمس التاسع من نيسان لعام 2003 بدأت عصابات الإجرام الطائفية بعملية «تصفية حساب» كما يدّعون انتقاماً من فلسطينيي العراق، بدعوى أنهم كانوا موالين لنظام صدام وأنهم تمتعوا بامتيازاتٍ قد حان وقت تجريدهم منها، فعمدوا إلى إذاقتهم أصناف العذاب والقتل والتشريد لإجبارهم على مغادرة الأراضي العراقية.
من هم اللاجئون الفلسطينيون في العراق؟
وما الذي أوصلهم إلى هذا الحال؟
وما هي الظروف التي يعيشونها الآن؟ وما هو أفق الحل لقضيتهم؟
من أجل الإجابة عن هذه الأسئلة لا بد من الاطلاع على أوضاعهم العامة هناك.
القدوم والاستقرار.
تشير معظم الدراسات عن اللاجئين الفلسطينيين في العراق إلى أنه رحل جراء المجازر الصهيونية نحو (4000-5000) لاجئ فلسطيني معظمهم من قرى قضاء حيفا (جبع – عين غزال – إجزم) إلى جمهورية العراق، وذلك بواسطة شاحنات الجيش العراقي التي انسحبت من الساحل الفلسطيني إلى جنين حيث تجمعت وانتقلت بعد ذلك إلى بغداد في عام 1948، وتبعاً لمعدلات النمو الطبيعي فقد وصل عددهم إلى قرابة 30 ألف لاجئ في عام 2003، وتستأثر العاصمة العراقية بغداد بما نسبته 96.1% منهم.
من الجدير ذكره أن العراق لم يوافق منذ البداية على إشراف وكالة الغوث الدولية لشؤون اللاجئين عليهم، وذلك مقابل إعفاء العراق من التزامات مالية مع الأمم المتحدة، بل تولت هذه المهمة وزارة الدفاع، ومن ثم وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل التي أسست بدورها شعبة خاصة لرعايتهم والإشراف عليهم سُميت «مديرية شؤون اللاجئين الفلسطينيين في العراق».
الوضع القانوني.
لقد حددت «مديرية شؤون اللاجئين الفلسطينيين في العراق» تعريف اللاجئ الفلسطيني إلى العراق بأنه الإنسان الفلسطيني الذي هاجر من بلده المحتل عام 1948 ودخل إلى العراق وأقام فيه قبل تاريخ 25/9/1958، ولاعتبارات إنسانية فقد أجيز للزوجة ضم زوجها الفلسطيني المسجل في المديرية قبل عام 1960 ولا يجوز ضم الزوج للزوجة. كما منحت المديرية صفة اللجوء إلى من لهم أقرباء في العراق من اللاجئين الفلسطينيين ممن دخلوا إلى العراق قبل 1/1/1961، ويمنح اللاجئ الفلسطيني المسجل في العراق بطاقة شخصية بالإضافة إلى وثيقة سفر تمكنه من السفر إلى البلاد العربية والأجنبية. أما اللاجئون الفلسطينيون الآخرون الذين يقيمون في العراق، فإنهم يحملون جوازات سفر عربية غير عراقية أو وثائق سفر فلسطينية كالتي تمنح للفلسطينيين في سوريا ولبنان وغزة، وهم يقيمون في العراق بموجب إقامة سنوية تتجدد حسب الطلب ويتبعون في معاملاتهم إلى مكتب شؤون العرب.
إن أهم ما يشتكي منه الوضع القانوني للاجئ الفلسطيني في العراق هو الاضطراب الحقيقي في التعامل مع الوضع القانوني للفلسطيني، فعملياً هو لا يعرف نفسه أهو لاجئ أم وافد أم مهجر سياسي أم مقيم؟؟ وكل الوقائع تدل على ذلك بوضوح.
الاحتلال يقلب الأوضاع.
قبل الاحتلال، عاش الفلسطينيون مع إخوتهم العراقيين بسلام، وخاصة أن ما يجمعهم أكبر مما يفرقهم، إذ تجمعهم أواصر القربى والدين والمصير المشترك، فكان الفلسطيني في العراق مخلصاً للمكان الذي لجأ إليه منذ ضاعت بلاده فلسطين وأصبحت محتلة. ووجد الفلسطينيون في العراق مأوى آمناً وممراً عربياً للكفاح في سبيل العودة إلى بلدهم المغتصب بعد تحريره من رجس الاحتلال.
غير أن هذا الوضع تغيّر بعد الاحتلال، فواجه الفلسطينيون في العراق حلقات متعددة من التآمر، فلا يكاد يخلو يوم واحد من ابتزاز واعتداء وخروقات لحقوق الإنسان. فبعد الإعدامات العشوائية والفبركات التي تم تلبيسها للفلسطينيين في بغداد، واتهامهم بالوقوف وراء بعض العمليات التفجيرية في بغداد وغيرها، أصبح واضحاً للجميع أن الخطر الحقيقي يحدق باللاجئين الفلسطينيين في العراق، والمأساة الكبيرة أن لا أحد يدافع عن هؤلاء، لا في الشرق ولا في الغرب، وكأنهم بلا سند أو معين، إذ تركوا لعصابات الإجرام ومطايا الاحتلال الأجنبي، وقد عرف العالم كله ورأى كيف تعاملت هذه العصابات مع المدنيين الفلسطينيين في بغداد، وشاهد على القنوات الفضائية المتهمين الفلسطينيين وهم يدلون باعترافات انتزعت منهم تحت التعذيب وبالقوة، وقد بدا عليهم الإرهاق والتعب وآثار التنكيل والكدمات على عين أحدهم، لقد تم تلبيسهم التهمة كي تلبس للفلسطينيين في العراق لتكون بداية أو إشارة لبدء مسلسل العذاب والإرهاب بحقهم.
