القرن الحادي والعشرون..
[align=justify]
إنها الساعة الواحدة بعد منتصف عمر، أو مفترق عمر.. ندقق في التاريخ.. نحدق أكثر في مسافة الوقت الذاهب، والوقت الذي نعيش، والوقت الذي يأتي، أو سيأتي.. ودائما ترتسم في حقول العينين إشارات دهشة وتعجب وترقب.. فالزمن المنفلت من بين الأصابع، كان غريب اللهاث في تسارعه، والزمن الذي ما زالت تقبض أصابع الكف عليه يدور مثل طائر في فضاء رحب، لا تدري إلى أين يصل، ولا تدري إلى أين يتجه.. وكل ما تشعر به أمام دقات الساعة الواحدة بعد مفترق عمر، أنك في القرن الحادي والعشرين، ستدخل مدينة غريبة من وقت وزمن وانفلات عقارب مسكونة بدهشة الماضي، ورهبة القادم، بعد أن صار تسارع الأشياء مفتوحا على سباق لا يحد.. إذ من كان يفكر، أو يستطيع أن يفكر، أن العلم يتطور ساعتين في الساعة.. ولا ألعب بالألفاظ هنا، فالمصطلح علمي محض، لا فضل لي في وضعه، بل أكاد أجهل أكثر أبعاده.. لكنه حقيقة قالها العلماء الذين رأوا أن القرن الحادي والعشرين سيسبق فيه الزمن العلمي مسار الزمن الحقيقي بمراحل، وبمعنى ما، سيكون التطور العلمي متسارعا بشكل لا يكاد يصدق.. وقد شهدت السنوات الأخيرة من القرن العشرين شيئا من هذا التسارع..
وندخل الساعة الواحدة بعد منتصف عمر.. ندخل الساعة الواحدة بعد انقضاء أو غياب قرن، لنعيش دقائق وثواني قرن جديد، دون إغماض العين وتجاهل ما كان في القرن العشرين، لأن حياة الإنسان مفتوحة على كل الزمن المعيش.. ونحن شهداء قرن مضى، وقرن يأتي، ولا يستطيع إنسان أن يشهد قرنين معا أكثر من مرة، مهما امتدت به سنوات العمر.. ولأننا كذلك علينا أن نفتح العين والقلب والروح على ما جرى وما سيجري.. أن ندقق في كل ثواني الوقت المنفلت ذهابا، وفي ثواني كل الوقت الآتي حضورا.. وأن نصر أكثر على ثوابت العمر الطالعة شجرا رائع الاخضرار.. فالجميل الأصيل لا ينكسر.. وعلينا أن نسيجه بكل الإيمان حتى لا ينكسر.. وأن نحميه بكل العروق حتى لا ينحني..
وندخل الساعة الواحدة بعد مفترق عمر.. ندق لحظة الوعد بالوعد.. نفتح العين أكثر على سيرورة الزمن، كي نكون أكثر حضورا في الزمن.. إذ ما عاد هناك مجال لفتح صنبور الغياب أو الانزواء.. فالقرن الذي دخلنا، والقرن الذي وضعنا الخطوات على أولى عتباته.. لن يكون بأي شكل من الأشكال كسابقه بأي مقياس قسناه.. فهو قرن مسكون بكل ما هو مفاجئ، وبكل ما هو متسارع، وبكل ما هو متطور.. ولأن الثوابت الجميلة ميزان أعمارنا، فإن القبض عليها والتمسك بها، سيكون أصعب، وأكثر غليانا وأشد.. وكلما كان إصرارنا أكبر، كانت قدرتنا على حماية ما آمنا به أقوى..
ندخل الساعة الواحدة بعد مفترق عمر.. ندخل القرن الحادي والعشرين وفي العين والحلق والروح أسئلة وحنين وشوق.. ندخل وفي القلب وطن.. في الصدر والشرايين شوق لشارع وبيت.. ندخل وفي السمع صدى أغنية، ووقع لحن.. ندخل رغم كل التسارع واللهاث في دوران الزمن، ونحن نحمل إيماننا الراسخ بكل ذرة من تراب وطننا، ونسجل بدفتر القرن الجديد، أن إيماننا هذا ثابت راسخ متجذر دائم..
[/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|