[فاطمة يوسف عبد الرحيم]

الجرذ والبرنامج

تراكمت الكتب الدراسية أمامي تستجدي عطفي كي أقبل عليها دارسا أو باذلا أي جهد من أجل نيل النجاح وأخذت أخطط لبرنامج دراسي محكم بالساعة والدقيقة. وشحذت الهمة لخوض معركة الدراسة ، المدة الزمنية قاربت على الانتهاء والامتحانات تدق الأبواب بعنف ، بذلت أقصى الجهد ليكون البرنامج دقيقا محكما ، وشعرت بنشوة الانتصار على ذاتي وقدراتي ، فأنا خلال العام الدراسي لم أفتح كتابا ، ولم أعط الأستاذ أي انتباه أثناء الشرح ،أحيانا نتغامز وأصدقائي في كيفية تدبير مقلب للأستاذ أو لأحد الطلاب الذين يدّعون الاجتهاد والفهم ، و أبتعد بخيالي خارج أسوار المدرسة لأمني النفس بلقاء إحدى صويحباتي ، اللواتي يتدللن على باب مدرستهن ،وحتى أسكت لسان أمي التي كلما التقت عيني بعينها تقول لي أدرس حتى تقولها بعينيها قبل لسانها ، وأخيرا انتهى البرنامج الذي سيحقق لي المعادلة الصعبة ألا هي النجاح ، وبعد هذا الجهد العظيم غفوت تحت شجرة التوت ، لا أعرف كم مرّ من الزمن علي نومي لكني صحوت على صوت خربشة بين أوراق التوت الجافة ، فزعت من رؤيته أنه جرذ كبير ، يحاول الاقتراب من كتبي المكدسة ,أخذت أحاوره : ماذا تريد من كتبي ، هل تريد أن تحصل أنت على الثانوية العامة أيضا، أم إن الجوع قد قرصك فتريد قرضها ، وإن أنت أكلتها ، كيف أنال الشهادة، حدقت به بنظرة غاضبة ، علة يفرّ خائفا مني ، لكن المفاجأة أنه تسمّر في مكانه وأخذ يبادلني النظرات المرعبة ، يا لوقاحته ماذا يريد مني ، هل أنت مسكون بجني كما تقول حكايات أمي ، للحظة فكّرت أن أطلق ساقي للريح ، لا لن أجبن ، تذكرت النصلة الحادة التي أحتفظ بها لعراكي مع أترابي عندما يكون الصراع من أجل فتاة ما،أو من أجل مساندة أحد أصدقائي إذا تهجم ّ عليه أحد الأعداء من الحارة الثانية ،سحبتها بدقة متناهية من جيبي وصوبتها نحوه، شعر بالخطر ففرّ هاربا لكنها أصابته بالرأس،واختفى عن الأنظار تيقنت أنه أصيب وهو يموت الآن ببطء بعيدا عني،ولن يعود ، وأقنعت نفسي أن الجهد الذي بذلته من أجل تحضير البرنامج لا بد أنه سيحقق الهدف المنشود، طلت أمي من النافذة مبتسمة:- الله يرضى عليك ويوفقك :أرجوك إبذل أقصى جهد لتحقق النجاح ولك مني هدية مجزية إذا تحقتت معجزة النجاح ، رفعت إبهامي عاليا لقد أنجزت أعظم مهمة:خطة البرنامج الدراسي، سأخرج قليلا لأرفه عن نفسي ، في اليوم الثاني تناولت كتاب اللغة العربية وأخذت أقرأ قصيدة أبي فراس الحمداني "أراك عصيّ الدمع"، تنفست الصعداء متأففا :يا أبا فراس بأي لغة كتبت قصيدتك و كأنها كتبت باللغة السنسكريتية ،ومعانيها عصيّة على مداركي، حدقت في أغصان شجرة التوت وثمارها الشهية , فقلت في نفسي قليل من ثمار التوت قد تفتح شهيتي على الدراسة , وبدأت أ أتقافز من غصن إلى آخر حتى ملأت معدتي ونزلت ثم غفوت تداعب جفوني نسائم الربيع الناعمة ،وأماني النجاح والمستقبل الجامعي المشرق،تدغدغ أحلامي, صوت صوصوة أيقظني فتنبهت ، أنه على مقربة مني ، يحدق بي بعين واحدة ، ضحكت حتى انقلبت على ظهري ،" هو أنت ، وأصابتي نالت من عينك اليسرى،ونلت شرف اللقب الرفيع "الجرذ الأعور" ، هذه العاهة ستعينني على قتلتك" ماذا تريد ؟ هل تحفظ معي قصيدة أبي فراس ،أم تحلّ مستعصيات الرياضيات، ويدأت أطارده من زاوية إلى أخرى ةاختفى عن عيني ، تمنيت لو فقأت عينه الثانية ، تعبت كثيرا من ملاحقته إلى أن اختفى ثانية:- أمي سأخرج قليلا مع أصحابي لأرفه عن نفسي عناء المطاردة ، أقصد الدراسة ، تنهدت:- الله لا يضيعلك تعب يا ابني ، وطالت الاستراحة إلى منتصف الليل مع أصدقائي كل يحدث عن إنجازه العظيم في تخطيط برنامجه الدراسي ، وانتهت المدة المقررة لمادة اللغة العربية وأنا مصمم على حقظ أبيات أبي فراس ،لكن المشكلة أن البيت الأول لم يستطع اختراق حافظتي لو ثبت لانسلت أبيات القصيدة بتلقائية إلى تلافيف ذاكرتي ، والجرذ اللعين يناورني بعينه اللئيمة ، وهجمت على مادة الفيزياء هجوم الصناديد أحدق بالنظريات والمسائل ، أهي أحجية ، ثم استسلمت بألم شهقت أمي :ما بك ؟ :-الفيزياء با أمي صعبة جدا لا أفهم منها شيئا ،:- :-والحل؟ ،:- مدرس خصوصي ،:- لكن أجرته غالية ومن أين ،:- يا أمي يا غاليتي ، بدل أن يزين هذا السوار الجميل معصمك لم لا تزين شهادة الثانوية العامة جدار غرفة الاستقبال ،:- أمرك يا بني لكن؟:- أعرف سأدرس بكل قوتي ، لكني اكتشفت أن جدار ذاكرتي صلب لم تخترقه أي مسألة أو نظرية ، وتوالت الأيام والجرذ يزورني كل يوم يناورني ، وفي يوم سبقني اللعين إلي كتبي المنتشرة بدلال تحت شجرة التوت وأخذ يقرض كتاب الثقافة العامة فالتهم نصفه ، ثارت حميتي ، كيف تأكل يا لعين تاريخ البشرية ، المشكلة أنك كيف استطعت هضمه ، يالله أرحتني منه فأنا لاأفهم منه شيئا ، وفي يوم وقعت الطامة الكبرى و اقترف هذا المجرم جريمة كبرى بحقي لقد خطف برنامج خطة الامتحان الدراسية وقرضه ،وشتت كل جهودي ولم يعد أمامي هدف إلا استرجاع البرنامج و الانتقام لجهدي العظيم في إعداده ، وأخذت أعد الأفخاخ والحيل للإيقاع به ، وكلما أطلت أمي:- ماذا تفعل ، أرد بحماس:- أبحث عن البرنامج لكي أدرس علي خطته المحكمة،ومرت الأيام والحرب المستعرة بيني وبينه لا ينطفىء إوارها ، أنا أعد الأنصال أطلقها عليه وهويراوغني و يفر هاربا ، وأخيرا نفذ النصل في رأسه وأطلقت صوتي :-انتصرت عليه، لقد قتلته ،وتكوّم أمامي بشكل مقزز ، وانتهت الامتحانات بموت الجرذ وأخذت أسرد على أصدقائي قصة صراعي مع الجرذ الأعور فيضحكون أحيانا وأحايين يتغامزون ساخرين مني, وظهرت النتيجة ورسبت رسوبا مشرفا وعندما هجم أبي عليّ ليضربني قلت:- لست أنا المسؤول عن الرسوب، أنه الجرذ اللعين لقد سرق البرنامج :-.وهل نجح الجرذ في امتحان الثانوية ؟.

[محمد الصالح الجزائري]

الأخت الأديبة (فاطمة)..هذه القصة نُشرت في النور حتى قبل التحاقي بالمنتدى..سأقرأ أولا ولي عودة إن شاء الله..