دور السفارة الفلسطينية.
السفارة الفلسطينية في بغداد تعرضت بعد الاحتلال لأمر غريب جداً، لكن يبدو أن كل من هو فلسطيني مستهدف، إذ دُهِمَت السفارة الفلسطينية من قبل القوات الأمريكية واعتقل السفير مدة عام كامل من دون أن يظهر هذا في الإعلام ومن دون أن يكون له ضجة إعلامية، وحتى الإعلام الفلسطيني لم يتطرق إلى اعتقال السفير الفلسطيني.
السفارة الفلسطينية في العراق يكاد دورها يكون معدوماً تجاه اللاجئين الفلسطينيين في العراق، إذ لا تبدي السفارة الفلسطينية في العراق أي موقف قوي يوازي ما يتعرض له اللاجئون الفلسطينون في العراق من اضطهاد وقتل وعمليات دهم رغم المناشدات الكثيرة التي تقدّم بها اللاجئون للسفارة الفلسطينية لمساندتهم وحصولهم على جوازات سفر السلطة، لكن من دون جدوى، ورغم المناشدات التي تقدم بها اللاجئون لفتح مكتب للسفارة في مجمع البلديات لكن من دون جدوى، لأن موقع السفارة الحالي يبعد عن مجمع البلديات، أكبر التجمعات الفلسطينية، مسافة 30 كلم يمرّ من خلاله على أكثر من 25 حاجزاً لقوات الأمن التي تعتبر الفلسطيني صيداً ثميناً.
كما ناشد الفلسطينيون السفارة الفلسطينية الضغط على منظمة التحرير لاعتبار الشهداء الفلسطينيين في العراق شهداء الثورة، لأنهم قتلوا لفلسطينيتهم، وليس لشيء آخر، ولكن من دون جدوى أو على الأقل من دون نتائج تذكر.
الحكومات العراقية.
تعددت الحكومات العراقية في أثناء وجود الفلسطيني، ابتداءً من زمن الملكية وفيصل الأول والثاني، مروراً بثورة عبد الكريم قاسم، إلى حكومات عبد السلام وعبد الرحمن العارف، إلى مجيء حزب البعث وحكم الرئيس أحمد حسن البكر ومن ثم الرئيس صدام حسين. في هذه الأثناء لم يتعرض اللاجئون رغم معاناتهم الإنسانية طوال هذه العقود لحملة تطهير كما هو حاصل الآن. وقد أسهمت الحكومة العراقية الحالية من خلال وسائل الإعلام في حشد الرأي العام العراقي ضد الفلسطينيين من خلال إلصاق تهم التهجير والتفخيخ ضد اللاجئين الفلسطينيين. ورغم أن البراءة كانت نصيب كل الفلسطينيين الذين اتهموا بهذه التهم، إلا أن الحكومة العراقية لم تورد براءتهم كما أوردت أخبار اعتقالهم، بل أظهرتهم على شاشات التلفاز وهم يعترفون بما لم يرتكبوا من جرم ظلماً وبهتاناً.
ورغم الضغوط التي مورست على الحكومة العراقية، إلا أنها لم تحرك ساكناً تجاه اللاجئين، فبطاقات التعريف لم تصدر لهم منذ الاحتلال ولغاية الآن، والاضطهاد والتعامل السيئ ما زال موجوداً في كل مرافق الحياة، ولم يتوقف حشد الرأي العام ضد اللاجئين، وكل ما فعلته هو زيارة لوكيل وزير الداخلية إلى مخيم الوليد على الحدود السورية العراقية، طلب من اللاجئين العودة إلى بغداد، وكان هذا الكلام مثيراً للسخرية، ليس من قبل اللاجئين فقط، بل حتى من قبل الصحف العراقية التي تناولت الخبر وطالبت الوكيل بأن يقدم الحماية للعراقيين قبل أن يقدمها للفلسطينيين.
حتى ضحايا التفجيرات يستثنى الفلسطيني من التعويضات التي تقدمها الحكومات العراقية للعراقيين. ورغم انها أقرت قراراً يعامل فيه الفلسطيني معاملة العراقي، إلا أنه حبر على ورق فقط، وعلى الأرض عكس هذا تماماً.
[/align]
رد: أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في العراق صراع البقاء بين اللجوء والعودة والهجرة..
[align=justify]
نتابع أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في العراق.
من هم اللاجئون الفلسطينيون في العراق؟ وما الذي أوصلهم إلى هذا الحال؟
وما هي الظروف التي يعيشونها الآن؟
وما هو أفق الحل لقضيتهم؟
من أجل الإجابة عن هذه الأسئلة لا بد من الاطلاع على أوضاعهم العامة هناك.
مجمع البلديات
رغم موقعه الخطر إلا أنه يعتبر الملاذ الآمن الوحيد للاجئين في العراق، دُهِمَ من قبل القوات الأمريكية ومغاوير الداخلية ما يقارب 15 مرة، وقتلت مغاوير الداخلية عدداً غير قليل من اللاجئين الفلسطينيين في المجمع، ما أدى إلى هروبهم، ولكن هذا المجمع تتدفق إليه باستمرار العوائل الهاربة من المناطق الأخرى، فلا نجد فيه تغييراً سكانياً كما يحصل في المناطق الأخرى. كان يسكن فيه قبل الاحتلال ما يقارب 1700 أسرة، أما الآن فيسكن فيه 1200 أسرة موزعة على 768 وحدة سكنية فقط.
مدينة الحرية
تقع غرب العاصمة بغداد، وكان يسكن فيها قبل الاحتلال ما يقارب من 325 أسرة فلسطينية متوزعة على عدة مناطق؛ منها 129 أسرة تسكن في بيوت شعبية قدمت للاجئين في زمن عبد الكريم قاسم ومساحتها 55 متراً مربعاً للوحدة السكنية الواحدة. كما يسكن منهم 29 عائلة في الملجأ الكبير وسط الحرية، وتتوزع بقية العوائل على مناطق صغيرة.
أما الآن فصاروا ستين أسرة فقط، كلهم مسنّون ويتلقون الاتهامات الباطلة وكأنهم لم يسكنوا هذه البيوت منذ ما يقارب 50 عاماً.
بغداد الجديدة
يطلق على مجموع البيوت التي تؤوي اللاجئين الفلسطينيين تهكماً بالقصور الستة، وهي عبارة عن 6 بيوت كبيرة تأوي كل واحد منها ما يقارب 15 أسرة، وهي بيوت قديمة جداً آيلة للسقوط، إضافة إلى أن اللاجئين الفلسطينيين استفادوا من باحات هذه القصور وبنوا فيها منازل من صفيح وخشب.
بلغ عدد الأسر في هذه القصور قبل الاحتلال ما يقارب 95 أسرة. وبعد عدة هجمات على هذه العوائل من المطاردة والقتل، وصل عدد العوائل في هذه المنطقة إلى ما يقارب 35 أسرة فقط.
حي السلام
موقعه مجاور لمدينة الحرية، يسكن فيه حوالي 220 أسرة قبل الاحتلال يتوزعون من بداية الحي على 70 منزلاً مُنحت للاجئين في زمن عبد الكريم قاسم، و20 منزلاً أخرى في آخر الحي منحت في الفترة نفسها، والمنازل الأخرى تتوزع على ملاجئ ومدارس قديمة داخل الحي، بقي من هذه العوائل الآن ما يقارب 130 عائلة فقط، تحسب عليهم أنفاسهم من جراء الجرائم البشعة التي ارتكبت بحقهم، هاجر من هاجر وبقي من لا ملاذ له.
الزعفرانية
وهي أكثر المناطق الفلسطينية سوءاً من ناحية الوضع الإنساني، إذ إن هذا المجمع لا يصلح للسكن بشيء، ومياه الصرف الصحي فيه ظاهرة وتسير من داخل البيوت. ويبلغ عدد العوائل في هذا المجمع قبل الاحتلال إلى 220 عائلة، أما الآن بعد أن سيطرت الميليشيات السوداء على المنطقة الزعفرانية والمجمع الفلسطيني فقد بلغ عدد العوائل فيه إلى 85 عائلة فقط.
الدورة
99 شقة منحت في زمن الرئيس صدام حسين، وتقع في منطقة جنوب العاصمة بغداد في حي الصحة، إضافة إلى بيوت أخرى في المنطقة موزعة داخل مدينة الدورة. وصل عدد العوائل قبل الاحتلال إلى 130 عائلة، أما الآن فقد وصل العدد إلى أقل من 90 عائلة، والسبب يعود إلى مقتل الفلسطيني «أنور البَلَـلُو» الذي تم بصورة بشعة جداً، إذ سكب ماء النار على وجهه بعد ذبحه وضربه في بلطة على صدره.
المناطق المتفرقة
هناك أنواع متعددة من المناطق يتوزع عليها اللاجئون، منهم 400 عائلة تدفع أجور سكنها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، وهؤلاء هاجروا من ديارهم بعد احتلال بغداد مباشرة، وكذلك البيوت المؤجرة من قبل إدارة العمل والشؤون الاجتماعية سابقاً وهي قليلة ومتفرقة جغرافياً، أما باقي العوائل الفلسطينية فتسكن على نفقتها الخاصة.
ومن الواجب ذكر أنه ممنوح للاجئين الفلسطينيين وحدات سكنية من قبل الحكومة العراقية طوال وجود الفلسطينيين في العراق لا يتجاوز 30% فقط من عدد اللاجئين، أما الآخرون فهم مكدسون فوق بعضهم أو مستأجرون على نفقتهم الخاصة.
[/align]
رد: أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في العراق صراع البقاء بين اللجوء والعودة والهجرة..
[align=justify]
تهجير الفلسطينيين في العالم حلقة في المشروع المُعدّ للمنطقة.
طارق حمود - دمشق
قد يكون سؤال «لماذا البرازيل؟» سؤالاً مطروقاً لدى كثير من المتابعين والمهتمين، وهو سؤال لا شك أنه يفرض نفسه أمام مساحات الوطن العربي الشاسعة التي ضاقت عن استيعاب تجمع سكاني صغير للاجئين الفلسطينيين في العراق، وهنا سؤال آخر: هل يمكن أن يكون العرب قد رفضوا استقبال اللاجئين الفلسطينيين القادمين من العراق لأسباب متعلقة بالكثافة السكانية أو الظرف الاقتصادي، أم أن المسألة سياسية؟ وإذا كانت سياسية فما هو وجهها؟
ليست حالة انتقامية
المخطط المدروس والممنهج هو صهيوني أمريكي لا محال، وكانت أدواته للأسف عصابات لبست لباس المَظْلمة التاريخية لتظلم الحاضر والمستقبل.
وبالرجوع قليلاً إلى مساعي الصهيونية لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين نجد تاريخاً حافلاً بالمشاريع والمؤامرات بدأت منذ منتصف القرن الماضي، وفي الوقت ذاته سنجد تاريخاً حافلاً بالفشل الصهيوني إزاء مشروع تصفية قضية اللاجئين وحق العودة. واليوم بعد سقوط بغداد وما آلت إليه أوضاع المنطقة بعد حرب العراق، كان لا بد من استغلال حالة الهزيمة التي تعيشها الأمة لتنفيذ ما فشلوا به سابقاً، ومعروفٌ أن عدونا أبدع في استغلال الظروف المواتية لتحقيق أهدافه على عكسنا تماماً، لذلك كان الفلسطينيون في العراق اللقمة الشهية والسهلة للموساد الصهيوني وأدواته في العراق.
مخطئ من يعتقد أن ما يتعرض له الفلسطينيون في العراق عبارة عن حالة انتقامية، لكونهم متهمين بأنهم حلفاء النظام السابق، لأن حالة الثأر في ساحات الفوضى تكون فردية وغير متتابعة، وما تعرّض له الفلسطينيون في العراق إنما هو حالة من القتل المنهجي من قبل جماعات مدربة ومجهزة ومؤمّنة بغطاء سياسي وطائفي وحكومي أيضاً. ولم يعد خفياً على أحد أين هي مرجعيتهم، وهي ليست حالة استثنائية، بل مشروع مبرمج وممول، فلا نُغرق أنفسنا بأوهام فوضى العراق ومقولات التحالف مع النظام السابق ونؤمّن بدورنا غطاء آخر للقتلة عملاء الموساد، فحلفاء النظام السابق كانوا كل العراقيين ولم يكن ذلك بخاطرهم.
ومع سقوط العاصمة العراقية، تم وضع مجمع البلديات تحت إشارة الـ(×) من قبل المخابرات الأمريكية والصهيونية، والقاعدة الأمريكية التي تحدّ مجمع البلديات من أحد جوانبه الأربعة تشهد على كيفية تأمين الحماية للقتلة القادمين من الجوانب الثلاثة الباقية. ومن دون الخوض في تفاصيل ما تعرض له الفلسطينيون في العراق من عمليات خطف وقتل وتعذيب وتمثيل وانتهاك لأدنى معايير الأخلاق والإنسانية مارستها الميليشيات السوداء العميلة، وصل اللاجئون الفلسطينيون إلى ما وصلوا إليه في جوانب صحاري الحدود العربية ليعيشوا مع العقارب والحشرات التي فضلوها على الحياة مع عقارب البشر في البلديات ومناطق سكن الفلسطينيين في نواحي بغداد.
والحالة لم تنتهِ داخل الدول العربية كما ظنّ كثير من الهاربين من الموت، ولم تنتهِ مأساتهم بعد أسبوع أو أسبوعين على يد المنظمات الدولية الضاغطة التي انتظروها طويلاً، ولكن طال بهم الحال لسنوات في المخيمات الصفراء في أدنى ظروف حياة يعيشها آدمي في القرن الحادي والعشرين، ليصبح الفلسطيني وسط خيارات الموت داخل العراق قتلاً أو الموت على حدوده قهراً، وكان الفلسطيني المهجّر من العراق ضحية واقع عربي مهزوم ومرجعية فلسطينية مفتتة تكاد تطويها المخازي السياسية، وبعد عملية الموت البطيء المبرمج من قبل المنظمات الدولية والأطراف المعنية الأخرى جاء الفرج من البرازيل التي قد تكون من أبعد نقاط الجغرافيا عن فلسطين.
سنوات القهر في الصحراء كانت كفيلة بتفريغ مطالب الفلسطيني في المخيمات الحدودية من جدلية التوطين وحق العودة، حتى أصبح الكلام عن حق العودة في وعي المهجرين من العراق هو ترف فكري وسياسي لا يمكن لبطون خاوية أو قلوب موجوعة ممارسته أو الحديث عنه، وخصوصاً في ظل انشغال قيادات «الممثل الشرعي» عنهم، لذلك كانت البرازيل جنة موعودة نجح عدونا في تزيينها لأهلنا في الرويشد، ونجح أيضاً في ترسيخ حالة الهزيمة في الموقف العربي حيال قضية اللاجئين الفلسطينيين في العراق ليكون الموقف العربي من القضية منسجماً مع حاله المهزوم.
إنها البداية.
البرنامج لم ينتهِ في البرازيل، بل كانت البرازيل في أواخر المعمورة بداية مشروع توطيني يتسلل رويداً فيصبح قناعة في وعينا، وهنا يأتي جواب السؤال الثاني الوارد في مقدمة هذا التحليل حول الموقف العربي، فاستيعاب العرب لآلاف اللاجئين الفلسطينيين المهجرين من العراق في دولهم لو تم بعد موجات التهجير إلى البرازيل وتشيلي لاعتبره الكثيرون إنجازاً قومياً، وهو في الحقيقة لا يمثل إلا توطيناً آخر ينسجم تماماً مع الرؤية الإسرائيلية لحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين المعروفة بوجوب توطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية، وهنا حفرة أخرى نقع فيها عندما نختار أحلى أمَرَّين ويكون متوافقاً مع المشروع الصهيوني.
وضمن هذه الجدلية يبقى الحل متعلقاً بقدراتنا على استيعاب حجم المشروع الصهيوني الذي يُراكم أحداثاً تخرج بنتائج تلقائية منسجمة مع طموحاته، وهو ما يتطلب منا إعلاماً قادراً على أن يُسمع صوته عن هذه المأساة، وأن نحاول تقديم كل أشكال الدعم السياسي والإعلامي والإنساني والتعريفي والتثقيفي للوقوف بوجه مشروع توطيني ضخم كهذا، وكل هذا في النهاية يحتاج إلى موقف فلسطيني موحد في مستواه السياسي والتمثيلي، لأن ضياع قضية اللاجئين الفلسطينيين بنجاح مشروع تهجير وتشتيت ثم توطين لاجئي العراق من الفلسطينيين سيكون بمثابة العقد الذي انفرطت حبة من حباته. ♦
العفو الدولية: فلسطينيو العراق يعذبون
نددت منظمة العفو الدولية بسوء المعاملة التي يتعرض لها بشكل فاضح آلاف اللاجئين الفلسطينيين في العراق، ووجهت نداء في كل الاتجاهات من أجل حمايتهم، مشيرة إلى أن عدداً كبيراً جداً منهم قتلوا منذ تدخل الأمريكيين في العراق.
وأكدت المنظمة أن معظمهم خطفوا من قبل ميليشيات مسلحة و«عثر على جثثهم في المشرحة أو مرمية في الشارع غالباً مع تشوهات أو آثار تعذيب واضحة». وأكدت المنظمة أن الفلسطينيين يقعون أيضاً ضحايا «الاعتقالات التعسفية وعمليات الاحتجاز والتعذيب وأنواع أخرى من سوء المعاملة» من جانب قوات الأمن العراقية والتحالف الدولي.
وذكرت أن المفوضية العليا للاجئين كانت قد قدرت عددهم بـ 34 ألفاً في أيار 2006، إلا أنه لم يعد هناك في العراق سوى 15 ألفاً. فيما يوجد أكثر من 2100 فلسطيني في مخيمات عشوائية قرب الحدود بين سوريا والعراق.
مخيـم الوليـد
يقع في العراق على مسافة 3 كيلومترات فقط من الحدود مع سورية. وقد افتُتح في العام 2006. ويعيش فيه الآن، منذ أغسطس2007، حوالى1550 فلسطينياً. وتدير المخيم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة (في الأردن)، لكنها لا ترسل موظفيها إلا في فترات متباعدة تمتد إلى شهر أحياناً، وذلك لأسباب أمنية.
وبحسب الوكالات التابعة للأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، فإن الأوضاع في هذا المخيم شديدة القسوة، فالمخيم المؤلف من خيم يعاني من الاكتظاظ والعديد من المقيمين فيه يعانون من أمراض مختلفة، من ضمنها مشاكل في التنفس، تحتاج إلى علاج طبي في المستشفى. بيد أن أقرب مستشفى في العراق يقع في القائم على مسافة أربع ساعات بالسيارة، وتمر الطريق عبر مناطق تشنّ فيها الجماعات المسلحة هجمات بصورة منتظمة. ومنذ افتتاح المخيم توفي خمسة أشخاص على الأقل، بينهم طفل رضيع عمره ستة أشهر.
كما أن الأوضاع المعيشية في مخيم الوليد مريعة، حيث لا تتوافر كميات كافية من مياه الشرب والخبز، والطعام الذي يُوزَّع غالباً ما تكون صلاحيته منتهية. وتشهد درجات الحرارة ارتفاعاً هائلاً في الصيف، مع نشوب عواصف رملية شديدة تعمي الأبصار، كما أن المنطقة تعجّ بالأنواع الخطرة من الحيوانات، من ضمنها الأفاعي والعقارب السامة. فضلاً عن أن المخيم يواجه صعوبة في الحصول على الرعاية الصحية.
ورغم بعد المخيم عن المناطق الخطرة إلا أن سكانه يبقون عرضة للمشاكل الأمنية، حيث يأتيهم أشخاص مجهولون في سيارات لا تحمل لوحات، ويتحرشون بسكان المخيم وخاصة الفتيات.
مخيـم التنـف
يقع المخيم في المنطقة العازلة بين الحدود السورية العراقية قرب معبر التنف الحدودي الذي يبعد 276 كم شمال شرق دمشق، ويضم أكثر من 360 لاجئاً فلسطينياً.
يعيش سكان مخيم التنف في الخيام الممزقة، وتحيط بهم المياه التي تعيش فيها الطفيليات الجرثومية، والمرافق غير مكتملة البناء ومعدومة الحياة وغير صحية.
أما بالنسبة لمياه الشرب، فيوجد عدد من خزانات المياه التي يتم ملؤها بالماء يومياً، وتبلغ نسبة المرضى في المخيم (3-5%) بحاجة للأدوية والفحوص الطبية والشعاعية.
كما أن هناك العديد من الأمراض المنتشرة بين الأهالي بسبب الظروف البيئية والاجتماعية المزرية، منها أمراض الكلى والحصوات، وفقدان الذاكرة، والبواسير، وحالات هستيرية، وحالات نفسية، وأمراض فقر الدم، وحالات إجهاض، وأمراض العين.
تصل الحرارة في الصيف خلال النهار إلى 65 درجة مئوية. وتنتشر في المخيم الزواحف كالعقارب والأفاعي، وقد تعرض بعض الأطفال للأذى والإصابة منها.
بلغ عدد الحرائق في المخيم خمسة كان آخرها (5/10/2007)، حيث شب حريق في المخيم أسفر عن إصابة ثلاثة لاجئين فلسطينيين بحروق وأكثر من 13 حالة اختناق. وأتى على 30 خيمة من المخيم البالغ عدد خيامه أكثر من 100 خيمة.
يذكر أن التعليم في المخيم في مدرسة مكونة من خمس خيم أنشأها اللاجئون، ويدرس فيها المنهاج السوري المقرر أحد عشر مدرساً من أبناء المخيم، ويبلغ عدد الطلاب فيها خمسة وثمانين طالباً.
مخيـم الهـول
يبعد المخيم 700كم تقريباً عن شمال شرق العاصمة السورية دمشق ويبلغ عدد قاطنيه 308 لاجئ. بدأت رحلة التهجير المريرة في أول محطةٍ لهم بعد العراق في مخيم طريبيل بين الحدود الأردنية العراقية بعد رفض أي جهةٍ لاستقبالهم إلى حين قرار الحكومة السورية بإدخالهم إلى سوريا، حيث جاء الإعلان عن القرار السوري باستقبالهم بعد محادثات وزير الخارجية الفلسطيني السابق الدكتور الزهار والرئيس السوري بشار الأسد، وبالفعل دخل هؤلاء وبعض القادمين من داخل العراق ليصلوا إلى مخيم (الهول) التابع للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بتاريخ 9/5/2006 وفور وصولهم وزعوا على الخيام، وفيما بعد تم بناء منازل لهم من «البلوك» وأسقف «الزينكو».
أما بالنسبة للتعليم في المخيم، فإن أبناء اللاجئين يتلقون تعليمهم في ثلاث مدارس حكومية سورية في قرية الهول، ولمرحلتي التعليم الابتدائي والإعدادي فقط، أما طلاب المرحلة الثانوية والجامعية فلا مجال لهم لمتابعة تحصيلهم العلمي.
أهم مايعانيه أبناء المخيم: عدم توفر العناية الطبية الملائمة في ظل البيئة الصحراوية الصعبة. وكذلك قلة الدواء في مستوصف المخيم وانتشار الكثير من الأمراض مثل التهاب المجاري البولية بسبب سوء المياه، وكذلك الحالات المرضية التي تنتشر بين الأطفال من جدري الماء والجرب والقمل والفطريات.
يتعرض مخيم الهول إلى سلسلة من الظواهر البيئية الصعبة من عواصف رملية إضافة إلى ما يحمله فصل الصيف من ارتفاع في درجات الحرارة وظهور الحيوانات المؤذية.
[/align]
رد: أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في العراق صراع البقاء بين اللجوء والعودة والهجرة..
[align=justify]
اللاجئون الفلسطينيون في الهند حالتهم مأساوية
ويفضلون العودة إلى المخيمات الحدودية..
محمد المحمدي - بغداد
«أفضل الموت في مخيم الوليد على العودة إلى الهند». بهذه الكلمات استهلت (ع.ح.) كلامها معنا، إثر عودتها الحديثة من الهند، بعدما عاشت نكبتها أخرى هناك.
مجموعة جديدة من المنكوبين الفلسطينيين تشكلت في شوارع دلهي وبومباي في الهند. نحو 500 لاجئ فلسطيني بينهم 20 معوقاً، يعيشون في الهند من يوم لآخر بدون هدف، بأعصاب متوترة، يحلمون باليوم الذي يسمعون فيه من مكتب مفوضية الأمم المتحدة للاجئين هنا بأن الدولة الفلانية قد قبلت استقبالهم فيها كلاجئين.
تقول العائدة (ع.ح.)، وهي زوجة مفقود في مدينة الحرية: «خطف زوجي فسكنت مع عائلة شقيقه، ووصل تهديد جيش المهدي إليهم، فقررنا الهجرة إلى أي مكان، وسمعنا بأن المعيشة في الهند غير مكلفة، وأننا يمكننا الانتظار هناك ريثما تقبل دولة من الدول استقبالنا».
وحين وصلنا إلى هناك، فوجئنا بمستوى الفقر في تلك البلد «دلهي»، وبعد يومين ذهبنا إلى مفوضية اللاجئين في الأمم المتحدة، فإذا بهم يؤجلوننا أربعة أشهر ليحقّ لنا أخذ المساعدات، التي لا تزيد على 50$ للكبير و20$ للصغير، ثم ننتظر سنة كاملة لنأخذ الكارت الأزرق الذي يضعنا على لائحة الانتظار إذا وافقت إحدى الدول على استقبالنا».. كثير من الفلسطينيين موجودون حالياً في عدد من أحياء جنوب «دلهي» الفقيرة، وبعضهم يصل إلى الهند دون أن يستقبله أحد، فلا يعرف كيف يصل إلى من يساعده.
واشتكت (ع.ح.) من جهتين: الأمم المتحدة، الذين شددوا في الأسئلة «لدرجة أنهم سألوني عن عدد الأشخاص الذين حضروا حفل زفافي!!». وحين سألتهم عن سبب تأخر المعونة، ردت علي المسؤولة هناك: «يكفيكم أنكم تعيشون هنا بأمان».
وسألناها لو خيروها العيش هناك أو في مخيم الوليد، فأجابت بدون تردد: «مخيم الوليد، حيث أهلي وشعبي، ولا اختلاف في الثقافات، تخيل أن أهل الحي ثاروا علينا لأن ابني الصغير لمس بقرة هناك.
حتى ابنتي التي اشترت «مصاصة» رمتها مباشرة لأن المصاصة وهي من الحلويات مليئة بالبهارات».
وعندما سألناها لماذا لا يعود الفلسطينيون الموجودون هناك، قالت: «لو كان معهم المال لعادوا، ولكن السبل تقطعت بهم هناك».
في الهند
في جنوب دلهي يسكن أحمد محمود يونس - مواليد 1952 ببغداد – في شقة متواضعة هناك، جاء ابنه علاء مع مهرب كردي عراقي ليرسله إلى نيوزيلندا مقابل 7000 دولار أمريكي. وتولى المهرب تدبير جواز سفر عراقي مزور إلى جانب الأوراق الأخرى وخرج مع علاء وآخرين متجهاً حسب قوله إلى نيوزيلندا، إلا أن المهرب جاء بهم إلى الهند، واختفت آثاره.
في دلهي تقدم علاء إلى مكتب مفوضية الأمم المتحدة للاجئين الذي سجله وآخرين معه كلاجئين وأعطاهم أوراق إثبات بأنهم ممن قبلت بهم الأمم المتحدة كلاجئين، وذلك لكي لا تتعرض لهم السلطات الهندية ولا ينتهي بهم الأمر إلى السجن هنا.
ويقول أحمد محمود يونس إن جزءاً آخر من أسرته محتجز حالياً في مخيم الفلسطينيين الهاربين من العراق، هم موجودون حالياً على الحدود العراقية السورية. وهم يحملون الوثيقة الفلسطينية الصادرة من العراق، إلا أنهم أتوا إلى الهند بجوازات عراقية مزورة بتأشيرات هندية سياحية. وكان مكتب مفوضية الأمم المتحدة للاجئين هنا قد اعترف حتى 31 يوليو الماضي بـ 153 فلسطينياً كلاجئين بصورة رسمية.
السفارة
توجد في الهند «سفارة» فلسطينية وهي - على قول هؤلاء اللاجئين - لا تتصل بهم مطلقاً ولا تساعدهم بل وقد منعهم مسؤولون بالسفارة من الاتصال بها قائلين لهم: «أنتم لستم فلسطينيين». وحسب قول أحدهم: «عندما ندق باب السفارة يخرج لنا موظف فلسطيني أو هندي ويمنعنا من الدخول قائلاً: ليس لكم شيء هنا، اذهبوا إلى مكتب الأمم المتحدة». ♦
رد: أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في العراق صراع البقاء بين اللجوء والعودة والهجرة..
[align=justify]
لاجئو الرويشد إلى البرازيل حلقة جديدة من سلسلة التوطين..
أحمد حسين - دمشق
رحلة عذاب استمرت ما يزيد على أربع سنوات، عاشها اللاجئون الفلسطينيون الفارون من العراق إثر عمليات القتل والخطف والتعذيب التي تمارسها بحقهم جماعات مسلحة، انتهت بهم أخيراً في مخيم الرويشد في الصحراء الأردنية، في خيام لا تقي برد شتائها، ولا تردّ حر صيفها الملتهب، ظلوا على هذه الحالة أكثر من أربع سنوات عانوا خلالها الأمرّين، بدءاً من فراق الأهل الذين تركوهم في بغداد ليواجهوا مصيرهم المجهول، إلى ظروف معيشية غير إنسانية فرضت عليهم التأقلم مع العواصف الرملية وعقارب الصحراء وقلة الموارد، إضافةً إلى الصمت الدولي الذي تجاهل قضيتهم.
توزيع لاجئي الرويشد
مخيم الرويشد الذي يبعد 70 كيلومتراً عن الحدود العراقية أقامته المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة على أراضٍ منحتها لهم الحكومة الأردنية، يقيم فيه ما يقرب من 200 لاجئ، تم ترحيل دفعتين منهم، 54 شخصاً إلى كندا، و22 آخرين إلى نيوزيلندا، ليبقى في المخيم 117 لاجئاً فيهم الأطفال والنساء والعجائز، وافقت حكومة البرازيل على قبولهم في شهر تموز 2007 على ثلاث دفعات، على أن ينتهي توزيع هذه العائلات واستقرارها في كانون الأول (ديسمبر)، حيث سيتم توطينهم في ولايتين على ساحل المحيط الأطلسي، 22عائلة في ساو باولو في الجنوب الشرقي، و 18عائلة في ريو غراند دوسول في أقصى الجنوب، وهنا سؤال، لماذا تشتيت المشتت في الجنوب الشرقي وأقصى الجنوب؟؟
[align=justify]ونتساءل: هل هناك ما يجعلنا نحسن الظن بمشروع تهجير اللاجئين الفلسطينيين إلى البرازيل؟ لقد بدأت معالم المشروع تظهر من خلال الإجراءات التي تمت لنقلهم من المخيم، وبات واضحاً أن المشروع التوطيني الجماعي يتمّ الآن بالمفرّق، في سبيل طمس الهوية واقتلاعها من الجذور. فقد تم ترحيل أول دفعة من اللاجئين مؤلفة من 35 شخصاً بتاريخ 20 أيلول (سبتمبر) 2007، غادروا مطار عمان إلى مطار ساو باولو، المدينة البرازيلية التي تعاني تفاوتاً طبقياً، حيث إن الجزء الأقرب إلى مركز المدينة هو الأكثر نمواً وتطوراً، في حين أن الأجزاء الأبعد عن المركز تعاني نقصاً حاداً في البنى التحتية.[/align]
تطبيع وتوطين
أما المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة التي بذلت مساعي لقبول هؤلاء اللاجئين في عدة دول، فتقول إن جميع اللاجئين الفلسطينيين المسافرين إلى البرازيل سيُمنحون بيوتاً مستأجرة وفرشاً ومساعدات مادية، كما سيتم دراسة وتحليل ملفاتهم الوظيفية لتأمين فرص عمل مناسبة لهم، وسيتم أيضاً إخضاعهم لدورات تعليم اللغة البرتغالية للمساعدة في دمجهم بالمجتمع الجديد بسهولة. وتضيف جينيفر باغونيس، المتحدثة باسم المفوضية إنه «تم تأهيل أشخاص من العرب المقيمين في البرازيل منذ فترة والمتقنين للغتين العربية والبرتغالية، هؤلاء الأشخاص مطلعون على العادات الفلسطينية والثقافة والفولكلور، وسيؤدون مهمة تسهيل اندماج اللاجئين الفلسطينيين في المجتمع الجديد وتقديم الدعم المعنوي لهم».
وقد ذكر لويس باولو باريتو رئيس اللجنة الوطنية للاجئين، أن البرازيل ستعطيهم هويات وسيتمتعون بالحقوق والواجبات نفسها على غرار أي مواطن برازيلي. كما أنهم أبلغوا أن في استطاعتهم ممارسة شعائرهم الدينية من دون مخاوف. ومن أجل تسهيل عملية اندماجهم، سيتلقون دروساً باللغة البرتغالية طوال سنة، وسيحصلون على مساعدة مادية شهرية حتى يصبحوا مستقلين.
الجدير بالذكر أن خطوة البرازيل باتجاه قبول هذا العدد من اللاجئين الفلسطينيين تأتي كتنفيذ عملي لـ «البرنامج التكافلي لإعادة التوطين» Solidarity Resettlement Program الذي وقعت عليه 20 دولة لاتينية عام 2004 في إطار خطة عمل المكسيك، ولعل هذه هي المرة الأولى التي يستفيد من هذا البرنامج لاجئون من خارج القارة اللاتينية، حيث كان جلّ المستفيدين سابقاً من هذا البرنامج هم لاجئين من كولومبيا.
المأساة مستمرة
أما اللاجئون أنفسهم، فهم الضحية الدائمة، عانوا مرارة التهجير والاقتلاع من بلادهم مرة تلو مرة، عاشوا النكبة ذاتها مرات عدة وفي كل مرة يدير العالم بأسره ظهره لهم، وحتى إذا حصلوا على المساعدة، فلا تأتي إلا بعد أن يكون قد مات من مات منهم، وبعد أن تصل بهم الأمور إلى حد لا يطلبون بعده شيئاً إلا الحياة، والحياة فقط (بعد تفريغها من مضامينها الإنسانية).
خالد صبري الذي فرّ من بغداد في (مايو) 2003، بعد أن تلقى تهديدات بالقتل يقول: «لم يبق لي شيء في العراق، لقد أخذوا بيتي، أخذوا كل شيء»، يضيف خالد الذي كان يمتلك متجراً للإلكترونيات في بغداد: «بقينا لمدة عام كامل في العراء قبل أن ننتقل إلى مخيم الرويشد حيث اجتمعت بأخي سمير وعائلته. أما رسل، الطفلة ذات الستة أعوام التي انتقلت إلى البرازيل، فتستذكر الفترة التي عاشت فيها على الحدود في المخيم وتقول: «لقد أصبت بالربو أثناء إقامتنا على الحدود وقبل انتقالنا إلى مخيم الرويشد، وذلك بسبب العواصف الرملية التي كانت تلوّن السماء باللون الأحمر، لقد كنت أختبئ من الرمال داخل الخيمة، وأسعل بشدة». أما إخلاص، زوجة خالد صبري فتقول: «إن من أسوأ اللحظات التي عشناها في الرويشد كانت عندما تم قبول 54 شخصاً من الموجودين في المخيم للهجرة إلى كندا، كان لدينا أمل بأننا سنغادر المخيم يوماً ما، ولكن عندما لم نقبل كلنا، أصبنا بحالة من الاكتئاب والإحباط الشديدين، بدا لنا أننا لن نغادر المخيم مدى الحياة». تضيف إخلاص: «توفي شاب في المخيم إثر نوبة ربو أصيب بها بعد تلقيه نبأ رفض طلبه للهجرة إلى كندا، عائلة هذا الشاب هاجرت إلى البرازيل الآن».
منع التواصل
نحن في «العودة» حاولنا الاتصال بأحد اللاجئين الفلسطينيين في البرازيل عن طريق مكتب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في العاصمة برازيليا، للوقوف على أوضاعهم المعيشية بعد حوال شهر من وصولهم للبرازيل، لكننا لم نحظَ بالمساعدة، بل على العكس، انهالت علينا الأسئلة عمّن نكون وماذا نريد؟! ولم نتلق أي رد حول السماح لنا بالاتصال بهم حتى الآن.
مشروع التوطين الذي بدأ في كندا لن ينتهي في تشيلي، والنجاح الصهيوني الذي تمثل في صناعة حالة إنسانية، ساهم فيها واقع عربي متردٍّ وعاجز، لم يترك مخرجاً إلا إلى أمريكا اللاتينية، سيكتب التاريخ عن نقطة سوداء في تاريخ العرب، عن حالة عجز قذفت بأبناء اللاجئين الفلسطينيين إلى أقاصي القارات ووراء البحار!
عمليات تشتيت اللاجئين الفلسطينيين وتوزيعهم على مختلف جوانب الكرة الأرضية، مرة في كندا، ومرة في البرازيل وتشيلي في أمريكا الجنوبية، وأخرى في نيوزيلندا، قد تكون أكثر من مجرد صدفة، بل هدفاً بحد ذاته، فالشعب الفلسطيني اعتاد العيش في المخيمات التي باتت تشكل هوية بحد ذاتها للاجئ، هوية تذكره دائماً بوطنه الأم، وحقه في العودة إلى أراضيه وممتلكاته التي أخرج منها أول مرة، من هنا قد يشكل التخلص من المخيم ورمزيته أول خطوة في طريق محو الهوية الفلسطينية. ♦
[/align]